|
|
سوريا ليست تونس: نقد القياس السياسي وبيان شروط سقوط الأنظمة.
عزالدين بوغانمي
(Boughanmi Ezdine)
الحوار المتمدن-العدد: 8536 - 2025 / 11 / 24 - 23:09
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
هنالك حديث هذه الأيام عن "اقتراب سقوط نظام قيس سعيّد" والبعض تحمّس إلى هذه الفكرة منذ سقط نظام بشار الأسد. والحقيقة أن المقارنة خاطئة ولا تجوز لعدة اعتبارات. سأحاول الإضاءة عليها ريثما أُساهم في الكشف عن ضعف المقارنة والقياس على غير أساس.
أولا: ما هي العوامل التي يجب أن يتوفر أحدها أو بعضها أو أن تجتمع حتى يسقط أي نظام سياسي ؟
أن يكون هنالك خطر حقيقي على الدولة كانهيار البنوك مثلا والعجز عن التوريد، بحيث تُضرب الأعصاب الاقتصادية للنظام.
أن يكون هناك شبه إجماع شعبي على مطلب تغيير النظام
أن يتورط النظام في ارتكاب جرائم ضد الإنسانية ضد جزء من السكان. بحيث تصبح تلك الجرائم قضية إنسانية تُوجِبُ التدخّل لِوقفها تحت الباب السابع.
أن تتمتع المعارضة بشعبية قادرة على عزل النظام أمام العالم، وغلق الشارع أو شل دواليب الإدارة عبر الإضراب الوطني العام، أو العصيان المدني.
أن تتمكن المعارضة من نزع شرعية النظام بتعبئة الشارع، وتكريس النظرة إليه على أنه نظام غير قابل للإصلاح، وبأن بقاءه يشكل خطرا على البلد أو على الإقليم.
ان تنجح المعارضة في انتزاع الاعتراف الدولي بها لتمثيل الشعب في المنابر الدولية بناء على شعبيتها وقدرتها على التحكم في حركة الاحتجاج.
أن يحدث انشقاق داخل النخبة الحاكمة بحيث ينأى جزء منها بنفسه، او يلتحق بالمعارضة. وخاصة في صفوف القوات المسلحة والأجهزة الأمنية، بحيث يصبح الوضع على باب حرب أهلية. أو يحدث شرخ عميق داخل الدولة يعكس اهتزاز ثقة النظام في قدرته على الاستمرار.
أن يلتزم الجيش الحياد ويرفع يده على السلطة السياسية.
أن يكون النظام مُستهدفًا من قوى خارجية راغبة في التخلص منه لتحقيق أهداف استراتيجية ومنافع تفوق بكثير تكاليف التدخل العسكري المباشر أو من خلال دعم ميليشيات محلية مسلحة. أو بالعقوبات الاقتصادية والحصار. أو بجميع هذه الإجراءات.
أن يشكل النظام خطرا على الأمن والسلم العالميين، ما يخلق توافق بين إرادة دولية وقرار داخلي في تغييره.
أن يسقط النظام كعرض جانبي لصراع إقليمي أو دولي (مثلما حدث لنظام الأسد). وهنالك أمثلة عديدة سقطت فيها أنظمة كنتيجة غير مباشرة لصراع أوسع وأكبر من البلد. مثلا نتيجة لنهاية الحرب الباردة وسقوط الاتحاد السوفياتي، سقطت أنظمة أروبا الشرقية، وسقط النظام في أثيوبيا، وفي الصومال، وفي منغوليا.. أما الرّفاق في اليمن الجنوبي فقد ذهبوا إلى الوحدة مع اليمن الشمالي لأن الحليف الدولي اختفى. وهو حال جميع الأنظمة التي كانت مسنودة من الاتحاد السوفياتي.
عندما نتأمل في هذه العوامل، لا يبدو أن النظام التونسي اليوم في أيّ من هذه الحالات لا من قريب ولا من بعيد. أما بخصوص القياس على نظام بشار الأسد، فالفارق شاسع ونوعي. ولن أتحدث عن الجذور البعيدة لأزمة النظام، بل سأكتفي بالإشارة إلى أهمّ محطات السياق العام بشكل سريع ومختصر، حتى أصل إلى التذكير بِعوامل سقوطه المباشرة، لنرى ما إذا كانت المقارنة بينه وبين النظام التونسي ممكنة أم لا.
السياق التاريخي للصراع على سوريا
خلال الثلاثين سنة الأولى بعد الاستقلال عن الانتداب الفرنسي، ظلت سوريا دولة ضعيفة هشة ممزقة بالصراعات المحلية ومحاطة بفاعلين إقليميين ودوليين أقوياء.. فمع تبلور النظام الإقليمي العربي بعد الحرب العالمية الثانية، انتهت سوريا التاريخية التي آنتُزِع منها لبنان وفلسطين والأردن بموجب اتفاقية سايكس بيكو. ثم آنتُزِعت منها السّناجق السورية الشمالية (قيليقية والجزيرة الفراتية العليا) وضمّها إلى تركيا بموجب اتّفاقية أنقرة. ووُلدت الدولة السورية بجغرافيتها الحالية، وبتعددها الطائفي والأقوامي قَلِقَة بسبب شعورها بنقصان كيانها الطبيعي. وعاجزة عن تعريفها لهويتها ضمن الجغرافيا المبتورة. وكما في كل المجتمعات حين يغيب الإجماع على هوية البلد تطفو الهويات التّحتية وتتعاظم مخاوف الاقليات. وبفعل التمزيق الذي تعرّضت له سوريا، ونظرا لأهمية موقعها الجيوسياسي، وتنوّع مكوّناتها، تحولت سوريا بعد الاستقلال مباشرة إلى ساحة صراع بين القوى الإقليمية المجاورة والطامحة للزّعامة .
بدأ التنافس على سوريا بين مصر والعراق والسعودية وتركيا والكيان الصهيوني. فوجدت سوريا نفسها مسرحا لصراعات الطّاقة التي نشبت بين الولايات المتحدة وحلفائها الإقليميين (آل سعود) من جهة، وبريطانيا وحلفائها الإقليميين حكّام العراق (الهاشميين) من جهة ثانية. وكان أبرز مظهر على هذا الصراع الخارجي انقلاب حسني الزعيم الذي دعمته المخابرات الأميركية ليقُرّ اتّفاقية الهدنة مع إسرائيل، كشرط لإنشاء "خط التابلاين" الذي ينقل النفط السعودي إلى الساحل اللبناني، مرورا بالأردن وجنوب سوريا. لكن انقلابا آخر بدعم بريطاني - عراقي سرعان ما أطاح بحسني الزعيم ، وجاء بسامي الحِنّاوي إلى الحكم بغرض تمرير خط أنبوب نفط كركوك - بانياس. وفي نفس العام سرعان ما أطاح أديب الشّيشكلي بسامي الحنّاوي بدعم سعودي.
هذه الانقلابات المبكرة (ثلاثة سنوات فقط بعد الاستقلال)، تظهر أن النّخبة السّورية التي تولّت تسيير الدولة منذ استقلالها كانت عاجزة عن التفاهم فيما بينها لتوحيد شعبها، ما مهّد الطريق للتدخلات الأجنبية تحت ذريعة "حماية الأقليات"
لاحقا، مع احتدام الحرب الباردة، وخروج المنطقة من دائرة التّنافس البريطاني - الأميركي، وتحوّلها إلى ساحة مواجهة إيديولوجية وجيوسياسية كبرى بين الغرب الرأسمالي والمعسكر الاشتراكي، استعر التنافس على سوريا، وتجسد إقليميا في الصراع العراقي - المصري حول حلف بغداد.
دون الدّخول في التّفاصيل التّاريخية، ربحت مصر عبد الناصر المعركة ضدّ حلف بغداد الذي انهار عمليّا بعد سقوط النظام الملكي في العراق في جويلية 1958، أي أشهر قليلة بعد قيام دولة الوحدة المصرية السورية تحت إسم "الجمهورية العربية المتحدة".
نشطت السّعودية وعراق عبد الكريم قاسم، كلّ من جهته، ولدوافعه، للإطاحة بتجربة الوحدة، فموّلوا ناظم القُدسِي ورفاقه من الضباط السّوريين الذين نفذوا انقلاب الانفصال في دمشق سنة 1961. والحقيقة أن قرار السوريين حلّ أحزابهم والارتماء في حضن عبد الناصر طلبا للوحدة، كان انعكاسًا لأزمة نظام داخلية وأزمة في بنية الدّولة، أكثر منه ميل قومي عروبي جارف، والدّليل على ذلك هو فشل تجربة الوحدة ونهايتها بعد قيامها بثلاثة أعوام فقط.
لاحقِا سيتراجع دور مصر الإقليمي بعد حرب 1967، وينهار بالكامل بعد وفاة عبد الناصر. . . ولكن ما بين 1975 و1980 جرت سلسلة من الأحداث الفارقة ، أدّت إلى إضعاف شديد للحالة العربية، ما غيّر في التوازن الإقليمي في المشرق تغييرا جذريا. وفاة الملك فيصل وانتهاء فكرة استخدام النفط كسلاح سياسي، اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية، تدخل سوريا في لبنان تحت غطاء قوات الرّدع العربية، اتفاقية كامب ديفيد وخروج مصر من الجامعة العربية، الثورة الإيرانية، غزو لبنان، اندلاع الحرب العراقية الإيرانية، تراجع خطاب الوحدة وصعود الدولة الأمنية.
كل هذه التحولات، وغيرها من الأحداث التي تلتها طيلة عقدي الثمانينات والتسعينات، وصولا إلى حصار العراق وتدميره، وانطلاق مسلسل أوسلو الكارثي، ثم انكفاء المملكة العربية السعودية بعد أحداث 11 سبتمبر 2001. وقد تزامن ذلك مع تناقص الاهتمام الأميركي بالنّفط العربي بتحوّل الولايات المتّحدة إلى أكبر منتج للطاقة في العالم...
كان انعكاس انهيار الوضع العربي على سوريا بالغًا لأنها مرآةُ المصالح المتنافسة على المستوى الإقليمي والدوليّ؛ وكأن سوريا بلا حدود. شؤونها الداخليّة مرتبطة بسياق أوسع، يمسّ جيرانها من العرب والأتراك والإيرانيين والأفارقة، ثم بقية العالم. فالشأن السياسي السوري هو شأن جيوسياسي، والشأن الإقليمي والدولي هو شأن سوري داخلي.
لذلك عندما اندلعت الثورة في سوريا عام 2011، وجدت الدول المحيطة بها مورّطة بالضرورة. وسرعان ما تحوّل التنافس الإقليمي الإيراني- التركي إلى صراع دموي بالوكالة داخلها، إما من منطلق دفاعي؛ خشية انتقال الاضطرابات إلى هذه البلدان المجاورة. أو خشية تفتت الدولة السورية وانعكاس ذلك على تماسك الحدود والمجتمعات المجاورة لها. أو موجات المهاجرين من سوريا. أو من منطلق هجومي، بحثا عن النفوذ الإقليمي وترجمة للرغبة في تحقيق مطماع أو قطعًا للطريق أمام مشاريع معادية.
نشير هنا إلى أنه بعد احتلال العراق، انتقل التّنافس على سوريا إلى القوى الإقليميّة غير العربية، التي تصاعد نفوذها نتيجة الضُّعف العربي: إيران التي استفادت من سقوط العراق. وتركيا التي بدأت تتّجه بأنظارها نحو المنطقة العربية، بعد فشل محاولات التحاقها بالاتّحاد الأوروبي. وإسرائيل التي تعتقد أن تقسيم سوريا هذف استراتيجي. اما في مستوى دولي يمكن توصيفه على أنه تنافس أطلسيّ/ روسيّ. مع أدوار أقلّ أهميّة لدول الخليج. لكن التّنافس سينفجر بشدّة بعد اندلاع الثورات العربية، ليتحول إلى صراع مسلّح شاركت فيه ما لا يقل عن ثمانين جنسية، بين دول ومليشيات ومرتزقة. ودخلت البلاد في محنة حرب أهلية عكست الصّراع بين معسكرين. معسكر تدخّل لإسقاط النّظام والآخر تدخّل لتثبيته. وما من بلد يتعرّض لتدخّل قوى متناقضة المصالح والأهداف إلا وشهد حربًا أهلية يصعب التحكّم في مآلاتها من الداخل.
في أواخر عام 2018 بدا وكأن الروس والإيرانيين ربحوا الحرب في سوريا، من خلال تثبيت نظام بشّار الأسد، وبدأ العرب والأتراك يقبلون هذه النتيجة بالانفتاح على الأسد وإعادة تأهيل نظامه تدريجيا، وأصبح الانتصار حقيقة دولية ابتداء من 2023. حين رأينا الأسد يُستقبل في بعض العواصم بالترحاب والتبجيل وصولا إلى حضوره القمة. ورأينا كيف كان أردوغان يستجدي لقاءه، وهو يتمنّع ويرفض حتى سقط.
كثيرة هي الأسئلة والسرديات التي فسّرت سقوط النظام: لماذا انسحبت قوات النظام، بما في ذلك من جبهة الجولان؟ ما حقيقة مجريات اجتماعات الدوحة ليلة سقوط النظام؟ وكيف يمكن تفسير انسحاب روسيا وإيران؟ وما هي أسرار ترتيبات الساعات الأخيرة لهروب الأسد؟
أعتقد أن الانهيار السريع لنظام الأسد كان مفاجأً للجميع، بمن فيهم هيئة تحرير الشام وتركيا والعرب وإسرائيل وإيران وروسيا، وحتى الولايات المتحدة. ورغم أنّ الجميع كان يدرك ضعف نظام الأسد، وأن دوائر استخباراتية عديدة كانت على صلة بهيئة تحرير الشام. إلا أنّ أحدًا لم يتوقّع ذلك القدر من الهشاشة التي بات عليها النظام في السنوات الأخيرة،
فما بين 2020 و2024 توالت على النظام خمسة أزمات متلاحقة في الزمن ومترابطة في نتائجها ضربت أعصاب النظام الاقتصادية، وفتّتت ركائزه من الداخل، وأفقدته أدوات السيطرة تدريجيًا، حتى غدا كيانًا فارغًا من القوة والقدرة على المواجهة.
سأحاول العودة على هذه الأزمات تباعًا لنرى إلى أيّ حدّ انعكست على بنيان النظام. وإلى أيّ حدّ يمكن سحب هذه العوامل على النظام التونسي اليوم كما يرى البعض .
العوامل الداخلية لسقوط نظام الأسد
الأزمة الأولى: أزمة البنوك اللبنانية (2019) التي جفّفت أهم شريان تمويلي للنظام بالعملة الصعبة، إذ كان الاقتصاد السّوري، في ظل الحصار والعقوبات، يعتمد حصرًا على النظام المصرفي في بيروت لتأمين الدولار وتمرير الحوالات والتعاملات التجارية. ومع انهيار هذا الشريان، دخلت الدولة في مرحلة من شحّ العملة الأجنبية أدت إلى عجز غير مسبوق على توفير الحد الادنى من احتياجات الناس.
الأزمة الثانية: جائحة كورونا (2020) أضافت ثقلًا جديدًا على الخزينة المتهالكة، بعدما ارتفعت أسعار الدواء والغذاء والشحن عالميًا، في وقت كانت فيه الدولة السورية عاجزة تماما على إصلاح المنظومة الصحية ومواجهة الوباء.
الأزمة الثالثة: "قانون قيصر" الأميركي الذي دخل حيّز التنفيذ في جوان 2020، والذي ضيّق الخناق على ما تبقّى من منافذ للنظام نحو الخارج، فانهارت الليرة السورية إلى مستويات غير مسبوقة، حتى أن بعض التقارير تحدثت في حينه عن بلوغ التضخم أكثر من 500% خلال أشهر قليلة، وهو رقم كافٍ لنسف القدرة الشرائية لمعظم السوريين.
هذا الانهيار الاقتصادي كان له أثر مباشر على البنية الاجتماعية حتى في حواضن النظام. ففي الساحل السوري، معقل الطائفة العلوية، اندلعت احتجاجات شعبية في 2021 بسبب ندرة الخبز والمحروقات وغلاء المعيشة، وهو ما كشف تآكل قاعدة الولاء الاجتماعية التي طالما اعتبرها الأسد ضمانة بقاءه. ومع العجز المتفاقم، اضطرت الدولة إلى تسريح جزء من قوات الاحتياط لعجزها عن دفع الرواتب، فيما دفع الفقر والفساد كثيرًا من الجنود إلى بيع أسلحتهم في السوق السوداء، وهو ما أسهم في اتساع موجات التهريب والخطف وطلب الفدية. وقدّرت التقارير أن نحو ثلث الجيش السوري انشقّ أو تفكك عمليًا خلال هذه الفترة، ما حوّل المؤسسة العسكرية إلى جهاز مترهّل فاقد للانضباط والولاء بسبب أن الجوع وصل إلى القادة وأُسرهم، فما بالك بالضباط الصغار وضباط الصف والجنود.
من جهة أخرى يجب التذكير بأنّ النظام، منذ سنوات، كان فقد السيطرة على شرق الفرات، المنطقة الأغنى بالنفط والقطن، والتي تُعرف اصطلاحًا بسوريا المفيدة. وهذا ما جعله معتمدًا بالكامل على الدعم الخارجي، وعلى التهريب لتغطية حاجياته من الطاقة.
الأزمة الرابعة: اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية:
في ذروة التدخل الروسي 2015 - 2016 كانت قاعدة حميميم تأوي عشرات الطائرات المقاتلة، وهي التي هزمت داعش وقلبت موازين القوى، فاستعاد النظام سيطرته على مجمل التراب السوري باستثناء مناطق "خفض التصعيد" الأربعة. وحتى تلك المناطق ستسقط لاحقًا وسيستعيدها النظام تِباعًا باستثناء إدلب، التي بقيت بموجب تفاهم روسي تركي. في الأثناء اندلعت الحرب الروسية - الأوكرانية، فاضطر بوتين إلى سحب جزء كبير من قواته من سوريا للزجّ بها في معركة أوكرانيا، ما انعكس على الوجود العسكري الروسي سوريا، فلم يبق في قاعدة حميميم سسوى ستة طائرات فقط. كما غادرت قوات فاغنر، على إثر تمرّد قائدها (بريغوجين)، الذي استدرجته المخابرات الروسية وحيّدته (في حادث طائرة كما هو معروف). بعد ذلك أعادت المؤسسة العسكرية الروسية هيكلة تلك القوات عام 2023، وأرسلتها إلى أفريقيا تحت مسمّى "فيلق أفريقيا".
مجمل القول بات بوتين في حاجة إلى السلاح وإلى المساعدة، حتى أن النظام جند له أعدادً هائلة من المتطوعين للقتال إلى جانب القوات الروسية في أوكرانيا.
أما الأزمة الخامسة والأخطر: فهي نتائج طوفان الأقصى: تعرّضت القوات الإيرانية في سوريا إلى ضربات متكررة منذ بدأ الرد على طوفان الأقصى إلى أن قُصِقفت السفارة الإيرانية في دمشق. ولن أدخل في تفاصيل معروفة. ولكن بالمجمل كان واضحا ابتداء من جوان 2024 أن الصهاينة وضعوا معظم ثقلهم العسكري على الجبهة اللبنانية، وقد اتخذوا قرار القضاء على الوجود الإيراني في سوريا. بحيث بدأ الهجوم على لبنان، وقد تزامن اغتيال فؤاد شكر مع توجية ضربات غير متوقعة لقوات الحرس الثوري في سوريا. ثم تصاعد الهجوم حتى تمّ اغتيال حسن نصر الله، ما دفع بإيران الحليف الأهم للنظام السوري إلى سحب قواتها الرئيسية وإعادة النظر في مبرر وجودها في الساحة السورية المخترقة بالكامل، الأمر الذي جعل قوات الحرس الثوري عرضة لضربات مؤلمة جدّا وشديدة الدقة. ولعله من المهم التأكيد على أن لحظة اغتيال نصر الله هي لحظة سقوط بشار الأسد.
هكذا بدأ الإيرانيون ينسحبون تدريجيا، خاصة بعد أن منعهم الأسد من فتح جبهة الجولان، معتقدًا أن عدم التّصعيد يجنّبه السقوط. وهذا الخيار كلّف إيران وحزب الله خسائر جسيمة، وأفقد النظام السوري آخر سند عسكري مباشر على الأرض.
رغم كلّ هذه العوامل ظلّ الرئيس بشّار الأسد أسير قناعته بأن الحرب قد حُسمت لصالحه، خصوصًا بعد أن أعادت الدول الخليجية فتح قنوات التواصل معه، وظهرت رغبة دولية في إعادة احتوائه ضمن المعادلة التي سماها الملك عبد الله في حواره مع السّاي آن-آن "خطوة مقابل خطوة". عاد بشار إلى الجامعة العربية وخطب في القمة خطابا مُثيرا. وظهر وكأن نشوة اطمئنانه للنصر جعله لا يرى عمق التآكل الداخلي، ويتعامل مع الأزمة باعتبارها ظرفية وعابرة. غير أنّ الواقع كان مختلفًا. فقد كان النظام متداعيا للانهيار. وحين انطلقت العملية المسلحة من إدلب، والتي سمّاها أصحابها "ردع العدوان" أواخر نوفمبر 2024، لم يكن في قرارهم الوصول إلى دمشق كما تدلّ على ذلك تسمية العملية نفسها، غير أن الانسحاب الجماعي للجيش السّوري جعلهم يدفعون إلى دمشق.
ختامًا، أعتقد أن هذه العوامل مجتمعة هي التي أطاحت بنظام الأسد. ويتبيّن بكل وضوح أن المقارنة بين النظام السوري والنظام التونسي نوع من العبث والأحلام الصبيانية. وبأن جميع هذه العوامل التي أشرت إليها ليست متوفرة في حالة النظام التونسي. بدءً من ضعف المعارضة وعزلتها مقابل شعبية النظام، وصولا إلى تماسك أجهزة الدولة كما لم يسبق أن كانت متماسكة منذ 2011. مرورا بعلاقات الدولة الطبيعية بالمحيط الجغرافي وبالعالم.
فبصراحة لا أفهم من أين يأتي بعض المتفائلين هذا الاطمئنان الذي يجعلهم يقرّرون أنّ التّغيير قريب. فحتّى الدعاية والتّحريض أمور لها قواعدها، ولا يمكن إقناع النّاس بالأوهام لأن ذلك يُفقد المعارضة مصداقيتها ويضعها في صورة غير لائقة. وأعتقد أن التغيير في تونس ممكنا بإرادة الشعب، وفي إطار الشرعية، اللّهم إلا إذا كان المقصود بالتغيير هو ذهاب الرئيس في شخصه. فهذه مسألة واردة في كل زمن وفي كل دولة، ولكنها لا تعني تغيير النظام..
#عزالدين_بوغانمي (هاشتاغ)
Boughanmi_Ezdine#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المسافة بين التجربتين: في بطلان قياس تونس على سوريا.
-
التونسيون ليسوا ضد الديمقراطية، بل ضد من يختزلها في تجربة ال
...
-
بين خطاب -التاسعة- وواقع العولمة: هل كلّ ناشط في المجتمع الم
...
-
براغماتية الدولة: قراءة في التصويت الجزائري على القرار الأمر
...
-
القرار 2803 أخطر ما صدر عن مجلس الأمن بشأن فلسطين منذ تأسيس
...
-
منطق السلطة بين تطبيق القانون وحماية أمن الدول
-
هل المشكل في الفساد أم في مكافحة الفساد؟ قراءة نقدية في الخط
...
-
المشهد الرّمزي حول زيارة أحمد الشرع لواشنطن
-
فوز زهران ممداني: بداية التحول البنيوي في المشهد الأمريكي
-
مشروع قرار أمريكي لمجلس الأمن بصدد -إنشاء قوة استقرار دولية
...
-
خصوصية الانتقال الديمقراطي في تونس وعوامل فشل التجربة
-
لماذا لم يدافع الشعب التونسي عن -الديمقراطية-؟
-
المقاومة والحواف الأخلاقية لضبط العنف الضروري
-
الجدل المغلوط حولاتّفاقية التعاون الدفاعي بين توس والجزائر.
-
الحرب على إيران والبيئة الاستراتيجية لإسرائيل الكبرى
-
في الذكرى الثانية للطّوفان، دفاعًا عن المقاومة
-
مقترح ترامب، مناورة جديدة، ومواجهة جديدة بين المقاومة وأعدائ
...
-
كيف سقط النظام السوري؟
-
حول مسألة -المساجد في المعاهد التونسية-
-
حنظلة تونس في شوارع الليل ، حتى لا ننسى !
المزيد.....
-
مؤسسة -غزة الإنسانية- المثيرة للجدل تُنهي عملياتها في القطاع
...
-
الناشط البيئي السوري عرفان حيدر يتحدث لترندينغ عن الحياة الب
...
-
كريستيانو رونالدو يشعل المدرجات بمقصّية أسطورية
-
بانا العبد الفائزة بجائزة السلام الدولية للأطفال تتحدث لترند
...
-
بركان إثيوبي خامد منذ العصر الجليدي ينفجر ويرسل رماده إلى ال
...
-
الإمارات تتهم قائد الجيش بعرقلة مقترح وقف إطلاق النار في الس
...
-
ألمانيا تفتتح أسواق عيد الميلاد وسط إجراءات أمنية مشددة
-
رماد بركان في إثيوبيا يصل اليمن ويهدد عُمان والهند وباكستان
...
-
ميرتس لـDW: -بإمكان الصين ممارسة ضغط أكبر في حرب أوكرانيا-
-
-مؤسسة غزة الإنسانية- تعلن إنهاء عمليات توزيع المساعدات في ا
...
المزيد.....
-
اليسار الثوري في القرن الواحد والعشرين: الثوابت والمتحركات،
...
/ رياض الشرايطي
-
رواية
/ رانية مرجية
-
ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان
...
/ غيفارا معو
-
حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش
/ د. خالد زغريت
-
التاريخ يكتبنا بسبابته
/ د. خالد زغريت
-
التاريخ يكتبنا بسبابته
/ د. خالد زغريت
-
جسد الطوائف
/ رانية مرجية
-
الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025
/ كمال الموسوي
المزيد.....
|