أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عزالدين بوغانمي - التونسيون ليسوا ضد الديمقراطية، بل ضد من يختزلها في تجربة النهضة














المزيد.....

التونسيون ليسوا ضد الديمقراطية، بل ضد من يختزلها في تجربة النهضة


عزالدين بوغانمي
(Boughanmi Ezdine)


الحوار المتمدن-العدد: 8535 - 2025 / 11 / 23 - 20:19
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


تشير أغلب الدراسات الحديثة إلى أنّ عدد السكّان الأصليين في القارة الأمريكية، قبيل الغزو الأوروبي أواخر القرن الخامس عشر، كان يتراوح بين سبعين ومئة مليون نسمة. وبعد مرور قرن ونصف على ذلك الغزو، انخفض عددهم إلى نحو سبعة ملايين فقط. وهو تراجع ديمغرافي يمثّل إحدى أكبر عمليات الانقراض البشري في التاريخ الحديث، نتيجة تضافر عوامل الإبادة المباشرة، والتهجير القسري، وتدمير البٍنى الاجتماعية، بالإضافة إلى الأوبئة الفتّاكة (الجدري والحصبة والإنفلونزا) التي حملها الأوروبيون معهم، ولم تكن لدى السكان الأصليين أي مناعة ضدها.

ورغم فداحة الحدث، صاغ الغرب الرسمي هذه المأساة ضمن سردية تحمل عنواناً مُضلّلاً: "اكتشاف أمريكا". وتكشف هذه التسمية أنّ الهيمنة المادّية لا تترسّخ إلا عبر هيمنة لغوية تعيد تأويل الوقائع بشكل يُخفي الجريمة ويضع مكانها الفضيلة والشرعية الأخلاقية. فالسردية الاستعمارية لا تكتفي بالسيطرة على الأرض، بل تتطلّع أيضًا إلى السيطرة على الوعي؛ إذ تُحوِّل الغزو إلى إنجاز حضاري، وتُقدّم القائم بالإبادة على أنّه "مُستكشف"، وتُجرّد الضحية من حضورها ومن إنسانيتها. وقد مكّن هذا التلاعب اللغوي، عبر المناهج المدرسية، والإنتاج السينمائي، والأدب، والخطاب السياسي، من إرساء رواية تاريخية تجعل من الاستيلاء على أرض مأهولة فعلًا بطوليًا.

هذه الآلية نفسها، المتمثّلة في إعادة توصيف الوقائع بما يخدم جهة سياسية معيّنة، تُستعاد اليوم في السياق التونسي. فالمرحلة الممتدة بين 2011 و2021، والتي اتّسمت بدرجات عالية من الفساد، وتغوّل شبكات التهريب، ونشاط الجهاز السرّي، وتوظيف مؤسسات الدولة الأمنية والقضائية والإدارية لصالح حركة النهضة واللوبيات الاقتصادية التي ارتبطت بها وتحالفت معها، ولقد كان 80% من المعارضة اليوم، يُعارضون النهضة بسبب سياساتها تلك وتخريبها للمسار الديمقراطي.

اليوم يُعاد تقديم مرحلة حكم النهضة من نفس المعارضين تحت مسمّى "الديمقراطية". وهو توصيف يعكس آلية خطابية مشابهة لتلك التي شرعنت إبادة سكان أمريكا وجعلتها "اكتشافا عظيما لأرض بلا سكان"، نفس طريقة إخفاء الوقائع، وتجميل التجربة، وتخوين كل من ينتقدها، وذلك عبر التكرار المكثّف للسردية في الإعلام والفضاءات الحزبية والرقمية. وهي منهجية في غاية الخطورة من جهة مستقبل الديمقراطية في تونس.
كيف ذلك؟

الأزمة السياسية الحالية لا تحتاج إلى هذا التزييف، بل إلى قدر أعلى من الصراحة النقدية. فالرئيس قيس سعيّد لا ينتمي، من حيث الممارسة، إلى النموذج الديمقراطي، هذه مسألة لا تُخطِئُها العين. ومن الواضح أن الرجل له قناعات أخرى، ويسعى إلى تكريس حُكم فردي واضح المعالم. وهذا وحده كافٍ للمطالبة بالديمقراطية. غير أنّ الخطاب المسؤول يفترض القول بوضوح إنّ تونس لم تنجح، إلى اليوم، في إرساء منظومة ديمقراطية مكتملة لا قبل 25 جويلية ولا بعده.

وتكتسي هذه المصارحة أهميّة مزدوجة:
أولا ً، لأنها تضع حدّا لآلية تزييف الوعي التي تقدّم مرحلة الاغتيالات والانتهاكات على أنّها "الديمقراطية" المفقودة.
وثانيا، لأن ربط النظام الديمقراطي الذي نتطلّع لبنائِه بنظام حكم النهضة جعل الشعب يكفر بالديمقراطية نفسها، إذ ربط بين هذا الخطاب وبين العودة المحتملة إلى تلك المنظومة وخياراتها السياسية والإدارية.

نحن اليوم نقف في هذه المنطقة بالضبط. أوضاع الناس تتدهور. معارضة متغطرسة بلا خيال تسعى لافتكاك السلطة بِأقصر الطّرُق ومتمسّكة بعودة منظومة فاسدة بعنوان "عودة الديمقراطية"، الأمر الذي دفع الناس إلى التمسك بحكم قيس سعيّد خوفًا من عودة حركة النهضة للسلطة بعد أن تخلّصوا منها بِشقّ الأنفُس. وسُلطة تستغلّ الفجوة بين الشعب والمعارضة، لتعيد ترميم نظامها الذي انهار في 2011.

الخلل، إذن، لا يكمن في عدم "جاهزية" المجتمع للديمقراطية كما يُروِّجُ البعض. بل في تعريف هؤلاء الوقِحِين للديمقراطية عبر سردية مخاتلة تشبه، في بنيتها وآلياتها، السردية التي حوّلت الإبادة الجماعية في القارة الأمريكية إلى "اكتشاف عظيم". وفي الحالتين، تعمل اللغة على إنتاج واقع جديد، لا يعكس حقيقة الوقائع بل يعكس الرغبة في إعادة صياغة الوعي الجماعي بما يخدم مشروع مُتخيّل.



#عزالدين_بوغانمي (هاشتاغ)       Boughanmi_Ezdine#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بين خطاب -التاسعة- وواقع العولمة: هل كلّ ناشط في المجتمع الم ...
- براغماتية الدولة: قراءة في التصويت الجزائري على القرار الأمر ...
- القرار 2803 أخطر ما صدر عن مجلس الأمن بشأن فلسطين منذ تأسيس ...
- منطق السلطة بين تطبيق القانون وحماية أمن الدول
- هل المشكل في الفساد أم في مكافحة الفساد؟ قراءة نقدية في الخط ...
- المشهد الرّمزي حول زيارة أحمد الشرع لواشنطن
- فوز زهران ممداني: بداية التحول البنيوي في المشهد الأمريكي
- مشروع قرار أمريكي لمجلس الأمن بصدد -إنشاء قوة استقرار دولية ...
- خصوصية الانتقال الديمقراطي في تونس وعوامل فشل التجربة
- لماذا لم يدافع الشعب التونسي عن -الديمقراطية-؟
- المقاومة والحواف الأخلاقية لضبط العنف الضروري
- الجدل المغلوط حولاتّفاقية التعاون الدفاعي بين توس والجزائر.
- الحرب على إيران والبيئة الاستراتيجية لإسرائيل الكبرى
- في الذكرى الثانية للطّوفان، دفاعًا عن المقاومة
- مقترح ترامب، مناورة جديدة، ومواجهة جديدة بين المقاومة وأعدائ ...
- كيف سقط النظام السوري؟
- حول مسألة -المساجد في المعاهد التونسية-
- حنظلة تونس في شوارع الليل ، حتى لا ننسى !
- تمييز السياقات هو الحدّ الفاصل بين القراءة الموضوعية وسردية ...
- -المؤامرة الغربية لإسقاط نظام قيس سعيّد- بين الوقائع والدّعا ...


المزيد.....




- بعد خطته للسلام.. ترامب يهاجم القيادة الأوكرانية بشدة: لم تب ...
- كيرن هايسود.. كيان مالي أسهم في تنفيذ المشروع الصهيوني بفلسط ...
- هجرة العقول تتفاقم في إسرائيل بعد طوفان الأقصى
- تحقيقات تكشف مشارح مكتظة ومقابر سرية في تنزانيا
- -الحمل الوحشي-.. حركة بديلة تتحول إلى تجارة بالملايين واتهام ...
- قدّرت الخسائر بـ 1,5 مليون دولار.. حريق يلتهم ديكورات المسلس ...
- -إنهم ليسوا هنا-.. رئيس جنوب إفريقيا يعلق -مازحا- على غياب أ ...
- إسرائيل تعلن استهداف رئيس أركان حزب الله بأول ضربة في قلب بي ...
- طهران تختنق بالدخان.. جودة الهواء تتلوث إلى مستويات خطيرة في ...
- انتخابات مبكرة على وقع أزمة سياسية.. صرب البوسنة ينتخبون رئي ...


المزيد.....

- اليسار الثوري في القرن الواحد والعشرين: الثوابت والمتحركات، ... / رياض الشرايطي
- رواية / رانية مرجية
- ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عزالدين بوغانمي - التونسيون ليسوا ضد الديمقراطية، بل ضد من يختزلها في تجربة النهضة