أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عزالدين بوغانمي - فوز زهران ممداني: بداية التحول البنيوي في المشهد الأمريكي















المزيد.....

فوز زهران ممداني: بداية التحول البنيوي في المشهد الأمريكي


عزالدين بوغانمي
(Boughanmi Ezdine)


الحوار المتمدن-العدد: 8518 - 2025 / 11 / 6 - 16:52
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


بداية من المهم التمييز بين حاكم الولاية وبين عمدة المدينة في الولايات المتحدة الأمريكية. فحاكم الولاية هو السلطة العليا في الولاية، مما يجعل كل مدن ومقاطعات الولاية ضمن مسؤولياته، ويتم انتخابه من جميع سكان الولاية، وهو من يساهم في إقرار أو رفض الهيئات التشريعية في ولايته، ويشرف على الحرس الوطني فيها، ويمثلها أمام الحكومة الفيدرالية. بينما يقتصر دور العمدة على مدينة محددة، ودوره يتمثل في الإشراف على شرطة المدينة، وتعيين مدراء الدوائر البلدية، وتحديد ميزانية تلك المدينة ومواردها...الخ)، بمعني أن العمدة يتبع إداريا لحاكم الولاية، ويخضع لسلطتها التشريعية.

فلماذا إذن كل هذا الاهتمام العالمي بانتخاب عمدة مدينة؟
ببساطة لأن في فوز هذا الرجل بالذّات، باعتباره اشتراكي وتقدمي ومهاجر، تأكيد لتنامي اتجاه اجتماعي سياسي يثير، منذ سنوات، نقاشا واسعا في الأدبيات الأمريكية حول "التحول البنيوي" في اتّجاه "كسر احتكار" ما يسمى ال"ا.س.ب" (البيض- الانجلوساكسون- البروتستانت) لمراكز النفوذ ومجمل السياسات وآليات التشريع والتنفيذ والسيطرة والتحكم في في المجتمع الأمريكي.

منذ عام 2016 برز في الولايات المتحدة ما أصبح يُعرف بـ"التيار التقدّمي الحضري" الذي أخذ يتجذّر في المدن الكبرى، مُعبّرًا عن تحولات في الوعي السياسي الاجتماعي خصوصا داخل الحزب الديمقراطي وفي المجتمع الأمريكي ككل.
يتكوّن هذا التيار من شرائح الشباب، والأقليات، والمنتمين إلى اليسار التقدّمي، الذين يدعون إلى العدالة الاجتماعية، ومكافحة التفاوت الطبقي، وإصلاح العلاقة بين المجتمع والسلطات الأمنية. وقد شهدت السنوات الأخيرة صعود عدد من الوجوه السياسية التي تجسّد هذا التوجّه، مثل:

المهاجرة الآسيوية اليسارية "ميشيل وو" التي تولّت رئاسة بلدية بوسطن منذ أربع سنوات رافعة شعار العدال والسكن للجميع.

براندون جونسون، النقابي الإفريقي اليساري الذي أصبح عمدة شيكاغو سنة 2023.

كارين باس، المرأة السوداء التي انتُخبت عمدة لوس أنجلوس بشعار مكافحة التشرد وتحقيق العدالة الاجتماعية.

تشيسا بودين، الذي تولى منصب المدّعي العام لمدينة سان فرانسيسكو، وهو من أكثر الشخصيات قربًا في توجّهاته من زهران ممداني.

كما ظهرت حركة (إعادة النظر في تمويل الشرطة) في مينيابوليس، الداعية إلى إصلاح العلاقة بين الأمن والمجتمع.

كل هذه النماذج تعبّر عن توسّع دور التنظيمات القاعدية في الحياة السياسية، وتراجع الهيمنة التقليدية للنخب البيضاء البروتستانتية الأنغلو-سكسونية، التي احتكرت مواقع القرار لعقود.
كما يأن هذه المؤشرات تُظهر تصاعد الحس النقدي الجماعي تجاه التفاوت الاجتماعي، خاصة وأنّ الولايات المتحدة تُعدّ الأسوأ بين الدول الصناعية في (مؤشّر جيني) لعدالة توزيع الثروة. ويترافق هذا التحوّل البنيوي مع تزايد حضور الأقليات والمهاجرين في المجالس المحلية والكونغرس.

فوز زهران ممداني في مواجهة العتوّ الرأسمالي

تكمن أهمية فوز زهران ممداني في كونه جزء من هذه التحولات الجارية، التي انعكست في فوز شاب اشتراكي مسلم، بمنصب عمدة مدينة نيويورك، وهي ثاني أكبر مدينة يهودية بعد تل أبيب، وأغنى مدينة في العالم. مدينة يبلغ عدد سكانها نحو تسعة ملايين نسمة، وتُقدّر ميزانيتها بـ111 مليار دولار، أي ما يعادل نحو خمسة أضعاف ميزانية تونس، ويزيد دخلها عن دخل روسيا بكل عظمتها.
فنيويورك هي القلب المالي للإمبراطورية الأمريكية، ومركز الرأسمالية العالمية، وفيها مقرّ وول ستريت ومركز اللوبي الصهيوني، وأغنى أثرياء الأرض.
ورغم كل هذا الجبروت، انهزمت هذه المنظومة أمام المرشّح التقدّمي، الذي تغلّب على تحالف من أصحاب النفوذ المالي والإعلامي، في مقدّمتهم مايكل بوومبرغ، صاحب شبكة "بوومبرغ" المتحكّمة في المعلومة الاقتصادية، وبالتالي في البنوك المركزية وصناديق الاستثمار والحكومات، ما يجعلها فاعلًا رئيسيًا في صناعة القرار المالي العالمي، حيث أنفق هؤلاء أكثر من أربعين مليون دولار للإطاحة بممداني، لكنهم فشلوا أمام موجة شبابية غاضبة على المنظومة الإمبريالية المتوحشة.

عوامل الفوز وسقوط السردية الصهيونية

قدّم ممداني برنامجًا اجتماعيًا عقلانيًا متكاملًا يُراعي الفقراء ويخفّف من أعباء المعيشة والسكن والنقل والصحة، على أن تُغطّى تكاليف هذه الإصلاحات عبر فرض ضرائب على الأثرياء.
هذا البرنامج الاجتماعي هو ما جعله يحظى بدعم شبابي كاسح تحدّى كل العراقيل.

ومع ذلك لا يمكن فصل فوز ممداني عن السياق الدولي العام. فحرب الإبادة في غزة كشفت الوجه الحقيقي للمنظومة الإمبريالية الحاكمة، وأسقطت القناع عن النخب التي طالما روّجت لخطاب الحرية وحقوق الإنسان، فيما هي مورّطة مع الاحتلال في حرب الإبادة. فهذا الفوز يتزامن مع انتفاضة شبابية عالمية ترفض إبادة الشعب الفلسطيني، وما عادت تصدّق السردية الصهيونية، وتتعاطف مع أهل غزة بلا حدود، وهو ما انعكس في شوارع نيويورك نفسها التي خرجت فيها تظاهرات حاشدة ضد آلة القتل الإسرائيلية.

هذه الموجة من الوعي الجديد كانت حاسمة في تعبئة الشباب الأمريكي، ولا سيما المهاجرين والمسلمين الذين كانوا لسنوات ضحية شيطنة إعلامية وصهيونية متواصلة. ولذلك، لم يكن مستغربًا أن تدخل تل أبيب في حالة هستيريا بعد فوز ممداني، إذ دعا أحد وزراء حكومة نتنياهو اليهود المقيمين في نيويورك إلى مغادرتها نحو إسرائيل، معتبرًا أن "زهران ممداني معادٍ للسامية". علما وأن هذه التهمة وُجّهت له منذ أعلن تأييده الصريح لحملة المقاطعة العالمية لإسرائيل، وقد أُصيبت تل أبيب أمس بصدمة عندما هدّد زهران باعتقال نتنياهو إذا وطئت قدماه المدينة.

ثمّ، هنالك بعد رمزي يجب الانتباه له لأنه يؤشّر على عمق وعي التغيير في المجتمع الأمريكي. وهو أنْ يفوز شاب مسلم في مدينة سقطت فيها أبراج الحادي عشر من سبتمبر. ثم يقول في خطاب الفوز أمام آلاف سكان نيوورك "أنا مسلم، أنا تقدّمي، ولن أعتذر على ذلك"، ويأتي الردّ مزلزلا من حناجر آلاف الشباب الذين الذين تدرّبوا على الصُّراخ من أجل غزة طيلة سنتين.

آفاق التحوّل وكسر احتكار الطغمة المالية

تقديري أن من أهم نتائج هذه الانتصارات الجزئية اتساع دائرة الأطروحات الفكرية الخاصة بالعدالة الاجتماعية، وأيضا بالعدالة الدولية، وهي بالمناسبة ضمن اهتمامات التيار الجديد الذي يولي موضوع غزة ونهب إفريقيا والتحرش بأمريكا اللاتينة عناية كبيرة ويعتبره انتهاكا للعدالة الدولية.

من المظاهر الايجابية أيضا، هي بداية زعزعة ميزان القوى الذي ظل ثابتا لصالح الطغمة المالية لعقود. فقد رأينا في انتخاب زهران كيف نجحت وسائل التواصل الاجتماعي والتنظيم القاعدي في إضعاف الهيمنة التقليدية للأحزاب التاريخية على المجتمع، فالتنظيمات الشعبية وبتمويل يسير أصبحت قادرة على خلق قدر من التوازن النسبي مع احتكارات "الواسب" للفضاء الإعلامي.

من جانب آخر، هنالك ثقافة القوة التي تشكل جينات المنظومة القيمية الأمريكية، بهذا الفوز المملوء بالتحدّي، قد تعيد تكييف مطالب الكتلة "اليسارية المهاجرة الأقلّوية" خاصة وأن الاستقطاب الحالي لم يعُد يقتصر على النُّخب بل أخذ طابعا "عرقيا دينيا ثقافيا"، ويتعزز ذلك بتراجع نسب الثقة الشعبية في المؤسسات السياسية الأمريكية طبقا لنتائج استطلاعات الرأي العام.

عموما أعتقد أن ما يجري اليوم في الولايات المتحدة علامة على تحوّل بنيوي متدرّج في المجتمع الأمريكي. ففوز زهران ممداني وغيره من ممثّلي التيار التقدّمي يعكس بداية كسر احتكار الطغمة المالية الإمبريالية للقرار السياسي. ورغم أنّ الإيقاع الأمريكي في التغيير بطيء بطبيعته، فإنّ تصاعد هذا التيار وامتداده في المدن الكبرى يُنذر بولادة مرحلة جديدة من الوعي الاجتماعي والسياسي، مرحلة تتّسم بتنوّعها الإثني والثقافي، ما انفكت تبتعد عن نموذج "بوتقة الصهر" نحو تعدّدية سياسية قد تُعيد تعريف وظيفة الدولة الأمريكية في الداخل، وأدوارها في العالم.



#عزالدين_بوغانمي (هاشتاغ)       Boughanmi_Ezdine#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مشروع قرار أمريكي لمجلس الأمن بصدد -إنشاء قوة استقرار دولية ...
- خصوصية الانتقال الديمقراطي في تونس وعوامل فشل التجربة
- لماذا لم يدافع الشعب التونسي عن -الديمقراطية-؟
- المقاومة والحواف الأخلاقية لضبط العنف الضروري
- الجدل المغلوط حولاتّفاقية التعاون الدفاعي بين توس والجزائر.
- الحرب على إيران والبيئة الاستراتيجية لإسرائيل الكبرى
- في الذكرى الثانية للطّوفان، دفاعًا عن المقاومة
- مقترح ترامب، مناورة جديدة، ومواجهة جديدة بين المقاومة وأعدائ ...
- كيف سقط النظام السوري؟
- حول مسألة -المساجد في المعاهد التونسية-
- حنظلة تونس في شوارع الليل ، حتى لا ننسى !
- تمييز السياقات هو الحدّ الفاصل بين القراءة الموضوعية وسردية ...
- -المؤامرة الغربية لإسقاط نظام قيس سعيّد- بين الوقائع والدّعا ...
- بخصوص مشروع قانون -استعادة الديمقراطية في تونس-.
- مرّة أخرى دفاعا عن التاريخ الاتحاد العام التونسي للشغل وحزب ...
- الاتحاد العام التونسي للشغل والحزب الحاكم: فروق جوهرية لا يج ...
- الأزمة النقابية في تونس: بين فساد البيروقراطية وتواطؤ الفاعل ...
- مقاومة الاستعمار خيار شعبي، وكل الحكومات معادية لبنادق الثوّ ...
- من التبعية إلى التمويه: أوروبا بين الإخضاع الأميركي والاستثم ...
- النظام السوري وازدواجية الأداء في لبنان وفلسطين


المزيد.....




- نانسي عجرم تسحر الجمهور في حفل حاشد في إندونيسيا
- الجيش الإسرائيلي يُعلن بدء ضرب مواقع حزب الله في الجنوب اللب ...
- سخرية ترامب من مسؤولين صينيين
- -أنا استخبارات ولاك- كيف أدى تهديد رجل انتحل صفة أمنية لشرطي ...
- -هل تضغط بريطانيا لوقف دور الإمارات المزعوم في الصراع الدائر ...
- -الإعصار الأكثر فتكاً هذا العام-، كالمايغي يضرب وسط فيتنام ب ...
- رسالة من حزب الله إلى الرئاسات الثلاث في لبنان: لا تفاوض سيا ...
- بعد تقرير لـ -يورونيوز-.. الجيش الأمريكي يحذف إرشادات مثيرة ...
- أنيق ومستوحى من الماضي السعيد.. ألمانيا تكشف عن قميصها الجدي ...
- معارك ضارية بين القوات الروسية والأوكرانية في بوكروفسك وكييف ...


المزيد.....

- ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي
- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عزالدين بوغانمي - فوز زهران ممداني: بداية التحول البنيوي في المشهد الأمريكي