أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عزالدين بوغانمي - منطق السلطة بين تطبيق القانون وحماية أمن الدول














المزيد.....

منطق السلطة بين تطبيق القانون وحماية أمن الدول


عزالدين بوغانمي
(Boughanmi Ezdine)


الحوار المتمدن-العدد: 8527 - 2025 / 11 / 15 - 13:18
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


تحتاج الدولة، أيّ دولة، إلى أن يؤمن المواطنون بهيبتها. ولهذا السبب تميل إلى تجنّب الاعتراف العلني بأن أجهزتها قد تخالف القانون، خشية أن يؤدي ذلك، في تقديرها، إلى اهتزاز ثقة الجمهور في المؤسسات، أو التشكيك في مبدأ «احتكار العنف المشروع»، أو فتح الباب أمام مطالبات موسّعة بالمحاسبة. ولهذا يلجأ صانع القرار، غالبًا، إلى احتواء الأزمات داخليًا بمنطق «الحفاظ على هيبة مؤسسات الدولة» (préservation de l’autorité des institutions de l’État).

وبهذا المعنى، تمتلك المؤسسات البيروقراطية ما يشبه «غريزة البقاء»، تدفعها إلى حماية صورتها العامة بكل السبل. فهي تحاول التهرّب من المحاكمات والإعلام، تفاديًا لخلق سوابق قانونية قد تُستخدم ضدها لاحقًا، ولتجنّب ما يسمّى «القادح»: أي ذلك الحدث المعزول القادر على توليد تعبئة اجتماعية مفاجئة تتحوّل إلى تحدٍّ سياسي واسع. فالدولة تحتفظ بذاكرة مؤثّثة بالدروس، وتعلم أنّ أحداثًا صغيرة خرجت عن إرادة الأجهزة—كاعتداء موظّف على مواطن، أو إهانة امرأة مسنّة—تحوّلت إلى قضايا رأي عام، ثم فجّرت احتجاجات واسعة طالت النظام برمّته وأسقطته. والحدث القادح القريب في تونس هو حادثة الاعتداء على البوعزيزي. لذلك ترى الدولة أن الشفافية في مثل هذه القضايا المرتبطة بالصراع السياسي أخطر على استقرارها من الحادثة نفسها.

وحتى الدول الديمقراطية تشارك هذه الحساسية: فهي تعتبر أن تسليم موظّفيها أو قواتها إلى القضاء المدني يضعف الروح المعنوية. ولهذا تفضّل، في أغلب الأحيان، اللجوء إلى التحقيق الإداري، وإلى العقوبات الداخلية أو اللجان الخاصة، التي تنتهي عادةً بنقل المسؤول أو تجميد مهامه.

وإلى جانب مبدأ "الحفاظ على الهيبة"، يوجد مبدأ آخر هو "احتكار السردية". فالدولة لا تحكم فقط عبر القانون وأجهزتها الصلبة (الأمن، المخابرات، السجون)، بل تحتاج أيضاً إلى ولاء جزء واسع من السكان، وهذا الولاء يقتضي سيطرة السلطة على السردية العامة. وبهذا المنطق فإنّ تحريك ملف يدين مؤسسة حسّاسة تحت أنظار الإعلام أو القضاء يجرّد الدولة من القدرة على التحكم في الرواية.
علاش؟
لأن الإعلام سيعيد بناء الوقائع بطريقته، والمعارضة ستستثمر الحدث سياسيًا، والقضاء قد يصدر أحكامًا تمسّ بمصداقية الأجهزة. في حين يسمح التحقيق الإداري الداخلي للمؤسسة بكتابة روايتها الخاصة للأحداث وتقديمها للجمهور باعتبارها الحقيقة الكاملة.

أسوق مثالا بهذا الصدد لتقريب المعنى والقصد. لعلّكم لاحظتم مؤخرًا تواتر تصريحات بعض وزراء الترويكا، التي أبرزت التناقض بين موقفهم من إضراب الجوع عندما كانوا في الحكم، وموقفهم اليوم وهم في المعارضة.
هذا التناقض لا يعني أن هؤلاء الوزراء يتلوّنون. بل يعني أن سلوك الدولة ثابت. فالوزير لا يخاطب الرأي العام باسمه الشخصي، بل ينطق بمنطق المؤسسة، وبناءً على توصيات المديرين العامين والمستشارين. فعندما يتكلّم الوزير تتكلّم الوزارة.

وحتى في الديمقراطيات أيضًا يسود مبدآ "حفظ هيبة الدولة" و"احتكار السردية"، لكن المساءلة الداخلية تُستخدم كآلية لإدارة الأزمة ريثما يُضبط الملف قانونيًا، لا كوسيلة لإخفاء الحقيقة نهائيًا. أمّا إذا انكشف الأمر إعلاميًا، فتُجبَر المؤسسات على الخضوع للمحاسبة العلنية.

وفي دول أخرى، وفي سياقات تشعر فيها الدولة بالتهديد، يصبح الهدف الأوّل حماية النظام. عندها تتمسّك السلطة بسرديتها وترفض التشكيك فيها، وتفضّل الهروب إلى الأمام، على الاعتراف بتجاوز أعوانها للقانون، لأن أي اعتراف سيُقرأ كضعف أو كتنازل أمام القوى التي تستعدفها، وتعتبرها معادية.

وبصفة عامة، يُمثّل هذا الأسلوب جزءًا من تقليد إداري راسخ يرى أن الضبط الذاتي للمؤسسة أكثر فاعلية من انكشافها الرسمي أمام الإعلام. ومن المهم إدراك أن الدولة ليست كيانًا عاطفيًا خَلُوقًا و"ناس ملاح"، بل جهاز تنظيمي بلا قلب، هدفه الأول ضمان استمراريته وضبط المجتمع. لذلك تتعامل مع الأحداث وفق ما يخدم مصلحتها الاستراتيجية، حتى لو بدا ذلك متعارضًا مع توقعات المواطنين أو حساسيتهم الأخلاقية.

أخيرا، تجدر الإشارة إلى أن التوتر بين مسؤولية تطبيق القانون ومسؤولية حماية أمن الدولة يُعدّ من أكبر الإشكاليات النظرية في الدراسات التي عالجت قضايا الديمقراطية الليبرالية. فمن هذا التوتر ينشأ التعارض بين المؤسسات المنتخبة والمؤسسات الصلبة، وهو تعارض قد يتخذ شكل تنازع في أولوية القرار، كما يحدث أحيانًا بين البرلمان والجيش، أو بين الحكومة والقضاء.

بالتأكيد هنالك من سيتعاطى مع هذه القراءة بانحطاط كالعادة، ليستنتج أنها تبرير للسلطة. وربما فهمها البعض الآخر على أنها فضح للسلطة. والحقيقة لا هذه ولا تلك. بل مساهمة في فهم ما يجري، وتقليلا من آثار التضليل الذي يُصوّر كلّ ما تقوم به الدولة على أنه قرار شخص واحد. وهذه هي الدعاية التي تفضل الأجهزة ترسيخها لتتبرّأ من جميع التجاوزات، وتمسحها في شخص واحد وحيد



#عزالدين_بوغانمي (هاشتاغ)       Boughanmi_Ezdine#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل المشكل في الفساد أم في مكافحة الفساد؟ قراءة نقدية في الخط ...
- المشهد الرّمزي حول زيارة أحمد الشرع لواشنطن
- فوز زهران ممداني: بداية التحول البنيوي في المشهد الأمريكي
- مشروع قرار أمريكي لمجلس الأمن بصدد -إنشاء قوة استقرار دولية ...
- خصوصية الانتقال الديمقراطي في تونس وعوامل فشل التجربة
- لماذا لم يدافع الشعب التونسي عن -الديمقراطية-؟
- المقاومة والحواف الأخلاقية لضبط العنف الضروري
- الجدل المغلوط حولاتّفاقية التعاون الدفاعي بين توس والجزائر.
- الحرب على إيران والبيئة الاستراتيجية لإسرائيل الكبرى
- في الذكرى الثانية للطّوفان، دفاعًا عن المقاومة
- مقترح ترامب، مناورة جديدة، ومواجهة جديدة بين المقاومة وأعدائ ...
- كيف سقط النظام السوري؟
- حول مسألة -المساجد في المعاهد التونسية-
- حنظلة تونس في شوارع الليل ، حتى لا ننسى !
- تمييز السياقات هو الحدّ الفاصل بين القراءة الموضوعية وسردية ...
- -المؤامرة الغربية لإسقاط نظام قيس سعيّد- بين الوقائع والدّعا ...
- بخصوص مشروع قانون -استعادة الديمقراطية في تونس-.
- مرّة أخرى دفاعا عن التاريخ الاتحاد العام التونسي للشغل وحزب ...
- الاتحاد العام التونسي للشغل والحزب الحاكم: فروق جوهرية لا يج ...
- الأزمة النقابية في تونس: بين فساد البيروقراطية وتواطؤ الفاعل ...


المزيد.....




- جدل بعد فيديو يزعم رش رضيعة بـ-مادة كيميائية-.. والأمن الداخ ...
- مصر.. مقاطع فيديو لأشخاص يتجمعون مرددين هتافات في 3 محافظات ...
- هل كان ينبغي دراسة الحمض النووي لهتلر - أم تركه وشأنه؟
- ترامب: -بي بي سي اعترفت بالغش وسأقاضيها بتعويض يصل إلى 5 ملي ...
- ذكريات أنصارية
- هل سيدير ترامب غزة؟ مقترحان للتصويت أمام مجلس الأمن
- ترامب يلمح إلى اتخاذ قرار بشأن فنزويلا وسط تصاعد التوتر العس ...
- ترامب يطالب بفتح تحقيق في علاقة إبستين بشخصيات من الحزب الدي ...
- الأمطار الغزيرة تفاقم معاناة نازحين بقطاع غزة يعيشون في خيام ...
- يونيفيل تقول إن إسرائيل شيّدت جدارا على حدود لبنان تجاوز الخ ...


المزيد.....

- ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي
- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عزالدين بوغانمي - منطق السلطة بين تطبيق القانون وحماية أمن الدول