أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أنس قاسم المرفوع - حقيقة القيادة: قراءة في فلسفة عبد الله أوجلان الوجودية والجماعية















المزيد.....


حقيقة القيادة: قراءة في فلسفة عبد الله أوجلان الوجودية والجماعية


أنس قاسم المرفوع
أكاديمي وكاتب وسياسي سوري باحث في مركز دراسات الشرق للسلام

(Anas Qasem Al-marfua)


الحوار المتمدن-العدد: 8538 - 2025 / 11 / 26 - 12:23
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


القيادة كتعبير عضوي عن معاناة شعب

في قلب التحولات العميقة التي شهدها تاريخ الشعوب المقهورة وفي لحظة من الزمن حيث يتشابك الحلم بالواقع ويتداخل التاريخ بالضرورة ظهرت حقيقة المفكر أبو لا كظاهرة فردية غامضة بل كتعبير عضوي عن معاناة شعب بأكمله عن صيرورته عن بحثه الدائم عن ذاته وعن قيادته وعن مستقبله. لقد كان الكرد طيلة عقود طويلة كشجر مقطوع الجذور توزعت أوراقه في رياح التجزئة والقمع والاستعمار ولم تبق لهم سوى الذكريات المشوشة والأساطير الغامضة عن قائد مخلص عن منقذ سينزل من السماء ليحررهم من واقعهم المؤلم لكن المفكر أوجلان لم يكن ذلك المخلص الخارق بل كان الثمرة المتأخرة لعمل جماعي وجهد شعبي لصراع اجتماعي عميق فحقيقة القيادة عند المفكر عبدالله أوجلان ليست مجرد مهارة أو منصب أو حتى كاريزما فردية بل هي تجربة وجودية جماعية تولد حين يبلغ المجتمع لحظة من التفكك الحضاري والانهيار الأخلاقي تجعل الحياة نفسها بلا طعم ولا هدف يكون هذا التفكك ناتج عن معاناة شعب مشتت وفشل النخب التقليدية وانسداد الأفق الفكري والسياسي لعقود طويلة فالكرد كما يقول المفكر أوجلان عاشوا طويلا في انتظار مخلص أشبه بالمسيح لا في سياق الغيبوبة الدينية بل كتعبير عن العجز الجماعي عن توليد قيادة تحررية ذاتية فجاءت حقيقة المفكر أبو كنقطة تحول تاريخية لا كهبة إلهية بل كقائد نما من داخل التراب الكردي نفسه من صلب المعاناة من جوف السجون من عمق الوعي الذي تشكل عبر نضال مرير وعبر مراجعة نقدية لا هوادة فيها للماضي الكردي بكل تجلياته: العشائرية، والتخلف، والانعزالية، وعبادة الشخصية، والخضوع.

إعادة تعريف القيادة: من السيطرة إلى التحرير

ولذلك فإن حقيقة القيادة في فكر أوجلان ليست تقديسا لفرد بل إعادة تعريف جذرية لمفهوم القيادة ذاته: ليست الأوامر من فوق بل التنظيم من الأسفل ليست السيطرة بل التحرير ليست الزعامة بل التفويض ليست العبادة بل الوعي الجماعي. فالقائد الحقيقي يولد من رحم المعاناة الجمعية حين يعجز الشعب عن تسمية وجعه وحين يصير الصمت أثقل من الصراخ وفي مثل هذه اللحظات لا يظهر القائد لأنه أراد بل لأن التاريخ يحتاج إلى من يعيد صياغة الوعي ويمنح الكلمات معناها الضائع ومن هنا فإن مقولة المفكر آبو الرائعة : مهما كان الانحطاط عميقا فإن تجاوزه يتطلب شخصية عظيمة، فالعظمة لا تكمن في الفرد بل في قدرته على أن يصير مرآة صافية لشعبه لا مرآة تشوه.

التحدي الوجودي: بين العجز الجماعي والقيادة الذاتية

وإذا تأملنا الواقع الكردي اليوم بعيون غير مغلفة بالأسطورة نجد أن عجز البعض عن فهم طبيعة هذه القيادة لم يكن مجرد سوء فهم بل كان عائقا وجوديا حقيقيا أمام التحرر كيف لشعب أن يبني ديمقراطية وهو لا يزال ينتظر من يقوده من الخارج؟ كيف لحركة تحرر أن تحقق أهدافها بينما كوادرها حتى بعد خمسين عاما من النضال لا تزال تعجز عن رؤية نفسها كجزء فاعل من القيادة بل كأتباع سلبيين؟ هذا بالضبط ما حذر منه المفكر أوجلان مرارا: أنتم عاجزون حتى عن حمل أنفسكم. هذه العبارة القاسية ليست انتقاصا بل صرخة ألم من قائد يرى شعبه يعيد إنتاج عبوديته من خلال عجزه عن تحمل مسؤوليته فالمجتمع الديمقراطي الذي يدعو إليه المفكر أوجلان لا يمكن أن يبنى من فوق بل يبنى حين يصبح كل فرد في المجتمع قائدا في مجاله حين يصبح الجار قائدا في حيه والمرأة قائدة في دفاعها عن كرامتها والشاعر قائدا في لغته والمزارع قائدا في أرضه القيادة هنا ليست مقعدا أو سلطة بل ممارسة. فالأزمة ليست في غياب القائد بل في غياب الوعي الجمعي وأيضا بحاجة التاريخ إلى قيادة جديدة لا إلى سلطة قديمة.

الحل أو الفسخ: السؤال المصيري

ومن هنا تأتي أهمية مسألة الحل أو الفسخ تلك الثنائية المصيرية التي طرحها المفكر أوجلان من سجنه كسؤال وجودي لا مفر منه. فإما أن يحقق الحزب والمجتمع الكردي الأوسع قفزة نوعية في الوعي والتنظيم والبناء الذاتي وإما أن يعود إلى دائرة التكرار اللامتناهي من العنف والانقسام والانتظار السلبي ولعل أغرب ما في هذه اللحظة التاريخية هو أن من دفع الباب باتجاه الحل لم يكن الكرد أنفسهم بل جاء من خصم تاريخي لا يفترض أن يفكر في السلام دولت بهجلي ذلك اليميني القومي التركي الذي كرس حياته لمحو الكرد من الخريطة والذي كان يرمز إلى أقصى درجات العنف والقمع ضد الشعب الكردي أعلن فجأة أمام وفد حزب الشعوب الديمقراطي "لقد كرست حياتي لهذا الصراع لكنني اليوم أريد فتح صفحة جديدة وهذه ليست كلمات عابرة بل اعتراف ضمني بهزيمة أيديولوجية واعتراف بوجود قوة روحية وفكرية لا يمكن هزيمتها بالسلاح فبهجلي لم يرى في المفكر أوجلان مجرد متمرد يجب القضاء عليه بل رأى فيه ذلك القائد الذي حول الهزيمة إلى وعي والمعاناة إلى فلسفة والكفاح إلى مشروع حضاري ما الذي تغير؟ هل تغير بهجلي؟ أم أن ما تغير هو واقع الصراع نفسه؟

الانتصار في تحوُّل الوعي: التأثير في العدو

حقيقة هذا التحول في نظرة العدو هو أعظم انتصار يمكن أن يحققه القائد لأنه لا يكسر جسد الخصم بل يغير وعيه فحقيقة الأهم من التأثير في الأتباع هو القدرة على التأثير في العدو ذاته، فمن منظور فلسفة المفكر أوجلان ليست المفاجأة في موقف بهجلي بل في أن الواقع الموضوعي نفسه بدأ يفرض منطق الحل فبعد عقود من الحرب وبعد بناء تجربة روج آفا الديمقراطية على الأرض رغم كل التحديات أصبح من الواضح حتى لأعدى الأعداء أن الكرد لم يعودوا قابلين للإبادة أو الإذلال وأن الحل العسكري لم يعد مجديا ومن هنا فإن دعوة بهجلي ليست نابعة من رحمة في قلبه بل من فهم استراتيجي بارد أن الصراع لم يعد قابلا للاستمرار على النحو القديم.

اختبار السلام بميزان المجتمع الديمقراطي

لكن المفكر أوجلان لا يغفل عن المخاطر فكل دعوة سلام من خصم يجب أن تختبر بميزان المجتمع الديمقراطي لا بميزان المكاسب السياسية العابرة فالسلام لا يعني التنازل عن الهوية ولا يعني العودة إلى عباءة الدولة الأمة بل يعني بناء علاقات جديدة على أساس المساواة والاعتراف المتبادل ولهذا يشدد المفكر أوجلان على أن المضمون هو الأهم لا الشكل فإذا كانت دعوة بهجلي تحمل في طياتها اعترافا بالشعب الكردي كشعب له حقه في الوجود والتنظيم الذاتي وإذا كانت أيضا تدعو إلى بناء مجتمع تعددي لا مركزي فإنها دعوة تستحق أن تؤخذ على محمل الجد لكن إذا كانت مجرد مناورة لتهدئة الوضع وتفكيك الحركة الكردية من الداخل فإنها تندرج تحت بند الفسخ أي التفكيك الذاتي للحركة عبر التنازل عن جوهرها ومن هنا فإن المهمة الملقاة على عاتق الكرد اليوم ليست مجرد الرد على بهجلي بل بناء وعي جماعي قادر على التمييز بين الحل الحقيقي والخداع بين التقدم والانحدار.

القيادة تبدأ من رفض التطبيع مع القبح

فحقيقة في طفولة المفكر عبد الله أوجلان في قرية أمارة الفقيرة لم يكن هناك ما يوحي بأنه سيصير رمزا تاريخيا لكن كان هناك شيء أعمق: رفض غريزي للواقع المشوه فحين رأى أخته تزوج وهي طفلة لم يبك كالأطفال بل سأل: لماذا؟ وحين دخل المدرسة وسمع اللغة التركية تفرض على أطفال لا يفهمون سوى الكردية لم يخضع بل تساءل: لماذا لا يكون التعليم بلغتنا؟ وحين شعر بالخجل من لباس والدته لم يبرر ذلك بالتطبع مع العصر بل نقد ذاته لاحقا وقال: كنا قد ابتعدنا عن جذورنا هذه اللحظات ليست مجرد تفاصيل سيرة بل هي بذور فلسفة قيادية كاملة: فالقيادة تبدأ من رفض التطبيع مع القبح ومن الإحساس بالمسؤولية تجاه الماضي والمستقبل معا القيادة ليست طموحا بل ضمير لا يهدأ.

من الثورة إلى الفلسفة: وحدة الفكر والعمل

ومع مرور الزمن خصوصا بعد تعرفه على الماركسية في الجامعة لم يكتف المفكر أوجلان باستيراد الأفكار الجاهزة بل بدأ يطبق ما سماه وحدة الفكر والعمل فبينما كان يقرأ عن الصراع الطبقي كان يعيش الفقر في جسده وبينما كان يسمع صوت الفنان الكردي أرام دكران كان يشعر بوجع الهوية المهمشة وحين رأى رفاقه يعدمون على منصات الإعدام لمجرد دفاعهم عن حق الشعوب في تقرير مصيرها لم يكتف بالتعاطف بل خرج بمظاهرة احتجاجية كلفته اعتقاله سبعة أشهر في تلك اللحظة لم يكن يدافع عن مجرد فكرة بل عن كرامة مسلوبة وهنا يبدأ التحول من متدين يحفظ القرآن إلى ثوري يحفظ التاريخ ومن طالب في العلوم السياسية إلى منظر للحرية.

الثورة الذهنية: المختبر الفكري في إيمرالي

لكن الذروة الحقيقية لتطور مفهوم القيادة عند المفكر أوجلان لم تأت في غابات قنديل بل في زنزانة إيمرالي. هناك حيث لا رفيق سوى الجدران ولا كتاب سوى الذاكرة حول السجن إلى مختبر فكري لا مثيل له في التاريخ الحديث فبينما كان السجناء الآخرون ينتظرون الفرج كان هو يفكك كل ما ورثه من الحداثة الرأسمالية من الدولة القومية من الخطاب الثوري الكلاسيكي وقال ذات مرة لمحاميه:أعيش في اليوم 40 إلى 50 صراعا مع ذاتي و هذا في الحقيقة ليس تعبيرا أدبيا بل وصف دقيق لعملية عميقة تسمى الثورة الذهنية وهذه الثورة التي قام بها ليست ثورة ضد العدو الخارجي بل ضد العدو الداخلي التعصب الطاعة العمياء عبادة الشخصية الرغبة في السلطة وهنا ظهرت الولادة الثالثة لفكره من الكفاح المسلح كوسيلة مقدسة إلى الكفاح الفكري كضرورة وجودية ومن هنا طرح مشروع الكونفيدرالية الديمقراطية ليس كاستراتيجية تكتيكية بل كفلسفة حضارية بديلة لخمسة آلاف سنة من الهيمنة.

روج آفا كتجسيد عملي لفلسفة القيادة الجماعية

والمثال الأبرز على تجسيد هذه الفلسفة هو تجربة روج آفا وتأسيس قوات قسد التي كانت من عبارة عن تحالف مكونات المنطقة فبعد طرد قوات النظام والقضاء على داعش في مناطق شمال وشرق السوريا لم تدخل قوات قسد إلى تلك المدن كغزاة أو محررين بل كمواطنين يبنون حياتهم من جديد فأنشأوا المجالس المحلية في كل حي والبلديات في كل مدينة و لجان الصلح والعدالة الاجتماعية في كل قرية وهذه المجالس حقيقة لم تنشأ بأوامر من فوق بل بثقافة تربى عليها الأخوة الأكراد عبر عقود من التنظيم الثوري ففي كل اجتماع لا يسأل ماذا قال القائد؟ بل ما رأي المجتمع؟ وحتى في نقد القيادة نفسها أصبحت هناك ثقافة مفتوحة: ففي 2015 حين طرح المفكر أوجلان من سجنه مفهوم الحل الديمقراطي مع تركيا لم يصدق الجميع بل جرت مناقشات حادة في كل وحدة تنظيمية وفي كل مجلس محلي وهذا بالضبط ما أراده المفكر آبو هو أن يصبح الشعب قادرا على اتخاذ القرار لا على طاعة القرار فحين يجتمع أهالي حي في قامشلو أو الطبقة أو الرقة أو الحسكة وديرالزور لاتخاذ قرار جماعي حول موضوع ما فإنهم لا ينتظرون أوامرا من دمشق أو حتى من قيادة الحزب بل يمارسون الديمقراطية من أسفل. هذه الأمثلة الصغيرة اليومية هي التي تشكل أساس الحل لأنها تعيد بناء المجتمع من الداخل بعيدا عن الدولة المركزية المدمرة أما إذا انحرف المسار تحول الحزب إلى كيان بيروقراطي أو تحول المجتمع إلى مجرد تابع للقيادة فإننا نعود إلى دائرة الفسخ حيث يستهلك النضال ويستنزف الشعب.

المرأة كمفتاح التحرر

ومن أعمق جوانب فلسفته هو نظرته إلى المرأة فهو لا يرى تحرير المرأة كحق مقدس بل كمفتاح لتحرير البشرية جمعاء ويقول: ان أول مجتمعات البشر كانت متمحورة حول المرأة وأول هزيمة في التاريخ كانت هزيمة المرأة وأقدم احتلال هو احتلال المرأة . لذلك فإن وحدات حماية المرأة ليست مجرد وحدات قتالية بل تجسيد لثورة في الذهنية ففي كل معسكر تدريبي تدرس المرأة ليس فقط القتال بل تاريخ الآلهات الأمهات وتحليل المجتمع الذكوري وفلسفة الحرية وحتى في الإدارة تطبق القيادة المشتركة فلا منصب يعطى إلا لرجل وامرأة ولم يكن ذلك مجرد قرار تنظيمي بل كان تجسيدا عمليا لحقيقة القيادة التي تحدث عنها المفكر أوجلان فالمرأة هنا لم تنتظر رجلا يحررها بل حررت نفسها بنفسها وأصبحت جزءا من القيادة الجماعية للمجتمع ففي عام 2014 حين هاجم داعش كوباني كانت أول من وقفت في الخطوط الأمامية امرأة كردية اسمها آرين ميركان ليصبح اسمها رمزا عالميا للشجاعة لكن آرين لم تكن استثناء بل ثمرة لمنظومة قيادية جعلت من المرأة ليس نصف المجتمع بل مركزه الأخلاقي والسياسي.

العدالة كشفاء جماعي

ولا يمكن فهم حقيقة القيادة عند المفكر أوجلان دون الغوص في مفهومه للعدالة فهو لا يرى العدالة كعقوبة تفرض بل كشفاء جماعي ولذلك في محاكم روج آفا لا يسجن المجرم ليعاقب بل يعاد تأهيله ليصلح فحتى في جرائم القتل تعطى الأولوية للمصالحة الاجتماعية حيث يجتمع أهل الضحية والقاتل ويناقش الجرح ويبحث عن الحل وهذا ليس ضعفا بل ثقة عميقة بالمجتمع بأنه قادر على حل مشكلاته دون وصاية الدولة حيث يقول المفكر آبو: أتيت إلى هذه الدنيا لا لأطلب الحساب بل لأظهر الحقيقة وأصحاب الحق وأخذ الحساب من المجرمين حتى لو كنت في القبر سأطلب منكم الحساب فحقيقة هذه ليست دعوة للانتقام بل تأكيد على أن العدالة لا تموت مع الجسد بل تستمر مع الضمير الجمعي.

الأزمة البيئية كأحد أوجه الأزمة الحضارية

ومن الجوانب الأكثر وعيا في فكره هو نظرته إلى البيئة فهو يرى أن أزمة البشرية ليست فقط سياسية أو اقتصادية بل إيكولوجية. حيث يقول: أن الحداثة الرأسمالية حولت الطبيعة إلى مورد والإنسان إلى آلة ولذلك جعل التوازن مع الطبيعة هو أحد أركان الحداثة الديمقراطية وفي روج آفا عام 2019 حين اشتعلت حرائق في مناطق الجزيرة لم تنتظر الإدارة دعما خارجيا بل شكلت وحدات من أبناء القرى للمساهمة في اطفاء الحرائق وهذه ليست ممارسات بيئية بل تجسيد لفلسفة قيادية ترى أن الأرض ليست ملكا بل وطنا.

الشراكة مع العرب: حجر الزاوية في مشروع الأمة الديمقراطية

فالمفكر أوجلان على الرغم من عزلته الجسدية ظل حاضرا في تفاصيل الواقع السوري متابعا بعين ناقدة ورؤية استراتيجية فحين تطورات الأمور في شمال وشرق سوريا خلال الحرب على داعش وتأسيس قوات قسد من مكونات المنطقة ومنذ اللحظات الأولى لبروز تجربة روج آفا أكد المفكر أوجلان أن أي مشروع سياسي لا ينصف العرب ولا يشركهم كأصحاب قرار وشريك أساسي هو مشروع منقوص ومهدد بالفشل. فحقيقة المفكر أوجلان دائما مايؤكد أن العشائر العربية ليست تجمعات قبلية فحسب بل هي نسيج اجتماعي عميق تحمل تاريخا مشتركا مع الكرد وتشكل ركيزة جوهرية في وحدة سوريا واستقرارها ومن هنا وجه دعوات متكررة ليس كأوامر من أعلى بل كأسئلة نقدية تنشد التأسيس الديمقراطي لضرورة بناء علاقة قائمة على الاحترام المتبادل لا على الهيمنة أو الإقصاء ففي عام 2019 حين دخلت قوات التحالف إلى دير الزور كان تحذير أوجلان واضحا: لا تحلوا محل العشائر بل مكنوها هذه العبارة الموجزة تعبر عن فهم دقيق للقيادة الحقيقية والتي يرى أنها ليست في فرض الرؤية بل في خلق شروط تتيح للمجتمعات أن تبني رؤيتها بنفسها ضمن إطار جامع يضمن العدالة والمساواة فالمطلوب ليس إدارة من فوق بل تمكين من الداخل يعيد للعرب دورهم التاريخي كفاعلين في تقرير مصيرهم.

النقد الذاتي كشرط للديمقراطية

كما لاحظ المفكر أوجلان من خلال ملاحظاته التي وصلت عبر محاميه أن بعض الممارسات الإدارية تنم عن نظرة تمييزية أو تعالي تجاه المكون العربي فوجه رسالة حاسمة قال فيها: إن لم تكن ثورتكم جامعة فإنكم تعيدون إنتاج نموذج الدولة القومية الذي انتفضتم ضده. وهذه دعوة صريحة لاجتناب تكرار أخطاء الماضي وتأكيد أن الديمقراطية ليست شعارا بل ممارسة يومية تبدأ باحترام الآخر وتمكينه. وفي رسالته إلى شيوخ ووجهاء العشائر العربية في 2019 وفي تموز/يوليو 2025 جدد المفكر أوجلان دعوته إلى تعزيز أواصر الأخوة بين الكرد والعرب مشيرا إلى أن العلاقة التاريخية بين المكونين هي الضمانة الأكيدة لوحدة سوريا وتماسكها الاجتماعي. ورأى أن العشائر العربية تضطلع بدور حاسم في حماية الاستقرار وبناء نظام سياسي عادل ومواجهة ما وصفه بالتدخلات الخارجية فحقيقة ان جوهر فكر المفكر أوجلان هو أن الحل لا يكون بالحرب بل بالديمقراطية ولا بالانقسام بل بالتحالف ولا بالوصاية بل بالمشاركة. فالعرب في رؤيته ليسوا شريكا من بين شركاء بل ركيزة لا تستبدل في مشروع الأمة الديمقراطية الذي يهدف إلى دولة تعددية لا مركزية تدار من قبل جميع مكوناتها دون وصاية أو تمييز.

التحرر لا يمنح بل ينتج

وفي النهاية فإن حقيقة القيادة عند المفكر آبو تختزل في فكرة واحدة: أن التحرر لا يمنح بل ينتج فالقائد الحقيقي ليس من يقود بل من يجعل القيادة غير ضرورية فهو لا يريد أن يعبد بل أن يفهم ولا أن يقدس بل أن يتجاوز وقال مرارا أريد أن تصبحوا كلكم قادة. وهذه ليست دعوة إلى الفوضى بل إلى النضج بل أن يصبح كل مواطن قادرا على أن يدير حياته وقريته ومستقبله. وهذا بالضبط ما جعل تجربة روج آفا منيعة على الانهيار حتى تحت القصف التركي اليومي لأنها لا تعتمد على رجل واحد بل على وعي جماعي فالنار قد تحرق الجسد لكنها لا تحرق الفكرة والزنزانة قد تحبس الجسد. لكنها لا تحبس الذهن ومن هنا فإن المفكر عبد الله أوجلان رغم عزلته كان حاضرا في كل مجلس محلي في كل فصل دراسي في كل قرار جماعي ليس كشخص بل كروح توجه المسار لا كيد تديره.

القيادة الحقيقية: تمرد لا عبادة

ومن هنا فإن حقيقة القيادة ليست في السلطة بل في القدرة على زرع الحرية في نفوس الناس وليست في الخطاب بل في الممارسة وليست في البقاء بل في أن تورث للآخرين روح التمرد لا عبادة الذات. ففي زمن يختزل القيادة في الظهور الإعلامي أو عدد المتابعين تأتي فلسفة آبو كنداء أخلاقي عميق أن كن قائدا ولكن لا تطلب الطاعة بل علم الناس أن يسألوا أن يشكوا أن يقاوموا حتى لو كان ذلك في وجهك لأن القيادة الحقيقية لا تبدأ حين يظهر الزعيم بل حين يرفض الشعب أن يكون تابعا وبذلك فإن حقيقة القيادة ليست حالة شخصية بقدر ما هي عمل جماعي تاريخي يستهدف تمكين الشعب من إدراك ذاته كفاعل تاريخي لا كمتلق سلبي وهي في هذا السياق تشكل نقدا جذريا لكل أشكال القيادة السلطوية وتفتح الباب أمام تجربة سياسية جديدة لا تركز على الفرد بل على توليد قيادات جماعية قادرة على تحمل المسؤولية التاريخية وصناعة السلام من الداخل لا من فوق وعليه فإن فهم هذه الحقيقة ليس رفاهية فكرية بل شرطا لازما لأي مشروع تحرري حقيقي سواء في كردستان أو خارجها لأنه بلا قيادة جماعية واعية يظل الحلم أسير الواقع ويظل الواقع عاجزا عن إنجاب الحلم ، وقد تجلى أسمى تجل لهذه الحقيقة حين أدرك أشد الأعداء للمفكر أوجلان بهجلي أن هذا القائد لا يمكن هزيمته بالحديد بل لا بد من مصافحته بالعقل فطلب السلام وطالب بلقائه.



#أنس_قاسم_المرفوع (هاشتاغ)       Anas_Qasem_Al-marfua#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- معضلة التبعية وأمل التحرر الحقيقي
- الإسلام بين التراث والتحرير: نحو مشروع حضاري قائم على العدال ...
- سوريا من ركام الطغيان إلى وطن التعددية: معضلة البناء وآفاق ا ...
- الديمقراطية كأخلاقيات: من مقاومة الدولة إلى بناء المجتمع
- نحو ثورة ذهنية: بناء مجتمع ديمقراطي قائم على العدالة والاعتر ...
- الانسحاب الكردي من تركيا: بين رؤية المفكر أوجلان للسلام ومأز ...
- تأسيس الكيانات القومية في الشرق الأوسط: من الأدوات الاستعمار ...
- الديمقراطية من منظور تحرري: نحو -أمة ديمقراطية- في قلب الشرق ...
- مشروع الشرق الأوسط الكبير: من الفوضى المُنظمة إلى أمة ديمقرا ...
- أخلاقيات النضال في فلسفة المفكر عبدالله أوجلان : حين تتحول ت ...
- أخلاقيات النضال: حين تتحول تضحيات الشهداء إلى مؤسسات خالدة
- الدولة المركزية: القمع والدمار وبدائل التحرر
- لاعدالة دون اعتراف : ذاكرة المظلومين أساس بناء الدول :
- إعادة تشكيل سوريا الجديدة: نحو مشروع ديمقراطي تشاركي من خلال ...
- سوريا المستقبل من نموذج الاستعمار إلى أمة التحرر: المرأة أسا ...
- سوريا ما بعد الأسد: من دولة الهيمنة إلى مجتمع التعاقد - نحو ...
- الأخلاق كبنية تحتية للأمة الديمقراطية: قراءة في فكر أوجلان ح ...
- الضربات الأمريكية على إيران هل تفتح الباب لثورة داخلية أم حر ...
- من التشرذم إلى الثورة: كيف تصنع شعوب الشرق الاوسط مصيرها في ...
- الشرق الأوسط الجديد كيف تم تحويل الأخوة إلى اعداء؟ من التفتي ...


المزيد.....




- كيف أنقذت كلبة حياة صاحبها بعد إصابته بتوقف قلبي أثناء النوم ...
- إسرائيل تعيش حربًا مختلفة.. جبهة مفتوحة بين كاتس وزامير ونتن ...
- ترامب -متفائل- ويؤكد أن روسيا -مستعدة لتقديم تنازلات-
- مؤشرات مقلقة وأزمات متعاقبة.. ما واقع التعليم في فلسطين؟
- الخطف الجماعي للتلاميذ بنيجيريا يكشف عن معاناة تينوبو الأمني ...
- تعتبره كابل ندبة استعمارية.. ما الخط الذي يثير التوتر بين أف ...
- قطر الخيرية تدشن مشاريع لتعزيز التنمية المستدامة في سريلانكا ...
- روسيا تقصف أوكرانيا بعشرات المسيرات وويتكوف يتوجه لموسكو الأ ...
- خطة ترامب لإنهاء حرب أوكرانيا -منسوخة من روسيا-.. كيف؟
- مصر: ندعم الجهود الرامية إلى تخفيف التوتر في لبنان


المزيد.....

- اليسار الثوري في القرن الواحد والعشرين: الثوابت والمتحركات، ... / رياض الشرايطي
- رواية / رانية مرجية
- ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أنس قاسم المرفوع - حقيقة القيادة: قراءة في فلسفة عبد الله أوجلان الوجودية والجماعية