أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أنس قاسم المرفوع - تأسيس الكيانات القومية في الشرق الأوسط: من الأدوات الاستعمارية إلى هيمنة إسرائيل في ظل الرأسمالية العالمية - قراءة في فكر عبدالله أوجلان















المزيد.....

تأسيس الكيانات القومية في الشرق الأوسط: من الأدوات الاستعمارية إلى هيمنة إسرائيل في ظل الرأسمالية العالمية - قراءة في فكر عبدالله أوجلان


أنس قاسم المرفوع
أكاديمي وكاتب وسياسي سوري باحث في مركز دراسات الشرق للسلام

(Anas Qasem Al-marfua)


الحوار المتمدن-العدد: 8502 - 2025 / 10 / 21 - 21:04
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


تأسيس الدول القومية العربية وإسرائيل

حقيقة بدأ التحول الكبير في الشرق الأوسط مع بداية القرن التاسع عشر عندما بدأت إنكلترا بالعمل العسكري على الإمبراطورية العثمانية حيث استخدمت إنكلترا رجال الدين الأرثوذكسيين في البلقان لتشجيع تشييد الدولة القومية اليونانية مما سرع من انهيار الإمبراطورية العثمانية في تلك المنطقة وفي نفس الوقت بدأت بتنفيذ استراتيجية مماثلة في شبه الجزيرة العربية مستفيدة من مساندة الشيوخ والزعماء الدينيين كالشريف حسين
حقيقة هذا النشاط البريطاني استمر حتى بعد الحرب العالمية الأولى حيث تم تشييد الدول القومية العربية تحت نظام الانتداب ومع نهاية الحرب العالمية الثانية أصبحت الدول العربية قومية بشكل كامل مما أدى إلى تصفية الإمبراطورية العثمانية وتكوين فراغ كبير في المنطقة على الرغم من أن إنكلترا لم تستقر في المنطقة كقوة استعمارية مباشرة إلا أنها حافظت على نفوذها من خلال تشييد الدول القومية العربية وإسرائيل. حيث يرى المفكر أوجلان أنه تم تشييد الدولة القومية الحديثة كأداة للحداثة الرأسمالية وليس كوسيلة للتحرر أو بناء الأوطان فهو يؤكد أن إنكلترا ومن بعدها القوى الإمبريالية لم تكتف بهدم الإمبراطورية العثمانية فحسب بل عملت على تفتيت المنطقة إلى دويلات قومية صغيرة تفتقر إلى القدرة على الاستقلال الحقيقي وتدار ضمن شبكة مصالح تخدم الهيمنة الرأسمالية العالميةالتي تتخذ من إسرائيل نواة مهيمنة لها في المنطقة فحقيقة اليوم وبعد مرور أكثر من قرن على تفتيت المنطقة لم تعد إسرائيل مجرد دولة تدافع عن وجودها بل قوة عسكرية واستخباراتية واقتصادية مهيمنة تقرر مصائر الدول وتعيد ترتيب الخريطة وفق مصالحها بدعم غربي مباشر أو ضمني.


إسرائيل: نواة الهيمنة الرأسمالية في الشرق الأوسط

لا يمكن فهم الدور الذي تلعبه إسرائيل في الشرق الأوسط اليوم من خلال اعتبارها دولة قومية عادية تسعى فقط إلى تأمين وجودها بل يجب النظر إليها باعتبارها قوة مهيمنة منشأة ضمن بنية النظام الرأسمالي العالمي ومصممة منذ نشأتها لتكون رأس الحربة للهيمنة الغربية في قلب المنطقة فإسرائيل لم تولد ككيان سياسي فحسب بل كنواة استراتيجية لفرض ترتيبات جيوسياسية واقتصادية تخدم مصالح الرأسمالية العالمية وترسخ منطق الدول القومية المرتبطة بها وهذا الدور الهيكلي حقيقة جعل من الاعتراف بإسرائيل شرطا لا غنى عنه لشرعية أي دولة عربية في العين الغربية فالمملكة الأردنية ومصر بعد كامب ديفيد ودول الخليج التي وقعت اتفاقيات إبراهام كلها أدرجت في النظام الدولي القائم بقدر ما قبلت بشرعية ال إسرائيل والعكس صحيح: كل دولة أو قوة رفضت هذا الاعتراف ووجهت إليها سياسات استنزاف مستمرة حروب حصار اقتصادي تفكيك داخلي حتى تجبر على القبول بالواقع الجديد الذي تفرضه إسرائيل كجزء لا يتجزأ من النظام الإقليمي

هيمنة بلا حدود: إسرائيل في مرحلة ما بعد 2020

مع دخول العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين برزت إسرائيل بوضوح كالقوة الوحيدة القادرة على فرض إرادتها دون رادع في المنطقة مستفيدة من التحولات الجيوسياسية العميقة التي شهدها الشرق الأوسط ومن التراجع النسبي للقوى الإقليمية والدولية المنافسة
ففي لبنان: تم إنهاء حزب الله فحقيقة إسرائيل لم تعد تكتفي بالرد على الصواريخ أو الاشتباكات الحدودية سابقا فقد نفذت خلال السنوات الأخيرة حملة عسكرية واستخباراتية شاملة استهدفت البنية القيادية واللوجستية لحزب الله تم تصفية عشرات القادة وقطع خطوط الإمداد الإيرانية عبر سوريا النتيجة؟ إنهاء حزب الله بشكل شبه كامل فهو لم يعد يمتلك القدرة على شن أي عمليات عسكرية وأصبحت بيروت تحت وطأة شروط إسرائيلية مباشرة تتعلق بالأمن الحدودي بل وحتى بالقرارات السيادية.
أما سوريا: فبد سقوط نظام بشار الأسد في أواخر عام 2024 على يد هيئة تحرير الشام نتيجة القصف الإسرائيلي المكثف على حلفائه الإيرانين وحزب الله وتفكيكهم على الأرض وانهيار الاقتصاد تحت وطأة عقوبات قيصر لم تكتف إسرائيل بهزيمة الخصم بل شرعت في إعادة تشكيل الواقع الأمني في جنوب سوريا وخاصة بعد احداث السويداء حيث فرضت حظرا جويا كاملا على أجواء درعا والسويداء وجنوب دمشق ومنعت أي تواجد عسكري سوري هناك باستثناء قوات شرطة محلية كما أطلقت سلسلة غارات على ما تبقى من الترسانة العسكرية السورية بعد سقوط النظام مباشرة مرسلة رسالة واضحة: لن يسمح لأي جيش سوري جديد بأن يمتلك أسلحة ثقيلة أو أن يشكل تهديدا استراتيجيا لإسرائيل. فالجيش السوري المستقبلي سيكون جيشا احترافيا محدود التسليح خاضعا لقواعد اللعبة الإسرائيلية.
أما في قطاع غزة فقد أنهت إسرائيل عبر حرب شاملة استمرت أشهرا وجود حماس كقوة عسكرية وسياسية منظمة حيث م استهداف قياداتها داخل القطاع وخارجه وتفكيك شبكة الأنفاق التي شكلت عصب مقاومتها وتجفيف مصادر تمويلها عبر الضغط على قطر وتركيا واليوم بعد اتفاق السلام الأخير الذي لم يكن سوى ترتيب لإدارة ما بعد الحرب بات القطاع يدار فعليا عبر إدارة مدنية مؤقتة تابعة لإسرائيل تحت غطاء دولي ودعم من جهات وسيطة.
أما في اليمن والعراق لم تعد الضربات الإسرائيلية محصورة في الجوار المباشر ففي اليمن تصاعدت الغارات على مواقع الحوثيين ليس فقط ردا على هجماتهم على الملاحة بل كجزء من استراتيجية احتواء النفوذ الإيراني الذي بات ينظر إليه في تل أبيب كمنافس إقليمي مباشر حيث تم استهداف قيادات حوثية وضرب منشآت يشتبه في ارتباطها ببرنامج صواريخ أو طائرات مسيرة بالتعاون مع الولايات المتحدة. وفي العراق أصبحت الغارات على معسكرات الحشد الشعبي وقواعد الحرس الثوري روتينا أمنيا تبرره إسرائيل بالدفاع عن النفس واللافت أن الحكومات العراقية المتعاقبة رغم خطابها الوطني تختار الصمت خشية أن يؤدي أي رد إلى الإطاحةبالنظام الهش أصلا.
حتى قطر التي لطالما لعبت دور الوسيط بين إسرائيل وحماس لم تسلم من هذا المنطق ففي خطوة غير مسبوقة نفذت إسرائيل غارة جوية على أراض قطرية استهدفت مقرات يعتقد أن قيادات حماس كانت تتواجد فيه وجاءت التصريحات الصريحة لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لتؤكد الموقف: أقول لقطر وجميع الدول التي تؤوي الإرهابيين: عليكم إما طردهم أو تسليمهم وإلا فسنفعل ذلك بأنفسنا. وأكد هذا الموقف توم باراك المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا حين قال: إسرائيل ليس لديها خطوط حمراء ستضرب أي مكان في المنطقة يُشكل تهديدا لها. وحقيقة هذه التصريحات لم تكن مجرد تهديدات بلاغية بل إعلانا صريحا عن واقع جديد يؤكد أن إسرائيل اليوم تمتلك حرية التصرف الكاملة في الفضاء الإقليمي دون رادع فعلي سواء من القوى العربية أو حتى من الحلفاء التقليديين ما دامت تتحرك ضمن المصلحة الاستراتيجية الغربية. فحقيقة لا يمكن فصل الصعود الإسرائيلي في المنطقة عن طبيعة النظام الرأسمالي العالمي الذي أنشأه فإسرائيل ليست مجرد دولة تدافع عن نفسها بل أداة هيمنة منظمة تستخدم لفرض التبعية وتكريس التجزئة وضمان استمرار تدفق الموارد والولاءات نحو مراكز القرار الغربي وكلما رفضت دولة أو حركة هذا المنطق ووجهت إليها آلة الحرب الإسرائيلية بدعم أو صمت دولي حتى تجبر على الرضوخ وهكذا ترسخت إسرائيل ليس كدولة بين دول بل كقوة فوق الدول تعيد تشكيل خريطة الشرق الأوسط وفق منطق الهيمنة الرأسمالية حيث لا مكان للمقاومة إلا كاستثناء مؤقت ولا شرعية إلا لمن يعترف بها.

تأثير التحركات الإسرائيلية على توازن القوى: قراءة من منظور نقد الهيمنة

ما تشهده المنطقة اليوم من تحركات إسرائيلية متسارعة ليس مجرد سلوك أمني دفاعي بل هو تعبير مباشر عن طبيعة الدولة القومية الرأسمالية التي توظف كأداة للهيمنة الإمبريالية فإسرائيل بوصفها نتاجا مباشرا للحداثة الرأسمالية الغربية لا تسعى فقط إلى تأمين وجودها بل إلى إعادة تشكيل الشرق الأوسط وفق منطق المركز - الهامش حيث تقصى الشعوب وتهمش إرادتها ويحتفظ بالسلطة الحقيقية لصالح القوى المهيمنة
هذا المشروع الهادف إلى إضعاف أي قوة إقليمية تهدد هيمنة إسرائيل سواء كانت دولة أو حركة مقاومة، لا يعيد فقط ترتيب موازين القوى لصالح إسرائيل بل يعمق أزمة الدولة القومية في المنطقة إذ يثبت أن هذه الدول بغض النظر عن خطابها إما تستنزف حتى الانهيار أو تجبر على الاندماج في النظام الهيمني عبر الاعتراف باسرائيل. لكن هذا النوع من الهيمنة لا يخلو من تناقضات داخلية فحقيقة كلما ازدادت إسرائيل جرأة في فرض إرادتها ازدادت إمكانية ولادة مقاومة شعبية عابرة للحدود مقاومة لا تعتمد على الدولة بل على التضامن العضوي بين الشعوب وعلى وعي جماعي بضرورة كسر حلقة التبعية والانقسام وهنا يكمن بذور زوال الهيمنة ليس عبر مواجهة عسكرية تقليدية بل عبر بناء بدائل ديمقراطية لا مركزية وشعبية تعيد للإنسان كرامته وحريته.
مستقبل تركيا: بين مخالب الهيمنة وضرورة التضامن

حقيقة تركيا بوصفها دولة قومية ذات طموحات إقليمية تجد نفسها اليوم في مفترق طرق خطير فهي تدرك أن المشروع الإسرائيلي لا يستهدف فقط الأعداء المباشرين بل كل من يملك إرادة استقلالية في المنطقة وعليه فإن الدور قد يطالها لاحقا لا لأنها عدو بل لأنها لم تسلم تماما بمنطق الهيمنة الجديد حقيقة هذا الوضع يضع تركيا أمام معضلة وجودية إما أن تنضم صراحة إلى محور الهيمنة كما فعلت بعض الدول تحت غطاء التطبيع فتضمن أمنها المؤقت على حساب كرامتها أو أن تعيد تعريف مصالحها ليس من منظور الدولة القومية الضيقة بل من منظور التضامن مع الشعوب المقهورة وهنا نلاحظ أن تركيا قد بدأت فعليا في التخلي عن القومية التركية الضيقة التي حكمت سياستها لعقود فبعد عقود من إنكار وجود الشعب الكردي وممارسة أقسى أشكال القمع ضده من التهجير إلى الحظر الثقافي والاعتقالات الجماعية ومحاربة الأكراد حتى في الدول المجاورة جاء اتفاق السلام التاريخي بين الدولة التركية وحزب العمال الكردستاني بزعامة المفكر عبدالله أوجلان ليشكل منعطفا جذريا وما تبعه من تصريحات رسمية إيجابية تجاه الأكراد واعتراف ضمني بحقهم في الهوية والمشاركة السياسية وهذا يعكس تحولا جوهريا في البنية السياسية التركية ينسجم ولو جزئيا مع رؤية أوجلان حول الديمقراطية الكونفدرالية والتعايش بين الشعوب. وهنا حقيقة يبرز فكر المفكر أوجلان كمخرج استراتيجي: فالحل لا يكمن في مواجهة إسرائيل بدولة مقابل دولة بل في تفكيك المنظومة التي تنتج الهيمنة من جذورها أي الدولة القومية الرأسمالية نفسها ولذلك على تركيا أن تختار هل ستكون جزءا من نظام يعيد إنتاج الاضطهاد أم ستصبح جسرا نحو شرق أوسط ديمقراطي لا مركزي ومتضامن حيث لا مكان للهيمنة بل للعيش المشترك والعدالة الاجتماعية حقيقة الاختيار ليس سهلا لكنه ضروري ففي عالم تفرض فيه الهيمنة باسم الأمن لا يبقى أمام الشعوب سوى المقاومة عبر البناء البديل الكونفدرالية الديمقراطية وهي جوهر فلسفة التحرر عند المفكر أوجلان.

خياران لإسرائيل: الهيمنة أم التحرر المشترك

حقيقة هنا يقدم المفكر أوجلان لإسرائيل كقوة مهيمنة ناتجة عن الحداثة الرأسماليةخيارين لا ثالث لهما:
- الخيار الأول : مواصلة مسار الهيمنة وفرض الإرادة بالقوة وبناء الأمن على أنقاض شعوب المنطقة لكن هذا المسار مهما بدا ناجحا في المدى القصير سيولد مقاومة لا تنضب ويعمق الكراهية ويبقي المنطقة في دوامة عنف لا نهاية لها.
- الخيار الثاني: أن تتخلى إسرائيل عن وهم الدولة القومية المهيمنة وتلتحق بمشروع اتحاد الأمم الديمقراطية في الشرق الأوسط وهذا حقيقة لا يعني الاندثار بل التحول من كيان يفرض نفسه بالسلاح إلى شريك في مجتمع ديمقراطي متعدد الثقافات يضمن أمن الجميع عبر العدالة لا عبر القوة.

القضايا العربية في قلب أزمة الحداثة الرأسمالية

حقيقة لا يمكن فهم المآسي التي تعيشها الشعوب العربية من الحروب الأهلية والطائفية إلى الانهيار الاقتصادي ومن التجزئة السياسية إلى فقدان الهوية من دون رؤيتها في سياقها البنيوي أي الاندماج القسري للمنطقة في منظومة الحداثة الرأسمالية العالمية كما يصفها المفكر أوجلان فهو يصر على أن الدول العربية الـ22 ليست كيانات مستقلة ناتجة عن إرادة شعوبها بل هي وحدات إدارية مصطنعة أنشئت لخدمة مصالح النظام الرأسمالي العالمي وقد أدى هذا الاندماج إلى تحويل هذه الدول إلى تنظيم عميل جماعي يعيد إنتاج التبعية ويثبت الانقسام ويفقد الشعوب قدرتها على تقرير مصيرها ويسرق خيراتها فحقيقة العراق وسوريا وليبيا واليمن والسودان ولبنان فلسطين ليست استثناءات بل أمثلة صارخة على كيف أن الانتماء إلى النظام الرأسمالي العالمي يولد الكوارث حين تتعارض المصالح الإقليمية مع مصالح المركز الإمبريالي فالصراعات التي مزقت هذه المجتمعات لم تكن نتاج فشل داخلي أو نتاج العقل العربي المتخلف أو الخلافات القبلية بل هي تجليات مباشرة لما يسمى الحرب بالوكالة بين القوى الإمبريالية والإقليمية حيث كل منها تستخدم النخب المحلية كأدوات لتصفية حسابات لا علاقة لها بمصالح الشعوب وهذا حقيقة نتيجة حتمية لكون هذه الدول جزءا من بنية هرمية تنتج الفقر والعنف والتفتت كوظائف أساسية لهذه الأنظمة ومن هنا فإن الحلول التقليدية كالتنافس على السلطة داخل الدولة أو المطالبة بحصة أكبر من الكعكة الاقتصادية لا تفعل سوى إعادة إنتاج الأزمة ومزيد من الفوضى لأنها لا تمس جذور النظام نفسه، فحقيقة قبل ترامب كانت العلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية ودول المنطقة تدار بقدر من اللباقة الدبلوماسية حيث كانت واشنطن تتحدث عن التحول الديمقراطي حتى وهي تدعم أعتى الديكتاتوريات لكن ترامب بمنطقه الرأسمالي الصريح أنهى مرحلة التمويه الليبرالي لم يعد هناك حديث عن نشر الديمقراطية بل عن الصفقات وهذا في الحقيقة أكثر صدقا ليس لأنه أخلاقي بل لأنه يكشف طبيعة النظام الرأسمالي مع دول المنطقة كما هي علاقة استغلالية صريحة لا علاقة تعاونية وترامب ببلاهته السياسية وصراحته كشف الغطاء جئت لأخذ أموالكم قالها صراحة وهذا الانكشاف رغم قبحه يحمل في طياته فرصة فإذا كان القناع قد سقط فلم نستمر في التظاهر بأنه لا يزال موجودا ولذلك لماذا نستمر في تخيل أن الشراكة مع الغرب يمكن أن تقود إلى التحرر؟

الإسلام السياسي: واجهة أيديولوجية للرأسمالية

حقيقة يرفض المفكر أوجلان الخلط بين الإسلام كحضارة إنسانية غنية وبين الإسلام السياسي كظاهرة حديثة فالأخير سواء في شكله المعتدل أو الراديكالي المتطرف ليس تعبيرا عن جوهر الدين بل هو أيديولوجيا منتجة في مختبرات الحداثة الرأسمالية توظف لتعبئة الجماهير أوتحييدها أو لتبرير سياسات النخب الحاكمة تحت غطاء ديني أو حتى إسقاط حكومات أو إعادة شعبيتها وهو في جوهره نسخة معدلة من القوموية أي نفس المنطق الذي يقدس الدولة ويوحد الناس حول هوية مغلقة وينفي الآخر. أما الإسلام الثقافي بمعناه الإنساني الأخلاقي والروحي فهو يحتوي على طاقات تحررية حقيقية لكنه لا يمكن أن يصبح قوة فاعلة إلا إذا أُخرج من سجن الأيديولوجيا وأُعيد تأويله في إطار عصرانية ديمقراطية أي عصرانية لا تنكر التراث بل تتفاعل معه بروح نقدية وحرية وتجعل منه جزءا من مشروع مجتمعي يعلي من قيم العدالة والكرامة والتضامن.

العصرانية الديمقراطية: المشروع البديل

حقيقةفي مواجهة هذا الواقع المأزوم لا يقدم المفكر أوجلان حلولا ترقيعية بل مشروعا حضاريا بديلا ألا وهو العصرانية الديمقراطية وهي ليست مجرد نظام سياسي أو اقتصادي بل رؤية شاملة للحياة تقوم على تجاوز الحداثة الرأسمالية وبناء عالم جديد يرتكز على ثلاثة أركان متداخلة:
أولا : الأمة الديمقراطية: ترفض منطق الدولة القومية التي تقطع النسيج الثقافي والاجتماعي للمنطقة كالقصاب بدلا من ذلك تقترح الأمة الديمقراطية وحدة متكاملة قائمة على التنوع اتحادا للأمم والثقافات والديانات في الشرق الأوسط يحترم الخصوصيات ويحقق التضامن العضوي بين الشعوب. الكرد، العرب، الترك، الآشوريون، اليزيديون، الدروز، المسيحيون، واليهود—كلهم شركاء في هذا المشروع لا أعداء ولا أقليات.
ثانيا : الاقتصاد الديمقراطي : يعيد تعريف العلاقة مع الثروة والعمل لا مكان فيه للاقتصاد الريعي أو الاحتكاري بل لنظام يوزع الموارد بشكل عادل ويشجع على الملكية الجماعية والتعاون والشفافية الهدف ليس النمو من أجل النمو، بل الحياة الكريمة للجميع.
ثالثا : الصناعة الإيكولوجية: تعيد التوازن بين الإنسان والطبيعة فالتنمية لا تعني تدمير البيئة، بل العيش في وئام معها والصناعة ليست وسيلة للاستغلال بل أداة لخدمة المجتمع ضمن حدود الاستدامة.
في النهاية حقيقة تعتبر رؤية المفكر أوجلان ليست حلما بعيد المنال بل استجابة ضرورية لأزمة وجودية فالشرق الأوسط لن يشفى بتعديلات على هامش النظام القائم بل فقط عبر تفكيك جذور الهيمنة الرأسمالية الدولة القومية الالقوم والاستعمار الجديد و بناء بديل من الأسفل يبدأ من الشارع من المرأة من القرية من التضامن اليومي بين الشعوب في هذا المشروع لا مكان للعدو الأبدي بل للخصم المؤقت ولا مكان للهيمنة بل للشراكة والسلام الحقيقي الذي لا يبنى بالمعاهدات بين الأنظمة بل بالعيش المشترك بين الشعوب الحرة وهذا هو جوهر العصرانية الديمقراطية أي تحرير الإنسان أينما كان من سجن الحداثة الرأسمالية.



#أنس_قاسم_المرفوع (هاشتاغ)       Anas_Qasem_Al-marfua#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الديمقراطية من منظور تحرري: نحو -أمة ديمقراطية- في قلب الشرق ...
- مشروع الشرق الأوسط الكبير: من الفوضى المُنظمة إلى أمة ديمقرا ...
- أخلاقيات النضال في فلسفة المفكر عبدالله أوجلان : حين تتحول ت ...
- أخلاقيات النضال: حين تتحول تضحيات الشهداء إلى مؤسسات خالدة
- الدولة المركزية: القمع والدمار وبدائل التحرر
- لاعدالة دون اعتراف : ذاكرة المظلومين أساس بناء الدول :
- إعادة تشكيل سوريا الجديدة: نحو مشروع ديمقراطي تشاركي من خلال ...
- سوريا المستقبل من نموذج الاستعمار إلى أمة التحرر: المرأة أسا ...
- سوريا ما بعد الأسد: من دولة الهيمنة إلى مجتمع التعاقد - نحو ...
- الأخلاق كبنية تحتية للأمة الديمقراطية: قراءة في فكر أوجلان ح ...
- الضربات الأمريكية على إيران هل تفتح الباب لثورة داخلية أم حر ...
- من التشرذم إلى الثورة: كيف تصنع شعوب الشرق الاوسط مصيرها في ...
- الشرق الأوسط الجديد كيف تم تحويل الأخوة إلى اعداء؟ من التفتي ...
- من الدولة الدينية إلى الأمة الديمقراطية: تحليل المفكر أوجلان ...
- صدام الرؤى: حرية النخبة المجردة مقابل حرية المجتمع الجذرية م ...
- قراءة في خطاب السفير الأمريكي ورؤية أوجلان الاستشرافية


المزيد.....




- الكشف عن قيمة المسروقات من متحف اللوفر
- -مسار الأحداث- يناقش أسباب زيارة دي فانس وكوشنر وويتكوف لإسر ...
- غزة بعد الاتفاق مباشر.. إسرائيل تفحص جثتي أسيرين وحماس تؤكد ...
- البرلمان التركي يقر تمديد إرسال قوات إلى العراق وسوريا
- فرنسا تعلن قيمة -كنوز اللوفر- المسروقة.. وتوجه تحذيرا إلى ال ...
- ترامب عن لقاء بوتين: -لا أريد أن أضيع وقتي-
- نتنياهو يُقيل تساحي هنغبي: خلافات غزة والرهائن تُطيح بمستشا ...
- كيف وجد الرئيس ساركوزي نفسه وراء القضبان، ومن هو الملياردير ...
- بين شهادة المرحوم مصطفى البراهمة و مسلسل “حين يرونا”: خاطرة ...
- شاهد..برشلونة يحقق مكاسب بالجملة بعد الفوز على أولمبياكوس


المزيد.....

- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي
- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أنس قاسم المرفوع - تأسيس الكيانات القومية في الشرق الأوسط: من الأدوات الاستعمارية إلى هيمنة إسرائيل في ظل الرأسمالية العالمية - قراءة في فكر عبدالله أوجلان