أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أنس قاسم المرفوع - معضلة التبعية وأمل التحرر الحقيقي














المزيد.....

معضلة التبعية وأمل التحرر الحقيقي


أنس قاسم المرفوع
أكاديمي وكاتب وسياسي سوري باحث في مركز دراسات الشرق للسلام

(Anas Qasem Al-marfua)


الحوار المتمدن-العدد: 8536 - 2025 / 11 / 24 - 13:34
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


1. تفوق الغرب وأسبابه الجوهرية
حقيقة الغرب لم يتفوق على الشرق الأوسط لأنه أكثر قداسة أو عدلا بل لأنه أدرك منذ قرون أن القوة الحقيقية لا تقاس بعدد الجنود،بل بعمق التفكير، واتساع الأفق، وصلابة الاستقلال الذهني. ففي حين نحن نحتفل بالشعارات، يحتفل هو بالاختراعات وفيما نكرر الماضي كقداسة مطلقة، يعيد هو اختراع الحاضر كمشروع قابل للنقد والتطوير. الغرب اليوم متفوق بشكل مذهل في الفلسفة، والعلم، والتقنية، والتنظيم الاجتماعي، والاقتصاد، وحتى في صناعة الوعي نفسه. أما نحن، فما زلنا نحاول أن نستفيد من الهوامش التي يتركها لنا هذا التفوق: من بقايا التمويل الإنساني، أو الفتات الدبلوماسي، أو التصريحات الرنانة في المؤتمرات الدولية. ونفعل ذلك بمنطق الاستجداء، لا بمنطق الشراكة أو المواجهة. وهذا النهج، بكل وضوح، لا يحمل أي فرصة حقيقية للنجاح، بل هو استمرار للخضوع بثوب جديد.

2. غزة: نموذجًا للتناقض القاتل
ومن أبرز تجليات هذا العجز ظهرت في أحداث غزة فحين شنت حماس هجوما على إسرائيل،كانت إسرائيل، التي هوجمت، في الحقيقة هي القوة المهيمنة عالميا المدعومة بأقوى جيش، وأذكى نظام استخبارات، وأكثر شبكات النفوذ فعالية في التاريخ الحديث. ثم، وبعد أن دمرت البيوت، وقتل الأطفال تحت الأنقاض، وانقطعت الكهرباء والماء، لم يجد المسؤولون الفلسطينيون وسيلة سوى اللجوء إلى الأمم المتحدة، أو الاتحاد الأوروبي، أو لجان حقوق الإنسان، طالبين الحماية أو التحقيق أو إيقاف الحرب. لكن السؤال الذي لا يطرح بجرأة كافية هو: هل هذه المؤسسات حقا محايدة؟ أم أنها جزء لا يتجزأ من النظام العالمي الذي تهيمن عليه القوى الغربية، والحليف الاستراتيجي لها، إسرائيل؟ الجواب واضح للعيان: هذه المؤسسات لا تعمل بمنطق العدل، بل بمنطق المصالح. وهي تطبع كل قرار يصدر عنها بطابعها الخاص، الذي لا يخدم سوى استمرار الهيمنة. وهنا يكمن التناقض القاتل: إذا كنت قد صنفت إسرائيل كعدو وجودي حقيقي، فلا يجوز أن تستجدي العون من المؤسسات التي تمولها، وتشرعن جرائمها، وتغطي على احتلالها. فهذا ليس موقفا بل خداع للشعب، وتلاعب بالوعي. فأنت إما أن تخضع للهيمنة، فتلتزم الصمت، أو أن تخوض صراعا حقيقيا في وجهها، بصوت حر، ومشروع مستقل، وعقل لا يستعير. أما أن تصرخ يا ظالم! وأنت تطرق باب الظالم نفسه، فهذا ليس مقاومة، بل استسلام مقنع.

3. تركيا: ارتباك المواقف والاستغلال السياسي
وفي تركيا،نرى هذا الارتباك بوضوح مزري. فالسلطة الحاكمة، التي ترفع شعارات إسلامية، تعمق في الوقت نفسه علاقاتها الاقتصادية والعسكرية مع إسرائيل، وتستورد منها قطع تصنيع الطائرات وتشارك في مناورات أمنية معها، ثم تطلق خطابات نارية ضد الصهيونية حين تزداد الضغوط الشعبية. هذا ليس موقفا مبدئيا، بل استغلالا سياسيا ذكيا للدين، لصرف الأنظار عن التبعية الواقعية للغرب ولإسرائيل. ولأن الخيار الثاني أي خوض صراع حقيقي قائم على الاستقلال الذهني والمادي لم يتخذ في تركيا بعد فسيظل التفكير ضبابيا، مشوشا، يخلط بين العاطفة والسياسة، بين الهوية والواقع.

4. الرأسمالية المستفيدة وثمن الوهم
وفي هذا الفراغ،تجد الطبقة الرأسمالية ضالتها. فهي لا تهمها الشعارات، بل تهمها الأرباح. فتستغل هذا الاضطراب الذهني والسياسي لتعميق نفوذها، وتضخيم ثرواتها، وتوسيع شبكاتها عبر الصفقات المشبوهة، والمشاريع التي تخدم المصالح الخارجية أكثر من المحلية. وهكذا، تصبح الطبقة الرأسمالية هي المستفيد الأكبر من هذا الصراع، بينما يدفع الشعب الثمن مرتين: مرة بالدم، ومرة بالوهم.

5. المقاومة الحقيقية: بناء المنظومة البديلة
ولهذا فنحن اليوم بحاجة لمخرج جذري من هذا المأزق ليس بمواجهة الغرب بالسلاح فقط،بل من خلال بناء مجتمع ديمقراطي حر من الداخل، يعتمد على الذات، لا على الخارج. فالمجتمع الذي لا ينتج طعامه، ولا يصنع أدويته، ولا يعلم أولاده بفلسفة مستقلة، ولا يدرب نساءه على القيادة، ولا ينظم اقتصاده على أساس التضامن، لا يمكن أن يكون حرا، مهما رفع من شعارات. فالمقاومة الحقيقية ليست في إطلاق الصواريخ، بل في زراعة القمح، وتعليم الطفل، وتنظيم الاقتصاد، وبناء الديمقراطية من الأسفل. لأن إسرائيل، في جوهرها، ليست مجرد دولة، بل هي تجسيد حي لمنظومة الحداثة الغربية: علم، وتنظيم، واستقلال، وعقل استراتيجي. ولن نهزم هذه المنظومة بالعاطفة أو بالخطابات، بل بإنشاء منظومة بديلة، قائمة على العدالة، والمساواة، والمشاركة، والاحترام المتبادل بين الإنسان والطبيعة.

6. الانهيار الذهني واستعمار العقول
فحقيقة اليوم حان الوقت لكي نعترف:أن ما نعيشه اليوم ليس ضعفا عسكريا فحسب، بل انهيارا ذهنيا. فنحن نستخدم أدوات الغرب لمحاربته، وندافع عن ديننا بلغته، ونطلب الحرية من سجانيها. وهذا لا يمكن أن ينجح، لأنه يفتقر إلى الاتساق والصدق.
فالغرب في الحقيقة،لا يخاف من صواريخنا، بل من قدرتنا على التفكير المستقل. فحين نبني مجتمعا لا يحتاج إلى استجداء أحد، حينها فقط سنكون أحرارا.
لأن الاستعمار الحديث اليوم لا يغزو بالدبابات،بل بالعقول المستعارة. ومن لا يملك فكرا خاصا، لا يملك مستقبلا. والسؤال اليوم ليس: من يمتلك السلاح؟ بل: من يمتلك العقل؟ ومن يبني؟ ومن ينتج؟ لأن الهيمنة لا تكسر بالغضب، بل بالعمل. ولا تهزم بالشعارات، بل بالمجتمعات الحية. وإذا استمررنا في التظاهر بالإسلاموية، وطلب العون من أعدائنا، وتركنا الطبقة الرأسمالية تستغل دمنا، فسنبقى، مهما ارتفع صوتنا، مجرد همس في مملكة الصمت.



#أنس_قاسم_المرفوع (هاشتاغ)       Anas_Qasem_Al-marfua#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإسلام بين التراث والتحرير: نحو مشروع حضاري قائم على العدال ...
- سوريا من ركام الطغيان إلى وطن التعددية: معضلة البناء وآفاق ا ...
- الديمقراطية كأخلاقيات: من مقاومة الدولة إلى بناء المجتمع
- نحو ثورة ذهنية: بناء مجتمع ديمقراطي قائم على العدالة والاعتر ...
- الانسحاب الكردي من تركيا: بين رؤية المفكر أوجلان للسلام ومأز ...
- تأسيس الكيانات القومية في الشرق الأوسط: من الأدوات الاستعمار ...
- الديمقراطية من منظور تحرري: نحو -أمة ديمقراطية- في قلب الشرق ...
- مشروع الشرق الأوسط الكبير: من الفوضى المُنظمة إلى أمة ديمقرا ...
- أخلاقيات النضال في فلسفة المفكر عبدالله أوجلان : حين تتحول ت ...
- أخلاقيات النضال: حين تتحول تضحيات الشهداء إلى مؤسسات خالدة
- الدولة المركزية: القمع والدمار وبدائل التحرر
- لاعدالة دون اعتراف : ذاكرة المظلومين أساس بناء الدول :
- إعادة تشكيل سوريا الجديدة: نحو مشروع ديمقراطي تشاركي من خلال ...
- سوريا المستقبل من نموذج الاستعمار إلى أمة التحرر: المرأة أسا ...
- سوريا ما بعد الأسد: من دولة الهيمنة إلى مجتمع التعاقد - نحو ...
- الأخلاق كبنية تحتية للأمة الديمقراطية: قراءة في فكر أوجلان ح ...
- الضربات الأمريكية على إيران هل تفتح الباب لثورة داخلية أم حر ...
- من التشرذم إلى الثورة: كيف تصنع شعوب الشرق الاوسط مصيرها في ...
- الشرق الأوسط الجديد كيف تم تحويل الأخوة إلى اعداء؟ من التفتي ...
- من الدولة الدينية إلى الأمة الديمقراطية: تحليل المفكر أوجلان ...


المزيد.....




- -قاتلة- لمن يأكلها.. مصري يتناول السمكة المنتفخة في اليابان ...
- -ما زلت أعتقد أنه فاشي-.. هكذا وصف زهران ممداني الرئيس ترامب ...
- السعودية.. عبدالرحمن بن مساعد يسخر من مزاعم -كسر الإسوارة- و ...
- الجيش السوداني يرفض اقتراح اللجنة الرباعية لوقف إطلاق النار ...
- خبراء روس يقيمون خطة ترامب للسلام بين موسكو وكييف
- شهداء بغزة والاحتلال ينفذ عملية نسف داخل الخط الأصفر
- ماكرون يصل الغابون لتعزيز الشراكة الثنائية
- دراسة تحلل عشرات آلاف المقالات لمؤسسات صحفية غربية خلال حرب ...
- نيويورك تايمز: لماذا كل هذا الصراع بين الجمهوريين حول النازي ...
- تعديلات على خطة ترامب للسلام بأوكرانيا وقصف روسي على خاركيف ...


المزيد.....

- اليسار الثوري في القرن الواحد والعشرين: الثوابت والمتحركات، ... / رياض الشرايطي
- رواية / رانية مرجية
- ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أنس قاسم المرفوع - معضلة التبعية وأمل التحرر الحقيقي