أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أنس قاسم المرفوع - الديمقراطية كأخلاقيات: من مقاومة الدولة إلى بناء المجتمع














المزيد.....

الديمقراطية كأخلاقيات: من مقاومة الدولة إلى بناء المجتمع


أنس قاسم المرفوع
أكاديمي وكاتب وسياسي سوري باحث في مركز دراسات الشرق للسلام

(Anas Qasem Al-marfua)


الحوار المتمدن-العدد: 8521 - 2025 / 11 / 9 - 21:28
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الاغتراب الداخلي ونفي الآخر – الجذور الفلسفية

حقيقة ان الدولة-الأمة قامت تاريخيا على منطق نفي كل ما هو مختلف، وتحويل الإنسان إلى كائن منفصل عن طبيعته المجتمعية. عندما تتبنى أي حركة تغييرية هذا المنطق نفسه داخل بنيتها، فهي تعيد إنتاج نفس الآلة التي تحاربها فحقيقة ان أي مشروع ديمقراطي تحرري لا يمكن أن يبنى على نفس المنطق الآلي والبيروقراطي الذي تمارسه الأنظمة السلطوية. إن تجاهل الشريك وإلغاءه هو الشكل الأولي للاستبداد لأن التجاهل هو هروب من المسؤولية ذاتها.

الديمقراطية كأخلاقيات مجتمعية وليست شكلا مؤسسيا

حقيقة الإدارة في جوهرها خدمة، لا سلطة،وهذا المبدأ هو لب فكرة الديمقراطية بدون دولة أو الكونفدرالية الديمقراطية فحقيقة الديمقراطية هنا ليست صناديق اقتراع وحسب، بل هي أخلاقيات المجتمع الحر، إنها الممارسة اليومية القائمة على الاعتراف المتبادل، والحوار، والتضامن وبناء جسور الثقة عبر الصدق، والوضوح، والتقدير المتبادل. ومن يعجز عن الحفاظ على هذه القيم في دائرة ضيقة من المقربين، فكيف له أن يوسعها ليشمل مجتمعا كاملا ينتظر العدالة، لا الإقصاء، والشفافية، لا التسويف؟ وهذا يذكرنا بمصطلح الزراعة الأخلاقية التي تشدد على أن التغيير الحقيقي يبدأ من الخلية الأولى، من نمط العلاقات الشخصية المباشرة بين الأفراد داخل المشروع. فإذا عجز المشروع عن إنتاج إنسان جديد تتحلى علاقاته بالصدق والتقدير المتبادل داخل دائرته الضيقة، فكيف له أن ينتج مجتمعا جديدا يتسع للجميع؟ فحقيقة الممارسة الديمقراطية هي مثل الحرفة، تتقنها بالتدريب اليومي في المساحات الصغيرة قبل أن تمارسها في المساحات الكبيرة. فالفيلسوفة حنة آرنت كانت ترى أن جوهر السياسة هو الكلام معا، والعمل معا. ولكن حين يسد باب الحوار، ويموت الكلام، تموت السياسة ذاتها، ويحل محلها التسيير البيروقراطي العاري. فإذا كان المسؤول لا يجد وقتا للقاء ولا مساحة للحوار ولا حتى كلمة رد على تحية، فكيف له أن يصغي لصرخة مواطن مجهول في زحمة الحياة؟

سقوط المشاريع: بالجفاف الداخلي لا بالعداء الخارجي

التاريخ يشهد أن كثيرا من المشاريع سقطت لا بسبب العداء الخارجي، بل بسبب الجفاف الداخلي الناتج عن الصمت المتعمد، واللقاءات العقيمة، والوعود الجوفاء. حين يعامل الفاعل السياسي أو الفكري كأنه عبء يجب تحييده، لا طاقة يجب تفعيلها، فإن المشروع كله يبدأ بالانزلاق نحو البيروقراطية، بعيدا عن روحه التحررية الأولى. فالديمقراطية الحقيقية لا تمارس في الأعياد والمناسبات، بل في التفاصيل الصغيرة: في احترام الموعد، في تقدير الرأي الآخر، في عدم استخدام الوظيفة كأداة ضغط أو رمز للولاء، وفي فهم أن العمل الجماعي التشاركي ليس ترفا، بل ضرورة وجودية لأي عمل جماعي. فحقيقة التجاهل والتهميش داخل أي مشروع ديمقراطي يعتبر شكل من أشكال الاستيعاب السلبي، الذي يجمد الطاقة النقدية ويحولها إلى سخط صامت.

الهروب من المسؤولية: نذير اغتراب أوسع

إذا كان بعض المسؤولين يلجأون إلى سياسة الهروب والتنصل من مسؤولياتهم ورفض العمل التشاركي، فهذه ليست خسارة لفرد أو مجموعة فحسب، بل هي نذير اغتراب أوسع بين المؤسسة والشعب. لأن من لا يرى قيمة في من يشاركه الفكرة، لن يرى في الناس سوى أرقام تدار، لا بشر يحترمون. وفي لحظة نحتاج فيها إلى كل قلب صادق، وكل عقل بناء، لا يجوز أن نبدد الطاقات بالتجاهل أو التهميش. فاللقاء الصادق، حتى لو انتهى إلى خلاف، يبقى أنبل من الاتفاق الصامت الذي يبنى على الخوف أو المصلحة. فالحياة الحرة التي نريدها هي حياة حرة شاملة فالديمقراطية فيها ليست آلية انتخابية فحسب بل هي منهج حياة متكامل، حيث تتداخل الوسيلة والهدف في نسيج واحد: بحيث لا يمكن بناء مجتمع حر عبر ممارسات قمعية، ولا يمكن فصل أخلاقيات النضال عن غاياته. لأن التحرر الحقيقي يبدأ من تحرير العلاقات الإنسانية ذاتها - داخل التنظيمات والأسر والمجتمعات المحلية - من منطق الهيمنة، لتصبح كل دائرة مجتمعية نواة لممارسة الإدارة الأفقية القائمة على المشاركة والتضامن. وبهذا المعنى تكون الديمقراطية هي البذرة والثمرة معا فهي ممارسة يومية للحرية في أدق التفاصيل، ورهان على قدرة البشر على تنظيم ذاتهم بشكل حر خارج إطار الدولة المركزية، في سعي نحو مجتمع تتحقق فيه الحرية كحالة وجودية، لا كمجرد حق سياسي.

النتيجة (من ثقافة المقاومة إلى أخلاقيات البناء)

فحقيقة إن أي مشروع تغييري ديمقراطي يفقد قلبه النابض وهو الثقة والاحترام بين أعضائه يصبح جثة هامدة تنتظر الدفن. فاللقاء الصادق، حتى مع الخلاف، هو شريان الحياة. إنه تأكيد على الإنسانية المشتركة، بينما الاتفاق الصامت القائم على الخوف هو شكل من أشكال الموت الأخلاقي. فالأمل ليس مجرد توقع، بل هو موقف أخلاقي والأمل الحقيقي يكمن في القدرة على خلق مساحات للثقة والاعتراف المتبادل، هنا والآن. فالمشاريع التي تبدأ بثقافة الاحترام والتقدير من الداخل، هي وحدها القادرة على أن تصل إلى الشعب بلغة الصدق، لا بلغة التسلط أو الزيف. وهي وحدها القادرة على تحويل الهم المشترك إلى واقع معاش يحترم جرح الناس ولا يزيده عمقا.



#أنس_قاسم_المرفوع (هاشتاغ)       Anas_Qasem_Al-marfua#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نحو ثورة ذهنية: بناء مجتمع ديمقراطي قائم على العدالة والاعتر ...
- الانسحاب الكردي من تركيا: بين رؤية المفكر أوجلان للسلام ومأز ...
- تأسيس الكيانات القومية في الشرق الأوسط: من الأدوات الاستعمار ...
- الديمقراطية من منظور تحرري: نحو -أمة ديمقراطية- في قلب الشرق ...
- مشروع الشرق الأوسط الكبير: من الفوضى المُنظمة إلى أمة ديمقرا ...
- أخلاقيات النضال في فلسفة المفكر عبدالله أوجلان : حين تتحول ت ...
- أخلاقيات النضال: حين تتحول تضحيات الشهداء إلى مؤسسات خالدة
- الدولة المركزية: القمع والدمار وبدائل التحرر
- لاعدالة دون اعتراف : ذاكرة المظلومين أساس بناء الدول :
- إعادة تشكيل سوريا الجديدة: نحو مشروع ديمقراطي تشاركي من خلال ...
- سوريا المستقبل من نموذج الاستعمار إلى أمة التحرر: المرأة أسا ...
- سوريا ما بعد الأسد: من دولة الهيمنة إلى مجتمع التعاقد - نحو ...
- الأخلاق كبنية تحتية للأمة الديمقراطية: قراءة في فكر أوجلان ح ...
- الضربات الأمريكية على إيران هل تفتح الباب لثورة داخلية أم حر ...
- من التشرذم إلى الثورة: كيف تصنع شعوب الشرق الاوسط مصيرها في ...
- الشرق الأوسط الجديد كيف تم تحويل الأخوة إلى اعداء؟ من التفتي ...
- من الدولة الدينية إلى الأمة الديمقراطية: تحليل المفكر أوجلان ...
- صدام الرؤى: حرية النخبة المجردة مقابل حرية المجتمع الجذرية م ...
- قراءة في خطاب السفير الأمريكي ورؤية أوجلان الاستشرافية


المزيد.....




- رئيس وزراء لبنان يعلق على -حصرية السلاح- والتلويح بـ-حرب أهل ...
- انتهاء العمل بالتذاكر الورقية في مترو باريس
- ما خيارات حماس لفك الحصار عن مقاتليها العالقين داخل نفق في ر ...
- شاهد..أسباب فوز السيتي على ليفربول
- غزة مباشر.. مستوطنون يقتحمون الأقصى وإسرائيل تتسلّم جثة ضابط ...
- البلاد التي تخاف من كلمة… كيف تحتمل المستقبل؟
- ميزانية الدولة لسنة 2026: ميزانية جباية وميزانية اقتراض
- -بوادر انفراجة- في أطول إغلاق حكومي بتاريخ أميركا
- بأمر ملكي.. السعودية تقلد رئيس الأركان الباكستاني وسام الملك ...
- الحكم بالسجن المؤبد على ممرض ألماني قتل 10 مسنين لتخفيف عبء ...


المزيد.....

- ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي
- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أنس قاسم المرفوع - الديمقراطية كأخلاقيات: من مقاومة الدولة إلى بناء المجتمع