أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كرم نعمة - الملهم غوارديولا.. أخلاقي عندما يتعلق الأمر بفلسطين














المزيد.....

الملهم غوارديولا.. أخلاقي عندما يتعلق الأمر بفلسطين


كرم نعمة
كاتب عراقي مقيم في لندن

(Karam Nama)


الحوار المتمدن-العدد: 8537 - 2025 / 11 / 25 - 00:19
المحور: الادب والفن
    


لا يكتفي الإسباني بيب غوارديولا، مدرب مانشستر سيتي، بأن يكون رؤيويًا وملهِمًا في فلسفة التدريب، بل يتجاوز حدود الملعب ليكون أخلاقيًا عندما يتعلق الأمر بالقيم الإنسانية. في زمنٍ تتواطأ فيه الحكومات وتخرس فيه المؤسسات، يخرج هذا الكاتالوني ليقول ما لا يجرؤ كثيرون على قوله: لقد ترك العالم فلسطين وحدها. ليست هذه جملة سياسية، بل صرخة ضمير.
موقفه من حرب الإبادة التي ارتكبتها إسرائيل في غزة، والتي قتلت عشرات الآلاف من الأطفال والنساء، يكشف عن رجل متسق مع إنسانيته العابرة للحدود. لم يتحدث عن فلسطين كقضية، بل كجريمة. لم يكتف بالتعاطف، بل اتخذ موقفًا. وهذا ما يميّزه عن كثيرين.
حين دعا إلى حضور المباراة الرمزية بين فلسطين وكاتالونيا، لم يكن يروّج لحدث رياضي، بل لحقيقة دامغة: الرمزية وحدها لا تكفي، لا بد من فعل. أكثر من 25 ألف شخص لبّوا دعوته، وتحوّل ملعب “لويس كومبانيس” إلى منصة تضامن، لا مجرد ساحة لعب. قال: الرمزية تساعد على رفع الوعي، ولكن لا بد من وجود شيء محرك وراءها. وهذا المحرك كان هو نفسه.
من يراقب غوارديولا في الملعب، يدرك أنه لا يدرب فقط، بل يفكر. يضع اللاعبين في مواقعهم كما يضع القيم في مكانها. يؤمن أن الركض بلا هدف لا يصنع فريقًا، كما أن الكلام بلا موقف لا يصنع إنسانًا. حين قال: كنا نركض أكثر من اللازم، من أجل أن تلعب كرة القدم يجب أن تعدو مسافة أقل، كان يشرح كيف أن الفعل يجب أن يكون محسوبًا. وهذا ما فعله حين تحدث عن غزة: فعل محسوب، لكنه جريء.
غوارديولا لا يهادن. لا يساوم. لا يختبئ خلف الأعذار. حين سُئل عن المجازر، قال: لا أستطيع أن أتخيل شخصًا في هذا العالم يستطيع الدفاع عنها. هذه الجملة وحدها تكفي لتضعه في مصاف الضمير العالمي. هو لا يطلب من الحكام أن يغيّروا موقفهم. هو يفضحهم. يعرّي صمتهم. يضعهم أمام مرآة الأخلاق، ويتركهم يواجهون أنفسهم.
قال أيضًا: الفلسطينيون ليسوا مذنبين لأنهم وُلدوا هناك. لقد سمحنا لإسرائيل جميعًا بتدمير شعب بأكمله. لقد وقع الضرر بالفعل، وهو أمر لا يمكن إصلاحه. ببساطة متناهية، افترض هذا الإسباني مثل أي إنسان في أي مكان في العالم أن قد يكون أطفالنا في غزة، ويُقتلون لمجرد ولادتهم هناك.
من برشلونة إلى ميونخ إلى مانشستر، ظل غوارديولا يكتب قصيدته الخاصة. لا يدرّب فقط، بل يعيد تصميم اللعبة. يقضي ست ساعات في المكتب، وساعتين في التدريب. لأنه يؤمن أن الفكرة أهم من الحركة. تعلم من يوهان كرويف أن كرة القدم ليست مجرد لعبة، بل طريقة تفكير. واليوم، يثبت أن الأخلاق جزء من هذه الطريقة.
لقد قضى وقتًا مع المخرج وودي ألان وبطل العالم بالشطرنج غاري كاسباروف. يقرأ، يتأمل، يعيد تصميم الملعب كما يعيد تصميم العالم في ذهنه. قال ذات مرة: كان لديّ شعور بأني لا أملك فريقًا يمثل أفكاري. لم أحبّ ما شاهدت حينها. ثم غيّر كل شيء. ليس بالتبديل، بل بالفكرة. كنا نركض أكثر من اللازم. وهذا ما فعله مع العالم: أوقف الركض، وطلب التفكير.
هل يكفي هذا ليكون غوارديولا أخلاقيًا؟ نعم، يكفي وأكثر. لأنه حين صمت العالم، تكلم هو. وحين تراجع الآخرون، تقدّم هو. وحين ماتت الإنسانية في كثيرين، ظل هو حيًا.
العالم بحاجة إلى غوارديولا. لا فقط كمدرب يكتب القصائد في الملعب، بل كإنسان يرفض أن تُقتل القيم مع الأطفال. في زمنٍ غير أخلاقي، يصبح الصوت الأخلاقي حدثًا. وغوارديولا، ببساطة، هو هذا الحدث.
في زمنٍ تُقصف فيه المدارس وتُحرق المستشفيات وتُدفن الطفولة تحت الركام، يخرج غوارديولا ليقول ببساطة: لا يمكن الدفاع عن المجازر. هذه الجملة وحدها تكفي لتُدين كل من صمت، كل من تواطأ، كل من اكتفى بالتفرّج.
غوارديولا لا يطلب تصفيقًا، ولا يبحث عن بطولة. هو يفضح العالم الذي يبرّر القتل، ويُدين الصمت الذي صار شريكًا في الجريمة. في عالمٍ يبيع المبادئ على موائد السياسة، يخرج هذا المدرب ليعيد تعريف الشجاعة: أن تقول “لا” حين يقول الجميع “نعم”.
من يرفض قتل الأطفال، لا يحتاج إلى لقب. من يصرخ في وجه الإبادة، لا يحتاج إلى كأس. من يضع الأخلاق قبل التكتيك، يستحق أن يُدرّس، لا أن يُصفّق له.
غوارديولا لم ينتصر في غزة، لكنه انتصر للإنسانية. وهذا الانتصار، في زمن الهزائم الأخلاقية، هو البطولة الحقيقية.



#كرم_نعمة (هاشتاغ)       Karam_Nama#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إحسان الإمام يعيد نبض القلوب
- عفيفة إسكندر وشهد الراوي
- المعادل الطائفي في العراق
- الحقيقة المؤجلة عند الشريان وقطيش
- زمن النسيان العام
- باب انتخابي دوّار لا يفضي إلى وطن
- المستقبلية في ألحان كاظم الساهر
- بغداد تتفوق على برافدا في الخيال السياسي
- تونس مختبر الذاكرة
- أينتصر القلم على محفظة النقود؟
- دوخي المفقود في تقاسيم الصبا
- فؤاد التكرلي بين حافظ والعناني
- موعد مع أخطبوط!
- ياسمين الخيام تبتهل بالمولد النبوي الشريف
- سليمة خضير تغلق شباك السنين
- الخوف وليس السأم من يطيح بهم
- عريبي والشيخ وبلخياط والجميري
- ترامب وبوتين يعيدان تعريف المسافة السياسية
- لاريجاني في بغداد غيره في بيروت
- في مديح الألفاظ البذيئة!


المزيد.....




- وفاة جيمي كليف أسطورة موسيقى -الريغي- عن عمر ناهز 81 عامًا
- فيلم -الملحد- يعرض في دور السينما المصرية بقرار قضائي مصري و ...
- -شرير هوليود-.. وفاة الممثل الألماني الشهير أودو كير
- محكمة الجنايات تفرج عن الممثلة الكويتية إلهام الفضالة دون ضم ...
- وفاة نجم موسيقى الريغي الجامايكي جيمي كليف عن 81 عاما
- نظرة داخل المتحف المصري الكبير
- -عالم سعيد العدوي-: كتاب موسوعي عن أبرز فناني الحداثة في مصر ...
- وفاة نجم موسيقى الريغي الجامايكي جيمي كليف عن عمر 81 سنة
- -سينما فوق الركام-.. أطفال غزة يصنعون الحياة من قلب الدمار ف ...
- وزارة الثقافة تدين اقتحام الاحتلال مسرح الحكواتي في القدس


المزيد.....

- مقال (حياة غويا وعصره ) بقلم آلان وودز.مجلةدفاعاعن الماركسية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش
- مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز. ... / السيد حافظ
- إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا ... / عبدالرؤوف بطيخ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كرم نعمة - الملهم غوارديولا.. أخلاقي عندما يتعلق الأمر بفلسطين