أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كرم نعمة - الحقيقة المؤجلة عند الشريان وقطيش















المزيد.....

الحقيقة المؤجلة عند الشريان وقطيش


كرم نعمة
كاتب عراقي مقيم في لندن

(Karam Nama)


الحوار المتمدن-العدد: 8516 - 2025 / 11 / 4 - 15:00
المحور: الادب والفن
    


لأننا لا يمكن أن نكتفي بذريعة الضغينة والتنافس الشخصي وحدهما بين الزميلين داود الشريان ونديم قطيش، فإن المعضلة تكمن في صناعة الخطاب الإعلامي العربي برمته، وقدرة المال السياسي على التحكم به.
لذلك امتد الجدل الثقافي السام بين الشريان وقطيش، إلى الجمهور ووصل إلى مفهوم الحرية الإعلامية والصحافة الحرة والأقلام المأجورة في وسائل الإعلام العربية، وما معنى أن تكون موظفًا تحافظ على عملك وآخر ما تفكر به جوهر الصحافة؟
من السهل اليوم أن نخلع على الصحافة لقب “السلطة الرابعة”، لكن من الصعب أن نصدق أنها ما زالت كذلك، لا سيما في العالم العربي، حيث تبدو وسائل الإعلام وكأنها منشور دعائي أنيق، يتقن التبرير ويجيد تزييف العجز. المعضلة الوجودية التي تعيشها الصحافة اليوم لا تكمن في مجرد أزمتها الاقتصادية أو تراجع جمهورها، بل في انكسارها أمام قوتين مهيمنتين: السوق المريضة، والسلطة السياسية، وكلاهما لا يملك أي مصلحة في وجود اعلام حر. ذلك ما كشفه الجدل الشخصي بين الزميلين السعودي واللبناني وتحول عند الجمهور إلى مفهوم الإعلام العربي وحريته عندما يكون بيد السلطة السياسية وحدها.
في الغرب، لا تخلو الصحافة من مآزقها، لكنها على الأقل ما زالت قادرة على فضح السلطة. عندما نشرت فايننشيال تايمز تحقيقًا عن شبكات النفوذ السياسي في بروكسل، علّق جون ثورنهيل أحد أهم كتاب الصحيفة قائلاً “الديمقراطية الفاعلة تحتاج إلى صحافة تتحدى السلطة لا محتوى مصمم لمجاملتها”. هكذا، إذا كانت الصحافة تخشى التأثير، فعليها أن تعيد تعريف مهمتها.
في العالم العربي، لا يُعاد تعريف المهمة، بل تُختزل: وسائل الإعلام ليست لمراقبة السلطة، بل لتطبيعها.
منذ أن تحوّلت الصحافة إلى صناعة، فقدت شيئًا من رسالتها. لم تعد تُنتج من أجل الحقيقة، بل من أجل السوق. هذا التحوّل جعل الصحافي موظفًا في ماكينة علاقات عامة، لا محررًا في غرفة أخبار. الجدل بين الشريان وقطيش كشف أن وسائل الإعلام العربية لا تُدار من غرف التحرير، بل من مكاتب التمويل. بينما الدرس التاريخي الذي تركه لنا الرجال الأقوياء الذين كتبوا الدستور الأميركي، كانوا يفضلون دولة بلا حكومة على دولة بلا صحافة. يا للمثالية التي لانجدها حتى في صحافة الولايات المتحدة نفسها، فكيف في العالم العربي؟
في الصحافة الحرة، المحرر هو من يقرر ما يُنشر. في الصحافة العربية، المحرر مجرد واجهة. القرار يأتي من فوق، من الممول أو من السلطة. لذلك لا يمكن مساءلة المحتوى، لأنه لا يُنتج داخل الصحافة، بل يُملى عليها. هذا ما يجعل الجدل بين إعلاميين مجرد تمثيل فوق خشبة مسرح لا يملك أحد منهم إضاءته.
الصحافة الحرة تفترض جمهورًا حرًا. لكن الجمهور العربي تم تهميشه، لا يُسأل ولا يُخاطب، بل يُلقّن. لذلك لا يطالب بالحقيقة، لأنه لم يُدرّب على حاجته لها. الصحافة التي لا تخاطب عقل الجمهور، تتحول إلى نشرة داخلية للسلطة، لا مرآة للمجتمع.
الصحافي العربي اليوم لا يملك ترف الحياد. إما أن يكتب ما يُطلب منه، أو يُسكت. هذا الخيار القاسي لا ينتج صحافة، بل ينتج محتوى. والمحتوى لا يفضح السلطة، بل يجمّلها. لذلك لا يمكن أن نعتقد أن الجدل بين الشريان وقطيش هو مجرد خلاف شخصي أو مهني بين زميلين، بل هو انعكاس لمأزق الإعلام نفسه.
مشكلة الإعلام العربي لا تبدأ من المحرر، بل من الممول، مثلما أشار له الشريان وهو يتحدث عن دول الخليج العربي. أو كما يحدث في العراق مثلًا. منذ أن تحوّل تمويل وسائل الإعلام إلى أداة سياسية بيد الحكومات والأحزاب ورجال الأعمال والطائفة، لم يعد بإمكان الصحافة أن تكتب عن الفساد دون إذن، أو تتناول التقصير دون توجيه. إنها صحافة تعيش على هامش السلطة، وتكتب في مساحاتها الرمادية، حيث الحقيقة مؤجلة إلى إشعار آخر.
السوق الإعلامي في العالم العربي هو سوق مريض بالفعل، لكن الأشد مرضًا منه هو النظام السياسي الذي يصرّ على إبقاء هذا السوق عاجزًا عن الشفاء. الصحافة الحرة تهدد المنظومات الفاشلة لأنها تسمي الأشياء بأسمائها. ولهذا، فإن معظم الحكومات العربية، بدل أن تدعم الصحافة، تحاول كسرها، لأنها تُشعرها بالفضيحة.
لقد كتبت قبل سنوات في هذه المساحة: من الواضح أن الحكومات العربية لا تضع استراتيجيات لإنقاذ الصحف من أزمتها من أجل إبقائها تترنح ومن ثم إخضاعها، كما فعلت عبر تاريخها المعاصر. لكنها بتخليها عن وسائل الإعلام تصارع أزمتها من دون أي دعم، ترتكب خطأ فادحًا بإنهاء وجود الصحافة الحرة، وتفتح الباب أمام الفساد والأداء المؤسساتي المترهل وخنق الأفكار والمواهب، فالصحافة كقوة تاريخية ليست صوتًا أحاديًا لأخبار الحكومة وحدها. وها هي اليوم تدفع ضريبة نجاحها بمحاصرتها ماديًا من أجل قتلها.
تقرير “مراسلون بلا حدود” الأخير صنّف أغلب الدول العربية في المراتب الأدنى لحرية الصحافة، مشيرًا إلى “بيئة عدائية تُدار فيها وسائل الإعلام بقبضة أمنية وتُفرَض فيها رقابة غير مرئية”. والمثير أن ذلك يتم أحيانًا باسم “مكافحة الأخبار الزائفة”، وهو الذريعة الأكثر فتكًا بالحقيقة في القرن الجديد.
ليس غريبًا أن نجد في صحف كبرى تصدّر من عواصم عربية، مساحات للرأي المعلّب، وتقارير بلا مصادر، وأخبارًا تنقل عن “مصادر مطلعة” تعيش في الخيال. الكارثة ليست فقط في غياب الاستقلالية، بل في تحوّل الصحافة إلى خادم مطيع لسردية الحكومة والأحزاب ورجال الطوائف والأثرياء، بدل أن تكون مرآة للمجتمع.
ومع ذلك، فإن الطريق إلى الإنقاذ لا يمر عبر الرثاء والجدل الثقافي والشخصي السام على طريقة الشريان وقطيش. ما تحتاجه وسائل الإعلام العربية المستقلة ليس التمويل فقط، بل حماية مبدئية لحقها في أن تخطئ وتصحح، أن تسأل لا أن تبرر، أن تكشف لا أن تروّج. وإذا لم تُستثمر الإرادة السياسية في ضمان فضاء إعلامي مستقل، فإن الصحافة ستظل أداة في يد الفشل السياسي، تمامًا كما أرادها الذين أفشلوا السياسة.
المعضلة الوجودية التي نعيشها اليوم ليست فقط معضلة الصحافة، بل معضلة المجتمع الذي جُهلَ وقُسمَ حتى تخلّى عن حاجته إلى الحقيقة. أما الصحافي العربي، فقد أصبح أمام خيارين: أن يكتب وفق ما يُطلب منه “كما ذكر الشريان”، أو أن يُسكت وفق ما يُفرض عليه “كما عند قطيش”.



#كرم_نعمة (هاشتاغ)       Karam_Nama#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- زمن النسيان العام
- باب انتخابي دوّار لا يفضي إلى وطن
- المستقبلية في ألحان كاظم الساهر
- بغداد تتفوق على برافدا في الخيال السياسي
- تونس مختبر الذاكرة
- أينتصر القلم على محفظة النقود؟
- دوخي المفقود في تقاسيم الصبا
- فؤاد التكرلي بين حافظ والعناني
- موعد مع أخطبوط!
- ياسمين الخيام تبتهل بالمولد النبوي الشريف
- سليمة خضير تغلق شباك السنين
- الخوف وليس السأم من يطيح بهم
- عريبي والشيخ وبلخياط والجميري
- ترامب وبوتين يعيدان تعريف المسافة السياسية
- لاريجاني في بغداد غيره في بيروت
- في مديح الألفاظ البذيئة!
- مردوخ سلّعَ الصحافة وترامب شيطنها
- الفساد والفشل كشرف سياسي في العراق
- صراع دول على صالح الكويتي
- طريق الأعظمية ينتهي في تونس


المزيد.....




- عدي رشيد يدخل هوليوود بفيلم يروي حكاية طبيب عراقي
- مهرجان مراكش الدولي للفيلم يكرم أربع شخصيات بارزة في عالم ال ...
- -العملاق- يفتتح الدورة الخامسة من مهرجان البحر الأحمر السينم ...
- منصور أبو شقرا... مسيرة شعرية وثقافية تتجسد في إصدار مجموعته ...
- نردين أبو نبعة: الكتابة المقاومة جبهة للوعي في مواجهة السردي ...
- مصر: نقيب الممثلين ينفي فتح تحقيق مع عباس أبو الحسن بعد تصري ...
- جدل بعد بث أغنية أم كلثوم عبر أثير إذاعة القرآن الكريم المصر ...
- أشبه بالأفلام.. سيدة تُقل شرطيًا بسيارتها لملاحقة سارقة متجر ...
- -البيت الفارغ- والملاحم العائلية يمنحان الفرنسي لوران موفيني ...
- المهرجان الدولي للفيلم بمراكش يكرّم جودي فوستر وحسين فهمي


المزيد.....

- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش
- مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز. ... / السيد حافظ
- إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- بيبي أمّ الجواريب الطويلة / استريد ليندجرين- ترجمة حميد كشكولي
- قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي / كارين بوي
- ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا / د. خالد زغريت
- الممالك السبع / محمد عبد المرضي منصور


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كرم نعمة - الحقيقة المؤجلة عند الشريان وقطيش