أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كرم نعمة - الخوف وليس السأم من يطيح بهم














المزيد.....

الخوف وليس السأم من يطيح بهم


كرم نعمة
كاتب عراقي مقيم في لندن

(Karam Nama)


الحوار المتمدن-العدد: 8448 - 2025 / 8 / 28 - 00:12
المحور: الادب والفن
    


إذا كان طبيعيًا أن نتوقع تعرّض الزعماء السياسيين للاعتداء، لذلك تنفق الحكومات مبالغ طائلة على حمايتهم، فكيف نفسّر أن رؤساء الشركات التكنولوجية الكبرى ينفقون ملايين الدولارات على الأمن الشخصي؟ هذا السؤال مفتاح لفهم زمن تُدير فيه شركات قليلة أعصاب الناس وخياراتهم.
يكفي أن نعرف أن ميزانيات الأمن للرؤساء التنفيذيين في عشر شركات تكنولوجية كبرى، بينها ميتا وألفابت وأمازون وتسلا، أعيد تقييم بروتوكولاتها في عام 2024 وارتفعت إلى أكثر من 45 مليون دولار. دفعت ميتا وحدها أكثر من سبعة وعشرين مليون دولار لتأمين مارك زوكربيرغ. ويسافر إيلون ماسك برفقة ما يصل إلى عشرين متخصصًا أمنيًا.
لماذا؟ لأن اليوتوبيا الرقمية التي وُعدنا بها انقلبت سطوةً عمياء وجشعًا لا يخضع للمساءلة. شركات تتحكم بالأهواء والأموال والأصوات واليوميات. صار كثيرون يرون في هؤلاء الأثرياء سببًا مباشرًا لما هو خاطئ في العالم. أحد مديري شركات الأمن الأميركية التي تؤمّن ماسك وجيف بيزوس قال: لم نشهد تهديدًا أو قلقًا أكبر مما هو عليه اليوم. العبارة ليست تحذيرًا عابرًا، بل تلخيص لمزاج عام فقد ثقته في الوعود.
رؤساء شركات التكنولوجيا عرضة للخطر بسبب الشهرة، وبسبب العداء الذي يتغذّى على أرباح فاحشة، وإساءة استخدام البيانات. كل ذلك صنع صورة جديدة للمدير التنفيذي: ليس مجرد ثري، بل لاعب سلطة. والسلطة تستدعي خصومًا، وتستدرج غضبًا.
قبل سنوات كتبت هنا أن السأم قد يطيح بهؤلاء. لم أكن مصيبًا بالكامل. السأم مرض الرفاه وقد يصيبهم. رأيناه يلمّ ببيزوس عندما تجاوزت ثروته مئتي مليار دولار. لكنه ليس السبب الحاسم. الذي يتقدّم الآن هو الخوف. خوف مادي من التهديد المباشر، وخوف رمزي من مساءلة اجتماعية تأخذ شكل فضيحة.
التهديد الأمني يعكس بنية اقتصادية: شركات وادي السيليكون تضخّمت وصارت مربحة إلى درجة أنها تحوّلت آلة طباعة للنقد، همها تجنّب الخطأ الكارثي فقط. من يدفع الكلفة؟ نحن المستخدمين. نسير مغمضي العيون خلف طلبات التطبيقات. هنا يتشكّل حقل الاستياء. ملايين الأصابع على الشاشات، ويد واحدة طائشة في الشارع تكفي لتبرير قافلة من الحراس.
مع ذلك، لا يتوقف كبار وادي السيليكون عن خطاب الطهرانية: نحن هنا لتوحيد الإنسانية. الربح أثر جانبي. الواقع يكذّب هذه البلاغة ورأسمالية رقمية تزداد شراسة. حين تقول الشركات: “المستخدم في قلب كل قرار”، أو “نقرّبك ممّن لا تراهم كل يوم”، فإنها تخفي وراء الوعود استحواذًا على كمّيات لا تنفد من البيانات الشخصية. إذا لم تكن تدفع ثمن الخدمة فأنت المنتج.
الفكرة بأن الغد مختلف عن اليوم علامة إنسانية أصيلة. لكنها لا تمنح فيسبوك وأكس وأمازون حق احتكار المستقبل. صار الناس أكثر إدراكًا أن التكنولوجيا ليست مرادفًا لجزع المدراء وجشع المساهمين. هناك دائمًا مساحات للمقاومة المدنية والقانونية والثقافية. يمكن إعادة تشكيل العلاقة بين الإنسان والتقنية بحيث لا تزلق إلى عبودية طوعية، ولا إلى قطيعة عبثية.
الحقيقة القبيحة بدأت مع فيسبوك ولن تنتهي بالذكاء الاصطناعي. كل موجة تقنية تَعِد وتبتلع. لكن التلقّي تغيّر والمستخدم، وإن بدا وحيدًا، صار يعرف ثمن نقرة واحدة. يعرف أن الخصوصية ليست ترفًا، وأن الوقت الذي يبدّده ليس ساعة فراغ، بل جزء من عمره.
لهذا لا يبدو مدراء الشركات التكنولوجية سذّجًا. يحمون أنفسهم. يدفعون أكثر مما تدفعه حكومات لحماية زعمائها. يفعلون ذلك لأن الخوف وليس الملل هو ما يطيح اليوم. خوف يَنتج من فجوة الثقة، ومن اقتصاد يستثمر في الانتباه البشري كمنجم بلا قاع.
هكذا حين يتضخّم النفوذ بلا مساءلة، تصبح الفاتورة أمنية قبل أن تكون أخلاقية. وعندما نرى طائرات خاصة تحطّ، وحلقات حراسة تُشدّد، فلأن الحقيقة الأعمق تكمن في مكان آخر: في شاشاتنا. هناك يبدأ الخوف. وهناك أيضًا يمكن أن يبدأ الإصلاح.



#كرم_نعمة (هاشتاغ)       Karam_Nama#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عريبي والشيخ وبلخياط والجميري
- ترامب وبوتين يعيدان تعريف المسافة السياسية
- لاريجاني في بغداد غيره في بيروت
- في مديح الألفاظ البذيئة!
- مردوخ سلّعَ الصحافة وترامب شيطنها
- الفساد والفشل كشرف سياسي في العراق
- صراع دول على صالح الكويتي
- طريق الأعظمية ينتهي في تونس
- لماذا يخترع الأدباء سيرة مزيفة؟
- وماذا عن صحافيينا القتلى؟
- إنه يتذوّق الموسيقى أيضًا!
- أيّ نوع من الناس نريد أن نكون؟
- ماذا تبقى من مرونة إيران السياسية
- الشوالي يستحوذ على بلاغة اللغة
- تحبّ السياسة لأنها تحبّ الناس
- الراحل هيثم الزبيدي شاهد على العَصرِ الرابع
- زوكربيرغ يسوّق لصناعة المشاعر
- لعنة العراق أم متلازمة صدام!
- لهيثم الزبيدي وجع الدموع في مآقيها
- ترامب لعبة لا تبعث على الملل


المزيد.....




- الصوت يُعيد القصيدة
- الكتاتيب في مصر: ازدهرت في عصر العثمانيين وطوّرها علي باشا م ...
- رواية -مغنية الحيرة-.. يا زمان الوصل بمملكة الحيرة
- -اللي باقي منك-... فيلم عن مراهق فلسطيني يمثل الأردن في أوسك ...
- المخرج الإسباني بيدرو ألمودوفار يدعو حكومة بلاده لقطع العلاق ...
- السياسة حاضرة بقوة في مهرجان البندقية السينمائي 2025
- بعد محطات مهمة.. الإعلان عن موعد عرض فيلم -ضي- في مصر
- الحكومة: شرط اللغة في دور رعاية المسنين ”أمر لا بدّ منه”
- أدباء وفنانو موريتانيا يكرسون أعمالهم للتضامن مع غزة
- سيد جودة.. رائد تجسير الثقافات بين الأدب العربي والصيني عبر ...


المزيد.....

- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كرم نعمة - الخوف وليس السأم من يطيح بهم