أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - كرم نعمة - ترامب وبوتين يعيدان تعريف المسافة السياسية















المزيد.....

ترامب وبوتين يعيدان تعريف المسافة السياسية


كرم نعمة
كاتب عراقي مقيم في لندن

(Karam Nama)


الحوار المتمدن-العدد: 8439 - 2025 / 8 / 19 - 00:38
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


اكتشف كثير من الناس شيئًا لم يعرفوه من قبل: الولايات المتحدة وروسيا، اللتان اعتادوا تخيلهما في خيالهم بعيدتين عن بعضهما، تفصل بينهما مسافة تقارب مائة كيلومتر عند أقصى نقطة شمالية في ألاسكا. هذه المسافة الجغرافية الضئيلة لم تكن لتثير الانتباه لولا حدث استثنائي: لقاء ترامب وبوتين في قلب ألاسكا.
لم يكن اللقاء مجرد مشهد دبلوماسي روتيني. صفق ترامب لبوتين فور وصوله، وكأن الجغرافيا نفسها تمنح رئيس الولايات المتحدة دفعة من القبول الرمزي. صغار وكبار المراقبين بدأوا يتساءلون: هل تعني قرب المسافة بين البلدين تقاربًا في السياسة؟ أم أن التاريخ والجغرافيا لا يغيّران شيئًا من طموحات القادة؟
يبدو أن الإجابة معقدة. فترامب، الرجل الذي غيّر قواعد السياسة الأميركية الداخلية والخارجية، اختار موقع اللقاء كرمزية: ألاسكا، بوابة القطب الشمالي، مكان لم يكن يعرفه الكثيرون من الأميركيين أو الأوروبيين، أصبح فجأة مسرحًا لدرس في الواقعية الجيوسياسية. كما كتب نيكولاس كريستوف: “ترامب لا يحتاج إلى مسرح كبير لترك بصمته. أحيانًا يكفي مكان صغير، حتى لو كان على حافة العالم.”
بدايةً، تُعدّ القمة هديةً سياسيةً لبوتين وفق كريستوف في مقال له بصحيفة نيويورك تايمز، وينبغي لأيّ مفاوضٍ كفؤ أن يكون قادرًا على انتزاع شيءٍ من روسيا مقابل هذه الهدية. لم يكن من الحكمة عقد القمة في ألاسكا – التي لا يزال بعض الروس يطمعون بها – رغم أن القيصر ألكسندر الثاني باعها م للولايات المتحدة عام 1867 مقابل سنتين للفدان. يُضفي موقع القمة شرعيةً على بوتين لا ترضي اوروبا، بينما يُعزز بشكلٍ غير مباشرٍ الفكرة التي يُفضّلها بوضوح، وهي مرونة الحدود الوطنية.
اللقاء كشف هشاشة أوروبا أمام السياسات الأميركية الفردية. وان ترى أن الأسوأ المتمثل بمنح بوتين أراض لم يحدث. الحلفاء الذين اعتادوا على قيادة أميركا لهم، وجدوا أنفسهم أمام واقع مفاجئ: ترامب لا يلتزم بما كان متوقعًا من إدارة تقليدية، وهو يتصرف وفق مزاجه الخاص، وبأسلوب يذكرنا أحيانًا بعقود من الانعزالية والبرغماتية. لاحظت كبار وسائل الإعلام الأميركية والأوروبية التي لاتكن ودا لترامب أن “أوروبا شعرت وكأنها تُترك وحيدة، بينما تُختبر أطر تحالفاتها أمام لحظة أميركية روسية لم يتوقعها أحد.”
أو حسب تعبير فولفجانغ إيشينجر السفير الألماني السابق لدى الولايات المتحدة الذي كتب “حصل بوتين على معاملة السجادة الحمراء مع ترامب، بينما لم يحصل ترامب على شيء. كما كان يُخشى: لا وقف لإطلاق النار ولا سلام”.
لكن نتيجة اجتماع ألاسكا القصير، وما سيلي ذلك من محادثات، تكشف عن مشكلة كامنة تواجه الأوروبيين. فهم لا يملكون استراتيجية خاصة بهم لإنهاء الحرب، ناهيك عن هزيمة موسكو. بل إنهم يسابقون الزمن لمواكبة مواقف ترامب المتغيرة، محاولين إلزامه بخطوط حمراء معينة تحمي السيادة الأوكرانية والأمن الأوروبي.
لذلك انطلق ما طلق عليه “تحالف الراغبين” المؤيد لأوكرانيا بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر والمستشار الألماني فريدريش ميرتس في اجتماع عبر الفيديو، بهدف التحضير للمراحل التالية من محادثات السلام بشأن أوكرانيا.
كذلك رأت صحيفة فايننشال تايمز التي لا يفرط زعماء أوروبا بوضعها على مكاتبهم صباح كل يوم، أن هذا اللقاء يعكس أكثر من مجرد دبلوماسية عابرة: “إنها لحظة لإعادة رسم الخطوط الرمزية بين القوى الكبرى، حيث يُنظر إلى ألاسكا كمسرح للتفاوض المباشر بعيدًا عن بروتوكولات الأمم المتحدة.”
لكن ما الذي يعنيه هذا للشعب العادي؟ للمرة الأولى، شعر كثير من الناس بأن السياسة العالمية ليست بعيدة عنهم، وأن القادة الكبار أحيانًا يلتقون في أماكن يمكن أن يزورها أي شخص تقريبًا على الخريطة. هذا الاكتشاف البسيط يغير الإدراك الشعبي عن القوة، وعن الرمزية، وعن العلاقة بين القرب الجغرافي والقرار السياسي.
السيناريوهات المتوقعة لما بعد اللقاء متعددة. فقد تزداد الضغوط على أوروبا لإعادة تقييم تحالفاتها وإستراتيجياتها الدفاعية، مع احتمال ظهور توترات داخلية حول الاعتماد على الولايات المتحدة كحامي تقليدي. على الساحة الأميركية، سيكون للقاء تداعيات سياسية على ترامب نفسه: نجح في لفت الأنظار دوليًا، لكنه فتح باب الانتقادات الأوروبية، وربما زاد الشكوك حول مقاربة بلاده للسياسة الخارجية.
من منظور تحليلي، اللقاء يوضح أيضًا قوة الفرد في السياسة الدولية. ترامب، بقراره الفردي، قلب توقعات الحلفاء والرأي العام. بوتين، بقبوله اللقاء، أظهر أن القرب الجغرافي يمكن أن يتحول إلى وسيلة ضغط نفسي وسياسي. وهنا تتقاطع الجغرافيا بالسياسة، الرمزية بالقرار، والشعبية بالتحالفات.
يبقى السؤال الأهم: هل اللقاء في ألاسكا سيؤدي إلى تغييرات فعلية في السياسة العالمية، وهل ستنتهي حرب أوكرانيا كما اراد بوتين وراهن على ترامب لإذلال أوروبا التي تحاصره؟
أو حسب مؤرخ الحرب الباردة سيرجي رادشينكو “بوتين خصم عنيد، ونعم، فاز في هذه الجولة بشكل أساسي لأنه حصل على شيء مقابل لا شيء. ومع ذلك، لم يبع ترامب أوكرانيا”.
كل ذلك لا يغب السؤال المتوقع عما إذا كان لقاء ترامب بوتين مجرد عرض رمزي مؤقت؟ التاريخ والأحداث القادمة ستحدد ذلك، لكن ما لا يمكن إنكاره هو أن الكثيرين بدأوا يراقبون القادة عن كثب، ويعيدون التفكير في المسافة بين البلدان، بين النفوذ، وبين قرارات الأفراد.
كان وصول وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، إلى فندقه في ألاسكا مرتديًا قميصًا رياضيًا كُتب عليه “CCCP”، وهو اختصارٌ لـ”الاتحاد السوفيتي” بالأحرف السيريلية، بمثابة إعلانٍ مُتعمدٍ عن نواياه. بالنسبة لبوتين، من الواضح أن روسيا بحدودها الحالية تُمثل محطةً على الطريق نحو استعادة إمبراطورية. يدرك الأوروبيون ذلك، لكنهم يُشككون في أن ترامب يُدركه، أو يُبالي به أصلا.
في النهاية، ألاسكا ليست فقط مكانًا على الخريطة. إنها تذكير بأن السياسة أحيانًا لا تحتاج إلى قارات بعيدة لتصبح عابرة للحدود، وأن القرب الجغرافي، حين يلتقي مع القوة الشخصية، يمكن أن يحدث صدى عالميًا. ترامب وبوتين، في هذا اللقاء، أعادوا تعريف المسافة: جغرافيًا صغيرة، سياسيًا ضخمة.



#كرم_نعمة (هاشتاغ)       Karam_Nama#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لاريجاني في بغداد غيره في بيروت
- في مديح الألفاظ البذيئة!
- مردوخ سلّعَ الصحافة وترامب شيطنها
- الفساد والفشل كشرف سياسي في العراق
- صراع دول على صالح الكويتي
- طريق الأعظمية ينتهي في تونس
- لماذا يخترع الأدباء سيرة مزيفة؟
- وماذا عن صحافيينا القتلى؟
- إنه يتذوّق الموسيقى أيضًا!
- أيّ نوع من الناس نريد أن نكون؟
- ماذا تبقى من مرونة إيران السياسية
- الشوالي يستحوذ على بلاغة اللغة
- تحبّ السياسة لأنها تحبّ الناس
- الراحل هيثم الزبيدي شاهد على العَصرِ الرابع
- زوكربيرغ يسوّق لصناعة المشاعر
- لعنة العراق أم متلازمة صدام!
- لهيثم الزبيدي وجع الدموع في مآقيها
- ترامب لعبة لا تبعث على الملل
- شاعر لم يعرض عن عراقيته
- رعد بركات: لا غناء إلا للعراق


المزيد.....




- حماس تحدد مطالبها الرئيسية بمباحثات وقف إطلاق النار في غزة.. ...
- هل ينسحب الجيش الإسرائيلي من غزة؟ شاهد كيف علق وزير إسرائيلي ...
- رحيل الدكتور أحمد عمر هاشم.. عالم الأزهر وصوت الوسطية الذي ج ...
- خلال لقاء الشرع.. مظلوم عبدي يرفع سقف المطالب الكردية ويدعو ...
- نتنياهو يخطئ في عدد الرهائن الإسرائيليين بغزة مرتين.. و-منتد ...
- منظمات دولية ترحب بالحكم التاريخي ضد -علي كوشيب- وتدعو لتوسي ...
- طعن عمدة ألمانية قرب منزلها وميرتس يصف الحادث بـ-العمل الشائ ...
- غزة:ورشات تُعيد للأطفال ابتسامتهم التي سرقتها الحرب
- هل تشعر بالتشتت طوال الوقت؟ إليك 3 خطوات لإتقان فن الانتباه ...
- كم زاد الإنفاق في قطر على العطلات الصيفية؟


المزيد.....

- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي
- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - كرم نعمة - ترامب وبوتين يعيدان تعريف المسافة السياسية