أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كرم نعمة - فؤاد التكرلي بين حافظ والعناني















المزيد.....

فؤاد التكرلي بين حافظ والعناني


كرم نعمة
كاتب عراقي مقيم في لندن

(Karam Nama)


الحوار المتمدن-العدد: 8474 - 2025 / 9 / 23 - 16:00
المحور: الادب والفن
    


كان عبدالرحمن نجل الروائي الراحل فؤاد التكرلي في العاشرة من عمره يطبع لأبيه على جهاز الكمبيوتر ما يكتبه الأب بقلم الحبر الأخضر الذي لم يغيره طوال تجربته في الكتابة. فصار هذا الفتى آنذاك أشبه بناقد صغير لكتابات والده. يسأل بمتعة ويتدخل في التفاصيل بطريقة ملفتة ويتطفل أحيانا بالمطالبة بالتغيير في بعض العبارات!
كان عبدالرحمن يطوف مع ذكريات ابيه الذي سرد على مدار سنوات في مقالات أسبوعية حكايا طفولة بيت عتيق في باب الشيخ وتأثير العائلة وطقوسها على نمط كتابته، ما مر به مع الناشرين وما قيمة ان تترجم روايته "الرجع البعيد" الى الفرنسية من دون اعلان ترويجي لها… كيف له ان يجد معادلا ذهنياً لتأثير دمية هنري إبسن مثلا في شبابه على ماهي اليوم عندما يعيد قراءتها.
وعندما حانت الفرصة لهذا الفتى آنذاك وهو يقرأ ما كُتب عن أدب أبيه بطريقة خاوية من قبل كاتب مجهول في بداية شيوع الانترنت. انتفض الفتى على والده مطالبا إياه بالرد على هذا "الشخص" الذي يحط من قدر إبداعه الروائي. ضحك الأب بكياسته المعهودة وتجربة القاضي الكامنة في سيرة التكرلي، دع عنك الروائي هنا، وهو يربت على كتف ابنه الصغير، قائلا دعك من المرضى يا ولدي!
هذا الموقف الأبوي المتسامح يقابله اليوم نقد متأخر لا يخلو من الضغينة. لذلك لا يمكن أن أتوقع أن يتكرر مثل هذا الرد لو تسنى للتكرلي الذي غادر الحياة عام 2008، أن يقرأ ما كتبه ناقد مرموق مثل الدكتور رشيد العناني في ثقافة "الشرق الأوسط" في عددها الصادر يوم الأحد الرابع عشر من سبتمبر في قراءته المتأخرة لرواية "المسرات والأوجاع".
من البساطة بمكان أن نكتشف الضغينة المتأخرة، من دون أن نعرف سببها، في ما كتبه الدكتور العناني عن تلك الرواية التي وصفها الدكتور صبري حافظ في نقد مبكر بعد أسابيع من صدورها بـ "رواية العصر الكبرى" في قراءة مطولة نشرت على صفحات "العرب" اللندنية. فهي بمثابة مؤرخ حسي لكوامن الشخصية العراقية على مدار نصف قرن.
فهل ينبغي لنا بعدها أن نسأل إن كان ما كتبه الدكتور العناني وهو يحط من قيمة الرواية ردا "نقديا مخاتلا ومتأخرا" على ما كتبه الدكتور حافظ عام 1998؟
العناني وحافظ ناقدان مصريان يقيمان منذ سنوات في المملكة المتحدة ويمارسان التدريس الجامعي فيها، وليس بمقدوري هنا أن اعرف طبيعة العلاقة الشخصية والأكاديمية بينهما، بينما يتناولان بنقيض نقدي، بدا لي للأسف متعمدا، رواية العراقي فؤاد التكرلي؟
لكن ماذا عني، من منحنى هذا التخويل في الرد على ما كتبه الدكتور العناني، وأنا الذي أمتهن الصحافة لا النقد الأدبي؟
سأزعم هنا بأنني من بين أكثر من عرف وعاش سنوات مع التكرلي من بغداد وتونس حتى زيارته الأخيرة إلى لندن. وكان عونا لي في دراستي الجامعية للصحافة بلندن، وانا أختار رواية الأميركي جيمس بالدوين "غرفة جيوفاني" في بحث تحليل النص لطلاب قسم الصحافة، محذرا إياي بأنني سأقع في ورطة بحثية لأن بالدوين أحد أكثر الذين ظلموا في الاهتمام والترجمة إلى العربية مع أنه أفضل من يشترك بهمه مع المجتمع العراقي.
كما بوسعي القول بأنني من بين أوائل من قرأ "المسرات والأوجاع" بينما كان التكرلي يصححها بعد أن وصلته من المطبعة، وكنت من بين أوائل من قرأها مطبوعة في أول نسخة وصلته إلى تونس. كما كنت أول من يحاوره على مضمون الرواية في حوار مطول منشور عام 1999 أثناء عملي في صحيفة "الزمان" اللندنية.
مع ذلك فهذا الحق الصحافي ليس تخويلا نقديا لصحافي مثلي، إلا أنه من يقرأ "اللاسؤال واللاجواب" وسبق له أن قرأ "المسرات والأوجاع" ثم "بصقة في وجه الحياة" "الوجه الاخر" "الرجع البعيد" "خاتم الرمل" سيصل الى قدر كاف في معرفة فؤاد التكرلي الذي قدمه الدكتور العناني بخيال نقدي مجزوء وهو لم يقرأ غير رواية واحدة له!
أقول قدر يمنح قارئ فؤاد التكرلي من الحس ما يجعله يقتنع تماماً بوصف الناقد صبري حافظ أن التكرلي "قد كتب رواية العصر الكبرى في المسرات والأوجاع".
فالخبرة في الممارسة الأدبية كما يقول التكرلي، هي صنو الخبرة في الحياة المعيشية.
كذلك تساءل التكرلي عندما بلغ الثمانين من عمره آنذاك: هل الكتّاب الذين بلغوا شأوا عالياً في سلم الأدب، هم أنفسهم، أهل المعرفة والعلم في شؤون الدنيا؟
وهل الحكماء في العالم، خلال تاريخنا البشري كله، يملكون، بالضرورة، خبرة وقابلية على الممارسة الأدبية الفنية؟
مرُّت بذهن فؤاد التكرلي هذه الأسئلة قبل خمسة عشر عاما من مقال الدكتور العناني، وكأنها بمثابة رد اليوم على اسئلته التي زعمت أن المسرات والأوجاع تفتقد لفلسفة بنائها.
صاحبت هذه الأسئلة الفلسفية التكرلي منذ زمن بعيد، وبعد فترة قصيرة من مروره، أثناء المراهقة، بتجربة القراءة الروائية التي خلّفتْ عنده ما يستطيع أن يسميه نزوعا نفسياً وذوقياً إلى كتابة هذا النوع من الأدب.
وحين بدأ بتسويد تلك الصفحات التي لا تنتهي بما ندعوه ـتجاوزاًـ محاولات أدبية في القص، لم يكن يملك، في الواقع، أية خبرة ذات قيمة في الحياة ليس هذا فحسب، بل كان يشعر، بغفلة عجيبة، هي أنه ليس بحاجة لهذه الخبرة لكي يستمر في سلوك هذا الطريق الملتوي.
كذلك بمقدور الموهوبين بالإبداع انجاز ما لا يمكن لغيرهم انجازه والتكرلي الذي استطاع أن يؤرخ بامتياز حسي لذاكرة العراق المعاصر في "المسرات والأوجاع" وقبلها "الرجع البعيد" كان عليه أن يدلي بشهادة على سنوات طوق الحصار الاعمى الذي فرض على العراق في التسعينيات، كذلك ولدت رواية "اللاسؤال واللاجواب" ملتاعة بالألم الموجع على زمن أكثر وجعاً.
ربما من اجل ذلك كتب مرة "إذا افترضنا أن إنجاز أعمال روائية عالية يحتاج أضافة لذهن نشيط ومتسع، إلى منحة سماوية غامضة أخرى، استطعنا أن نفهم لماذا كان اليونانيون القدماء يعتبرون الحكماء فيهم (اسخيلوس) و(سوفوكليس) و (يوربيدس)، وليس (سقراط) و (افلاطون) و(ارسطو)، دون أن يكون في ذلك استنقاص من مكانتهم كفلاسفة عظام يبحثون في شؤون الخلق والكون".
أمام كل تلك الأسئلة التي كان يطلقها التكرلي على نفسه ولدت "المسرات والأوجاع" يا دكتور العناني، وهكذا صار ينبغي على العراقيين وعلى العرب إذا أرادوا أن يعرفوا العراق الحقيقي في زمن العراق المزيف اليوم. العودة إلى مدوّنة العصر الكبرى "المسرّات والأوجاع".



#كرم_نعمة (هاشتاغ)       Karam_Nama#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- موعد مع أخطبوط!
- ياسمين الخيام تبتهل بالمولد النبوي الشريف
- سليمة خضير تغلق شباك السنين
- الخوف وليس السأم من يطيح بهم
- عريبي والشيخ وبلخياط والجميري
- ترامب وبوتين يعيدان تعريف المسافة السياسية
- لاريجاني في بغداد غيره في بيروت
- في مديح الألفاظ البذيئة!
- مردوخ سلّعَ الصحافة وترامب شيطنها
- الفساد والفشل كشرف سياسي في العراق
- صراع دول على صالح الكويتي
- طريق الأعظمية ينتهي في تونس
- لماذا يخترع الأدباء سيرة مزيفة؟
- وماذا عن صحافيينا القتلى؟
- إنه يتذوّق الموسيقى أيضًا!
- أيّ نوع من الناس نريد أن نكون؟
- ماذا تبقى من مرونة إيران السياسية
- الشوالي يستحوذ على بلاغة اللغة
- تحبّ السياسة لأنها تحبّ الناس
- الراحل هيثم الزبيدي شاهد على العَصرِ الرابع


المزيد.....




- صدور المجموعة الشعرية الجديدة -ساعي بريد اللهفة- للشاعر نمر ...
- الإيفوارية تانيلا بوني تفوز بجائزة -تشيكايا أوتامسي- للشعر ا ...
- مجلس الوزراء يدعو لترجمة المواقف الدولية إلى خطوات عملية لو ...
- الكتاب وطن متنقل يمد يده للقارئ في الغربة والوحدة
- زيورخ تتراجع عن تعليم اللغة الفرنسية في سنّ مبكّرة: فهل الوح ...
- وزير الثقافة والسياحة التركي للجزيرة نت: انتقلنا في 7 سنوات ...
- ادباء ذي قار يستضيفون القاص محمد الكاظم للاحتفاء بمنجزه الاد ...
- أختتــام فعاليــات مهــرجـــان بغـــداد السينمــائـــي
- فنانون أمريكيون يدعمون جيمي كيميل.. ومتحدث يوضح لـCNN موعد ع ...
- غزة والجزائر والكاريبي.. فرانز فانون ينبعث سينمائيا في مئويت ...


المزيد.....

- الرملة 4000 / رانية مرجية
- هبنّقة / كمال التاغوتي
- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كرم نعمة - فؤاد التكرلي بين حافظ والعناني