أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كرم نعمة - دوخي المفقود في تقاسيم الصبا














المزيد.....

دوخي المفقود في تقاسيم الصبا


كرم نعمة
كاتب عراقي مقيم في لندن

(Karam Nama)


الحوار المتمدن-العدد: 8483 - 2025 / 10 / 2 - 16:49
المحور: الادب والفن
    


كان ينبغي عليّ العودة إلى رواية الكاتبة الهولندية كوني بالمن "أنت قلت" وهي تصنع متنا روائيا لامعا من سيرة الشاعر تيد هيوز وزوجته المنتحرة سلفيا بلاث، أقول ينبغي بمجرد الانتهاء من الجملة الأخيرة من رواية طالب الرفاعي "دوخي... تقاسيم الصبا"، لأن مثالية رواية بالمن تكاد تكون درسا أدبيا مدهشا في كتابة السيرة الروائية. هناك نقرأ كيف يمكن للسيرة أن تتحول إلى رواية من لحم ودم، وكيف تخرج الشخصيات من النص حية، جريحة، وصادقة. فهل قرأ طالب الرفاعي تلك الرواية قبل أن يمضي إلى دوخي؟
لست وحدي، بل كل من يحب عوض دوخي سيقع اسيرا لعنوان رواية الرفاعي الصادرة قبل أسابيع عن دار "ذات السلاسل". لكن ما إن يطوي القارئ بضع صفحات حتى تتكشف الخيبة. دوخي الذي عرفناه لم يحضر. النص أدار ظهره للفنان وذهب ليرسم صورة مثالية لمدينة الكويت. رواية يفترض أنها عن مطرب ملأ الأسماع، فإذا بها تلتفت إلى الجغرافيا والمدينة، كأن التاريخ الشخصي لعوض دوخي تفصيل ثانوي في حياة مدينة صغيرة. هذا خداع للقارئ قبل أن يكون خيانة لذاكرة فنان.
اختار الرفاعي أن يجعل من النص "حزمة مشاهد" أشبه بمقالات صحافية وأدبية عن دوخي. وهو التعبير الطبيعي الوحيد في هذه الرواية، مع أنه لم يغادر الساعات الأخيرة من حياة دوخي، ليمنح نفسه حرية الاستذكار عن الفنان المضطجع على فراش الموت. لكنه في ذلك لم يضف لنا شيئا واحدا لا نعرفه عن عوض دوخي، إذا كان الامر متعلقا بمن يعرفون هذا الفنان، وأما الذين لا يعرفونه فأن قراءة سريعة لسيرته في الويكيبديا تكفي لمعرفة أكثر مما ذكره الرفاعي.
طالب الرفاعي لم يكتب سيرة روائية، بل دوّن مشاهد متفرقة أقرب إلى مقالات متلاصقة. النص بلا عمق، بلا جروح عوض دوخي ونقمته الدائمة، كان مستاء من كل ما يحيط بحياته، لذلك من النادر أن يغني من دون أن أكمل احتساء أقداحه البيضاء المفضلة. لقد مرّ الرفاعي مروراً بارداً على تفاصيل حاسمة بلا ما يشبه روح الفنان الذي نحب. ذكر ولع دوخي بتلاوة رائد التلاوة البغدادية محمود عبد الوهاب أحد تلامذة الملا عثمان الموصلي من دون أن يضعه في سياق العراق وموسيقاه التي صنعت المساحة الأكبر من ذائقة دوخي. لذلك لم يتوقف الرفاعي عند سنوات دوخي التي بقيت هائمة بغناء حضيري أبو عزيز وعلاقته الشخصية به، كما تعمد، كما يبدو، اخفاء تلك العلاقة المفصلية في تجربة دوخي الفنية حين لحن له الموسيقار العراقي محمد جواد أموري قصيدة الشاعر جعفر الأديب "هل جفاك النوم مثلي" ما يشكّل جوهر التجربة.
هل يمكن لنا أن نعزو ذلك الى "عقدة العراق" المصاب بها طالب الرفاعي لكونه عراقيا وتجنس كويتيا، لا نأمل ذلك!
كذلك تجاهلت الرواية نزق الفنان، عبثه، نقمته، صلته الدائمة بالكحول، ذلك الوجه الذي لا ينفصل عن غنائه. حوله الرفاعي إلى مدخّن عابر، إلى صورة "إنسانية مثالية" لا يعرفها أحد من المقربين إليه. هذا التهذيب الزائف سحق الحقيقة. فالذين أحبوا عوض دوخي لم يبحثوا عن ملاك منزوع الخطايا، بل أحبوا فناناً متناقضاً، جريحاً، غارقاً في نشوته. فيما خذل متن الرفاعي هذا التاريخ، خذل الصوت الذي كان يغني بجمل موسيقية كالسكين، جارحة وصادقة حتى الدمع.
لقد كان عوض دوخي أكبر من مدينة صغيرة، وأكبر من الرواية التي أرادت أن تحشره في نص متردد. كان مطرباً بامتداد عربي، يعزف من روحه على أوتار الذاكرة. طالب الرفاعي لم يدرك ذلك، أو تجاهله عمداً. فجاء نصه بلا دوخي، بلا موسيقى، بلا ذرة من الحزن المضيء الذي جعل هذا الفنان استثنائياً.
الخيبة هنا ليست شخصية، ولا تخص قارئاً واحداً، بل هي خيبة كل من حمل صوته يوماً في وجدانه. فالرواية التي حملت اسم دوخي على غلافها لم تكتفِ بإجهاض سيرته، بل خذلت ذاكرة العرب الذين عرفوا المطرب قبل أن يعرفوا الكويت. انتهت إلى صورة باهتة لا تصمد أمام أي قراءة جادة. وإن كان الإدمان على الكحول قد أنهى حياة دوخي، فإن طالب الرفاعي قد أنهى صورته في رواية بلا فن، بلا موسيقى، بلا روح. وما نحتاجه اليوم ليس نصاً متردداً يحشر فناناً عظيماً في مدينة صغيرة، بل سيرة حقيقية تعيد إليه مكانه في الوجدان العربي، وتترك رواية الرفاعي كما يجب أن تبقى: حاشية على هامش تاريخ موجع لعوض دوخي.



#كرم_نعمة (هاشتاغ)       Karam_Nama#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فؤاد التكرلي بين حافظ والعناني
- موعد مع أخطبوط!
- ياسمين الخيام تبتهل بالمولد النبوي الشريف
- سليمة خضير تغلق شباك السنين
- الخوف وليس السأم من يطيح بهم
- عريبي والشيخ وبلخياط والجميري
- ترامب وبوتين يعيدان تعريف المسافة السياسية
- لاريجاني في بغداد غيره في بيروت
- في مديح الألفاظ البذيئة!
- مردوخ سلّعَ الصحافة وترامب شيطنها
- الفساد والفشل كشرف سياسي في العراق
- صراع دول على صالح الكويتي
- طريق الأعظمية ينتهي في تونس
- لماذا يخترع الأدباء سيرة مزيفة؟
- وماذا عن صحافيينا القتلى؟
- إنه يتذوّق الموسيقى أيضًا!
- أيّ نوع من الناس نريد أن نكون؟
- ماذا تبقى من مرونة إيران السياسية
- الشوالي يستحوذ على بلاغة اللغة
- تحبّ السياسة لأنها تحبّ الناس


المزيد.....




- جينيفر لوبيز وجوليا روبرتس وكيانو ريفز.. أبطال أفلام منتظرة ...
- قراءة في ليالٍ حبلى بالأرقام
- -الموارنة والشيعة في لبنان: التلاقي والتصادم-
- -حادث بسيط- لجعفر بناهي في صالات السينما الفرنسية
- صناع أفلام عالميين -أوقفوا الساعات، أطفئوا النجوم-
- كلاكيت: جعفر علي.. أربعة أفلام لا غير
- أصيلة: شهادات عن محمد بن عيسى.. المُعلم والمُلهم
- السعودية ترحب باختيارها لاستضافة مؤتمر اليونسكو العالمي للسي ...
- فيلم من إنتاج -الجزيرة 360- يتوج بمهرجان عنابة
- -تاريخ العطش-.. أبو شايب يشيد ملحمة غنائية للحب ويحتفي بفلسط ...


المزيد.....

- سميحة أيوب وإشكالية التمثيل بين لعامية والفصحي / أبو الحسن سلام
- الرملة 4000 / رانية مرجية
- هبنّقة / كمال التاغوتي
- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كرم نعمة - دوخي المفقود في تقاسيم الصبا