أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كرم نعمة - أينتصر القلم على محفظة النقود؟














المزيد.....

أينتصر القلم على محفظة النقود؟


كرم نعمة
كاتب عراقي مقيم في لندن

(Karam Nama)


الحوار المتمدن-العدد: 8488 - 2025 / 10 / 7 - 16:19
المحور: الادب والفن
    


لم تكن مشكلة البشرية يومًا نقصًا في المعلومات. كنا نغرق بها، حتى قبل أن تُغرقنا الخوارزميات. واليوم يكاد يغرق العالم بتسونامي المعلومات، غوغل نفسه يعترف أن ما يتيحه من معلومات أكثر بكثير من حاجة وطاقة الإنسان المعاصر.
لكن الصحافة، تلك التي وُلدت لتقول الحقيقة، وجدت نفسها في مأزق وجودي. المشكلة لم تعد في الوصول إلى المعلومة، بل في القدرة على قولها.
الصحافي اليوم لا يواجه فقط الرقابة، بل يواجه السوق. والسوق لا يسأل: هل هذه الحقيقة؟ بل يسأل: هل هذه تُباع؟
في عصر التمويل، تحوّلت الصحافة إلى مشروع اقتصادي. الصحف الكبرى تتفاوض مع الحكومات، وتُراعي مصالح المعلنين، وتُعيد صياغة الحقائق بما يناسب من يدفع أكثر. لم تعد الحقيقة تُكتب بالحبر، بل تُوزن بالميزانية.
ذلك ما اكتشفه الصحافي الاستقصائي جورج مونبيوت وهو يحاول الاحتفال بطريقة ما على مرور اربعين عاما على أول دخول له في أروقة السلطة الرابعة. بأن الصحافي لايمكنه قول الحقيقة إذا كانت السلطة تتحكم في كلماته.
وكتب مونبيوت مؤلف كتاب "العقيدة الخفية: التاريخ السري لليبرالية الجديدة": السلطة هي الصخرة التي تنهار عليها الحقيقة. فلم يخسر أحدٌ ماله قط بإخبار المليارديرات بما يريدون سماعه. وسائل الإعلام الرئيسية، مع استثناءات قليلة، هي جماعة ضغط ذات قضية واحدة، هدفها هو الدفاع عن حقوق رأس المال!
كان آلان روسبيرديغر، رئيس تحرير الغارديان السابق، ورئيس تحرير مجلة "بروسبيكت" الحالي قد نبه إلى ذلك منذ سنوات في كتابه "كسر الأخبار" بأن "الصحافة لم تُكسر لأنها فقدت جمهورها، بل لأنها فقدت استقلالها. فحين يصبح الصحافي موظفًا في خدمة السلطة، يفقد قدرته على أن يكون شاهدًا على الحقيقة.
هذا هو جوهر المأزق: الصحافة التي تُموّل من الحكومات، لا تستطيع مساءلتها. والصحافة التي تُموّل من الشركات، لا تستطيع فضحها. والصحافة التي تُموّل من الجمهور، تُصارع للبقاء. بينما لاتتوقف الحكومات عن مسعى إذلالها ثم كسرها وإخضاعها.
في تحقيق نشرته صحيفة فايننشيال تايمز عام 2024، كُشف أن أكثر من 60 بالمائة من وسائل الإعلام في الشرق الأوسط تعتمد على تمويل حكومي مباشر أو غير مباشر. وهذا التمويل لا يأتي مجانًا. يأتي مشروطًا، ملوّنًا، ومُراقبًا.
في الولايات المتحدة، كتب ناشر نيويورك تايمز، إيه جي سولزبرجر، مقالًا نادرًا يحذّر فيه من أن تقويض حرية الصحافة في الديمقراطيات الغربية بات يشبه ما يحدث في الأنظمة الاستبدادية. قالها بوضوح: "لا يمكن حل هذه التحديات من قبل مؤسسة واحدة." ثم أضاف أن الصحافة الحرة أصبحت مهددة من قبل الحكومات التي تستخدم أدوات رقمية لتشويه سمعتها، ومن قبل شركات التكنولوجيا التي تتحكم في توزيعها، ومن قبل جمهور بات يشكك في كل شيء.
هكذا الصحافة لم تعد تسأل، بل تُعبّئ. لم تعد تبحث عن الحقيقة، بل عن التمويل. وهنا المفارقة: الصحافة تحتاج المال لتعيش، لكنها تموت حين يُقيّدها المال.
السلطة لا تقتل الصحافة، بل تُعيد تشكيلها. تمنحها مكافآت، وتُغلق أبوابها على من لا يوقّع على شروطها. تُشجع الصحافي على أن يكون مفسّرًا، لا ناقدًا. مُبررًا، لا كاشفًا.
في هذا السياق، يصبح الصحافي مجرد موظف في مؤسسة علاقات عامة. يُطلب منه أن يكتب، لا أن يشهد. أن يُجمّل، لا أن يُدين.
لكن هناك ما يُقاوم هذا الانحدار. شيءٌ ما يتحرك في الهامش. ليس في غرف التحرير، بل في ضمير القارئ.
ثورةٌ شعبيةٌ تتشكل ضد دعاية السلطة، ضد احتكار الحقيقة، ضد تحويل الصحافة إلى وظيفة بلا ضمير. الناس لا يثقون بالصحافة الرسمية، لأنهم يعرفون من يموّلها. ويعرفون أن من يدفع، يكتب.
في هذا المناخ، يعود السؤال القديم: هل يمكن للصحافي أن يقول الحقيقة للسلطة، إذا كانت السلطة تتحكم في كلماته؟ والجواب، رغم قسوته، لا يزال ممكنًا. لكنّه يتطلب شجاعة. يتطلب استقلالًا. يتطلب أن ينتصر القلم على محفظة النقود.
ربما لا نملك الإجابة بعد. لكننا نملك السؤال. ونملك الغضب. ونملك الأمل.
علينا كصحافيين أن نناضل ولا نحصر أنفسنا في فقاعات إيديولوجية وتجارية بذريعة لايوجد ما يمكن أن نفعله، لأن الصحافة التي تُختزل في خطاب السوق تفقد قدرتها على أن تكون ضميرًا حيًا. وحتى نصل إلى اليوم الذي ينتصر فيه القلم على محفظة النقود. حينها فقط، تستعيد الصحافة وظيفتها الأخلاقية: أن تكون صوتًا لا يُشترى، وشاهدًا لا يُسكت.



#كرم_نعمة (هاشتاغ)       Karam_Nama#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دوخي المفقود في تقاسيم الصبا
- فؤاد التكرلي بين حافظ والعناني
- موعد مع أخطبوط!
- ياسمين الخيام تبتهل بالمولد النبوي الشريف
- سليمة خضير تغلق شباك السنين
- الخوف وليس السأم من يطيح بهم
- عريبي والشيخ وبلخياط والجميري
- ترامب وبوتين يعيدان تعريف المسافة السياسية
- لاريجاني في بغداد غيره في بيروت
- في مديح الألفاظ البذيئة!
- مردوخ سلّعَ الصحافة وترامب شيطنها
- الفساد والفشل كشرف سياسي في العراق
- صراع دول على صالح الكويتي
- طريق الأعظمية ينتهي في تونس
- لماذا يخترع الأدباء سيرة مزيفة؟
- وماذا عن صحافيينا القتلى؟
- إنه يتذوّق الموسيقى أيضًا!
- أيّ نوع من الناس نريد أن نكون؟
- ماذا تبقى من مرونة إيران السياسية
- الشوالي يستحوذ على بلاغة اللغة


المزيد.....




- اختفاء لوحة أثرية عمرها 4 آلاف عام من مقبرة في سقارة بالقاهر ...
- جاكلين سلام في كتابها الجديد -دليل الهجرة...خطوات إمرأة بين ...
- سوريا بين الاستثناء الديمقراطي والتمثيل المفقود
- عامان على حرب الإبادة الثقافية في قطاع غزة: تدمير الذاكرة وا ...
- من آثار مصر إلى الثقافة العالمية .. العناني أول مدير عربي لل ...
- اللاوا.. من تراث للشلك إلى رمز وطني في جنوب السودان
- الوزير المغربي السابق سعد العلمي يوقع -الحلم في بطن الحوت- ف ...
- انتخاب وزير الثقافة والآثار السابق المصري خالد العناني مديرا ...
- بعد الفيلم المُرتقب.. الإعلان عن موسمين جديدين من مسلسل -Pea ...
- عاجل.. المصري خالد العناني مديراً لمنظمة اليونسكو


المزيد.....

- مختارات عالمية من القصة القصيرة جدا / حسين جداونه
- شهريار / كمال التاغوتي
- فرس تتعثر بظلال الغيوم / د. خالد زغريت
- سميحة أيوب وإشكالية التمثيل بين لعامية والفصحي / أبو الحسن سلام
- الرملة 4000 / رانية مرجية
- هبنّقة / كمال التاغوتي
- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كرم نعمة - أينتصر القلم على محفظة النقود؟