أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كرم نعمة - إحسان الإمام يعيد نبض القلوب















المزيد.....

إحسان الإمام يعيد نبض القلوب


كرم نعمة
كاتب عراقي مقيم في لندن

(Karam Nama)


الحوار المتمدن-العدد: 8531 - 2025 / 11 / 19 - 22:48
المحور: الادب والفن
    


إذا كان الأمر يتعلق بالفنان العراقي إحسان الإمام الذي بقي متواريا لأنه أخلص لشرف الأغنية وقبلها الموشح الاندلسي ولم يستطع أن يصل الى الجمهور كما ينبغي، كما لم يلق اهتماما اعلاميا، فأن الملامة ستطاله وحده، لكننا اليوم أمام ثلاثة أسماء عراقية متوارية ومخلصة لشرف النص واللحن والأداء الغنائي في قصيدة "نبض القلوب" التي كتبها الشاعر وطبيب الأسنان اشرف شاكر خضير، صعبة المراس وكأنها مستوحاة من العصر العباسي أو الأموي. فيما صنع الملحن أحمد هيكل لحنا بمواصفات كلاسيكية باذخة استلت روح المفردة موسيقيا وهو يتنقل بروية ودراية هادئة بين مقامات الحجاز والبيات والرست ليعود متسائلا في نهاية اللحن إلى الحجاز كأنّما يريد أن يختبر الشجن في آخر مداه.
هذا اللحن يعبر بامتياز عن شرف الأغنية ومجدها. وكأنه يقدم اجابة لا لبس فيها عن البديل الحقيقي للاغنية العراقية المسحوقة والمخطوفة.
إحسان الإمام فنان من جيل الثمانينات أكمل دراسته في معهد الدراسات الموسيقية في بغداد، لكنه مثل كل من يخلص للأغنية عاش الخيبة الإعلامية وبقي يدور على غنائه المرتقي بالذائقة السمعية وحدها، فلم يجد اهتماما.
ليس غريبًا عليه أن يتعامل مع قصيدة "نبض القلوب"، فمنذ تخرجه من معهد الدراسات الموسيقية وهو ينتمي إلى المدرسة الأصيلة للمقام العراقي. تتلمذ على الموشحات التي لحنها الموسيقار روحي الخماش، وتشرّب من تفاصيلها صرامة الأداء ونقاء الجملة.
إحسان الإمام لم يكن طارئًا على الغناء بل مغيبا "أرى أنه يتحمل الوزر الأكبر من هذا التغييب"، فقد غنى من ألحان الفنان سالم عبدالكريم، قائد الأوركسترا السمفونية، نصوصًا معاصرة وتتنفس عراقًا خالصًا.
هنا، في هذه القصيدة الجديدة، يضع كل ما راكمه من خبرة في خدمة اللحن والنص معًا. فتبدو الجملة الموسيقية مشدودة كوتر بين زمنين، ويبدو صوته كأنه يشرح التاريخ بنبرة وجدانية لا تكلّ من السؤال: هل غادرنا العصر العباسي حقًا؟
بينما الملحن أحمد هيكل الذي أكمل دراسته في معهد الفنون الجميلة ببغداد كشف لنا في هذا اللحن أنه على دراية عميقة بروح الغناء وما اختياره لقصيدة "نبض القلوب" إلا لأنه يريد أن يضع جملته الموسيقية في اختبار بغاية الصعوبة، لأننا نتحدث عن قصيدة معاصرة لكنها كتبت بنفس عباسي وبمفردات عصية على الجملة الموسيقية إلا اذا كان الملحن قد تشبع بالعمق الآسر لروح الكمانات والأوتار! وهذا ما برع فيه هيكل بهذا اللحن.
القصيدة التي سجلت موسيقاها في بغداد وأدخل إحسان الإمام صوته عليها في لندن، تكاد تعيد لنا مجد الألحان الفخمة للقصائد العربية. هكذا يتقدّم اللحن على استحياء ثلاثة عراقيين اجتمعوا على قصيدة واحدة. الشاعر يكتب من فم العيادة، وملحن لا يرفع صوته، ومطرب لا يطلب التصفيق. النتيجة؟ أغنية لا تزال في الظل، لكنها تقول الكثير.
اشرف شاكر خضير، الطبيب الذي يكتب الشعر كما تُكتب
الوصفة بيدٍ تعرف موضع الألم. قصيدته الجديدة التي لم تُعلن بعد، لا تُغنّى لتُطرب، بل لتُربك. لا تتوسل المعنى، بل تتركه يتسرّب من بين المقامات "المالُ تسرقه اللصوص وتبتلي، أما القلوبُ فنهبُها من يبتلي- في نبضة من نظرة وكأنما أشرقت نورا في ظلام مسدل."
أحمد هيكل، الملحن، لا يفرض لحنًا على النص، بل يُصغي له. يستهل الأغنية بمقام الحجاز العاطفي الغزير، مقدمة صغيرة من دون ايقاع لا ليؤسس مقامًا دينيًا، بل ليُعلن أن هذه القصيدة لا تُغنّى إلا من الحب. حتى ينتقل إلى مقام الرست في أبيات "طوحت شرقا وارتميت لمغرب ما بين اشرقت الشموس وتذبل- جبلت على طرف رقيق أكحل قتالة العينين حتى الصيقل- سواحة خلابة غراقة ترد الكهول تلي الصبا أن تسأل" ويمر ملتاعا بمقام البيات، لا كتحول نغمي، بل كتحول في النبرة، من التبتل إلى الانكشاف، وكأن اللحن لا يريد أن يغادر بيته الأول. ثم مقام الحجاز والتحول إلى الرست في ايقاع الوحدة الكبيرة.
الإيقاع هنا يتبدل أيضًا: من المقسوم إلى الوحدة الكبيرة، ثم إلى إيقاع لا يُسمى. كأنما الزمن نفسه يتلعثم، أو كأن الأغنية ترفض أن تُقاس بالدقائق.
إحسان الإمام يوظف صوته كأداة سردية، لا يغني، بل يتوارى. لا يملأ الفراغ، بل يتركه يتكلم. يصعد تدريجيًا على نهايات الحروف لإظهار التوتر العاطفي. يتحكم في التصاعد والهبوط الصوتي بما يعكس إحساس النص، مع ارتجالات دقيقة على نهايات الجمل لإبراز المشاعر. حين يؤدي "وتفاوت العشاق بعض حبهم باد ولا يخفى وبعض ينجل- ومن الأحبة من كان بحبه طاغ ولايحظى بحب أمثل- ومن الاحبة ماتراهم كملا جسد الطيور بروض سجن أمثل".
لا نسمع العشاق، بل نسمع المسافة بينهم. وحين يردد "وأنا فقيدكم " لا نعرف إن كان الإمام وهو يغني يعتذر أم يتهم!
هذه ليست أغنية تُبنى على الكوبليه واللازمة. بل بناء لحني متداخل، ينتقل بين المقامات كما ينتقل الحلم بين غرف الذاكرة. كل مقام لا يُغلق، بل يُترك مفتوحًا على احتمالاته.
القصيدة نفسها لا تُفسّر، بل تُلمّح. تبدأ بأبيات عن سرقة اللصوص والقلوب. وأي ثنائية هذه؟ ثم تنزلق إلى صور غامضة "جُبلت على طرف رقيق أكحل" "سواحة خلابة رقاقة ترجو الكهولة للصبا أن تسأل" هل هذه استعارات؟ أم إشارات؟ أم مجرد ظلال تتسلل بين المقامات؟
العمل أداء ولحنا يبدو كأنه يُغنّى من وراء ستار. لا يُعلن نفسه، بل ينسحب خطوة إلى الوراء، تاركًا للمستمع أن يُكمل المعنى.
وهكذا في زمن تُغنّى فيه القصائد لتُستهلك، تأتي هذه الأغنية لتُربك. لا تُشبه الأغاني، بل تُشبه الحيرة. لا تُشبه الأداء، بل تُشبه التردد. لم تُبث بعد، لكنها جاهزة لأن تُسمع. وحين تُذاع، لن تكون مجرد أغنية جديدة، بل تجربة صوتية تُعيد طرح السؤال: هل يمكن للغناء أن يكون سؤالًا؟ وهل يمكن للقصيدة أن تُغنّى دون أن تُفسد؟
وهل يمكن للحن أن يتوارى، لا ليختبئ، بل ليُفسح المجال للقصيدة أن تتنفس؟ ربما. وربما هذه الأغنية هي الجواب الذي لا يريد أن يُقال، بل مغامرة تعيد صدى بغداد القديمة. وليست مجرد تجربة موسيقية، بل هي استعادة لروحٍ كانت تسكن مدينة العباسيين حين كانت تُغنّى القصيدة لا تُقرأ، ويُعزف الحنين لا يُشرح. أحمد هيكل جازف، وإحسان الإمام صدّق المغامرة، فكانت النتيجة عملًا لا يشبه إلا نفسه. عملٌ يسألنا: هل ما زال الشعر يُغنّى؟ وهل ما زالت بغداد تعرف كيف تُصغي؟

https://www.youtube.com/watch?v=MU_KJlFvs4I



#كرم_نعمة (هاشتاغ)       Karam_Nama#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عفيفة إسكندر وشهد الراوي
- المعادل الطائفي في العراق
- الحقيقة المؤجلة عند الشريان وقطيش
- زمن النسيان العام
- باب انتخابي دوّار لا يفضي إلى وطن
- المستقبلية في ألحان كاظم الساهر
- بغداد تتفوق على برافدا في الخيال السياسي
- تونس مختبر الذاكرة
- أينتصر القلم على محفظة النقود؟
- دوخي المفقود في تقاسيم الصبا
- فؤاد التكرلي بين حافظ والعناني
- موعد مع أخطبوط!
- ياسمين الخيام تبتهل بالمولد النبوي الشريف
- سليمة خضير تغلق شباك السنين
- الخوف وليس السأم من يطيح بهم
- عريبي والشيخ وبلخياط والجميري
- ترامب وبوتين يعيدان تعريف المسافة السياسية
- لاريجاني في بغداد غيره في بيروت
- في مديح الألفاظ البذيئة!
- مردوخ سلّعَ الصحافة وترامب شيطنها


المزيد.....




- من أرشيف الشرطة إلى الشاشة.. كيف نجح فيلم -وحش حولّي- في خطف ...
- جدل بعد أداء رجل دين إيراني الأذان باللغة الصينية
- هل تحبني؟.. سؤال بيروت الأبدي حيث الذاكرة فيلم وثائقي
- الأخوان ناصر: إنسان غزة جوهر الحكاية.. ولا نصنع سينما سياسية ...
- الأخوان ناصر: إنسان غزة جوهر الحكاية.. ولا نصنع سينما سياسية ...
- -سيرة لسينما الفلسطينيين- محدودية المساحات والشخصيات كمساحة ...
- لوحة للفنان النمساوي غوستاف كليمت تصبح ثاني أغلى عمل فني يُب ...
- معاناة شاعر مغمور
- الكويت تعلن عن اكتشافات أثرية تعود لأكثر من 7 آلاف سنة
- الصين تجمّد الأفلام اليابانية في ظل اشتعال ملف تايوان


المزيد.....

- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش
- مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز. ... / السيد حافظ
- إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كرم نعمة - إحسان الإمام يعيد نبض القلوب