أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصحة والسلامة الجسدية والنفسية - نداء يونس - وجوه الحبّ الأخرى














المزيد.....

وجوه الحبّ الأخرى


نداء يونس

الحوار المتمدن-العدد: 8533 - 2025 / 11 / 21 - 16:15
المحور: الصحة والسلامة الجسدية والنفسية
    


وجوه الحب الاخرى ..

يُعرّف الفيلسوف باروخ سبينوزا الحب في كتابه "الأخلاق" بأنه "سرور يصاحبه فكرة علة خارجية"، أي أنه انتقال إلى حالة من الكمال الأعظم أو زيادة في قوة الفعل. ينبع هذا السرور من التفكير في شيء أو شخص نحبه. بهذا المعنى، لا يرى سبينوزا الحب اغترابًا، بل هو عاطفة إيجابية تُعزز من وجود الإنسان وحريته، عكس العواطف السلبية كالحزن أو الكراهية التي تُقلّل من قوة الإنسان وتجعله وجوده مرتبطا بالتقلبات الخارجية.
بالمقابل، قد يكون الحبّ، في أعمق تجلياته، أعلى درجات الاغتراب عن الذات، فهو، وإن بدا سبيلنا إلى الكشف والاتساع، وإلى القفز على ضيق اللحظة والحاضر، إلّا أنّه في جوهره إحدى أخطر التجارب الوجودية. ففي الارتحال إلى كينونة أخرى، نتعرض لنفي كينونتنا وينكشف نقصنا الذي نعثر عليه في ذات أخرى.
يكتب بودلير في اليوميات: "ما الحبّ؟ الرغبة في مغادرة الذات". هكذا يبدو الحبّ رحيلًا عن الذات نحو الآخر، انكشافًا حتى العُري، وتلاشيًا في الحضور في الذات الأخرى. "أن تعشق يعني أن تضحّي بنفسك وأن تتعهر". لا يقصد بودلير هنا التعرّي الجسدي، بل انكشاف الذات في أضعف صورها، تخليها عن الكبرياء الذي يحميها. فالعاشق، بهذا، يعرّي روحه أمام الآخر، فيتحول الحبّ إلى بغاءٍ وجوديّ — نداء نحو ذوبانٍ لا متناهٍ.
في مرحلة متقدمة من اللقاء بالآخر، تنكشف هشاشة الأنا، وينفصل الانسان عن ذاته كمركز. بهذا المعنى، يصبح الحبّ تجربة عبور من الذات إلى الآخر، إقامة في مساحة تكشف عن نقصٍ، ومسافة دقيقة بين التعالي والسقوط. ربّما كان هذا الإدراك بالانفصال عن الأنا، وهذا السقوط الحرّ في الآخر، ما جعل نيتشه يتعلّق بأوبرا كارمن لبيزيه، التي تنتهي بالمشهد الذي يعلن فيه دون خوسيه: "نعم، قتلتها، قتلت معشوقتي كارمن"!
يشكل الحبّ، في جوهره عند نيتشه، أقصى درجات الاغتراب عن الذات، حيث يتحول الوعي بحالة الاستلاب هذه إلى رغبة دفينة في تدمير الآخر، لأنّ الآخر يذكّر العاشق بحدوده، وبعجزه المطلق وبالخسارة. فحين يعجز عن احتواء المعشوق أو حفظ ذاته في حضرته، يلجأ إلى تدميره. في هذا الوعي بخطورة الحب الذي هنا تكمن المفارقة الكبرى: تحوُّل الرغبة في الاتحاد إلى عنفٍ ميتافيزيقيّ.
يتقاطع بودلير ونيتشه في رؤيتهما للحبّ كأقصى درجات الاغتراب عن الذات، وكأخطر تجربة يعيشها الإنسان في وجوده. فالحبّ ليس خلاصًا، بل مغامرة نحو المنفى في هيئة الآخر. في النهاية، يكتشف كلّ عاشق أنّه لم يكن يبحث عن الآخر بقدر ما كان يبحث عن نسخته المفقودة، تلك التي تفضحه وتمنحه إنسانيته في آنٍ، وتكشف المسافة بين "الأنا" وما لا يمكن احتواؤه... لكنّه وحده ما يجعلنا بشرًا.



#نداء_يونس (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ثياب داخلية مقلوبة
- لا تشرق أكثر من السيد
- جنون حلو ايها السيد
- من سيهتم
- المخيّلة أوسع من اللغة
- محرمات الصحافة وهشاشتها الخفية
- ممكن الشعر لدى راما وهبة
- في اللوفر
- اللغة العربية، فرصةٌ لفرنسا -، لجاك لانغ
- -العازب- ل علي البزَاز: وجود ثالث إلى جانب الذات والعالم
- من القلب إلى القلب
- ما لم تخرج منك
- ما الجمال؟
- تحت جلدي كل ما يحدث في الحرب
- بلا سبب
- مخرج طوارئ
- علّمتني قارورة صغيرة
- يعرج الرجل لأسباب كثيرة
- كيف نكسر احتكار العالم لروايتنا؟
- أبنية الرقابة والعقاب والتحكم بنفاذية الخطاب الفلسطيني على م ...


المزيد.....




- تكريم تشادويك بوسمان بطل -Black Panther- بنجمة في ممشى مشاهي ...
- زوج يعترف بالذنب في التخلص من جثة زوجته.. وليس قتلها
- تحطم طائرة خلال معرض دبي للطيران 2025
- مركز أمريكي دولي في إسرائيل يعمل استخباراتيا ومدنيا لتطبيق ا ...
- بوتين يلتقي بكبار ضباطه في دونيتسك ويطلع على التطورات الميدا ...
- بن سلمان يختتم زيارة محورية لواشنطن.. ما المكاسب التي حققها ...
- فنزويلا تنشر أسلحة ثقيلة في سواحلها على الكاريبي
- تقدم للجيش السوداني بكردفان ونزوح نحو 100 ألف شخص من الفاشر ...
- القوى السياسية العراقية تبدأ مشاوراتها لتشكيل الحكومة
- مستوطنة جديدة لربط تكتل -غوش عتصيون- الاستيطاني بالقدس


المزيد.....

- عملية تنفيذ اللامركزية في الخدمات الصحية: منظور نوعي من السو ... / بندر نوري
- الجِنْس خَارج الزَّواج (2/2) / عبد الرحمان النوضة
- الجِنْس خَارج الزَّواج (1/2) / عبد الرحمان النوضة
- دفتر النشاط الخاص بمتلازمة داون / محمد عبد الكريم يوسف
- الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (مقدمة) مقدمة الكتاب / محمد عبد الكريم يوسف
- الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (3) ، الطريق المتواضع و إخراج ... / محمد عبد الكريم يوسف
- ثمانون عاما بلا دواءٍ أو علاج / توفيق أبو شومر
- كأس من عصير الأيام ، الجزء الثالث / محمد عبد الكريم يوسف
- كأس من عصير الأيام الجزء الثاني / محمد عبد الكريم يوسف
- ثلاث مقاربات حول الرأسمالية والصحة النفسية / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الصحة والسلامة الجسدية والنفسية - نداء يونس - وجوه الحبّ الأخرى