أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نداء يونس - علّمتني قارورة صغيرة














المزيد.....

علّمتني قارورة صغيرة


نداء يونس

الحوار المتمدن-العدد: 8350 - 2025 / 5 / 22 - 12:04
المحور: الادب والفن
    


في وقت سابق، حين كنت أصغر سنًا، أحمل خطواتي الهشة نحو العالم - رغم تربية والدي الاستثنائية لي، وجدت نفسي كثيرًا ما أتصادم مع صور نمطية جاهزة: "المرأة لا تعرف القيادة"، "المرأة تتكلم كثيرًا"، "المرأة عاطفية"، "المرأة بحاجة إلى الآخرين دائمًا"، "المرأة تستسلم ويجب حمايتها من كل شيء وكل أحد"، "المرأة يجب أن تختبئ خلف الحجاب والخوف"، وحتى حين تكون "strong and independent"، لا بد أن تكون أيضًا "قَارُورَة" - ولو على سبيل المزاح.
لذلك، كنت دائمًا حذرة، أمشي كما لو أن الأرض زجاج. أصدقائي كثيرًا ما تساءلوا كيف أحبش قوتي وفرادتي في هشاشة يمكن لمسها، في خوف مرئي، وتردد لا يخفى.
لاحقًا، تحولت هذه القوة إلى حروب دونكيشوتية، أحاول فيها إثبات أننا لسنا ما يقولونه عنا، أن تلك الصور تم تصنيعها بعناية لتجريد المرأة من قدرتها، وتحويلها إلى كائن عاجز ومشلول ومُحجَّب — حرفيًا ورمزيًا.
عام 2014، عدت من تركيا ومعي هدية: قارورة زجاجية نُقش اسمي عليها بالزجاج أيضا - في لفتة ساحرة وغريبة. الجمال والفرح تحوّلا فجأة إلى خوف، قلق، رعب حقيقي: كيف ستصل هذه القارورة إلى فلسطين سالمة؟
في لحظةٍ ما، قررت أن أضعها كما هي، في علبتها الكرتونية الهشة، داخل حقيبة السفر. كان القرار نوعًا من التسليم، بدلًا من التخلص منها. وفوجئت: وصلت سالمة: جميلة وكاملة.
غيرتني هذه القارورة. منحتني قناعةً عميقة: لستُ مجبرة على خوض معارك لأثبت للآخرين من أنا، ما دمت أنا أعرف نفسي جيدًا.
حينها، قررت ألا أخذل المنمطين — سواء كانوا أصدقاءً أو أعداء — وبدأت أعيش كل ما يصفونه بالنقيصة: أتحدث كثيرًا، وأحمل دائمًا شريط بانادول لمن يشكو من صداع - لأن هناك حلًا دائمًا، لكن ليس أنا. أتحرك كثيرًا، وأكشف وجهي للشمس — ومن لا يحب الشمس، فليُخفِ وجهه عني، هناك حل دائما لكن ليس أنا. أقود السيارة باستخفاف وتهور - رغم أنني محترفة. ومن لا يعجبه، فليغير مساره أو يتوقف حتى أمرّ، هناك دائمًا حل، لكن ليس أنا. أحب وأكتب ما أشاء - ومن لا يعجبه، يمكنه الذهاب إلى الشعر المدجّن، ذلك الذي يُربّى في البيوت البلاستيكية للتصدير الجماهيري، أو في أقفاص الدجاج تحت ضوء خافت لتكثير عدد "البيض"، أقصد القصائد المعدة للاستهلاك البشري. هناك دائمًا حل، لكن ليس أنا.
علّمتني قارورة صغيرة من الزجاج أن التصورات المسبقة ليست فقط خاطئة، بل مُهينة في كثير من الأحيان. الصور النمطية قلة احترام، وقلة ذوق، وجهل بطبيعة الأشياء، وأن هناك حل دا-ما حتى لو كانت صحيحة، هناك دائمًا حل، لكن ليس أنا.
وحتى يتعلم العالم كيف يتعامل بذوق مع القوارير ومع الهشاشة البشرية والأخطاء - أيا كانت، فلتكن القوارير كما هي: هشة، صلبة، مشعة، متشققة، سالمة، أو حتى مكسورة - لأن التهشم جزءٌ أصيل من الحياة، ومن طبيعتنا نحن أيضًا.



#نداء_يونس (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- يعرج الرجل لأسباب كثيرة
- كيف نكسر احتكار العالم لروايتنا؟
- أبنية الرقابة والعقاب والتحكم بنفاذية الخطاب الفلسطيني على م ...
- كيف تركناه يحترق؟
- تعلم ما أقصد
- ثمّ أفكّر
- احتفاء بصدور أنطولوجيا شعر المرأة الفلسطينية بالفرنسية
- حياة معلّقة على مفهوم البيت وخسارته
- أُفكّرُ بهذا
- احتفاء بصدور أنطولوجيا شعر المرأة الفلسطينية المعاصر بالفرنس ...
- أحوّل الاحتراق إلى شفاء
- يربكني الضّجيج
- أتبه رغبتي
- أكتب كي أنسى الحرب
- وجوه
- نحن نهرب إلى تاريخ أسود
- كلّهم طغاة يا صديقي
- أَدرينَالِين- لخليل المزين...الشعر الذي ليس صنعة الشاعر
- سجائر في منفضة
- لا يحتاج إلى تبرير


المزيد.....




- مهرجان أفلام المقاومة.. منصة لتكريم أبطال محور المقاومة
- بعد أشهر من قضية -سرقة المجوهرات-.. الإفراج عن المخرج عمر زه ...
- الإمارات.. إطلاق أول نموذج ذكاء اصطناعي باللغة العربية
- 6 من أبرز خطاطي العراق يشاركون في معرض -رحلة الحرف العربي من ...
- هنا أم درمان.. عامان من الإتلاف المتعمد لصوت السودان
- من هنّ النجمات العربيّات الأكثر أناقة في مهرجان كان السينمائ ...
- كان يا ما كان في غزة- ـ فيلم يرصد الحياة وسط الدمار
- لافروف: لا يوجد ما يشير إلى أن أرمينيا تعتمد النموذج الأوكرا ...
- راندا معروفي أمام جمهور -كان-: فلسطين ستنتصر رغم كل الظلم وا ...
- جبريل سيسيه.. من نجومية الملاعب إلى عالم الموسيقى


المزيد.....

- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نداء يونس - علّمتني قارورة صغيرة