أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - هاني صالح الخضر - من اللغز إلى الهوية: 350 عامًا من صناعة الصورة الأكاديمية للعلويين بين الرحلة والاستشراق والسياسة والتاريخ النقدي















المزيد.....

من اللغز إلى الهوية: 350 عامًا من صناعة الصورة الأكاديمية للعلويين بين الرحلة والاستشراق والسياسة والتاريخ النقدي


هاني صالح الخضر

الحوار المتمدن-العدد: 8529 - 2025 / 11 / 17 - 14:48
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


▪︎ تُعدّ دراسة العلويين – أو النصيريين كما عُرفوا في المصادر القديمة – إحدى أكثر الملفات تعقيدًا في تاريخ المعرفة الغربية عن الشرق الأدنى. فمنذ القرن السابع عشر، ظهرت هذه الجماعة في كتابات الرحّالة والمبشّرين والمستشرقين ثم علماء السياسة والمؤرخين الاجتماعيين بوصفها معضلة مزدوجة تجمع بين الغموض الديني والاشكالية السياسية.
فوراء الصورة الشائعة عن “الطائفة السرّانية” ذات الطقوس الباطنية، برزت صورة أخرى لا تقل رسوخًا: العلويون كنواة صلبة للسلطة في سوريا الحديثة. وهذا التوتر – بين الجبل المغلق والثكنة المفتوحة، بين السرّية الصوفية والسلطة العسكرية – شكّل الأساس لجميع المقاربات التي حاولت فهم هذه الطائفة أو تصنيفها عبر ثلاثة قرون ونصف.
ما يقدّمه هذا التأريخ النقدي ليس سردًا لتاريخ العلويين فقط، بل قراءة في تاريخ من كتب عنهم:
ماذا كان الرحّالة يبحثون؟ ماذا أراد المبشّر أن يثبت؟ وبِمَ كان المستشرق مهووسًا؟ وكيف أعاد علم السياسة تعريف “المسألة النصيرية” في القرن العشرين؟ ثم كيف حطّم المؤرخون النقديون، في بدايات القرن الحادي والعشرين، معظم المسلمات التي بدت راسخة منذ زمن طويل؟
عبر تتبع التحولات النموذجية (Paradigm Shifts) في دراسة العلويين، يمكن تفكيك طبقات الصورة المتخيلة، والتمييز بين ما هو واقع تاريخي وما هو إسقاط طموحات أو هواجس الباحثين على هذه الجماعة.

أولًا: مرحلة الرحّالة (القرنان 17–18)

لم يدخل العلويون الوعي الأوروبي عبر دراسات منظمة، بل من بوابة الرحلة. كانت نصوص الرحّالة أشبه بانطباعات متفرقة أكثر منها بحثًا منهجيًا، لكنها ستغدو لاحقًا حجر الأساس الذي سيستند إليه الاستشراق الكلاسيكي.

1. هنري مندريل (1697): لحظة تأسيس التقية/الغموض

في طريقه من حلب إلى القدس، رسم مندريل أول صورة أوروبية “شبه منهجية” للعلويين. لم يبحث في عقائدهم بقدر ما أدهشه ما اعتبره “قدرة على التلون الديني”، وهي العبارة التي ستصبح بعده النواة الأولى لأسطورة السرّية والتقيّة في كل الأدبيات اللاحقة.

2. كارستن نيبور (1778): من الانطباع إلى الوثيقة

نيبور هو أول من حاول الانتقال من الشائعة إلى النصّ. تحدّث عن مخطوطة نصيرية صودرت لدى العثمانيين، ورفض الاتهامات القديمة بعبادة الشمس. كما نقل تسمية داخلية نادرة: “المؤمنون”، وهي إشارة مبكرة إلى وجود هوية دينية خاصة لا تشبه التصنيفات الخارجية.

3. فولني (1787): العزلة كنتاج للظلم السياسي

لم ينظر فولني إلى النصيرية كغموض ديني، بل كجماعة مهمشة تعيش على تخوم الدولة العثمانية. هنا ولدت فكرة “الجبل المعزول” بوصفه نتيجة للاضطهاد، وهي فكرة سيطرت على الخطابات القومية لاحقًا.

4. جوزيف أسّماني: الإدراج في خارطة الفرق

أسّماني، أمين مكتبة الفاتيكان، لم يكن معنياً بالغموض بقدر اهتمامه بالتقسيمات الكنسية. صنّف النصيرية ضمن الغلاة الشيعة ذوي النزعات الغنوصية. كانت هذه أول محاولة لإدخالهم في منظومة لاهوتية أوسع.

5. المدرسة الألمانية المبكرة

سعى باحثون مثل تيخسن وباولوس إلى تفسير اسم “نصيري” لغويًا: هل يعود إلى “النصارى”؟ أم إلى “الناصوريين” المندائيين؟ ورغم ضعف هذه الفرضيات، فقد وضعت أسس الهوس اللاحق بالبحث عن جذور ما قبل إسلامية للعلويين.

نتيجة هذه المرحلة

لم يكن المنتج المعرفي “علمًا” بالمعنى الحديث، بل شذرات مبعثرة:
غموض – تقية – هرطقة – عزلة – بقايا وثنية – طقوس سرّية.
وهو مزيج يعكس هوية من كتب أكثر مما يعكس هوية من كُتب عنه.

ثانيًا: منتصف القرن التاسع عشر – لحظة صناعة “اللغز النصيري”

في هذا العصر ظهر ما يمكن تسميته حرب المصادر:
– الأدب التخيّلي
– التبشير البروتستانتي
– رواية المرتد
وجميعها اجتمعت على تحويل النصيرية إلى “لغز آسيوي” يحتاج لفك الشيفرة.

1. ديزرائيلي: الأدب الذي اخترع اللغز

في روايته تانكرد (1847)، أطلق ديزرائيلي عبارة “اللغز الآسيوي العظيم”. ورغم أنها لم تكن موجهة مباشرة للنصيرية، إلا أنها منحت الاستشراق إطارًا جاهزًا لرؤية الشرق بوصفه مخزنًا للمعرفة الباطنية.
من هنا ظهر “العلوي الغنوصي” في الخيال البريطاني.

2. سليمان الأضني (1863): الداخل المرتد

أصدر الأضني كتابه الباكورة السليمانية، مدعيًا أنه يكشف أسرار الطائفة من الداخل. كان النص لاهوتًا مكتملاً لكنه مشحون بنبرة المرتد الباحث عن تبرير خروجه.
وعلى الرغم من ضعفه المنهجي، سيصبح هذا النص مرجعًا مركزيًا في كل الكتابات اللاحقة.

3. صموئيل لايد (1860): التبشير يعيد صياغة الغموض

قدّم لايد رواية مفصلة عن طقوس العلويين، لكنه أعاد تأويلها بالكامل ليبرهن أن النصيرية مسيحية ضائعة قابلة للعودة إلى الكنيسة. وهكذا خلق السردية التي سينقلها لامنس لاحقًا:
“النصيري مسيحي محرّف”.

4. كاتافاغو (1848): المواد الخام الأولى

جمع القنصل البروسي نصوصًا ليتورجية نصيرية تُعدّ أول corpus نصي يصل إلى أوروبا. ورغم أهمية عمله، فقد طغت عليه سرديات الأضني ولايد “الأكثر إثارة”.

النتيجة: بناء الهيكل المشوّه

اعتمد الاستشراق على:
– نص مرتد
– نص تبشيري
وبسبب غياب مصادر بديلة، جرى التعامل معهما بوصفهما “كشفًا للحقيقة”.
وهكذا ترسّخ النموذج الذي سيطر على القرن اللاحق:
العلوي = بقايا ديانة غنوصية – وثنية – مسيحية – شيعية غالية … مزيج مضطرب يوضع تحت عنوان واحد: الغموض.

▪︎تمهيد للجزء التالي

عند الانتقال إلى القرن العشرين، ستتغير الأسئلة جذريًا:
لم يعد السؤال “من هم العلويون دينيًا؟”
بل أصبح:
كيف أصبحت هذه الأقلية لاعبًا مركزيًا في الدولة السورية؟
وهنا سيدخل علم السياسة ليعيد رسم الصورة بالكامل، قبل أن يأتي المؤرخون النقديون (وينتر، فريدمان) ويقلبوا الطاولة.
…يتبع في الجزء القادم …

▪︎المراجع

Mandrell, Henry. A Journey from Aleppo to Jerusalem (1697).

Niebuhr, Carsten. Reisebeschreibung nach Arabien und andern umliegenden Ländern (1778).

Volney, Constantin-François. Voyage en Syrie et en Égypte (1787).

Assemani, Joseph. Bibliotheca Orientalis.

De Sacy, Silvestre. Exposé de la religion des Nosairis (1830).

Cattafago, Joseph. Notice sur les Nosairis (1848).

Deziraili, Benjamin. Tancred (1847).

Al-Adhani, Sulayman. al-Bakoura al-Sulaymāniyya (1863).

Lyde, Samuel. The Asian Mystery (1860).

René Dussaud. Histoire et religion des Nosairis (1900).

Van Dam, Nikolaos. The Struggle for Power in Syria (1979).

Batatu, Hanna. Syria’s Peasantry, the Descendants of Its Lesser Rural Notables, and Their Politics (1999).

Yaron Friedman. The Nusayri-‘Alawi Religion: An Enquiry into Its Theology and Liturgy (2010).

Stefan Winter. A History of the ‘Alawis (2016).



#هاني_صالح_الخضر (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من اللغز إلى الهوية: 350 عامًا من صناعة الصورة الأكاديمية لل ...
- من الاستشراق الأوروبي إلى نقد الخطاب: إدوارد سعيد
- الدين في السياسة: كيف تحوّلت المعتقدات إلى أدوات استقطاب عال ...
- من العائلة إلى الدولة: القومية، الاغتراب، وتحوّلات الهوية- ق ...
- من الهيمنة بالدولار إلى عصر الذهب الجديد: كيف تُعيد الصين رس ...
- هل ستفقد نصف أموالك فجأة؟ أمريكا تخطط لذلك…
- البيتكوين… هل أصبح وسيلة لسداد ديون أمريكا؟
- الأمة الوسط و الأمم الأخرى
- حين يصبح الدين وقودًا للهيمنة - الحلقة الأولى
- من يكتب مصيرنا؟
- هندسة الاستسلام البارد: ثلاثية السيطرة النفسية في الحرب الرم ...
- خذني، لكن لا تقل -نعود-
- إلى آخر ظلٍّ في ساحات المعبد
- من بغداد إلى إدلب: كيف تعلّمت واشنطن وأعادت هندسة المشرق
- سوريا بين مطرقة النظام وسندان المؤامرة
- شركة واحدة تهزم اقتصاد أمة
- موت الوطن - إلى الذين لا يعرفون بعدُ لماذا هم هنا...
- نحو بديل حضاري... الكتلة الحرجة الواعية
- المتثاقفون والمتأسلمون: بيادق الهيمنة الناعمة
- العروبة والإسلام: توحيد لا تصادم


المزيد.....




- هل اتخذ ترامب قرارًا بشن هجوم بري على فنزويلا؟ مسؤولان يكشفا ...
- السعودية.. اصطدام شاحنة وقود بحافلة معتمرين من الهند قرب الم ...
- تعليق على رد تيتان: يجب أن ينعكس سعي تيتان نحو التحسّن في اح ...
- كونغو الديمقراطية.. لحظة انهيار جسر في منجم نحاس وكوبالت وسق ...
- الزواج.. عريس جزائري يترك قاعات الأفراح ويختار مشاركة فرحته ...
- جون برينان.. كيف تندّر المصريون على تصريح مدير الـ-سي آي إيه ...
- كيف تتوزع القوة البحرية بين الولايات المتحدة والصين وروسيا؟ ...
- بن سلمان في البيت الأبيض بعد 7 سنوات من مقتل خاشقجي.. ما الذ ...
- صفقة رافال التاريخية: 100 مقاتلة فرنسية تدعم أوكرانيا في موا ...
- منتجع تزلج فرنسي يبدأ مبكرا صنع الثلج الاصطناعي استعدادا للش ...


المزيد.....

- قصة الإنسان العراقي.. محاولة لفهم الشخصية العراقية في ضوء مف ... / محمد اسماعيل السراي
- تقديم وتلخيص كتاب " نقد العقل الجدلي" تأليف المفكر الماركسي ... / غازي الصوراني
- من تاريخ الفلسفة العربية - الإسلامية / غازي الصوراني
- الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية: دراسة تتبعي ... / فارس كمال نظمي
- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - هاني صالح الخضر - من اللغز إلى الهوية: 350 عامًا من صناعة الصورة الأكاديمية للعلويين بين الرحلة والاستشراق والسياسة والتاريخ النقدي