أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محفوظ بجاوي - حين تغتصب المعاني باسم السماء














المزيد.....

حين تغتصب المعاني باسم السماء


محفوظ بجاوي

الحوار المتمدن-العدد: 8523 - 2025 / 11 / 11 - 07:19
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


لم يعد الزيف يختبئ في الظلام، بل صار يمشي واثقَ الخطى في وضح النهار، يرفع لافتة الدين، ويتحدث بلسان الله، ويُزيّن الباطل بقداسةٍ مصطنعة. في زمنٍ صار فيه الجهل لباسًا من ورعٍ كاذب، غدت الحقيقة غريبةً في أوطان الكلام.
يُسلِمون كل شيء، لا تسليمًا لله، بل تسليمًا للعجز والخوف والكسل. أسلموا العلم، فحوّلوه إلى تجهيلٍ ممنهج، يخاف السؤال، ويكفّر الفهم، ويجعل من الجهل طاعةً ومن الفضول خطيئة. هكذا قُتلت الروح التي علّمت الإنسان أن يفكر، ودُفن العقل تحت رماد الطاعة العمياء.
ثم أسلموا البنوك، فحوّلوا النفاق إلى نظامٍ ماليٍّ مقدّس. صار الربح استغلالًا مغلفًا بآية، والفائدة تُسمّى "مكافأة"، والفقر يُفسَّر على أنه امتحانٌ إلهي لا نتيجة جشعٍ بشري. غاب الضمير، وحضرت الفتاوى، فأصبح الدين وسيلةً لتبرير ما لا يُبرَّر، وتلميع من لا يُلمَّع.
ثم أسلموا التاريخ، فغسلوا صفحاته من الدماء، وكتبوا أسماء الطغاة بأحرفٍ من ذهب. برّروا الغزو بأنه فتح، والظلم بأنه قدر، والفساد بأنه اجتهاد. صار الماضي وثنًا جديدًا يُحرَّم المساس به، ولو كان مليئًا بالكذب، لأن السؤال عن الحقيقة أصبح جريمة، ولأن التاريخ عندهم ملكٌ لا يُسأل.
ثم أسلموا الغزو، فسمّوه بطولة، وتغنّوا بالدماء كأنها صلاة، واعتبروا القهر رسالةً ربانية. نسوا أن الله لا يحب الظالمين، ولا يبارك يدًا تُلطّخها الدماء، ولا يقف في صفّ الغزاة مهما زُخرفت نياتهم. فأيّ دينٍ هذا الذي يصفّق للقتل؟ وأيّ إيمانٍ هذا الذي يبرّر الظلم باسم الجنة؟
ثم أسلموا التربية، فغرسوا في عقول الأطفال أن التفوّق ليس بالجهد بل بالانتماء، وأن الهوية ليست محبة بل حدود. علّموهم أن يكرهوا قبل أن يفكروا، وأن يُقصوا قبل أن يفهموا، وأن يحفظوا النصوص دون أن يعوا المعنى. فكبر جيلٌ يحفظ كل شيء ولا يعرف شيئًا، يرفع الشعارات ولا يجرؤ على السؤال، يخاف الله أكثر مما يحبّه، ويطيع الشيوخ أكثر مما يعقل.
يا لَلمأساة! لم نعد نعبد الله، بل نعبد صورته التي صنعها لنا تجّار الدين. لم نعد نقرأ القرآن بعين القلب، بل بعين المصلحة. لم نعد نؤمن لأننا نحب الحقيقة، بل لأننا نخاف السؤال. لقد اختُطف الدين من جوهره النقي، وحُوّل إلى أداةٍ للهيمنة والتخدير. صار مطيّة للسياسي، وسلاحًا في يد الدجّال، ووسيلة في يد من يبيعون الوهم باسم الإيمان. وصار كل نقدٍ يُتَّهم بالكفر، وكل تفكيرٍ يُرمى بالضلال.
لكن الحقيقة، مهما خُنقت، تبقى حيّة. فالدين الحقّ لا يخاف من العقل، بل يدعوه ليبحث، ولا يكره العلم، بل يحتضنه، ولا يبرّر الظلم، بل يقف في وجهه. الله لم يخلقنا لنسجد للجهل، بل لنسجد بعد أن نعرف. ولم يُنزِل الوحي ليُطفئ العقول، بل ليوقظها. فمن أسلم عقله لغير الله، فقد خان رسالته الأولى.
إنّ قول الحقيقة ليس كفرًا، بل هو أعلى درجات الإيمان. والسكوت عن الزيف ليس احترامًا للدين، بل خيانة له. والتستّر على الجهل باسم التقوى هو طعنةٌ في قلب الإيمان. فلنقلها صريحة: الدين بريء من كل هذا التشويه. هو طهرٌ أُلبس ثوب السياسة، ونقاءٌ لوّثه الجهل، ونورٌ حُبس في قوالب الظلام.
من أراد أن يخدم الله، فليخدم الحقيقة. ومن أراد أن يُقدّس الدين، فليُقدّس العدل والعقل والإنسان. فالله لا يُرضيه الخضوع للأكاذيب، ولا يرضى بالركوع أمام الزيف، بل يرضى بمن يرفع رأسه ليقول الحقّ، ولو وحده في ساحة الضجيج.



#محفوظ_بجاوي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التراث المعماري الأمازيغي بين جذور شمال إفريقيا وإشعاع الأند ...
- الثورة الجزائرية... فكر قبل أن تكون سلاحًا
- بين الجذور والهوية المكتسبة: رحلة الشعوب نحو ذاتها
- من غرس الشجرة إلى إشعال الشاشة: الجزائر تزهر بالثقافة
- الجزائر تزهر من جديد : تحية إلى شعب يغرس الأمل
- الهوية... الحقيقة التي خافوا منها طويلًا حتى أصبح الجزائري غ ...
- ومضة سلام عل ضفتي شمال إفريقيا
- حين استوردنا الحجاب...واستوردنا معه تراجع الوعي
- الجزائر : حضارة الهوية وحماية الذات
- من فضاء للتنوير إلى مسرح للإذلال... مأساة المدرسة الجزائرية
- نوميديا... مملكة الشعب لا مملكة البدو
- لسنا ضد الدين ... بل ضد من يحتكره
- الجزائر بين تلاعب الهويات وخطر التفكيك
- قراءة بسيطة في التاريخ : من ماسينيسا واكسيل إلى نوفمبر المجي ...
- الجزائر ونوميديا : هوية ضاربة في عمق الزمن
- الجزائر... هوية لاتباع ولاتنسى
- هروب الأمل من الوطن : الجزائر بين الجهل وتنويم الشعب
- سليل نوميديا بين المجد والوعي : الجيش والشعب في ميزان التاري ...
- العقل ثورة... والبقية عبيد الأوهام
- الجزائر... حين يختنق المستقبل في حضن الماضي


المزيد.....




- واشنطن تعيد فتح سفارة سوريا وتعلن انضمامها للتحالف الدولي ضد ...
- اسلامي: القطاع النووي الإيراني على وتر النمو رغم التهديدات و ...
- بشبهة إيماءة مسيئة لامرأتين يهوديتين… الفاتيكان يحقق مع حارس ...
- ما هو التحالف الدولي ضد تنظيم -الدولة الإسلامية-؟
- -المفترس: الأراضي الوعرة- يعيد الروح إلى شباك التذاكر محققا ...
- مستعمرون يحطمون قبورا في مقبرة باب الرحمة قرب المسجد الأقصى ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى وينفذون جولات استفزاز ...
- يهود ضد الصهيونية والاستعمار
- الاحتلال يعتقل 8 مواطنين غرب سلفيت بينهم أسير محرر
- إيران تتاهل الى نهائي كرة الصالات بدورة العاب التضامن الاسلا ...


المزيد.....

- رسالة السلوان لمواطن سعودي مجهول (من وحي رسالة الغفران لأبي ... / سامي الذيب
- الفقه الوعظى : الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- نشوء الظاهرة الإسلاموية / فارس إيغو
- كتاب تقويم نقدي للفكر الجمهوري في السودان / تاج السر عثمان
- القرآن عمل جماعي مِن كلام العرب ... وجذوره في تراث الشرق الق ... / مُؤْمِن عقلاني حر مستقل
- علي قتل فاطمة الزهراء , جريمة في يترب / حسين العراقي
- المثقف العربي بين النظام و بنية النظام / أحمد التاوتي
- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محفوظ بجاوي - حين تغتصب المعاني باسم السماء