أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أحمد سليمان - لماذا لم يُجفّف تمويل داعش؟ تقاطع المصالح وتشابك التحالفات في الجزيرة السورية















المزيد.....

لماذا لم يُجفّف تمويل داعش؟ تقاطع المصالح وتشابك التحالفات في الجزيرة السورية


أحمد سليمان
شاعر وكاتب في قضايا الديمقراطية

(Ahmad Sleiman:poet And Writer On Democratic Issues)


الحوار المتمدن-العدد: 8522 - 2025 / 11 / 10 - 13:47
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


القضاء على تنظيم "داعش" أو ما يُعرف بـ"الدولة الإسلامية" لم يكن يومًا مسألة عسكرية فحسب، بل ارتبط بشكل مباشر بالقدرة على تجفيف منابع تمويله، ومراقبة شبكاته المالية، ومنع إعادة إنتاجه في بيئات الفوضى التي تسمح له بالانتشار. غير أن التجربة السورية، وتحديدًا في الجزيرة السورية، تكشف أن هذا الهدف لم يتحقق بالكامل، ليس لأسباب فنية فقط، بل نتيجة تداخل المصالح السياسية والإقليمية، وتعقيدات الصراع بين النظام السوري، القوى المحلية، والدول الكبرى.

الجزيرة السورية، بمزيج سكانها من الأكراد والعرب والسريان، أصبحت ساحة اختبار لتجربة معقدة من النفوذ والسيطرة: فبينما سعى النظام السوري لمنع امتداد الثورة إلى هذه المنطقة عبر دعم وتنسيق مع القوى الكردية المحلية، استغلت الدول الكبرى وجود داعش كذريعة للتدخل العسكري والسياسي، ولتثبيت تحالفات استراتيجية مؤقتة. وهنا يظهر تشابه مهم بين حالة داعش ومليشيا قسد: فكلاهما استُخدم كأداة سياسية واستراتيجية. وحظي كل منهما بدرجة من الحماية أو التساهل الدولي والمحلي، وساهم في إعادة تشكيل البيئة الأمنية والسياسية بما يخدم مصالح أطراف خارجية ومحلية، سواء عبر التوسع الإقليمي أو السيطرة على الموارد المحلية.

من هذا المنطلق، لم يكن تنظيم داعش مجرد كيان إرهابي منفصل، ولا كانت قسد مجرد قوة محلية كردية، بل كلاهما جزء من شبكة مصالح أوسع، حيث تتشابك الحسابات الاستراتيجية مع المصالح الأمنية والاقتصادية، ما أعاق تحقيق الهدف الأسمى: القضاء التام على التنظيمات المسلحة ومنع تجددها في بيئات النزاع السورية.

السياق التاريخي في الجزيرة السورية:

مع انطلاق الثورة السورية عام 2011، شهدت الجزيرة السورية—التي تضم مزيجًا سكانيًا من الأكراد والعرب والسريان—تحولات جذرية في بنيتها الجيوسياسية. فقد بدأت التنظيمات الكردية المسلحة بالظهور في مناطق مثل عين العرب، قبل أن تُعلن وحدات حماية الشعب (YPG) رسميًا عام 2012 كقوة كردية منظمة.

هذا الظهور لم يكن معزولًا عن انسحاب جزئي لقوات النظام السوري من المدن الحدودية، ما أوجد فراغًا أمنيًا مكّن وحدات YPG من بسط نفوذها على مساحات واسعة من الجزيرة. وتشير تقارير متعددة إلى أن هذه القوات حافظت على تنسيق مستمر مع النظام، الذي زوّدها بالعتاد الحربي، في محاولة لاحتواء الثورة ومنع تمددها إلى هذه المناطق الحيوية.

ظلّ التنسيق قائمًا بين النظام السوري والقيادة الفعلية لـ YPG، التي مثّلت البنية القيادية لقسد، حتى انهيار النظام الأسدي في ديسمبر 2024.

وتجدر الإشارة إلى أن العلاقة بين YPG والجناح السوري لحزب العمال الكردستاني (PKK) كانت وثيقة، إذ تُظهر مصادر متعددة أن YPG استمدت جزءًا من بنيتها التنظيمية من PKK، وأن قياداتها العليا ضمّت عناصر تدربت أو نشطت ضمن الحزب. هذا الارتباط جعل من YPG فاعلًا محليًا ضمن شبكة نفوذ إقليمية ودولية معقّدة.

الاستثمار السياسي في داعش:

برز تنظيم "داعش" بوضوح عام 2014، بعد أن سيطر على الموصل والرقة، مستغلًا الفراغ الأمني والتفكك الإداري في سوريا والعراق. غير أنّ جذوره تعود إلى تنظيم "القاعدة في العراق"، الذي بدأ تمدده إلى الأراضي السورية أواخر عام 2011، وأسّس لاحقًا "جبهة النصرة" عام 2012 قبل أن ينشقّ عنها ويعلن قيام "الدولة الإسلامية في العراق والشام" عام 2013. وقد وجدت قوى دولية وإقليمية، من بينها الولايات المتحدة وتركيا، في صعود التنظيم فرصة لإعادة رسم خرائط النفوذ وتبرير تدخلات عسكرية مباشرة، وتقديم قوى محلية مثل "وحدات الحماية الكردية" (YPG) كحلفاء ميدانيين في الحرب على الإرهاب.

بين عامي 2014 و2018، تم توظيف وجود داعش سياسيًا في الجزيرة السورية: فقد استُخدم كذريعة لتحركات دولية، بينما استثمره النظام السوري لضرب الثورة وتبرير دعم قوى كردية محلية متحالفة معه. وعندما أُعلن عن هزيمة التنظيم بين 2018 و2019، مُنح النصر لقسد، ما أتاح لها توسيع نفوذها، في حين ظلّ التنظيم يحتفظ بقدرة كامنة على إعادة التشكل.

آليات التمويل وتعثر التجفيف:
اعتمد داعش على منظومة تمويل متعددة المصادر، شملت شبكات الحوالات، العملات الرقمية، تهريب النفط، والابتزاز. وقد كشفت تقارير عدة عن استمرار التنظيم في إرسال الأموال إلى عائلات في المخيمات، واستثماره في شركات وشبكات تهريب عابرة للحدود.

ورغم الجهود الدولية، خصوصًا من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، فإن تجفيف هذه الموارد لم يتحقق بالكامل. ويُعزى ذلك إلى عوامل عدة، أبرزها:

- توظيف التنظيم كأداة سياسية لتبرير التدخلات أو دعم قوى محلية.
- التداخل البنيوي بين YPG/PKK والنظام السوري، ما وفّر غطاءً غير مباشر لبعض أنشطة التنظيم.
- استمرار الفوضى الأمنية، التي شكّلت بيئة خصبة لإعادة التموضع والتنظيم.

شبكة التحالفات المتناقضة:
أنتجت العلاقة بين YPG والنظام السوري والدول الكبرى مشهدًا معقدًا من التحالفات المتقاطعة:

- الولايات المتحدة ودول غربية دعمت قسد عسكريًا ولوجستيًا في مواجهة داعش، دون أن تُعطي أولوية لتجفيف مصادر تمويله.
- تركيا اعتبرت YPG امتدادًا مباشرًا لـ PKK، ما جعل الصراع معها جزءًا من معادلة إقليمية أوسع.
- النظام السوري استثمر وجود داعش لضرب خصومه المحليين، وخلق مبررات لتدخلات دولية محدودة في مناطق معينة.

هذا التداخل جعل من الجزيرة السورية ساحة لتجربة "توازن قوى غير متكافئ"، حيث استُخدمت داعش وYPG كأدوات ضمن شبكة مصالح متشابكة.

مآلات محتملة:
مع تراجع دور YPG وقسد كأدوات ميدانية في الجزيرة السورية، تزداد احتمالات عودة داعش أو تفرعاته، مستفيدًا من بقايا التمويل، والخلايا النائمة، والشبكات العابرة للحدود. ما يثبت أن الحسم العسكري لم يكن كافيًا، وأن السيطرة على التمويل والبنية التحتية الداعمة هي مفتاح الاستقرار الحقيقي.

العود على البدء:
وهكذا يتبيّن أن عدم تجفيف تمويل داعش لم يكن نتيجة قصور تقني فحسب، بل ارتبط بالسياق السياسي والأمني الذي نشأ فيه التنظيم، وبدعم واضح من قوى محلية ودولية استفادت من وجوده. كما أوضحت المقدمة، فإن القضاء على التنظيم لا يتحقق بالعمليات العسكرية وحدها، بل يتطلب تفكيك شبكات التمويل، وكشف التواطؤات البنيوية التي مكّنت من استمراره. ويكشف السياق العام في الجزيرة السورية، بما فيه من تحالفات متشابكة بين YPG والنظام السوري السابق والدول الكبرى، أن التنظيمات المسلحة لم تكن مجرد أدوات محلية، بل جزءًا من هندسة إقليمية معقّدة. لذا، فإن فهم آليات التمويل والتوظيف السياسي لداعش وقسد يُعدّ مفتاحًا لأي مقاربة جادة نحو تحقيق الاستقرار الفعلي في سوريا والمنطقة.


* إشارات موثقة:
1. هيومن رايتس ووتش، «مخطوفو داعش: التقاعس عن كشف مصير المفقودين في سوريا» (11 فبراير 2020).
2. هيومن رايتس ووتش، «نظام مغشوش: سياسات الحكومة السورية لاستغلال المساعدات» (28 يونيو 2019).
3. الأزهر‑مراقب، «تقرير عن تمويل تنظيم داعش» (13 ديسمبر 2015).
4. مجلس الأمن الدولي، تقارير فريق الرصد المعنيّ بتمويل الإرهاب (1267…).
5. بيان مشترك لوزراء التحالف الدولي ضد داعش (9 يونيو 2023).






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بصدد حزب السلطة والمجرم الهارب وحكاية الشعب الزائد: هل يُعاد ...
- هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يكون إنسانياً؟ … قراءة في أطروحا ...
- حين يتحوّل الغناء إلى مرآةٍ للخراب
- الفساد لا يُكافَح بالفضائح، بل بالمحاكم
- نساء في الظل: حين يتحوّل الخطف إلى أداة تضليل
- هل المستشار الألماني ميرتس من جذور سورية؟ عن صورة المدينة، و ...
- اتحاد الكتاب العرب وإشكالية تحديثه في إطار العدالة الانتقالي ...
- لا شرعية لنشيد يُفرض خارج إرادة السوريين: النشيد الوطني يُقر ...
- السويداء بين فلول النظام والهجري وتفاهمات الدولة.. ملامح إعا ...
- موسكو بين إرث الجرائم وصفقة النفوذ / زيارة أحمد الشرع تفتح م ...
- لافروف... محامي الشيطان في محكمة الذاكرة السورية
- العقل الاستراتيجي الأميركي في سورية والمنطقة: شرعنة الانقسام ...
- «قتلوا حبيبي يا رفيقنا...»، قالت غزل.
- غريتا تونبرغ تستحق نوبل
- الولايات المتحدة تتحمّل مسؤولية تفجير البنية الجغرافية السور ...
- قبل أول انتخابات بعد سقوط الأسد: لجنة التحقيق الدولية تبدأ ع ...
- انتخابات مجلس الشعب: هل تعكس إرادة السوريين أم إعادة إنتاج ا ...
- على أمل اتفاق سلام وشيك في غزة/ اتفاق 21 نقطة لإنهاء الحرب
- أهداف اللعبة الدولية في سوريا بشأن المفاوضات الأمنية
- المخاض السوري بين تحديات الداخل والتهديدات الإقليمية


المزيد.....




- أريانا غراندي تتألق بفستان على طراز الأميرات مزين بالفراشات ...
- تحليل.. أحمد الشرع -الجهادي- السابق يتوج تحوله الاستثنائي بز ...
- إعصار قوي فونغ-وونغ يجتاح الفلبين مخلفا 8 قتلى و1 مليون و400 ...
- إيران: الاتهامات بشأن محاولة اغتيال السفيرة الإسرائيلية في ا ...
- لماذا قد تحسم الانتخابات البرلمانية مستقبل حكم السيسي؟
- أوكرانيا: مدينة خيرسون تعيش تحت رعب المسيرات الروسية
- فوز قاتل لباريس سان جرمان على ليون يعيده لصدارة الدوري الفرن ...
- شهيدان بنيران الاحتلال بغزة وتسليم جثامين 15 أسيرا فلسطينيا ...
- مؤسسة بريطانية تطلق مبادرة لاستعادة دور الزكاة كـ-أداة عدالة ...
- ما وراء -الود العسكري- بين روسيا وأوغندا؟


المزيد.....

- ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي
- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أحمد سليمان - لماذا لم يُجفّف تمويل داعش؟ تقاطع المصالح وتشابك التحالفات في الجزيرة السورية