أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد سليمان - «قتلوا حبيبي يا رفيقنا...»، قالت غزل.














المزيد.....

«قتلوا حبيبي يا رفيقنا...»، قالت غزل.


أحمد سليمان
شاعر وكاتب في قضايا الديمقراطية

(Ahmad Sleiman:poet And Writer On Democratic Issues)


الحوار المتمدن-العدد: 8492 - 2025 / 10 / 11 - 18:51
المحور: الادب والفن
    


تناولت «غزل» طنجرةَ المطبخ وراحَت تقرعُ عليها بغصنِ زيتون، ثم لوّحت أمُّكِ بمنديلها القرويّ، واستمرَّ الغناءُ الممزوجُ بالحسرةِ والدموع. غناءٌ يؤكّد مواصلةَ الطريقِ من أجل مستقبلِ البلادِ وأهلها الذين أنهكتهم حربٌ متوحِّشة. ما زلتُ أطربُ على وقعِ تلك الكلماتِ التي تُؤكّد البقاءَ والحريةَ.
(وما بنرحل أبداً يا منشارُ، وما بنرحل أبداً يا سمسارُ. لا براميلَ ولا نابالمَ ولا «صووايخ» أبو نص لسانِ. ما بنرحل أبداً يا سمسارُ.)

أذكرُ اهزوجتَك هذه؛ توليفُها القائمُ على لحنٍ ثائرٍ أحببتُ فيه بساطتَه وصوتهِ الهادرَ من بين حقولِ الفلاحين. كلماتُكِ تلك كانت تضيء عتمةَ الغرفةِ الصغيرةِ في وسطِ أشجارِ الزيتون، جعلتني للحظةٍ أشعرُ بأنني أجلسُ بينكم وأصفّقُ بيدي الناحلتين، وقد تساقطت دموعي محمّلةً بمزيجِ سنواتٍ من عذابٍ وخوفٍ وحنينٍ.

لا أستطيع وصفَ حزني العميق حين سمعتُ خبر مصيركَ الذي تعرّضتَ له. إنّه لأمرٌ مؤلمٌ سماعُ نبأِ تصفيتك ونكالَ جثّتك، وما يزيدُ الوجعَ أنَّك تركتَ وراءك حبيبةً وعائلةً وأصدقاءً محبّين.
كان يسعدك دوماً أن تتحدّث عن «غزل»؛ وعندما تلقيتَ منّي رسالتي العاشرة التي أبلغتكَ فيها خبراً سارّاً، رقصَ الفرحُ على وجهك. رأيتُ وجهك يشعُّ طمأنينةً وحبّاً؛ وفي تلك اللحظةِ اعتقدتُ أنّك ستخرجُ من شاشةِ اللابتوب لتحتضنني عناقَ الرفيقِ الغائبِ منذ سنين. ثم أمسكتَ بالهاتفِ ومررتَ شاشتَه قبالتي وطلبتَ مني أن أحملَ لفحةً حمراءَ ألوّحُ بها كما كنتم تفعلون في مشهدٍ جماعيٍّ راقصٍ؛ سررتُ كثيراً، خصوصاً حين رقصتَ أنتَ وغزلُ والأصدقاء. وقد لمحتُ صورتي الموضوعةَ في منتصفِ غرفتكَ؛ تأثرتُ لذلك لأنّكَ الوحيدُ الذي حافظَ على صوري وكتبي ورسومي الطفولية على الرغمِ من كلّ هذه الحرب الطاحنة التي ابتلعت أبناءَ البلد الواحد. كدتُ أختنقُ من غرابةِ المشهدِ وبراءةِ الأهلِ والأصدقاء ومن شدةِ الوحدةِ التي قتلتني.

لم أكن مهيّئًا لهذا الحزنِ ؛ فلديَّ من الخرابِ الذاتي ما يكفي لأعوامٍ من الألم. لا أستطيعُ وصفَ أحزانِ محبّيكَ، ولا أحزانِنا جميعًا على فقدك؛ إنها فاجعةٌ كبرى، وخسارةٌ لا تُعوَّض.
كانت رحلتُك إلى الأبد مثقلةً بالظلمِ والوحشية. تذكّرتُ ما قلتهُ لي يومَ اتصلتُ بك لأخبركَ بفكرةٍ أعدّها صديقٌ من أجلك، يومها كان الفرحُ يملأ قلبكَ، ورأيتُ بريقَ عينيكَ يلمعُ كما لو أنكَ تلمسُ المستقبلَ بيديك. كنتَ متحمّسًا، مؤمنًا بأن الغدَ يمكن أن يكون أفضل.
علمتُ أنّك أوصيتَ حبيبتَك بأن تغادرَ بمفردها وتتابعَ حياتَها؛ كلماتُك هذه وصلتني بعد فترةٍ طويلة عبر إحدى وسائلِ التواصلِ التي تكاثرت وهُجِرت بعضُها. لكنني تلقيتُ رسالتكَ توّاً من مصدرٍ آخر، أي من «غزل» نفسها التي كنتَ تطربُ لسماعِ اسمها؛ وصلتني رسالتُكَ بعد قتلكَ يا رفيقي، وقد جاء الخبرُ في رسالةٍ ممزوجةٍ بعشقِك لغزل. عشقٌ تروي فيه غزلُها: «قتلوا حبيبي يا رفيقنا، هو الآن في البعيد». غزلُ التائهةُ تصرُّ بأن خبرَك مجردُ غيابٍ كيميائيّ، وأنك حاضرٌ معها، وأنها لن تغادرَ حتّى تعثرَ على قبرك.

لتوي أقارن رسالتَك التي لا تفارقُ مسمعي بتسجيلاتٍ أخرى دمجتها في برنامجٍ لتحليلِ الأصوات، كي أتأكَّدَ أنّ المحتوى حقيقيٌّ وأنّه صوتُك، فقد سمعته أيضًا في غرفةِ صوتٍ أخرى. شعرتُ بالاختناقِ وأنا أكررُ سماعَ صوتِك مرارًا لعلّي أستعيدكَ كما يُستعادُ ملفٌّ صوتيٌّ أو صورةٌ ضائعة. لعَلّي أستعيدكَ وتقفُ أمامي من لحمٍ ودمٍ؛ صوتُك الغاضبُ من أحوالِكَ وقلقُك، تطلبُ منّي أن أبذلَ كلَّ ما في وسعي للحفاظِ على لوحتِكَ الرائعةِ «غزل». وتكرّرُ طلبكَ من أجْلِ حمايتها، لأنّها ستكون وحيدةً خصوصًا بعدما قصفت الطائراتُ منزلَ أهلِها وماتوا جميعًا. كانت شجاعتُك أن تفكّرَ في سلامتها بدلاً من أن تفكّرَ في نفسك.

يا صديقي، كنتَ نموذجًا رائعًا للتضحية. كنتَ تسعى دائمًا للخيرِ للآخرين، حتى في ظلمةِ الظروفِ التي عشتَها. تشبهني لدرجةِ أنني بدأتُ أشكُّ بأنّنا اثنانُ من عائلتَينِ مختلفتَين. أفتقدُكَ يا صديقي الغاضب؛ أظنُّ أنّي سأعيشُ حزناً طويلاً وقاسياً بعد هذا الحدثِ المفجع. أصبحتُ متشائمًا بشأنَ الأيامِ المقبلة. كلُّ ما يدورُ في ذهني هو ذكرياتُ عاشقَين فرّقتْهما طواحينُ الموت في بلدي.

مع هذا النبأِ، تحوّلَ الأملُ الذي كنتُ أحملهُ بداخلي إلى خيبةٍ كبيرة. شعرتُ بأنني فشلتُ في حماية عاشقٍ وثائرٍ عظيم، وأنّ كلّ ما فعلتهُ لم يكن كافيًا لإنقاذه. وكان الألمُ الذي شعرتُ به عندما علمتُ بتعذيبهِ وقتلهِ مرهقًا للغاية.
أعلمُ أنّ الكتابةَ والقوانينَ والإداناتِ لا تُعيدُ المقتولين إلى الحياة، لكنها تُبقينا متمسّكين بالأهدافِ النبيلةِ التي ضحّى من أجلها أحبّاؤنا وغابوا فجأة.

هكذا هي الحربُ: لا تختارُ ضحاياها، لكنها تدمرُ الأبرياء غالبًا.


* ينُشر في وقت واحد بالتزامن مع نشطاء الرأي






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- غريتا تونبرغ تستحق نوبل
- الولايات المتحدة تتحمّل مسؤولية تفجير البنية الجغرافية السور ...
- قبل أول انتخابات بعد سقوط الأسد: لجنة التحقيق الدولية تبدأ ع ...
- انتخابات مجلس الشعب: هل تعكس إرادة السوريين أم إعادة إنتاج ا ...
- على أمل اتفاق سلام وشيك في غزة/ اتفاق 21 نقطة لإنهاء الحرب
- أهداف اللعبة الدولية في سوريا بشأن المفاوضات الأمنية
- المخاض السوري بين تحديات الداخل والتهديدات الإقليمية
- ابتسامة المُكر الأمريكي والثمن السوري... رفع العقوبات كهدنة ...
- سريالية المشهد السوري على شاشة أمريكية: التقاء الأضداد في لح ...
- اتفاق أمني سوري - إسرائيلي برعاية أميركية
- بين خارطة الطريق والبيان الرافض: أي مستقبل للسويداء؟
- قراءة في الاتفاق بشأن أحداث السويداء بين البيان الرسمي والهو ...
- سوريا بين موسكو وأنقرة وتل أبيب: قراءة في حوار الشرع وتحولات ...
- الإطار القانوني لاسترداد أصول شركات مخلوف في سياق العدالة ال ...
- ملف حقوقي موسّع حول بطلان عقود الاستثمار التي تبرمها ميليشيا ...
- سوريا: السُلطة في قبضة الفساد وتزييف الألقاب الأممية
- القضاء الفرنسي مدعو إلى تجاوز الإعلان نحو الملاحقة الفعلية
- تحقيق : السومرية بين مطرقة الحق التاريخي وسندان الواقع السكا ...
- العدالة العمياء: كان يجب أن يترافق تعليق قيصر مع مذكرة اعتقا ...
- اعتقال الرئيس الافتراضي لسوريا /صابر شرتح


المزيد.....




- -كتاب الرياض- يناقش صناعة المحتوى الثقافي
- -الممثل غير المحترف-.. جديد محمد عبد الرحمن في معرض الرياض ل ...
- دان براون يعود ليسأل: ماذا بعد الموت؟ قراءة في -سر الأسرار- ...
- -الحافلة الضائعة-.. فيلم يعيد الفتى الذهبي ماثيو ماكونهي إلى ...
- -منتدى أصيلة- يسلم الإيفوارية تانيلا بوني جائزة -تشيكايا اوت ...
- هل يمكن فصل -التاريخ- كما جرى عن -التأريخ- كما يُكتب؟ الطيب ...
- لازلو كراسناهوركاي.. الكاتب الذي عبر من الأدب إلى السينما وص ...
- صورة المعلم في الرواية العربية: دراسة نقدية منهجية تطبيقية ت ...
- أسماء أطفال غزة الشهداء تقرأ في سراييفو
- الكاتب المجري لاسلو كراسناهوركاي يفوز بجائزة نوبل للأدب


المزيد.....

- شهريار / كمال التاغوتي
- مختارات عالمية من القصة القصيرة جدا / حسين جداونه
- شهريار / كمال التاغوتي
- فرس تتعثر بظلال الغيوم / د. خالد زغريت
- سميحة أيوب وإشكالية التمثيل بين لعامية والفصحي / أبو الحسن سلام
- الرملة 4000 / رانية مرجية
- هبنّقة / كمال التاغوتي
- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد سليمان - «قتلوا حبيبي يا رفيقنا...»، قالت غزل.