أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - أحمد سليمان - سوريا: السُلطة في قبضة الفساد وتزييف الألقاب الأممية














المزيد.....

سوريا: السُلطة في قبضة الفساد وتزييف الألقاب الأممية


أحمد سليمان
شاعر وكاتب في قضايا الديمقراطية

(Ahmad Sleiman:poet And Writer On Democratic Issues)


الحوار المتمدن-العدد: 8460 - 2025 / 9 / 9 - 00:48
المحور: المجتمع المدني
    


تتكاثر الأقنعة وتزدحم الشعارات، وتُغرق العروض المسرحية المشهد العام في محاولات يائسة لتجميل واقع سياسي مأزوم. ما نشهده اليوم في سوريا ليس سوى إعادة إنتاج لنسخة باهتة من عبثٍ قديم: حكومة تمارس مراهقتها السياسية تحت غطاء دولي شكلي، مدعومة بجوقة من المنتفعين، وجيل جديد يتقن فنون التوريث السياسي والفساد كما لو كانت إرثًا وطنيًا.

هذه البنية الهشة لم تكتف بإقصاء الكفاءات والخبراء، بل راحت تنفث الغبار عن أدوات الجاهلية لتجعلها عنوان المرحلة. فاستُبدلت المعايير بالمحسوبيات، وتحوّل الولاء الشخصي إلى بوابة النفوذ، ما أفرز منذ الشهور الأولى لتشكيلها ظواهر فساد متجددة تتغذى على التكرار والتزييف.

ومن رحم هذا المناخ المشبع بالزيف، خرجت فضيحة "التكريم الأممي" في دمشق. حفل صاخب يتغنى بالسلام والإنسانية، بينما جوهره لا يعدو كونه شبكة مصالح شخصية: مؤسسة تكرّم رئيستها، نقابة تبارك عبر روابط عائلية، راعٍ وهمي لا وجود له خارج حساب فيسبوك، ومخرج يمنح نفسه درع السلام باسم الأمم المتحدة. وزيرة تحضر لتمنح الغطاء الرسمي، وسفير مزعوم يوزّع الألقاب كما لو كانت شهادات ميلاد.

نحن أمام شبكة متداخلة:

الفنانة منى واصف، بعد تاريخ طويل من العطاء في الدراما السورية، نجدها اليوم في موقعين متقابلين: مكرِّمة ومكرَّمة، وذلك عبر مؤسسة تحمل اسم "أصدقاء سوريا في اليابان والعالم". إلى جانبها لبنى بشارة، نائبتها في المؤسسة، التي ترتبط مباشرة بسيمون الخوري، أمين سر نقابة الفنانين، ما يفسّر سرعة النقابة في إضفاء "شرعية مهنية" على الحدث.

فيصل بني المرجة، المخرج الذي يقف خلف الراعي الوهمي "شاين"، يعلن الخبر ثم يصعد بنفسه ليتسلّم درع السلام، بينما يحيى الجميل يتقمّص صفة "سفير الأمم المتحدة"، مستندًا إلى منظمة واهية تُعرف ببيع الألقاب.
أما في صدارة المشهد، فتظهر وزيرة الشؤون الاجتماعية هند قبوات، ليحوّل الحضور الرسمي العبث إلى سياسة.

آلية إعادة إنتاج السلطة:

هذه الشبكات لا تعمل فقط على تمرير حدث أو صناعة صورة إعلامية، بل تؤدي وظيفة أعمق:  

- إحكام السيطرة على المجال العام: عبر احتكار الرموز والشعارات، بحيث لا يبقى مجال لجهات مستقلة أو مبادرات حقيقية.  
- تدوير النخب الموالية: نفس الأسماء تتنقل بين مواقع مختلفة، ما يضمن بقاء السلطة داخل دائرة الولاء الشخصي.  
- إضفاء الشرعية على الفساد: حين يُقدَّم حدث زائف بغطاء رسمي وأممي، يصبح الفساد نفسه جزءًا من "الإنجاز الوطني".  
- إضعاف البدائل: كلما امتلأت الساحة بواجهات وهمية، تضاءلت فرص بروز مبادرات نزيهة، لأن الجمهور يختلط عليه الحقيقي بالمصطنع.  
- تطبيع الزيف: تكرار هذه المشاهد يجعل الجمهور يتعامل مع المحسوبيات والجوائز الوهمية كأمر عادي، ما يرسخ ثقافة القبول بالفساد.  

شبكة تدوير الفساد:

1. البذرة – الفكرة المصلحية: تبدأ من شخص أو مجموعة تبحث عن مكسب شخصي تحت غطاء "عمل إنساني" أو "ثقافي".  
2. تشكيل الواجهة المؤسسية: إنشاء كيان باسم دولي أو وطني، مع شخصيات رمزية لإضفاء المصداقية.  
3. تفعيل شبكة العلاقات: استدعاء أقارب أو شركاء من مواقع مؤثرة لتبادل الشرعية الشكلية.  
4. اختراع الراعي الدولي: استحضار منظمة وهمية أو تضخيم جهة صغيرة لتبدو عالمية.  
5. تنظيم الحدث المسرحي: إقامة حفل أو مؤتمر مع تغطية إعلامية وتوزيع ألقاب داخلية.  
6. إضفاء الختم الرسمي: حضور مسؤول حكومي يمنح "شرعية الدولة".  
7. إعادة التدوير: نفس الأسماء تنتقل من حدث لآخر مع تغيير الشعار أو المناسبة.  


النتائج المترتبة: من التزييف إلى التطبيع

ما يحدث ليس مجرد عبث عابر أو مشهد احتفالي زائف، بل هو عملية ممنهجة لإعادة تشكيل الوعي العام وفق منطق الزيف. هذه الممارسات تترك آثارًا عميقة على بنية المجتمع والسياسة، منها:

- خلق دائرة مغلقة من الشرعية المتبادلة تمنع دخول أي جهة مستقلة أو معيار موضوعي، ما يُحوّل المجال العام إلى نادٍ مغلق لا يُسمح فيه إلا لمن يحمل ختم الولاء.  
- تحويل الفساد إلى ممارسة طبيعية ومقبولة اجتماعيًا، حيث تتكرر مشاهد التكريم الوهمي حتى تصبح جزءًا من الثقافة اليومية، ويُنظر إلى الجوائز والمحسوبيات كأمر واقع.  
- ترسيخ سلطة قائمة على الولاء الشخصي بدل الكفاءة أو النزاهة، ما يُضعف مؤسسات الدولة ويُفرغها من مضمونها المهني.  
- إضعاف البدائل النزيهة، إذ تُغرق الساحة بواجهات وهمية تُزاحم المبادرات الحقيقية، وتُربك الجمهور بين الزائف والأصيل.  
- تطبيع الزيف الإعلامي والسياسي، بحيث تتحول أدوات التعبير إلى أبواق، والمجتمع إلى جمهور في مسرحية بلا نص، يُصفّق لما يُعرض عليه دون أن يملك حق السؤال أو الاعتراض.  

إضافات تحليلية مكملة:

الزيف كأداة للسلطة الناعمة
في ظل غياب الإنجاز الحقيقي، تتحول أدوات الزيف إلى وسيلة لتصنيع سلطة ناعمة زائفة، تُصدّر صورة احتفالية للخارج وتُخدّر الداخل بشعارات فارغة.

دور الإعلام في إعادة إنتاج الزيف
الإعلام، بدلًا من أن يكون سلطة رقابية، يتحول إلى شريك في المسرحية، يُضفي هالة على التكريمات الزائفة ويُقصي الأصوات المستقلة، ما يعمّق أزمة الوعي العام.

نمط إقليمي متكرر
ما يحدث في دمشق ليس استثناءً، بل هو جزء من نمط إقليمي تتكرر فيه مشاهد التكريمات الوهمية، وتُدار فيه الثقافة كأداة للولاء لا للإبداع.

دعوة للتوثيق والمساءلة
إن توثيق هذه الممارسات ومساءلة المتورطين فيها هو الخطوة الأولى نحو استعادة المجال العام من قبضة الزيف، وإعادة الاعتبار للمعايير المهنية والإنسانية.

كلمة أخيرة:
ما لم يُكسر هذا النمط، سيبقى المجال العام رهينة لدوائر الزيف، وسيُعاد إنتاج السلطة كما يُعاد إنتاج المسرحية، بلا نص، بلا جمهور واعٍ، وبلا أمل حقيقي في التغيير.

* ينُشر في وقت واحد بالتزامن مع نشطاء الرأي






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القضاء الفرنسي مدعو إلى تجاوز الإعلان نحو الملاحقة الفعلية
- تحقيق : السومرية بين مطرقة الحق التاريخي وسندان الواقع السكا ...
- العدالة العمياء: كان يجب أن يترافق تعليق قيصر مع مذكرة اعتقا ...
- اعتقال الرئيس الافتراضي لسوريا /صابر شرتح
- وصل إلى السلطة بفضل الثورة… فهل يُبرّر الإنكار؟
- بين جمهوريتين: برلمان ما بعد الحرب هل يمهّد الطريق لسوريا جد ...
- سوريا بين توازن النفوذ وتعثر السيادة: إدارة أزمة أم غياب حل؟
- بصدد تعريف اللامركزية الإدارية: مؤسسات محلية تحت إشراف الدول ...
- سوريا : ضرورة إبرام -اتفاقية أخلاقية- في فضاء النشر المفتوح ...
- الانفصال لا يُقرّره فرد أو تكتل، بل يُحسم بالدستور الوطني - ...
- من يحاكم القتلة؟… خطر ترسيخ ثقافة الإفلات من العقاب في ذاكرة ...
- الإعلان الدستوري: بين ضرورته السياسية وتهديده لمدنية الدولة
- مشيخة رقابة الدولة - ظاهرة خفية خلف إدارة الدولة السورية
- العدالة الثالثة ومخاطر الاحتراب في المشهد الانتقالي السوري
- أحداث الساحل – قراءة في نتائج لجنة تقصي الحقائق وتوصيات لضما ...
- سردية المظلومية بين الابتزاز والواقع
- سوريا بين وحدة الدولة وتعدد الرؤى: لا وطن يُبنى على السلاح و ...
- واشنطن وسوريا: انفتاح مشروط وحذر استراتيجي
- في أول رد فعل حقوقي : أحمد سليمان يقترح جمال قارصلي لرئاسة ا ...
- تابعية الدين والطائفة


المزيد.....




- الأمم المتحدة تتهم الحوثيين باحتجاز 40 موظفا أمميا -تعسفيا- ...
- الأمم المتحدة تتهم الحوثيين باحتجاز 40 موظفا أمميا -تعسفيا- ...
- التشيك تُفكك شبكة تجسس بيلاروسية: طرد دبلوماسي واعتقال مشتبه ...
- مكتب أممي يدعو جميع الدول لإنهاء الإعادة القسرية للاجئين الأ ...
- الحكم بسجن الناشطة ابتسام لشكر في المغرب: -اعتداء- على حرية ...
- نتانياهو يأمر سكان مدينة غزة بمغادرتها -الآن- والأمم المتحدة ...
- الاحتلال يواصل عدوانه على بلدات وقرى في محافظة القدس: حصار و ...
- المجاعة تطال نخب غزة.. كيف تفاعلت المنصات؟
- نائب وزير الخارجية التركي من أمام معبر رفح.. الجرائم الإسرائ ...
- ثلث المعتقلين الفلسطينيين في سجون إسرائيل بلا تهم


المزيد.....

- أسئلة خيارات متعددة في الاستراتيجية / محمد عبد الكريم يوسف
- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - أحمد سليمان - سوريا: السُلطة في قبضة الفساد وتزييف الألقاب الأممية