أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أحمد سليمان - بين جمهوريتين: برلمان ما بعد الحرب هل يمهّد الطريق لسوريا جديدة؟















المزيد.....

بين جمهوريتين: برلمان ما بعد الحرب هل يمهّد الطريق لسوريا جديدة؟


أحمد سليمان
شاعر وكاتب في قضايا الديمقراطية

(Ahmad Sleiman:poet And Writer On Democratic Issues)


الحوار المتمدن-العدد: 8447 - 2025 / 8 / 27 - 02:54
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


خمسة عقود من الحكم الأسدي تركت سوريا دولة منهكة، تحكمها أجهزة أمنية وشبكات فساد متجذّرة. ومع هروب الطاغية بشار الأسد في ديسمبر 2024، لم يكن الحدث نهاية حقبة، بل بدا وكأنه انتقال سلس لإرث الاستبداد إلى سلطة جديدة ترتدي قناع التغيير. ومع بداية عام 2025، تبدو البلاد وكأنها تعيد إنتاج المأساة نفسها، بأسماء مختلفة ولباس جديد.

مجلس الموالاة: عقد وطني أم نسخة محسّنة من الاستبداد؟

منذ توليه الرئاسة الانتقالية في 29 يناير 2025، حاول أحمد الشرع رسم صورة لسلطة منفتحة سياسياً، لكن مبادراته اصطدمت بجدار الشكوك والانقسامات. أولى المؤشرات جاءت مع مؤتمر الحوار التشاوري في 24–25 فبراير 2025، الذي رُوّج له كمحطة لصياغة ملامح سوريا المقبلة. إلا أن المؤتمر افتقر إلى التمثيل الحقيقي، وغابت عنه القوى الفاعلة، بينما حضر المقرّبون ومن يدور في فلكهم، ما أعاد إنتاج نهج اختيار المعارضة بالتعيين لا بالانتخاب.

في الساحل... السلطة تكرّر

ففي 7 مارس 2025، شهدت اللاذقية وطرطوس توترات بين محاولة انقلابية وغضب شعبي ناجم عن قرارات أمنية اعتباطية وضغوط اقتصادية خانقة. كان رد فعل السلطة متداخلًا بين إدانة الأحداث وإرجاع المسؤولية لما أسمتهم بـ«المجموعات المتفلتة». وبغض النظر عن صياغة الموقف، لم يختلف الأسلوب عن نهج الأسد الأب والابن: قبضة أمنية صارمة بدل بناء الثقة، وتجاهل للمطالب الشعبية المتراكمة.

السويداء ورواسب الأسدية

في يوليو، انفجرت احتجاجات واسعة في السويداء، وطالت مطالب قديمة للمكوّن الدرزي قوبلت بتجاهل وصدام مباشر. لاحقًا شهدت المنطقة اشتباكات عنيفة مع سكان البدو أدت إلى خسائر في الأرواح ونزوح مئات العوائل خارج السويداء. استغل بعض الطامحين الوضع لدفع الجنوب نحو الانفصال، في سياق حكومة ظل لم تتعلّم شيئاً من عقود التهميش الطائفي والسياسي.

بين معاقبة الجزيرة وخنق التنوع السوري

ما يحصل اليوم من تراجع الخدمات والقفر التنموي في الجزيرة السورية هو عقاب غير معلن، يرتبط بحالة "قسد" كميليشيا تسيطر على أرض سورية وتستمد قراراتها من قيادات خارجية، وتسعى لانتزاع دور مميّز داخل الحكومة يمهّد لاحقًا لفرض إدارة شبه مستقلة. هذا الواقع يجعلها غير قادرة على الاندماج في مشروع وطني جامع، وفي الوقت نفسه غير مؤهلة لطرح بديل سياسي يضمن حقوق سكان المنطقة. وهكذا تتحول الجزيرة إلى ساحة استنزاف شبيهة بما حدث في الساحل قبل عقود، وإلى ورقة مساومة مثلما يجري في السويداء اليوم.

الوجوه نفسها تعود من الباب الخلفي

الاستحقاق الأكبر الآن هو تشكيل مجلس الشعب لعام 2025، المؤلف من 210 مقاعد، 70 منها بيد الرئيس مباشرة، والباقي عبر هيئات انتقائية لا تمثل إرادة الشعب. ويخشى مراقبون استمرار شبكات النفوذ التي ربطت سوريا لعقود بإيران وروسيا، وأعادت إنتاج منظومة الولاء والصفقات.
وحتى هذا المجلس، الذي يُفترض أن يكون عنواناً للتمثيل الوطني، لم يسلم من منطق الإقصاء. فقد أُعلن رسمياً إرجاء الانتخابات في السويداء والرقة والحسكة "لحين توفر الظروف الأمنية المناسبة"، وكأن التهميش صار بنداً دستورياً. المقاعد محفوظة، نعم، لكن الصوت مؤجل، والقرار مصادَر، والرسالة واضحة: بعض المناطق تُستثنى من الوطن حين لا تُناسب السلطة.

ملاحظات من الداخل: بين الخوف والتهميش

رغم الحديث الرسمي عن الانفتاح السياسي، تشير ملاحظات من نشطاء ومراقبين إلى أن البرلمان الجديد يقفز فوق أولويات حيوية، أبرزها الملفات الأمنية. فلا نتائج واضحة للاعتقالات بحق مجرمي الحرب، ولا مذكرات استدعاء لمن تورطوا في أحداث الساحل والسويداء. ورغم إعلان السلطات أنها "ستحاسب الجميع"، يبقى السؤال معلّقًا: أين؟ كيف؟ ومتى؟
كما لم تُتخذ أي خطوات فعلية لتجريم خطاب الكراهية أو الحد من تدخلات ما يُعرف بـ"الحرس السري"—وهم خليط من أفراد أمن وواجهات مدنية يتدخلون في خصوصيات المواطنين. هذا الواقع خلق مخاوف لدى المعارضين من إعلان أنفسهم، خصوصًا بعد استهداف بعض الشخصيات الثورية العائدة إلى الوطن.
ويؤكد مراقبون أن نجاح البرلمان سيكون مرهونًا بوضع سياسات جديدة، أبرزها إعادة تشكيل الحكومة على أسس مدنية تشاركية، وتأسيس عقد اجتماعي جديد يضمن مشاركة كل المكونات السورية دون إقصاء أو وصاية أمنية.

تفكيك المشهد: كيف تُدار انتخابات 2025؟

تجري الانتخابات بين 15 و20 سبتمبر هذا العام في سياق سياسي بالغ التعقيد، ووفق نظام انتخابي غير مباشر. تقف البلاد بين إرث سلطوي امتد لعقود ومحاولات متعثرة لتأسيس حكومة انتقالية تلبي تطلعات السوريين إلى الديمقراطية والمساءلة. ورغم إعلان القيادة الجديدة رسميًا فتح باب الترشح أمام جميع الفئات، يبقى السؤال حول مدى جدّية هذا الانفتاح، ومدى قدرة المجلس القادم على تحقيق تمثيل حقيقي في ظل استمرار نفوذ شبكات حزب البعث السابق.

ما زال غالبية المرشحين المحتملين من بقايا وداعمي الفساد والبعث، أو من أحزاب "الجبهة الوطنية التقدمية" القديمة التي أعيد تدويرها، وهو ما يعكس استمرار الهيمنة السياسية بأدوات جديدة. الأجهزة الأمنية، وإن تراجعت سلطتها العلنية، ما زالت تؤدي دورًا مؤثرًا في تحديد الأسماء، سواء بالقبول أو بالاستبعاد غير المعلن. ورغم فتح باب الترشح شكليًا، تواجه الشخصيات المعارضة أو المستقلة عراقيل حقيقية، تشمل الاستبعاد الإداري أو التضييق الميداني.

أما تمثيل النساء والشباب، فقد أعلنت الحكومة الانتقالية عن نيتها رفع النسبة إلى نحو 30% بدلًا من 20%، لكن معظم المرشحات يأتين من دوائر موالية للسلطة الجديدة، ما يجعل حضورهن أقرب إلى واجهة تجميلية منه إلى مشاركة فاعلة. وبالنسبة للشباب، فإن غياب الأطر الطلابية المستقلة بعد تفكيك الاتحادات القديمة جعل الاختيار محصورًا في الأسماء المقرّبة من مراكز النفوذ، وهو ما يكرّس تمثيلًا شكليًا انتقائيًا بدل أن يعكس مشاركة حقيقية.

ورغم تكرار الحديث عن حكومة انتقالية كجزء من العملية السياسية برعاية دولية، تُجرى انتخابات 2025 وفق قواعد لم تتغير جذريًا. وبرغم الانهيار الشكلي لحزب البعث المُنحل، لا تزال شبكاته النافذة تسعى لترسيخ حضورها في أي تسوية مرتقبة عبر ضمان أغلبية موالية داخل المجلس التشريعي. ويُخشى أن يتحول المجلس المقبل إلى أداة لإضفاء شرعية شكلية على الحكومة الانتقالية من دون المساس بجوهر البنية السلطوية القائمة.

ملخص: بين التدوير والتغيير: أي جمهورية تنتظر سوريا؟

ما يجري اليوم لا يُبشّر بولادة جمهورية جديدة، بل يبدو أقرب إلى إعادة تغليف لنهج الطغمة الأسدية، بوجوه جديدة وشعارات مكرّرة. وإذا استمرت سياسة الإقصاء واحتكار المؤسسات، فستولد جمهورية ثانية على صورة الأولى: دولة تحكمها الأجهزة الأمنية، وتُدار بمنطق الولاء لا الكفاءة، وتُقصي من لا يُناسبها.

سوريا لا تحتاج إلى مكياج سياسي، بل إلى ثورة حقيقية في أسلوب الحكم. تحتاج إلى انتخابات عامة نزيهة، تُشرك جميع السوريين داخل البلاد وخارجها، وتكفل استقلال المؤسسات التشريعية بعيدًا عن أي وصاية تنفيذية أو أمنية.

في هذا السياق، يمكن للمجلس القادم أن يكون بوابة عبور نحو سوريا جديدة إذا كُسرت حلقات الإقصاء، وتم إشراك الجميع في صياغة المستقبل. أمّا إذا جرى استخدامه كواجهة لتجميل الاستبداد، فلن يكون سوى فصل جديد من سردية قديمة يُعاد تمثيلها على أنقاض الجمهورية الأولى، بالمنظومة نفسها وإن تغيّرت الوجوه.


ينُشر في وقت واحد بالتزامن مع نشطاء الرأي






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سوريا بين توازن النفوذ وتعثر السيادة: إدارة أزمة أم غياب حل؟
- بصدد تعريف اللامركزية الإدارية: مؤسسات محلية تحت إشراف الدول ...
- سوريا : ضرورة إبرام -اتفاقية أخلاقية- في فضاء النشر المفتوح ...
- الانفصال لا يُقرّره فرد أو تكتل، بل يُحسم بالدستور الوطني - ...
- من يحاكم القتلة؟… خطر ترسيخ ثقافة الإفلات من العقاب في ذاكرة ...
- الإعلان الدستوري: بين ضرورته السياسية وتهديده لمدنية الدولة
- مشيخة رقابة الدولة - ظاهرة خفية خلف إدارة الدولة السورية
- العدالة الثالثة ومخاطر الاحتراب في المشهد الانتقالي السوري
- أحداث الساحل – قراءة في نتائج لجنة تقصي الحقائق وتوصيات لضما ...
- سردية المظلومية بين الابتزاز والواقع
- سوريا بين وحدة الدولة وتعدد الرؤى: لا وطن يُبنى على السلاح و ...
- واشنطن وسوريا: انفتاح مشروط وحذر استراتيجي
- في أول رد فعل حقوقي : أحمد سليمان يقترح جمال قارصلي لرئاسة ا ...
- تابعية الدين والطائفة
- دراسة في ” أرواح هائمة ” للكاتب التونسي كمال العيادي
- سوريا : جوازات سفر مُغَمّسة بالدم ، في خطوة من اجل انتخاب رئ ...
- معمودية الدم السوري ... مفترقات الثورة والعدالة الفالتة
- كفى تلاعبا بطوائفكم .. أمراء الإرهاب صناعة المخابرات
- مسودات من جنّة - باير - عن بنت -السنكري - و ” قوّاد الحتة ”
- نبيّك مكسور يا وقت


المزيد.....




- قاض برازيلي يأمر بوضع بولسونارو تحت مراقبة دائمة خشية هروبه ...
- جيم مايتر للجزيرة نت: حرب جديدة على الأبواب ستحدد من سيسيطر ...
- ترامب يعقد -اجتماعا موسعا- بشأن حرب غزة الأربعاء.. وويتكوف ي ...
- صحف: مغالطات إسرائيلية لإنكار تجويع غزة وتزايد تعاطف الأميرك ...
- غروسي يؤكد عودة أول فريق مفتشين لإيران وسط تهديد أوروبي بعقو ...
- الجيش الإسرائيلي يعلن عن إجراء المزيد من التحقيقات بشأن الهج ...
- برلين تحكم على مراهق سوري بتهمة التآمر الإرهابي على حفل تايل ...
- -اعتُقل ظلمًا-.. أكثر من مئة منظمة أمريكية تطالب بإنقاذ مراه ...
- ماذا نعرف عن -اتفاقية لندن- الخطيرة؟ وما علاقتها بالمشروع ال ...
- أين تتفق إسرائيل وأميركا في لبنان وسوريا وأين تختلفان؟


المزيد.....

- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي
- كشف الاسرار عن سحر الاحجار / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أحمد سليمان - بين جمهوريتين: برلمان ما بعد الحرب هل يمهّد الطريق لسوريا جديدة؟