أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - أحمد سليمان - غريتا تونبرغ تستحق نوبل














المزيد.....

غريتا تونبرغ تستحق نوبل


أحمد سليمان
شاعر وكاتب في قضايا الديمقراطية

(Ahmad Sleiman:poet And Writer On Democratic Issues)


الحوار المتمدن-العدد: 8492 - 2025 / 10 / 11 - 04:48
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
    


الناشطة الشابة غريتا تونبرغ تمثل اليوم أحد أقوى الأصوات العالمية، ليس بقوة السلاح أو المال أو النفوذ السياسي، بل بقوة الفكرة والإصرار وإيمانها العميق بأن الإنسان مسؤول عن مستقبل كوكبه. هذه الفتاة السويدية الصغيرة، التي بدأت احتجاجها المدرسي وحيدة أمام البرلمان في ستوكهولم قبل أعوام، لم تكن مجرد طالبة تضغط على الحكومة، بل شرارة ثورة بيئية عالمية ألهمت الملايين من الشباب والكبار على حد سواء، وجعلت القادة والسياسات الكبرى أمام مرآة ضميرهم. من خلال خطابها الصادق والمباشر، أصبحت غريتا رمزاً لجيل يرفض السكوت عن تدمير البيئة، وأيقونة تُذكّر العالم بأن حماية الحياة على الأرض هي معركة إنسانية قبل أن تكون سياسية أو اقتصادية.

ناضلت غريتا بشجاعة ضد سياسات التدمير البيئي، وواجهت الزعماء بجرأة نادرة، تتحدث بصراحة تُربك مؤتمراتهم المترفة، وتذكّرهم بأن الأجيال القادمة لن تغفر هذا الصمت المميت. لم تكتفِ بخطاباتٍ عاطفية، بل قدّمت نموذجاً للمواطنة الفاعلة، مستخدمة أدوات العصر من الإعلام والاحتجاج السلمي والمبادرات الشبابية العابرة للحدود. كل ذلك جعلها رمزاً للتحوّل الأخلاقي الذي يحتاجه العالم أكثر من أي وقت مضى.

إنّ جائزة نوبل للسلام ليست تكريماً للأشخاص فحسب، بل اعترافٌ بالمسارات التي ترسم مستقبل الإنسانية. ومن هنا أعتبر غريتا الأجدر بها لعام 2025، لأنها لا تمثل دولة أو حزباً أو زعيماً، بل تمثل الأرض نفسها بكل ما عليها من حياة. نوبل، في جوهرها، جائزة لمن يوقظ الضمير الإنساني، وغريتا فعلت ذلك بلا سلاح سوى الكلمة والإصرار.

تُقدَّر فرص فوزها بالجائزة بنحو 6 إلى 9 في المئة، بحسب توقعات بعض المراهنات والمؤسسات البحثية، بينما تُمنح دونالد ترامب فرصة تتراوح بين 10 و15 في المئة أو أكثر في بعض المؤشرات. لكن المقارنة هنا تفضح المفارقة: فبين من يرفع راية البيئة والحياة، ومن يتباهى بصفقات السلاح والسياسات الشعبوية، تتضح أزمة العالم الأخلاقية. وقد أعلن ترامب أنّ خسارته ستكون «إهانة لأمريكا»، في تصريح يعكس ابتزازاً سياسياً واضحاً ومحاولة لاحتكار الرمزية الوطنية. هذا النوع من الخطاب لا يصنع سلاماً، بل يكرّس الانقسام والتعالي القومي، فيما يحتاج العالم إلى لغةٍ توحّد الإنسان مع الإنسان، لا لغة تهدده بالعقوبات والجدران.

وقد تجاوز ترامب مجرد التنافس الرمزي على الجائزة إلى ممارسة ضغوطٍ وتهديداتٍ غير مسبوقة على النرويج، الدولة المستضيفة للجنة نوبل. فقد كشفت تقارير أوروبية أنه حاول التأثير على أوسلو عبر صفقات اقتصادية واستثمارات عسكرية، بل وبتلميحات تتعلق برغبة واشنطن في امتلاك جزيرة نرويجية لأغراض استراتيجية. ومن المفارقة أن دولة ذات نفوذ سياسي محدود نسبياً على الساحة الدولية مثل النرويج، والتي كرّست تاريخها لدعم حقوق الإنسان والوساطة السلمية، تجد نفسها تحت ضغط رئيس سابق يسعى إلى تطويع رمز أخلاقي عالمي لمكاسب شخصية.

إن استخدام النفوذ السياسي لابتزاز دولةٍ محايدةٍ كهذه، يُعدّ تجاوزاً صارخاً لروح جائزة نوبل نفسها. فالجائزة التي أُنشئت لتكريم من يسعى إلى التفاهم بين الشعوب، لا يمكن أن تُمنح لمن يحاول إخضاع العالم بمنطق القوة والمصالح. أمام هذا التباين الصارخ، تتقدّم غريتا تونبرغ كصوتٍ نقيّ، لا يساوم ولا يهدّد، بل يذكّر البشرية بأنّ أعظم جائزة هي بقاء الكوكب نفسه على قيد الحياة.

غريتا، في المقابل، تواجه القوى ذاتها بأسلوبٍ مغاير: بلا حقد، بلا تهديد، بل بدعوةٍ إلى الوعي والمسؤولية المشتركة. حين تقول «بيوتكم تحترق وأنتم تكتفون بالكلام»، فإنها لا تهاجم، بل تُنذر. صوتها ليس صراخاً، بل ضوءاً في عالمٍ يتجاهل الخطر. إنها تدعو إلى نوعٍ جديد من السلام، سلامٍ بيئي يضمن استمرار الحياة قبل أن نتحدث عن رفاهها.

لقد نال رؤساء الولايات المتحدة وآخرون جائزة نوبل من قبل، لكن الجائزة اليوم تحتاج إلى استعادة معناها. لا يكفي أن تُمنح لمن يوقّع اتفاقاً مؤقتاً، بل لمن يغيّر وعي البشرية. وإذا كانت نوبل تُكرَّم من يوقف حرباً، فإن غريتا تحاول إيقاف حربٍ صامتة ضد الكوكب نفسه، حربٍ ضحاياها بلا عدد ولا جنسية: الغابات، الأنهار، الحيوانات، وحتى الإنسان الفقير في الجنوب الذي يدفع ثمن جشع الشمال.

لهذا كله، أرى أن منح الجائزة لغريتا تونبرغ سيكون تكريماً للمستقبل، لا للماضي. فالأرض، في زمن الكوارث المناخية والحرائق والجفاف، تحتاج إلى صوتٍ يذكّرنا بأن السلام لا يبدأ من السياسة، بل من الهواء الذي نتنفسه والماء الذي نشربه. ومن هذا المنبر، يحق القول إن غريتا ليست مجرد ناشطة، بل ضمير كوكبيّ في زمنٍ يوشك فيه الضمير أن ينقرض.


في النهاية، جائزة نوبل للسلام ليست مجرد تكريم رمزي، بل دعوة للعالم لإعادة ترتيب أولوياته. منحها لغريتا تونبرغ لن يكون تقديراً لشابة شجاعة فحسب، بل إشارة واضحة بأن السلام الحقيقي يبدأ بحماية الأرض والحياة، وأن مسؤولية الإنسان عن كوكبه لا تقل أهمية عن أي اتفاق سياسي أو هدنة عسكرية. إنها فرصة لتذكير العالم بأن الكوكب بأسره يستحق السلام، وأن جيل اليوم مطالب بأن يقف أمام التحديات البيئية بنفس الشجاعة التي وقفت بها غريتا.


* ينُشر في وقت واحد بالتزامن مع نشطاء الرأي






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الولايات المتحدة تتحمّل مسؤولية تفجير البنية الجغرافية السور ...
- قبل أول انتخابات بعد سقوط الأسد: لجنة التحقيق الدولية تبدأ ع ...
- انتخابات مجلس الشعب: هل تعكس إرادة السوريين أم إعادة إنتاج ا ...
- على أمل اتفاق سلام وشيك في غزة/ اتفاق 21 نقطة لإنهاء الحرب
- أهداف اللعبة الدولية في سوريا بشأن المفاوضات الأمنية
- المخاض السوري بين تحديات الداخل والتهديدات الإقليمية
- ابتسامة المُكر الأمريكي والثمن السوري... رفع العقوبات كهدنة ...
- سريالية المشهد السوري على شاشة أمريكية: التقاء الأضداد في لح ...
- اتفاق أمني سوري - إسرائيلي برعاية أميركية
- بين خارطة الطريق والبيان الرافض: أي مستقبل للسويداء؟
- قراءة في الاتفاق بشأن أحداث السويداء بين البيان الرسمي والهو ...
- سوريا بين موسكو وأنقرة وتل أبيب: قراءة في حوار الشرع وتحولات ...
- الإطار القانوني لاسترداد أصول شركات مخلوف في سياق العدالة ال ...
- ملف حقوقي موسّع حول بطلان عقود الاستثمار التي تبرمها ميليشيا ...
- سوريا: السُلطة في قبضة الفساد وتزييف الألقاب الأممية
- القضاء الفرنسي مدعو إلى تجاوز الإعلان نحو الملاحقة الفعلية
- تحقيق : السومرية بين مطرقة الحق التاريخي وسندان الواقع السكا ...
- العدالة العمياء: كان يجب أن يترافق تعليق قيصر مع مذكرة اعتقا ...
- اعتقال الرئيس الافتراضي لسوريا /صابر شرتح
- وصل إلى السلطة بفضل الثورة… فهل يُبرّر الإنكار؟


المزيد.....




- فيديو.. غارات إسرائيلية على أهداف لحزب الله جنوب لبنان
- قوة إسرائيل تعتقل رعاة ومزارعين سوريين بريف القنيطرة
- حين تكتب حماس روايتها.. قراءة في خطاب خليل الحية
- عالمان في الأعصاب يرفعان دعوى قضائية ضد شركة آبل
- من دون دواء.. علاج سحري لآلام المفاصل
- ترامب: اتفاق غزة سيصمد لأن جميع الأطراف -سئمت من القتال-
- تنزانيا.. اختطاف وقتل دبلوماسي منشق يثير الغضب قبيل الانتخاب ...
- حماس والجهاد والجبهة الشعبية: نرفض أي وصاية أجنبية على غزة
- ترامب: اتفاق غزة سيصمد وحماس وإسرائيل تعبتا من القتال
- ماريا ماتشادو الفائزة بـ-نوبل للسلام-: ترامب تحدثت معي بعد ف ...


المزيد.....

- اليسار بين التراجع والصعود.. الأسباب والتحديات / رشيد غويلب
- قراءة ماركس لنمط الإنتاج الآسيوي وأشكال الملكية في الهند / زهير الخويلدي
- مشاركة الأحزاب الشيوعية في الحكومة: طريقة لخروج الرأسمالية م ... / دلير زنكنة
- عشتار الفصول:14000 قراءات في اللغة العربية والمسيحيون العرب ... / اسحق قومي
- الديمقراطية الغربية من الداخل / دلير زنكنة
- يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال ... / رشيد غويلب
- من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها ... / الحزب الشيوعي اليوناني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - أحمد سليمان - غريتا تونبرغ تستحق نوبل