أحمد سليمان
شاعر وكاتب في قضايا الديمقراطية
(Ahmad Sleiman:poet And Writer On Democratic Issues)
الحوار المتمدن-العدد: 8468 - 2025 / 9 / 17 - 09:39
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
مثّل الاتفاق الذي أُعلن في دمشق بتاريخ 16 أيلول 2025 بخصوص محافظة السويداء، بحضور ممثلين عن سوريا والأردن والولايات المتحدة، محطة سياسية وأمنية لافتة. فقد تبنى البيان الرسمي لغة تؤكد على وحدة سوريا، المساواة بين المواطنين، احترام السيادة، وتعزيز المصالحة الوطنية. وجرى تقديم الاتفاق كخارطة طريق متدرجة لإعادة دمج المحافظة في الدولة السورية، بدعم دولي وإقليمي.
غير أنّ القراءة المتأنية لبنود الاتفاق تكشف عن تباينات بين المضمون الرسمي وما قد يُترجم على الأرض. فبينما يشدد البيان على "السيادة السورية الكاملة"، تنطوي بعض البنود على عناصر قد تُضعف القرار الوطني وتفتح الباب لتدويل الملف.
* بين الإيجابيات المعلنة والتحديات الخفية
ما جاء في البيان الرسمي:
-التأكيد على أنّ السويداء جزء لا يتجزأ من سوريا وأن أبناءها مواطنون متساوون.
-التزام الحكومة السورية بمحاسبة المتورطين في الانتهاكات عبر لجنة التحقيق الدولية.
-دعم دولي لإعادة الخدمات، إيصال المساعدات، وإعادة الإعمار.
-تشكيل قوة شرطية محلية ومجلس محافظة يمثل جميع المكونات.
-إقرار تفاهمات أمنية حول الجنوب السوري بالتشاور مع الولايات المتحدة وإسرائيل، مع التأكيد على احترام السيادة.
-إنشاء آلية مراقبة ثلاثية لمتابعة التنفيذ.
* الهواجس الوطنية
رغم هذه العناوين الإيجابية، فإن البنود تكشف عن مخاطر جدّية:
البند الأول يفتح الباب لمحاكمات أممية تتجاوز القضاء الوطني.
البند الثاني يحوّل دور الحكومة إلى منفذ للتزامات خارجية.
البندان الثالث والرابع يضعان ملف الخدمات والمساعدات تحت وصاية الأردن والولايات المتحدة والمانحين، مما يجعل مؤسسات الدولة مجرد واجهة.
البند الخامس يضع طريق السويداء–دمشق تحت حماية شرطية "مدرّبة" بغطاء أميركي وأردني.
البند السادس يفرض سحب المقاتلين المحليين وتجريد السويداء من سلاحها.
البند التاسع يفتح الباب أمام تدخل خارجي في التشريعات المتعلقة بخطاب الكراهية.
البند الحادي عشر يكرّس دوراً مشتركاً للأردن والولايات المتحدة في الأمن والإدارة المحلية، أي نوع من "إدارة انتقالية" بغطاء دولي.
البند الثاني عشر هو الأخطر، إذ يمنح شرعية لتفاهمات أمنية مع إسرائيل حول الجنوب السوري، بما يزجّ بالملف الوطني في ممرات تفاوض خارجية.
البند الثالث عشر، الذي يقدمه البيان الرسمي باعتباره "آلية لمراقبة التنفيذ بما يحترم السيادة السورية"، يمثل في الحقيقة تدويلًا مشرعنًا للملف السوري. فهو لا يكتفي بمتابعة تقنية، بل يجعل تنفيذ خارطة الطريق خاضعًا لرقابة ثلاثية (سوريا – الأردن – الولايات المتحدة) تُقيّد حرية القرار الوطني في إدارة شؤون محافظة السويداء. وهنا تكمن المفارقة: يُقدَّم تحت شعار "احترام السيادة"، بينما يرسّخ عمليًا وصاية مشتركة تُضعف استقلالية الدولة وتحوّل السيادة إلى مجرد إطار شكلي.
* العدالة والمساءلة شرط للاستقرار
الأحداث الدامية في السويداء ليست حادثة معزولة بل مرآة للأزمة السورية. إن غياب تحديد المسؤوليات عن التهجير والخطف والتدمير يكرّس الإفلات من العقاب. العدالة الشاملة والمساءلة غير الانتقائية شرط لأي حوار أو مصالحة، وإلا ستبقى التسويات هشّة ومعرّضة للانهيار.
* تقييم متوازن
نقاط القوة:
-لغة تؤكد على وحدة سوريا ومنع سيناريوهات الانفصال.
-دعم دولي وإقليمي يوفّر تمويلاً ومظلة سياسية.
-خطوات عملية لإعادة الخدمات والمصالحة.
-آلية متابعة ثلاثية تعزز الشفافية.
نقاط الضعف:
-تدويل واضح لبعض الملفات الوطنية.
-هشاشة المؤسسات الوطنية القضائية والإدارية.
-غياب جدول زمني ملزم للتنفيذ.
احتمال تعميق الانقسامات المجتمعية عبر إدخال أطراف خارجية.
* الخلاصة
بينما يقدّم البيان الرسمي الاتفاق كخطوة نحو الاستقرار والمصالحة، تكشف القراءة النقدية أنّه ينطوي على تنازلات سيادية وإشراف خارجي قد يقيد القرار الوطني. نجاح الاتفاق مرهون بمدى قدرة السوريين على تحويل هذه البنود إلى فرصة وطنية لا وصاية دولية، وربطه برؤية حقوقية واضحة تقوم على:
-دولة المواطنة المتساوية.
-محاسبة جميع منتهكي الحقوق دون استثناء.
-مصالحة وطنية قائمة على الاعتراف بالحقوق وضمانات عدم التكرار.
-شراكة سياسية حقيقية عبر حكومة جامعة لكل المكونات.
السويداء، في هذا السياق، ليست قضية محلية بل اختبار لمستقبل سوريا. فإما أن تكون بوابة لمصالحة وطنية راسخة، أو أن تتحول إلى سابقة للتدخلات الخارجية وتفكيك القرار السيادي.
أحمد سليمان
* ينُشر في وقت واحد بالتزامن مع نشطاء الرأي
-------------------------------------
* البيان الرسمي للاتفاق بخصوص السويداء:
-------------------------------------
دمشق، 16 أيلول 2025 - شارك نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية وشؤون المغتربين أيمن الصفدي، في اجتماع استضافه وزير الخارجية والمغتربين السوري أسعد الشيباني، وشارك فيه سفير الولايات المتحدة الأميركية لدى الجمهورية التركية والمبعوث الأميركي الخاص لسوريا توماس بارك استكمالا للمباحثات التي كانت استضافتها عمان بتاريخ 12 آب و تاريخ 19 تموز 2025 لبحث تثبيت وقف إطلاق النار في محافظة السويداء في جنوب سوريا وحل الأزمة هناك.
واعتمد الاجتماع خارطة طريق لحل الأزمة في السويداء على أساس وحدة الأرض السورية، وأن كل السوريين مواطنون متساوون في الحقوق والواجبات في دولتهم.
وفيما يلي نص خارطة طريق لحل الأزمة في السويداء واستقرار الجنوب، التي اتفقت البلدان الثلاثة على التعاون من أجل تطبيقها
يمثل استقرار سوريا وأمنها وازدهارها ركيزة أساس للاستقرار الإقليمي. وتؤكد الجمهورية العربية السورية والمملكة الأردنية الهاشمية والولايات المتحدة الأميركية التزامهم العمل معا وبشراكة حقيقية لمساعدة سوريا في بناء مستقبل يسوده السلام والاستقرار لكل شعبها. وستدعم الدول الثلاث الجهود الرامية لإعادة بناء سوريا على الأسس التي تحفظ أمنها واستقراراها ووحدتها وسيادتها وتلبي تطلعات كل السوريين وتحفظ حقوقهم. وستعمل الدول الثلاث، وبالتنسيق مع الشركاء الإقليميين والدوليين على تعزيز عملية سياسية شاملة بقيادة سورية تعيد بناء المؤسسات السورية وتضمن تمثيل جميع السوريين فيها، وتحتفى بتعددية المجتمع السوري وتضمن المساواة بين جميع السوريين بموجب القانون وعلى أساس المواطنة.
سيدعم الأردن والولايات المتحدة الحكومة السورية في تجاوز التحديات التي تواجه هذه العملية وبما في ذلك في مجالات إعادة البناء وبناء المؤسسات، ومكافحة الإرهاب والتطرف وإنهاء الخلافات المجتمعية وتحقيق المصالحة الوطنية.
ويعكس هذا الالتزام الجماعي الإرادة المشتركة لسوريا والأردن والولايات المتحدة للمضي قدما في دعم مستقبل سوريا وفق نهج بناء وعملى وفى هذا السياق، استضاف الأردن اجتماعات عمان في 19 تموز 2025 و 12 آب 2025، حيث اتفقت الدول الثلاث خلالها على العمل معا لإنهاء الأزمة في محافظة السويداء جنوبي سوريا. واتفقت الدول الثلاثة على أن الأحداث المؤسفة التي شهدتها المحافظة مؤخرا تتطلب اعتماد منهجية شاملة متدرجة لتجاوزها وفق المبادئ التالية:
- إن محافظة السويداء جزء أصيل من سوريا ولا مستقبل لها خارجها، وأبناء المحافظة مواطنون سوريون متساوون بالحقوق والواجبات مع كل السوريين.
- إن إنهاء فجوة الثقة بين الحكومة السورية والمحافظة يتطلب نهجا متدرجا متأنيا، يبدأ بتدابير الإعادة بناء الثقة ويعتمد حلولاً انتقالية تؤدي إلى إعادة الإدماج الكامل للمحافظة في الدولة السورية وبما يعزز الوحدة الوطنية.
يؤكد الأردن والولايات المتحدة أهمية الخطوات التي اتخذتها الحكومة السورية والالتزامات التي أعلنتها بعد جولتي المباحثات التي استضافتها عمان، ويرحبان بتأكيد وزير الخارجية والمغتربين السوري السيد أسعد الشيباني التزام إنهاء الأزمة عبر حل يضمن وحدة سوريا ويحفظ كل حقوق أبناء محافظة السويداء كمواطنين سوريين.
واتفقت الدول الثلاث على التعاون لتنفيذ الخطوات التالية، بشكل عاجل، وفي إطار الاحترام الكامل للسيادة السورية
1 - تدعو الحكومة السورية لجنة التحقيق المستقلة الدولية بشأن الجمهورية العربية السورية لإجراء تحقيق حول الأحداث المؤسفة التي شهدتها محافظة السويداء مؤخرًا، وتلتزم الحكومة بمحاسبة جميع مرتكبي الانتهاكات في تلك الأحداث، وفق القانون السوري.
2 - ستتخذ الحكومة السورية الإجراءات القانونية اللازمة بحق كل من تشير الأدلة إلى ارتكابه انتهاكات أو كان طرفا في ارتكاب التجاوزات ضد المدنيين وممتلكاتهم.
3- تؤمن الحكومة السورية، وبدعم من الاردن والولايات المتحدة استمرار إيصال كميات كافية من المساعدات الإنسانية والطبية للمحافظة، وبالتعاون مع وكالات الأمم المتحدة المعنية ودول أخرى.
-4- تستمر الحكومة السورية في جهودها المستهدفة إعادة كل الخدمات الأساسية في المحافظة. ويدعم الأردن والولايات المتحدة جهود تأمين التمويل الكافي من المانحين الدوليين.
5 - تنشر الحكومة السورية قوات مؤهلة ومدربة تابعة لوزارة الداخلية على طول طريق السويداء دمشق لضمان حرية الحركة الآمنة للمواطنين والتجارة، وبدعم من المملكة الأردنية الهاشمية والولايات المتحدة الأمريكية في المساعدة في تجاوز المعوقات العملية.
6- تسحب الحكومة السورية كل المقاتلين المدنيين من الحدود الإدارية لمحافظة السويداء، وتنشر قوات شرطية مؤهلة ومدربة ومنضبطة على الحدود الإدارية للمحافظة، استنادا لاتفاق عمان. وتتخذ كل الخطوات اللازمة لتمكين سكان قرى السويداء التي شهدت اقتتالا خلال الأحداث المؤسفة من العودة إلى قراهم.
7 - ستدعم الدول الثلاث جهود اللجنة الدولية للصليب الأحمر لاستكمال إطلاق كل المحتجزين والمختطفين وتسريع عملية التبادل.
8- تعلن الحكومة السورية خططها بشأن إعادة بناء القرى والممتلكات المتضررة. ويقوم الأردن والولايات المتحدة بدعم جهود تحصيل الدعم اللازم.
9 - ستقود الحكومة السورية جهود تكريس سردية وطنية تحتفي بالوحدة والتعددية والمساواة بين جميع السوريين وسيادة القانون، كما ستسرع جهودها المستهدفة احتواء وإنهاء خطاب الكراهية الذي يروج للانقسام والعنف والطائفية والتمييز العرقي والطائفي، وبما في ذلك من خلال اعتماد التشريعات التي تجرم خطاب الكراهية. وسيقدم الأردن والولايات المتحدة المساعدة القانونية لاعتماد هذه التشريعات إن كان هناك حاجة.
10- سيدعو الأردن، وبالتنسيق مع الجمهورية العربية السورية، وفداً من المجتمعات المحلية في السويداء (الدروز والمسيحيين والسنة، ووفدا آخر من ممثلى العشائر البدوية في محافظة السويداء لاجتماعات للمساعدة في تحقيق المصالحة.
-11- سيعمل الأردن والولايات المتحدة مع الحكومة السورية والمجتمعات في السويداء للتوافق على ترتيبات أمنية وإدارية قصيرة ومتوسطة الأمد للفترة الانتقالية وصولاً لإعادة الاندماج الكلى للمحافظة في المؤسسات الحكومية. وستنطلق هذه الجهود من حقيقة أن محافظة السويداء جزء أصيل من سوريا وأن المصالحة الوطنية يجب أن تتحقق. وستستهدف المناقشات الوصول إلى تدابير بناء الثقة وخطوات عملية لمعالجة التحديات الراهنة، بما يتسق واتفاقات جولتي المباحثات في عمان. وستتضمن هذه الترتيبات خططا لتحقيق ما يلي:
. تشكيل قوة شرطية محلية، تضم كافة المجتمعات في المحافظة. وستكون هذه القوة تحت قيادة شخصية من المحافظة تعينها وزارة الداخلية. وستحدد المفاوضات تركيبة هذه القوة وتكوينها.
. تفعيل كل المؤسسات المدنية الإدارية في المحافظة، وبالتعاون بين المجتمع المحلي في المحافظة ومؤسسات الدولة ذات الصلة.
. بالتنسيق مع المجتمع المحلي في السويداء، تشكيل مجلس محافظة يمثل كل مكونات المجتمع المحلى فى السويداء. ويناط بالمجلس مهمة التفاعل مع الحكومة السورية وقيادة الجهود الرامية إلى تحقيق المصالحة الوطنية.
. استكمال إطلاق سراح جميع المحتجزين والمخطوفين وتعداد المفقودين وتحديدهم.
. إدارة تدفق المساعدات للمحافظة بالتعاون مع الحكومة.
. إنهاء التدخل الخارجي في محافظة السويداء والتأكيد على الالتزام بأن المحافظة جزءاً لا يتجزأ من سوريا.
. تسهيل الوصول إلى كل الأدلة، بما في ذلك الجثث وشهادات الشهود وكاميرات المراقبة في المناطق التي شهدت عمليات اقتتال
. التعاون مع الحكومة السورية ولجنة التحقيق المستقلة الدولية بشأن الجمهورية العربية السورية لضمان المسائلة القانونية لكل من يثبت ارتكابه انتهاكات.
. التوافق على خارطة طريق للمصالحة مع الحكومة.
12- تعمل الولايات المتحدة، وبالتشاور مع الحكومة السورية على التوصل لتفاهمات أمنية مع إسرائيل حول الجنوب السوري تعالج الشواغل الأمنية المشروعة لكل من سوريا وإسرائيل، مع التأكيد على سيادة سوريا وسلامة أراضيها. وسيدعم الأردن هذا الجهد، وبما في ذلك عبر اجتماعات مشتركة.
13- ستنشئ سوريا والأردن والولايات المتحدة آلية عمل المراقبة تطبيق خارطة الطريق، بما يحترم السيادة السورية بالكامل.
معالي السيد أسعد الشيباني، وزير الخارجية والمغتربين الجمهورية العربية السورية
معالي السيد أيمن الصفدي، نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية وشؤون المغتربين المملكة الأردنية الهاشمية
سعادة السيد توماس بارك، المبعوث الخاص لسوريا، الولايات المتحدة الأمريكية.
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟