أحمد سليمان
شاعر وكاتب في قضايا الديمقراطية
(Ahmad Sleiman:poet And Writer On Democratic Issues)
الحوار المتمدن-العدد: 8485 - 2025 / 10 / 4 - 08:12
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
( مفاجأة القوائم الانتخابية: ترشّح هنري يوسف حمرة يعيد الصوت اليهودي ويفتح الباب أمام التعددية في البرلمان السوري)
صناديق الاقتراع في سوريا اليوم ليست مجرد أدوات مؤسسية، بل مرايا تعكس وجوهًا متعددة للأمل والخوف، للمحاسبة والتوجس. ففي الخامس من أكتوبر 2025، تُجرى أول انتخابات برلمانية بعد سقوط النظام، وسط مشهد سياسي هشّ، وأرضية اجتماعية مثقلة بالانقسام والشكوك. لا تُقاس هذه الانتخابات بعدد المقاعد ولا بنسب المشاركة، بل بقدرتها على إعادة تعريف العلاقة بين الدولة والمجتمع، بين السلطة والشرعية، وبين الداخل السوري والخارج المتربص. إنها لحظة اختبار للمنظومة السياسية بأكملها، ولإرادة السوريين في إعادة بناء وطنهم على أسس جديدة تتجاوز منطق الغلبة، وتحتكم إلى التمثيل والمساءلة.
وفي توقيت بالغ الحساسية، وصلت لجنة التحقيق الدولية إلى محافظة السويداء قبل ثلاثة أيام فقط من موعد الانتخابات، لبدء عملها في تقصي الحقائق حول الأحداث الدامية التي شهدتها المحافظة في يوليو الماضي. هذا الدخول المفاجئ للجنة لا يحمل فقط دلالات حقوقية، بل يضيف طبقة جديدة من التعقيد إلى المشهد الانتخابي، ويضع القيادة الانتقالية أمام اختبار مزدوج: إدارة استحقاق سياسي داخلي، والاستجابة لضغوط دولية متصاعدة في ملف العدالة والمساءلة.
تجري الانتخابات في سوريا ضمن سياق مرحلة انتقالية دقيقة، يُفترض أن تؤسس لسلطة تشريعية مؤقتة تمهّد لاعتماد دستور دائم وإجراء انتخابات عامة جديدة. يتألف مجلس الشعب من 210 أعضاء، يُنتخب ثلثاهم عبر هيئات ناخبة، بينما يُعيّن الرئيس الانتقالي أحمد الشرع الثلث المتبقي. ورغم أن هذه الصيغة تبدو توافقية في ظاهرها، إلا أنها تثير جدلًا واسعًا حول مدى استقلالية التمثيل، إذ إن الهيئات الناخبة نفسها تم تشكيلها بقرارات فوقية، ما يجعل عملية الفرز محكومة مسبقًا بتوازنات السلطة الانتقالية.
هذا الترتيب يمنح الرئيس الانتقالي عمليًا ثلث الأصوات بشكل مباشر، ويؤثر في الثلثين الآخرين عبر لجان تم تعيينها مسبقًا، ما يطرح تساؤلات حول مدى قدرة المجلس الجديد على ممارسة دور رقابي وتشريعي مستقل، ويعيد النقاش حول الحاجة إلى آليات انتخابية أكثر شفافية وتمثيلًا في المراحل المقبلة.
وتأتي هذه الانتخابات في وقت تشهد فيه المنطقة تحولات استراتيجية عميقة، تشمل إعادة ترتيب الأدوار الإقليمية والدولية في سوريا. فالتقارب الروسي-التركي في ملف إعادة الإعمار، وتصاعد ضغوط المجتمع الدولي حول مسار الانتقال السياسي، فضلاً عن تغيّر موازين القوى والتحالفات الإقليمية، يجعل من هذه الانتخابات اختبارًا حقيقيًا لجدية العملية السياسية، ومدى قدرة سوريا على تجاوز أزماتها الداخلية وإعادة بناء مؤسساتها.
حكومة مارس 2025: بين التأسيس والتعثر
في 30 مارس 2025، أعلن الرئيس الشرع تشكيل حكومة جديدة ضمت 23 وزيرًا، في خطوة اعتُبرت آنذاك بداية فعلية للانتقال السياسي. إلا أن هذه الحكومة واجهت تحديات أمنية جسيمة، خصوصًا في الساحل والسويداء، ما أثار انتقادات حادة حول محدودية أدائها وقدرتها على الاستجابة للأزمات. هذه الإخفاقات وضعت القيادة الجديدة في موقف حرج، وأعادت طرح تساؤلات حول جدوى استمرار التشكيلة الحالية بعد الانتخابات.
كما أدت الضغوط الاقتصادية المتصاعدة، وارتفاع معدلات البطالة، وتفاقم أزمة الكهرباء والوقود، إلى تعزيز الشعور بالإحباط لدى الشارع السوري، ما يزيد من المخاطر السياسية إذا لم تُستجب هذه المطالب بسرعة.
ما بعد الانتخابات: الحاجة إلى حكومة أكثر تمثيلًا وفعالية
من المرجح أن تشهد سوريا تشكيل حكومة جديدة عقب انتخابات أكتوبر، مدفوعة بالحاجة إلى معالجة التحديات السياسية والأمنية المتفاقمة. ويتوقع أن تضم هذه الحكومة ممثلين عن مختلف المكونات السياسية والطائفية، بما يعزز التوافق الوطني ويمنحها مرونة أكبر في التعامل مع الملفات العالقة. فالتجربة الحكومية السابقة أظهرت أن غياب التمثيل المتوازن والكفاءة المؤسسية يضعف القدرة على إدارة المرحلة الانتقالية.
كما سيكون على الحكومة الجديدة التعامل مع ضغوط خارجية، خصوصًا من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، اللذين يربطان التعاون مع دمشق بجدية الإصلاح السياسي واحترام الحقوق والحريات. كذلك، فإن التقارب الروسي-الإيراني في سوريا يطرح تحديًا إضافيًا في صياغة سياسة خارجية متوازنة، تمكّن الحكومة من الحفاظ على السيادة الوطنية وفي الوقت نفسه تستفيد من الدعم الدولي.
هل يعود الصوت اليهودي إلى البرلمان السوري؟
من بين مفاجآت الانتخابات البرلمانية المقبلة في سوريا برز ترشّح هنري يوسف حمرة، المولود في دمشق عام 1977، كأحد أبناء الطائفة اليهودية السورية. ويعيد هذا الحدث النادر إلى الذاكرة اسم يوسف لنيادو، الذي كان اليهودي الوحيد في البرلمان السوري خلال عشرينيات القرن الماضي تحت الانتداب الفرنسي.
لنيادو عُرف آنذاك كرمز للتعايش، في وقت كانت النخبة اليهودية الدمشقية تحتفظ بمكانة اقتصادية واجتماعية معتبرة. أما اليوم، فيأتي ترشّح حمرة في سياق سياسي هش، تحكمه ترتيبات فوقية تجعل الرمزية تطغى على التمثيل الفعلي.
ورغم أن حافظ الأسد غيّر التسمية الرسمية للطائفة اليهودية في القرن الماضي لتُعرف باسم "الطائفة الموسوية"، فإن الحضور اليهودي في المشهد العام ظل محدودًا، ومحاطًا بحساسيات إقليمية ودولية.
ترشّح حمرة، وإن لم يعِد الدور التاريخي، يفتح نافذة رمزية على فكرة التعددية، ويطرح سؤالًا حول قدرة الهوية على المشاركة السياسية بعيدًا عن اختزالها في بعدها الطائفي.
بين الاحتكار والالتزام المؤسسي:
رغم أن آلية انتخاب مجلس الشعب لا تزال تحتكم إلى ترتيبات احتكارية، إلا أن هذه الانتخابات تُعد خطوة مهمة ويؤمل منها أن تكون نحو بناء مؤسسات وطنية تتبنى الكفاءة والتمثيل الحقيقي. خصوصًا أن التجربة الحكومية الحالية كشفت عن هشاشة البنية التنفيذية، وأبرزت الحاجة إلى إعادة تشكيلها بما يتناسب مع متطلبات المرحلة.
إن الانتخابات البرلمانية المقبلة ليست مجرد محطة داخلية، بل اختبار لدور سوريا في إعادة تحديد موقعها الإقليمي والدولي. فالقرار السياسي القادم يجب أن يوازن بين الحاجة الداخلية للتوافق الوطني، ومتطلبات الالتزام الدولي، لضمان أن تكون الحكومة الجديدة قادرة على قيادة مرحلة انتقالية ناجحة، وتقديم رؤية واضحة لإعادة بناء الدولة.
السيناريوهات المتوقعة بعد الانتخابات:
1.دعم واسع للحكومة الانتقالية الحالية
تحقق القوى السياسية الداعمة للرئيس أحمد الشرع أغلبية واضحة في مجلس الشعب الجديد، مع توافق نسبي بين المكونات السياسية والطائفية. هذا سيؤدي على الأرجح إلى استمرار الحكومة الحالية مع إجراء تعديلات وزارية محدودة، تهدف إلى تعزيز الأداء وتحسين التمثيل. سيكون التركيز على تثبيت مسار الانتقال وتجنب إحداث تغيير جذري في الإدارة السياسية.
2.تغييرات كبيرة في مجلس الشعب
إذا أسفرت الانتخابات عن تقدم ملحوظ للتيار المعارض، فإن الثقة بالحكومة الحالية ستضعف، ما سينعكس في مطالب قوية لإعادة تشكيلها. قد يشمل ذلك إعادة هيكلة الوزارات الأمنية والاقتصادية، وتوسيع التمثيل الطائفي والمناطقي، بهدف تعزيز الشرعية الداخلية وتلبية مطالب الشارع.
3.ضغط دولي وإقليمي قوي
تؤدي الضغوط المتزايدة من المجتمع الدولي والجهات الفاعلة الإقليمية إلى فرض تشكيل حكومة توافقية تضم ممثلين من المعارضة والمجتمع المدني. هذه الحكومة ستكون أكثر قدرة على جذب الدعم الدولي، وربما فتح الباب أمام إعادة الإعمار وتخفيف العقوبات، لكنها ستواجه تحديات في الحفاظ على التوازن بين الضغوط الخارجية والمصلحة الوطنية.
4.استمرار حالة الشلل السياسي
في حال كانت نتائج الانتخابات ضعيفة أو متقاربة بين القوى المختلفة، أو لم تحقق تغييرًا فعليًا في بنية المجلس، فقد يستمر الشلل السياسي. سيؤدي ذلك إلى تشكيل حكومة ضعيفة التركيب، تفتقر إلى القدرة على معالجة الأزمات، ما يطيل أمد المرحلة الانتقالية ويزيد من احتمالية تصاعد التوترات الداخلية.
لحظة حاسمة:
الانتخابات البرلمانية المقبلة ليست مجرد محطة دستورية، بل لحظة حاسمة في مسار الانتقال السياسي في سوريا. فالنتائج ستحدد شكل الحكومة المقبلة، ومدى قدرتها على معالجة الأزمات الداخلية، والاستجابة للضغوط الدولية. إن تشكيل حكومة جديدة بعد الانتخابات سيكون اختبارًا حقيقيًا لمدى التزام القوى السياسية بتحقيق توافق وطني، وبناء دولة حديثة قادرة على الصمود في وجه التحديات الداخلية والخارجية.
* ينُشر في وقت واحد بالتزامن مع نشطاء الرأي
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟