أحمد سليمان
شاعر وكاتب في قضايا الديمقراطية
(Ahmad Sleiman:poet And Writer On Democratic Issues)
الحوار المتمدن-العدد: 8503 - 2025 / 10 / 22 - 16:14
المحور:
المجتمع المدني
ينتابني شعور متداخل حين أعتقد أن ميرتس ربما من أصول سورية، عطفًا على تصريحاته حول المهاجرين بأنهم غيّروا ملامح المدن الألمانية.
تصريحات تتقاطع مع نداءات مألوفة في المدن السورية تطالب بإعادة أبناء الريف إلى قراهم حفاظًا على "صورة المدينة".
وعلى الرغم من أنني مواطن ألماني من جذور ريفية شمال حلب، وقد عشت ثلثي عمري خارج بلدي ومنذ اكثر من عقدين أعيش في ألمانيا، وقبل ذلك نشأت على ثقافة مدنيةٍ خالصة: من غوتيه إلى رامبو، ومن حنّة أرندت إلى تشومسكي.
ومع ذلك، شعرت بالاستفزاز حين دافع ميرتس عن تصريحه المثير للجدل، مشيرًا إلى أن "البنات" في ألمانيا يؤيدن وجهة نظره.
لكن الواقع أن كثيرًا منهن خرجن في مظاهرات رافضة، تحت شعار "نحن البنات"، بمشاركة ناشطات بارزات وتحالفات مناهضة لليمين.
في المقابل، أصر ميرتس على موقفه، معتبرًا أن الحكومة الاتحادية تُصحّح أخطاء الماضي في سياسة الهجرة، وأن "صورة المدينة" لا تزال تعاني من مشكلة تستدعي الترحيل الواسع.
ملاحظات سورية على "صورة المدينة":
حين يتحدث ميرتس عن تغيّر ملامح المدن، يبدو كأنه سوريٌّ قديم يراقب مشهد العاصمة بين "المدنيين" و"القرويين".
ففي سوريا، لطالما كان هناك خطاب يحتكر المدينة كفضاء نخبوي، ويرى في الريف عبئًا على "الصورة".
لو عاش ميرتس في دمشق أو حلب قبل 2011، لربما كان من أولئك الذين يرددون: "أعيدوا القرويين إلى قراهم، لقد تغيّر وجه العاصمة!"
لكن الفرق أن ميرتس يتحدث باسم حزب سياسي في دولة ديمقراطية، بينما كان نظراؤه السوريون يتحدثون من شرفات الامتياز الطبقي تحت سلطة أمنية واحدة.
بين "صورة المدينة" و"صورة الذات":
تصريحات ميرتس تعكس مزاجًا أوروبيًا يميل إلى إعادة تعريف الهوية على أسس ثقافية مغلقة بعد موجات اللجوء.
وما يثير السخرية أن هذا الخطاب يجد صداه أحيانًا لدى بعض المهاجرين أنفسهم، ممن يتبنون منطق الإقصاء ذاته بعد أن كانوا ضحاياه.
ففي أوساط بعض اللاجئين، يظهر ميلٌ إلى التماهي مع الخطاب السائد، وكأنهم يسعون إلى إثبات "الاندماج" عبر التنصّل من القادمين الجدد أو المختلفين عنهم.
هكذا تتقاطع العنصرية المعولمة:
من برلين إلى دمشق، من النخبة السياسية إلى النخبة الاجتماعية، الكل يبحث عن "صورة المدينة" النقية التي لا تشوّهها الفوارق أو الاختلافات، وكأن التنوع تلوثٌ بصري أو اجتماعي.
مورثات غير مدنية :
لا شكّ أن ميرتس ليس من جذور سورية، لكن تصريحاته تُذكّرنا كثيرًا ببعض الموروثات السورية:
الخوف من التغيير، الحنين إلى "المدينة القديمة" النقية، والقلق من الآخر - سواء كان مهاجرًا، ريفيًا، أو مختلفًا في المظهر واللغة.
وما يثير التأمل أن هذا الخطاب لا يقتصر على الشرق، بل يتكرر في الغرب أيضًا، حين تُعاد صياغة الهوية على أسس ثقافية مغلقة، ويُنظر إلى التنوع كتشويش بصري أو اجتماعي.
هكذا يصبح السؤال ساخرًا وجدّيًا في آنٍ واحد:
هل باتت "صورة المدينة" مرضًا مشتركًا بين الشرق والغرب؟
* ينُشر في وقت واحد بالتزامن مع نشطاء الرأي
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟