أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أحمد سليمان - موسكو بين إرث الجرائم وصفقة النفوذ / زيارة أحمد الشرع تفتح ملف الدور الروسي في سوريا.















المزيد.....

موسكو بين إرث الجرائم وصفقة النفوذ / زيارة أحمد الشرع تفتح ملف الدور الروسي في سوريا.


أحمد سليمان
شاعر وكاتب في قضايا الديمقراطية

(Ahmad Sleiman:poet And Writer On Democratic Issues)


الحوار المتمدن-العدد: 8496 - 2025 / 10 / 15 - 18:16
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


تبدو موسكو اليوم أمام لحظة مراجعة اضطرارية لتاريخها في سوريا. فزيارة الرئيس الانتقالي أحمد الشرع إلى روسيا لم تكن زيارة بروتوكولية، بل مواجهة سياسية مؤجلة بين طرفين يعرف كلٌّ منهما ثمن الماضي وحسابات المستقبل.
الكرملين، الذي دعم نظام بشار الأسد حتى اللحظة الأخيرة، يحاول اليوم إعادة صياغة دوره في سوريا من موقع المتهم بالمشاركة في الجرائم، إلى شريك يُسوَّق كضامنٍ للاستقرار.
هذه المعادلة الحساسة، التي تجمع بين «إرث الدم» و«صفقة النفوذ»، هي ما جعل الزيارة حدثًا محوريًا في إعادة ترتيب العلاقات السورية – الروسية بعد مرحلة سقوط النظام السابق.
أولًا: زيارة الضرورة لا الرغبة
تعاملت وسائل الإعلام الروسية مع زيارة الشرع بعبارة واضحة: «زيارة ضرورة»، في إشارة إلى إدراك موسكو أنها لم تعد تمتلك رفاهية الاختيار.
فالإعلام الروسي، المعروف بتبعيته للمؤسسة الرسمية، لم يُظهر حماسة للزيارة بقدر ما أظهر واقعية متحفظة. وفي هذا ما يكشف المزاج الداخلي داخل الكرملين: روسيا التي كانت تفرض إملاءاتها على دمشق، أصبحت اليوم مضطرة للتفاهم مع قيادة جديدة تسعى لتثبيت الشرعية الانتقالية، وتعيد تعريف مفهوم السيادة السورية بعيدًا عن الوصاية الأجنبية.
إشارة رمزية على مدرج الطائرة
السجادة الحمراء التي امتدت على مدرج الطائرة لدى استقبال أحمد الشرع تحمل دلالة رمزية تتجاوز البروتوكول المعتاد في روسيا، حيث لا تُستخدم دائمًا في استقبال الرؤساء، ما يجعل ظهورها في هذا السياق لافتًا.
بحسب تقارير إعلامية، فإن استخدام السجادة الحمراء في روسيا لا يُعد تقليدًا ثابتًا في استقبال الزعماء، بل يُوظف في مناسبات محددة تعكس رسائل سياسية أو رمزية. في حالات سابقة، مثل استقبال الرئيس فلاديمير بوتين في الولايات المتحدة، أثارت السجادة الحمراء جدلًا واسعًا حول دلالاتها، خاصة حين تم فرشها في قاعدة عسكرية بألاسكا، ما اعتُبر آنذاك رسالة احترام أو اعتراف سياسي.
لذا، فإن امتداد السجادة الحمراء على مدرج الطائرة التي أقلت الرئيس الانتقالي أحمد الشرع لا يبدو مجرد تفصيل بروتوكولي، بل إشارة رمزية من موسكو إلى رغبتها الودية للزائر.
ثانيًا: من شريك في القصف إلى وسيط للاستقرار
منذ عام 2015، ارتبط اسم روسيا بسلسلة طويلة من الانتهاكات والجرائم التي وثّقتها منظمات حقوقية دولية، أبرزها القصف المتكرر للمستشفيات والمدارس والمناطق السكنية، واستخدام القنابل العنقودية والفسفورية في حلب والغوطة وإدلب.
هذه الجرائم التي خلّفت آلاف القتلى والمهجرين، جعلت موسكو طرفًا في مأساة السوريين، لا مجرد حليفٍ سياسي للنظام.
إلا أن الخطاب الروسي اليوم يسعى لإعادة تعريف هذا الدور: من «المتدخل العسكري» إلى «الوسيط الضامن».
تلك المفارقة لا يمكن فهمها إلا في سياق محاولة تبييض التاريخ القريب عبر صفقات سياسية واقتصادية، يتم من خلالها تبادل الصمت مقابل البقاء.
ثالثًا: تقويض الجرائم… سياسة لا اعتراف
الكرملين يدرك أن ملفه في سوريا مثقل بالانتهاكات، لكنه لا يُظهر أي استعداد للاعتراف بها.
بدلًا من ذلك، تعتمد موسكو على سياسة التقويض التدريجي للجرائم عبر ثلاثة مسارات:
1. تحوير السردية: تصوير القصف والعمليات العسكرية كـ«حرب ضد الإرهاب»، وهو الخطاب الذي يتكرر منذ سنوات لتبرير المجازر.
2. نقل المسؤولية: تحميل بشار الأسد والقيادات المحلية مسؤولية ميدانية منفصلة، وكأن روسيا لم تكن شريكًا في القرار العسكري.
3. المقايضة السياسية: ضمان استمرار وجودها في القواعد العسكرية مقابل دعم محدود للسلطة الجديدة والاعتراف بشرعيتها.
بهذه الطريقة، تسعى موسكو إلى إغلاق باب المحاسبة الدولية دون مواجهة مباشرة، مكتفية بتسويات سياسية قد تُنقذ وجودها دون أن تُلزمها بالاعتذار أو التعويض.
رابعًا: قنوات الظل القديمة
تحتفظ روسيا بعلاقات متشعبة مع شخصيات عسكرية وأمنية كانت نافذة قبل سقوط النظام.
وتشير تقارير ميدانية إلى أن بعض هذه الشخصيات تحاول اليوم استعادة نفوذها عبر تحركات توصف بالريبة أو الغموض، في مناطق مختلفة من البلاد.
موسكو، التي تدرك حساسية هذه الشبكات، تحاول استثمارها كورقة ضغط في مفاوضاتها مع الشرع، بحيث تقدم نفسها كقوة قادرة على «ضبط الداخل» مقابل استمرار امتيازاتها السياسية والعسكرية.
لكن هذه الاستراتيجية تحمل مخاطر مضاعفة: فهي تذكّر السوريين بذات العقلية التي كانت تتحكم ببلادهم عبر الوسطاء والتابعين، كما تضع روسيا في موقع الشريك المزدوج بين دعم الدولة ومحاورة رموز النظام القديم.
خامسًا: صفقة الوجود مقابل الصمت
المحور المركزي في مباحثات موسكو يتعلق بمستقبل القاعدتين الروسيتين في طرطوس وحميميم، وبإعادة تعريف الإطار القانوني لوجود القوات الروسية.
مصادر قريبة من الكرملين استبعدت أن يوافق بوتين على تسليم بشار الأسد للسلطات السورية الجديدة، لكنها لم تنفِ بحث «تسوية خاصة» تضمن خروجه الآمن أو وضعه تحت الإقامة الجبرية في روسيا.
بهذا الشكل، تُحاول موسكو تحويل الأسد من عبءٍ قضائي إلى ضمانة تفاوضية تُوظف في مساومة السلطة الانتقالية.
وفي المقابل، تسعى للحصول على ضمانات مكتوبة باستمرار وجودها العسكري وامتيازاتها الاقتصادية في مجالات الطاقة وإعادة الإعمار، مقابل دعم سياسي محدود للمرحلة الانتقالية.
الصفقة واضحة: صمتٌ مؤقت عن جرائم الماضي مقابل استمرار النفوذ في المستقبل.
سادسًا: اختبار السيادة في سوريا الجديدة
يبقى التحدي الأكبر أمام الرئيس أحمد الشرع هو استعادة السيادة الوطنية كاملة دون خسارة الدعم الدولي أو الدخول في مواجهة مفتوحة مع موسكو.
الشرع، المعروف بميله إلى الواقعية السياسية، يحاول رسم علاقة ندّية مع روسيا، قاعدتها الأساسية أن المصالح المشروعة لا تبرّر الصمت عن الجرائم.
السلطة الانتقالية، كما تقول مصادرها، مستعدة لمناقشة أي اتفاق مع موسكو شريطة أن يكون خاضعًا للقانون السوري الجديد وأن يُدار ضمن مؤسسات الدولة، لا عبر تفاهمات الغرف المغلقة كما كان الحال في عهد الأسد.
هذه المقاربة إن نجحت، فستشكل أول اختبار فعلي لقدرة سوريا على تجاوز مرحلة الوصاية الدولية نحو مرحلة السيادة التعاقدية مع القوى الكبرى.
سابعًا: قراءة ختامية
زيارة أحمد الشرع إلى موسكو ليست مجرد حدث دبلوماسي، بل لحظة فاصلة بين زمنين:
زمنٍ كانت فيه روسيا تملي شروطها عبر الدبابات، وزمنٍ تحاول فيه تبرير بقائها عبر لغة الدبلوماسية.
لقد تحولت المعادلة من «موسكو تحمي الأسد» إلى «موسكو تتفاوض لتبقى».
أما سوريا الجديدة، فهي أمام اختبار أخلاقي وسياسي كبير:
هل يمكن أن تطوي صفحة الحرب دون أن تطمس ذاكرة الألم؟
وهل يمكن أن تقبل بوجود روسيا على أرضها دون أن تغفر لجرائمها؟
وفي هذا السياق، تُسجَّل حقيقة مهمة وهي وجود جالية سورية كبيرة في روسيا، ساهمت في تعزيز الروابط الثقافية والاقتصادية بين البلدين.
وتسعى السياسة السورية الجديدة إلى بناء علاقات متوازنة ومفيدة، تُحقق السلام مع محيطها الإقليمي ومع القوى الدولية، بما في ذلك روسيا، على أساس الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة.
الإجابات لن تأتي سريعًا، لكن المؤكد أن التاريخ بدأ يعيد ترتيب صفحاته، وأن لغة الدم لم تعد تكفي لشراء النفوذ.


المراجع: دوتشيه فيليه، فرانس 24، الجزيرة، رويترز، هيومن رايتس ووتش.


* ينُشر في وقت واحد بالتزامن مع نشطاء الرأي






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لافروف... محامي الشيطان في محكمة الذاكرة السورية
- العقل الاستراتيجي الأميركي في سورية والمنطقة: شرعنة الانقسام ...
- «قتلوا حبيبي يا رفيقنا...»، قالت غزل.
- غريتا تونبرغ تستحق نوبل
- الولايات المتحدة تتحمّل مسؤولية تفجير البنية الجغرافية السور ...
- قبل أول انتخابات بعد سقوط الأسد: لجنة التحقيق الدولية تبدأ ع ...
- انتخابات مجلس الشعب: هل تعكس إرادة السوريين أم إعادة إنتاج ا ...
- على أمل اتفاق سلام وشيك في غزة/ اتفاق 21 نقطة لإنهاء الحرب
- أهداف اللعبة الدولية في سوريا بشأن المفاوضات الأمنية
- المخاض السوري بين تحديات الداخل والتهديدات الإقليمية
- ابتسامة المُكر الأمريكي والثمن السوري... رفع العقوبات كهدنة ...
- سريالية المشهد السوري على شاشة أمريكية: التقاء الأضداد في لح ...
- اتفاق أمني سوري - إسرائيلي برعاية أميركية
- بين خارطة الطريق والبيان الرافض: أي مستقبل للسويداء؟
- قراءة في الاتفاق بشأن أحداث السويداء بين البيان الرسمي والهو ...
- سوريا بين موسكو وأنقرة وتل أبيب: قراءة في حوار الشرع وتحولات ...
- الإطار القانوني لاسترداد أصول شركات مخلوف في سياق العدالة ال ...
- ملف حقوقي موسّع حول بطلان عقود الاستثمار التي تبرمها ميليشيا ...
- سوريا: السُلطة في قبضة الفساد وتزييف الألقاب الأممية
- القضاء الفرنسي مدعو إلى تجاوز الإعلان نحو الملاحقة الفعلية


المزيد.....




- -سنتكوم- تدعو حماس لوقف العنف في غضون تقارير عن إعدامات في غ ...
- ما شكل قوة الاستقرار الدولية في غزة؟ وزير الخارجية المصري يو ...
- عاجل: باكستان تؤكد موافقتها على -وقف إطلاق نار مؤقت- مع أفغا ...
- إسبانيا تنظم إضرابًا وطنيًا تضامنًا مع الفلسطينيين
- بعد دعوة ترامب للعفو عنه.. نتنياهو يمثل مجددا أمام المحكمة ف ...
- تونس: حالات اختناق جديدة قرب مجمع صناعي في قابس وسط تواصل ال ...
- تصريحات للرئيسين الروسي والسوري خلال استقبال بوتين للشرع في ...
- بعد اشتباكات أسفرت عن عشرات القتلى... باكستان وأفغانستان تتف ...
- إسبانيا ترفض رفع نسبة الإنفاق الدفاعي لأعضاء الناتو
- تعرف على أبرز النقاط لإعادة إعمار قطاع غزة


المزيد.....

- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي
- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - أحمد سليمان - موسكو بين إرث الجرائم وصفقة النفوذ / زيارة أحمد الشرع تفتح ملف الدور الروسي في سوريا.