أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - أحمد سليمان - نساء في الظل: حين يتحوّل الخطف إلى أداة تضليل














المزيد.....

نساء في الظل: حين يتحوّل الخطف إلى أداة تضليل


أحمد سليمان
شاعر وكاتب في قضايا الديمقراطية

(Ahmad Sleiman:poet And Writer On Democratic Issues)


الحوار المتمدن-العدد: 8512 - 2025 / 10 / 31 - 18:23
المحور: حقوق الانسان
    


في سوريا، لم يعد الحديث عن "الخطف" مجرد توصيف لجرائم جنائية، بل تحوّل إلى أداة متعددة الأغراض تُستخدم في الحرب النفسية، وتغذية الانقسام الاجتماعي، وتضليل الرأي العام. خلف الضجيج الإعلامي، تختفي قصص نساء بريئات خُطفن فعلًا، بينما تتصدّر المشهد روايات ملفقة تُوظّف لأهداف سياسية أو طائفية أو أمنية.

مشهد ملبّد بالتناقضات:

أول أمس، اجتاحت مواقع التواصل تسجيلات ومقاطع مصوّرة تتحدث عن عمليات خطف لنساء في إدلب والمناطق المحيطة. في أحد المقاطع، أشار صحفي محلي إلى ارتفاع عدد النساء في إدلب نتيجة فقدان الرجال بسبب الحرب أو الهجرة، مضيفًا أن الزواج بات ممكنًا بمبالغ بسيطة لا تتجاوز ألف دولار.

ورغم أن حديثه فُهم على نحو خاطئ، فإن جوهر كلامه لم يكن استخفافًا، بل محاولة لتوصيف التغيّرات السكانية والاجتماعية في المنطقة، دون أن يعني ذلك وجود مبررات للخطف أو تبرير للجريمة.

لكنّ هذا التصريح البسيط تحوّل في بعض الصفحات إلى " استهجان بحق النساء"، في ظل موجة من الفيديوهات والمنشورات التي تتحدث عن "تفشّي عصابات خطف النساء"، دون أدلة واضحة، ما أثار الهلع في الشارع، وكرّس صورة مشوّهة عن مجتمع يعاني أصلًا من الانقسام والاحتقان.

بين الحقيقة والادعاء:

لا يمكن إنكار وقوع حالات خطف حقيقية، تعرّضت فيها نساء للاختفاء أو الاحتجاز، بعضهن أُطلق سراحهن بعد دفع فدية، وأخريات ما زلن مجهولات المصير. وتشير شهادات محلية إلى أن بعض هذه الحالات ترتبط بخلافات مالية أو عائلية، أو بجرائم اتجار بالبشر، وغالبًا ما تحدث في مناطق خارجة عن السيطرة الأمنية الكاملة.

في المقابل، تكشف تحقيقات غير رسمية أن العديد من البلاغات المتداولة كانت ملفقة أو مبالغًا فيها. بعض القصص استُخدمت لتصفية حسابات بين عائلات، أو لتبرير زيجات غير معلنة، أو لتشويه سمعة مكوّن اجتماعي معيّن، أو حتى لتبرير إجراءات أمنية قمعية تحت شعار "مكافحة الجريمة".

ومن الأمثلة الصارخة على تداخل الحقيقة بالادعاء، قضية الشابة نغم عيسى، التي شُيّع خبر اختطافها وقتلها قبل نحو سبعة أشهر، وتحولت قصتها إلى قضية رأي عام أثارت موجات من الغضب والتخوين. لكن المفاجأة جاءت مؤخرًا، حين ظهرت نغم في تسجيل مصوّر تؤكد فيه أنها على قيد الحياة، كاشفة بذلك حجم التضليل الذي رافق القضية. القصة، التي بدأت بمقاطع وصور مفبركة، أظهرت كيف يمكن لحادثة شخصية أن تُستغلّ لتوجيه اتهامات جماعية، وتأجيج الانقسام، وتشتيت الانتباه عن القضايا الجوهرية. مثل هذه الحالات تُعيد التذكير بضرورة التحقق قبل النشر، لأن الفبركة لا تسيء فقط إلى سمعة أفراد أو مجتمعات، بل تحجب أيضًا صوت الضحايا الحقيقيين الذين ما زالوا في الظل.

هكذا تحوّل ملف الخطف إلى أداة دعائية خطيرة، تُوجّه الرأي العام وفق مصالح الجهات النافذة إعلاميًا أو أمنيًا.

التضليل كسلاح:

لا يبدو أن الهدف من ترويج قصص الخطف الكاذبة يقتصر على إثارة الرعب، بل يتعداه إلى خلق حالة من انعدام الثقة بين المكوّنات السورية. فتارةً تُتهم جهة مدنية بالتغطية على مجرمين، وتارةً تُحمّل المسؤولية لطرف عسكري أو مؤسسة حكومية، وتارةً يُشار إلى مكوّن اجتماعي وكأن الجريمة سمة لصيقة به.

بهذه الطريقة، يُعاد إنتاج الانقسام الطائفي والمناطقي، ويُختزل الضحايا الحقيقيون في تفاصيل هامشية ضمن روايات متبادلة من الاتهام والانتقام. ويستغل البعض هذا المناخ المشحون لتصفية حسابات أو لتبرير استمرار نفوذه، فيما تُترك النساء الضحايا في الظل، بلا حماية ولا إنصاف.

شبكات مشبوهة وأهداف مركّبة:

تفيد مصادر ميدانية بوجود شبكات مدنية مشبوهة تضخّم أخبار الخطف عبر حسابات مجهولة، غالبًا ما ترتبط بجهات تسعى إلى:

- تشتيت أنظار المؤسسات الأمنية.
- صرف الانتباه عن قضايا أكثر حساسية.
- إرباك الرأي العام وتحويله إلى ساحة تجاذب وانفعال بدلًا من أن يكون مساحة مساءلة ومحاسبة.

بهذا، لا يعود الحديث عن "الخطف" مجرد قضية جنائية، بل يتحوّل إلى أداة ضمن أدوات الحرب النفسية والإعلامية التي تمزّق النسيج الاجتماعي.

نساء خُطفن فعلًا... وغاب صوتهن:

وسط كل هذا الضجيج، هناك وجوه حقيقية لنساء اختفين فعلًا: أمّ فقدت ابنتها في طريق العودة من المدرسة، وفتاة لم تعد من السوق، ونازحة اختفت أثناء عبورها بين منطقتين متنازعتين.

قصص كهذه لا تجد طريقها إلى الإعلام إلا نادرًا، لأن أصحابها يخشون الوصمة أو الانتقام أو التوظيف السياسي لقضيتهم. هؤلاء النساء، اللواتي لم يُرفع لأجلهن سوى بعض المنشورات العاجلة، يمثلن المأساة الحقيقية التي تُغطيها طبقات من التضليل والفوضى الإعلامية.

بين المسؤولية المجتمعية ودور الإعلام:

مسؤولية توفير الأمن تقع أولًا على المؤسسات المعنية، لكنّ جزءًا كبيرًا من الحماية يبدأ من وعي المجتمع نفسه. نشر الأخبار غير المؤكدة عن حالات خطف دون تحقق يُسهم في زيادة الفوضى، ويعرّض الضحايا الحقيقيين لمزيد من الألم.

كما يتحمّل الإعلام المحلي مسؤولية مضاعفة في التحقق قبل النشر، وفي التمييز بين الروايات الفردية والحقائق المثبتة.

إنّ حماية النساء وردّ الاعتبار للضحايا لا يكون فقط بملاحقة المجرمين، بل أيضًا بمحاربة التضليل الذي يقتل الحقيقة بصمت.



* ينُشر في وقت واحد بالتزامن مع نشطاء الرأي






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل المستشار الألماني ميرتس من جذور سورية؟ عن صورة المدينة، و ...
- اتحاد الكتاب العرب وإشكالية تحديثه في إطار العدالة الانتقالي ...
- لا شرعية لنشيد يُفرض خارج إرادة السوريين: النشيد الوطني يُقر ...
- السويداء بين فلول النظام والهجري وتفاهمات الدولة.. ملامح إعا ...
- موسكو بين إرث الجرائم وصفقة النفوذ / زيارة أحمد الشرع تفتح م ...
- لافروف... محامي الشيطان في محكمة الذاكرة السورية
- العقل الاستراتيجي الأميركي في سورية والمنطقة: شرعنة الانقسام ...
- «قتلوا حبيبي يا رفيقنا...»، قالت غزل.
- غريتا تونبرغ تستحق نوبل
- الولايات المتحدة تتحمّل مسؤولية تفجير البنية الجغرافية السور ...
- قبل أول انتخابات بعد سقوط الأسد: لجنة التحقيق الدولية تبدأ ع ...
- انتخابات مجلس الشعب: هل تعكس إرادة السوريين أم إعادة إنتاج ا ...
- على أمل اتفاق سلام وشيك في غزة/ اتفاق 21 نقطة لإنهاء الحرب
- أهداف اللعبة الدولية في سوريا بشأن المفاوضات الأمنية
- المخاض السوري بين تحديات الداخل والتهديدات الإقليمية
- ابتسامة المُكر الأمريكي والثمن السوري... رفع العقوبات كهدنة ...
- سريالية المشهد السوري على شاشة أمريكية: التقاء الأضداد في لح ...
- اتفاق أمني سوري - إسرائيلي برعاية أميركية
- بين خارطة الطريق والبيان الرافض: أي مستقبل للسويداء؟
- قراءة في الاتفاق بشأن أحداث السويداء بين البيان الرسمي والهو ...


المزيد.....




- مجلس الأمن يجدد ولاية بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا لعام ...
- إقليم الصحراء.. المغرب سيزود الأمم المتحدة بصيغة محدثة للحكم ...
- مئات المغاربة يتظاهرون في الرباط تنديدا بخروقات الاحتلال في ...
- اليونيسف: منظمات الإغاثة تتعرض لهجمات وتمنع من دخول مناطق في ...
- اليونيسف: عنف غير مسبوق في السودان.. والأطفال يدفعون الثمن
- خلال اقتحامه أحد معتقلات الاحتلال:المتطرف بن غفير يهدد بإعدا ...
- قيادي حوثي: محاكمة موظفي الأمم المتحدة بتهمة التجسس لصالح إس ...
- الأمم المتحدة على وشك التصويت لدعم خطة المغرب للحكم الذاتي ف ...
- الأمم المتحدة: 87% من أراضي غزة تضررت بسبب الحرب
- حماس: بن غفير يشرعن القتل ضد الأسرى الفلسطينيين


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - أحمد سليمان - نساء في الظل: حين يتحوّل الخطف إلى أداة تضليل