أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - أحمد سليمان - حين يتحوّل الغناء إلى مرآةٍ للخراب














المزيد.....

حين يتحوّل الغناء إلى مرآةٍ للخراب


أحمد سليمان
شاعر وكاتب في قضايا الديمقراطية

(Ahmad Sleiman:poet And Writer On Democratic Issues)


الحوار المتمدن-العدد: 8513 - 2025 / 11 / 1 - 04:47
المحور: المجتمع المدني
    


كأنّ المغنّين والموسيقيين وشعراء الزمن الجميل قد انسحبوا دفعةً واحدة من المشهد، تاركين خلفهم فراغًا عاطفيًا وروحيًا سرعان ما ملأته أصواتٌ نشاز، تتغذّى من لغة الكراهية، وتعيد إنتاج العصبيات القديمة في هيئةٍ جديدة لا تقلّ بشاعةً عن ماضيها.

تتصدّر بين الحين والآخر موجاتٌ غنائية واجهة الشبكات الاجتماعية، تتماهى في مفرداتها أو إيقاعاتها مع روح الحقبة الداعشية حينًا، ومع خطاب الحقبة الأسدية أحيانًا أخرى. لا فرق في الجوهر بينهما؛ فكلاهما يستقي من مستنقعٍ واحد، قاعدته الاستبداد وإنكار الجمال. في الأولى، تحوّل الدين إلى أداة قتل، وفي الثانية، تدنّس الفن ليغدو بوقًا للسلطة. وفي الحالتين، كان الذوق العام ضحيةً، والإنسان آخر من يُؤخذ في الاعتبار.

لقد تحوّل الفن في سوريا – كما في أجزاء واسعة من المنطقة – إلى مرآةٍ تعكس الخراب النفسي والاجتماعي والسياسي. ولم تعد الأغنية لسانًا للجمال، بل سلاحًا يُشهره البعض في وجه الوعي. فالحالة المرضية لا تقتصر على الجسد، بل تمتد لتصيب الإدراك، وتشوّه الذائقة، وتُفرغ التعبير من مضمونه الإنساني.

من يُنتج أو يروّج لأغانٍ تستنسخ هذه السياقات السامة، يشارك – عن قصدٍ أو جهل – في تقويض ما تبقّى من قيم التعايش والتنوّع، وفي ضرب الوئام المجتمعي الذي شكّل روح الثقافة السورية لعقودٍ من الإبداع.

ولأنّ الغناء فعلٌ رمزيٌّ يتجاوز الترفيه إلى التعبير عن الوجدان الجمعي، فإنّ انحداره إلى هذا المستوى لا يُعدّ مجرد انحطاطٍ فني، بل انهيارًا ثقافيًا موازيًا لانهيار السياسة والأخلاق. فعندما تهيمن ثقافة المال والقوة والطائفة على فضاء الفن، يصبح من الطبيعي أن يُروّج للجهل، ويُعتبر الانحطاط بطولة، وتُقدّم التفاهة على أنها حرية تعبير.

في ظلّ غياب مؤسساتٍ ثقافيةٍ مستقلة، وهيمنة الإعلام التجاري، تراجعت الأغنية الوطنية والإنسانية، وارتفعت أصوات "التريند" التي لا تقول شيئًا سوى إعادة تدوير القبح. هذا الواقع ليس وليد الصدفة، بل نتيجة مباشرة لمنظومةٍ سياسيةٍ وثقافيةٍ اختزلت الإبداع في الولاء، والمواهب في التطبيل، وحوّلت الفنان إلى موظفٍ في جهاز دعايةٍ أيديولوجي.

من هنا، فإنّ المسؤولية لا تقع فقط على من يُنتج هذا الفن الهابط، بل أيضًا على من احتكر الثقافة لعقود، وأقصى كل صوتٍ حرّ لا يسبّح بحمد النظام أو يخضع لمزاج السلطة. إنّ من اختصر الثقافة السورية في حفلات الولاء والهتاف، يتحمّل مسؤولية تشويه الذوق العام، ونشر هذا الانحدار الذي لا يشبه سوى ما أنتجته ثقافة البعث الأسدي ومن تفرّع عنها من فكرٍ مريضٍ غارقٍ في الابتذال.

لقد كانت سوريا، يومًا ما، بلدًا يُغنّي فيه الفلاح والعامل والمثقف والطفل، وكانت الأغنية امتدادًا طبيعيًا لكرامة الإنسان. أما اليوم، فقد تحوّلت – في كثير من الحالات – إلى استعراضٍ للغرائز، وتعبيرٍ عن عنفٍ مكبوت، أو حنينٍ إلى ماضٍ استبداديٍّ ما زال يُطلّ برأسه من تحت الركام.

من الضروري إذًا إعادة الاعتبار للفن بوصفه ركيزةً من ركائز الوعي، لا وسيلة ترفٍ أو دعاية. يجب أن تُعاد هيكلة المؤسسات الثقافية، وتُفتح المسارح والمدارس الموسيقية، ويُمنح الجيل الجديد فرصةً للتعبير بعيدًا عن وصاية السوق أو سلطة الأيديولوجيا. فالأمم لا تُقاس بما تملك من السلاح، بل بما تنتجه من موسيقى.

إنّ سوريا التي أنجبت في كل بيتٍ شاعرًا أو موسيقيًّا أو فنانًا، قادرةٌ على النهوض مجددًا من هذا الركام الصوتي، شرط أن نكفّ عن التطبيع مع القبح، وأن نسمّي الأشياء بأسمائها: الفن الهابط ليس صدفة، بل مشروع تجهيلٍ منظمٍ يهدف إلى تخريب الوعي الجمعي، تمامًا كما خرّب الطغيان بنية الإنسان.


* ينُشر في وقت واحد بالتزامن مع نشطاء الرأي






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفساد لا يُكافَح بالفضائح، بل بالمحاكم
- نساء في الظل: حين يتحوّل الخطف إلى أداة تضليل
- هل المستشار الألماني ميرتس من جذور سورية؟ عن صورة المدينة، و ...
- اتحاد الكتاب العرب وإشكالية تحديثه في إطار العدالة الانتقالي ...
- لا شرعية لنشيد يُفرض خارج إرادة السوريين: النشيد الوطني يُقر ...
- السويداء بين فلول النظام والهجري وتفاهمات الدولة.. ملامح إعا ...
- موسكو بين إرث الجرائم وصفقة النفوذ / زيارة أحمد الشرع تفتح م ...
- لافروف... محامي الشيطان في محكمة الذاكرة السورية
- العقل الاستراتيجي الأميركي في سورية والمنطقة: شرعنة الانقسام ...
- «قتلوا حبيبي يا رفيقنا...»، قالت غزل.
- غريتا تونبرغ تستحق نوبل
- الولايات المتحدة تتحمّل مسؤولية تفجير البنية الجغرافية السور ...
- قبل أول انتخابات بعد سقوط الأسد: لجنة التحقيق الدولية تبدأ ع ...
- انتخابات مجلس الشعب: هل تعكس إرادة السوريين أم إعادة إنتاج ا ...
- على أمل اتفاق سلام وشيك في غزة/ اتفاق 21 نقطة لإنهاء الحرب
- أهداف اللعبة الدولية في سوريا بشأن المفاوضات الأمنية
- المخاض السوري بين تحديات الداخل والتهديدات الإقليمية
- ابتسامة المُكر الأمريكي والثمن السوري... رفع العقوبات كهدنة ...
- سريالية المشهد السوري على شاشة أمريكية: التقاء الأضداد في لح ...
- اتفاق أمني سوري - إسرائيلي برعاية أميركية


المزيد.....




- الأمم المتحدة تُحذر من أن الحرب في أوكرانيا تتحول إلى حرب تك ...
- مجلس الأمن يجدد ولاية بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا لعام ...
- الأمم المتحدة: 87% من أراضي غزة تضررت بسبب الحرب
- الأورومتوسطي: إسرائيل اعتقلت موظفًا في اليونيسيف في عرقلة مت ...
- مجلس الأمن يجدد ولاية بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا لعام ...
- إقليم الصحراء.. المغرب سيزود الأمم المتحدة بصيغة محدثة للحكم ...
- مئات المغاربة يتظاهرون في الرباط تنديدا بخروقات الاحتلال في ...
- اليونيسف: منظمات الإغاثة تتعرض لهجمات وتمنع من دخول مناطق في ...
- اليونيسف: عنف غير مسبوق في السودان.. والأطفال يدفعون الثمن
- خلال اقتحامه أحد معتقلات الاحتلال:المتطرف بن غفير يهدد بإعدا ...


المزيد.....

- أسئلة خيارات متعددة في الاستراتيجية / محمد عبد الكريم يوسف
- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - أحمد سليمان - حين يتحوّل الغناء إلى مرآةٍ للخراب