الزمالك من الوطنية والكرامة، الى الهوان والتطبيع !

حسن مدبولى

الحوار المتمدن-العدد: 8518 - 2025 / 11 / 6 - 21:59
المحور: عالم الرياضة
    

يبدو أن الذين هلّلوا لإزاحة الإدارة المنتخبة لنادي الزمالك ينامون اليوم قريري النفس مرتاحى البال،مقتنعين أنهم خلّصوا النادي من حكم الرجل الواحد وأجندته المزعومة، بينما الحقيقة المريرة، التي لا تخطئها الأعين، أنّهم سلّموا الزمالك إلى فوضى جماعية ماسخة باهتة، بلا شخصية ولا موقف ولا كرامة.

وتأتى الموافقة على المشاركة المخزية في بطولة السوبر المصرى بالإمارات، رغم ما شهده العام الماضي من تجاوزاتٍ وإهانات بحق لاعبي الزمالك ومسؤوليه،وتسريب صور مهينة لهم من داخل أروقة المحاكم ، ثم تدهور النتائج في كل الألعاب، كرة القدم، واليد، والسلة، والطائرة، وغيرها، لتؤكد جميعها أن النادى قد تحول لجسدٍ فقد ملامحه،و عقلٍ تاهت منه البوصلة.

فالإدارة الحالية جعلت من الضعف مذهبًا، ومن الصمت عقيدة. كل همّها أن تُسكِت الجمهور ببياناتٍ خشبية ووعودٍ واهية، بينما تتوالى القرارات العبثية التي تُقدَّم كأنها إنجازات، مثل استقدام مدربين نكرات فاشلين، ثم تقرر استبدالهم بآخرين،في مشاهد أقرب إلى عروضٍ هزلية، تُقدَّم لخداع العوام لا أكثر.

كما جاءت قضية أرض فرع اكتوبر المسحوبة، لتكشف مستوى الهوان، فأرض تُنتزع من النادي دون تفسيرٍ واضح، ولا أحد يجرؤ على السؤال أو الاعتراض. لا بيان، لا احتجاج، لا حتى غضبٌ مصطنع، مجرد كلمات انشائية فارغة المضمون، ثم صمت مطبق، وكأن الزمالك فقد صوته قبل أن يفقد كرامته.

أما المهزلة الكبرى، فكانت في تعيين ما سُمّي بـ“المستشار الكروي” الجديد، (ج .إ) وهو شخصٌ هبط من المجهول ليتولى أهم ملفات النادي، وتم تقديمه وكأنه اكتشاف جغرافي جديد. ولم يخيّب الرجل الظنون، إذ تكفلت النتائج المخزية بشرح مدى عبقرية هذا الاختيار “الفريد”!

ثم كانت الذروة عندما تم التعاقد مع مدرب حراس أوروبى سبق له العمل في نادٍ إسرائيلي، كما تداولت الجماهير صورًا له أمام ما يُعرف بـ“حائط المبكى”. ومع انتشار تلك الصور، انفجرت غضبة جماهير الزمالك التي لا تزال — رغم كل شيء — تحتفظ بحدٍّ أدنى من الحس الوطني الذي يبدو أنه تآكل في أروقة الإدارة.

وكالعادة، لم تتعامل الإدارة بالوضوح، بل سارعت — وفق ما تردّد — إلى التنصل من التعاقد، وإلقاء المسؤولية على “المستشار الغامض” وأوعزت الى وجه كئيب يظهر على قناتها ليدافع عن التعاقد،ويبرره، ويعتبره أمرا عاديا،مما بدا وكأن النادي بات يعيش مشهدًا عبثيًا يُثير الشفقة أكثر مما يُثير الغضب.

ولم تكن هذه الحادثة استثناءً، بل حلقة ضمن سياسة “التمرير الصامت”. فقد سبقتها موافقة الإدارة على رعاية شركةٍ عالمية مثيرةٍ للجدل بسبب تعاملاتها الاقتصادية مع الكيان الإسرائيلي، رغم رفض الجماهير الذي عبّر عنه كثيرون منهم بتسميتها “مشروب الدم”. ويقال إنّ تلك الموافقة جاءت تحت ضغطٍ من جهاتٍ سعت إلى تحقيق ما سُمّي بتوازن الإنبطاح بين الأندية، وعدم السماح لنادى الزمالك بالظهور وحده بمظهر البطل المقاوم، في مشهدٍ يعبّر عن مدى تغلغل الحسابات السياسية والاقتصادية في جسد الرياضة.
الأدهى من ذلك، أنّ بعض المصادر تربط هذا الضغط المزعوم للتعامل مع تلك الشركة الراعية، بحالة غضبٍ من تداول صورٍ لمقاتلين مقاومين فلسطينيين في غزة يرتدون قميص الزمالك، في لقطةٍ رمزية رآها كثيرون تجسيدًا يعبر عن الإمتنان للموقف الشعبي المصري المتعاطف مع الحق الفلسطيني. فجاء الردّ غير المعلن بكسر الرمزية المشرفة ، وتسويغ الانبطاح المخزى تحت لافتة “جلب التمويل”.

وهكذا تحوّل الزمالك، النادي الذي كان يُفاخر بأنه “مدرسة في الكرامة قبل الفن”، إلى كيانٍ خانعٍ يرضى بالدور الهامشي، ويفتح أبوابه لمن أساؤوا إليه. فرأينا خصومه وكارهيه يدخلون ساحته وسط احتفالاتٍ مخزية،و لم تكد تنتهي تلك الزيارات حتى نجح هؤلاء المنافسون في إغراء أبرز لاعبيه بالرحيل إليهم، بينما الإدارة تبتسم ببلاهة وتفرش لهم السجاد الأحمر، وتمهّد الطريق لتفريغ النادى من أهم أوراق قوته ،،

إن ما يحدث بنادى الزمالك ليس مجرد سوء إدارة عابر، بل هو نهجٌ متكامل لتحويل الكبرياء إلى ديكور، والمبادئ إلى عبءٍ غير مرغوب فيه، و تجريف ممنهج للروح الوطنية التي كانت تميّز الزمالك عن غيره ، تلك الروح التي كانت ترى في الوطنية والكرامة شرفًا، لا بندًا في الميزانية.

#حسن_مدبولى (هاشتاغ)      

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل