أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حسن مدبولى - الصفع فى الحرم !!














المزيد.....

الصفع فى الحرم !!


حسن مدبولى

الحوار المتمدن-العدد: 8517 - 2025 / 11 / 5 - 20:24
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


في صيف عام 1987، وبينما كانت أفئدة المسلمين تهفو إلى بيت الله الحرام، اندلعت في مكة واحدة من أكثر المآسي إيلامًا في تاريخ الحج الحديث.
ففي موضعٍ خُصّ ليكون موئل الطمأنينة والسكينة، تحوّل الطواف حول الكعبة إلى مشهدٍ للفوضى والدم، حين اصطدمت جموع الحجيج المسالمة القادمة من كل فجٍّ عميق بقوات الأمن، فسقط المئات بين قتيلٍ وجريحٍ ومقهورٍ إنسانيًا.

كانت تلك اللحظة علامة على تحولٍ صامتٍ في روح المكان: من فضاءٍ تهيم فيه و تعبّده الأرواح، إلى ساحةٍ تهيمن عليها عقلية أمنية تتوجس من كل حشدٍ، وتخشى من كل شعار.
ولم يكن ما جرى في موسم حج عام 1987 حادثًا عابرًا، بل كان تعبيرًا عن صدامٍ بين رؤيتين متناقضتين للإسلام:
إسلامٍ يرى في الحج مساحةً للتعبير والاحتجاج ضد أعداء الأمة،
وإسلامٍ رسميٍّ يخشى من أن تهتزّ هيبة الحكم والسلطان داخل حدود الحرم، ويعمل لحسابات لاعلاقة لها بالأمة وقضاياها،
وعندما التقت الشعارات الثورية بالعصا الأمنية، كانت النتيجة دماءً تسيل في أطهر البقاع، وأرواحًا أزهقت وهي تلبّي نداء ربها.

قالت طهران إنها مجزرة مقصودة، وقالت الرياض إنها فوضى خرجت عن السيطرة، وبين الروايتين ضاعت الحقيقة، كما ضاعت معها حرمة الدم التي تفوق حرمة الكعبة نفسها.
لكن المؤكد هنا أن من يحمل السلاح الرسمى في وجه الطائفين العاكفين ، لا يمكنه أن يدّعي البراءة، وأن اللجوء إلى الرصاص داخل الحرم كان جرحًا في قلب الإيمان لن تلتئم آثاره بسهولة،

منذ ذلك اليوم، تغيّرت المظاهر، لكن الجوهر بقي كما هو،فقد أصبحت قدسية الحرم تُقاس بعدد الكاميرات لا بعدد القلوب الخاشعة، وصار الحج رحلة مراقَبة أكثر منه رحلة عبادة.
والذهنية الأمنية ذاتها لم تتبدل؛ فهي لا ترى في الحشود أرواحًا مقدسة جاءت تبتغي المغفرة، بل احتمالات خطرٍ يجب السيطرة عليها ولجمها،
فأُعيد تعريف الخشوع على أنه التزام بالتعليمات، لا انكسارٌ صادق أمام الخالق.

وفي الأيام الأخيرة، أعادت حادثتان مؤلمتان التذكير بأن هذا المنطق ما زال حاضرًا في إدارة المكان المقدّس:

الحادثة الأولى كانت لمعتمرٍ مصريٍّ مسنٍّ دافع عن زوجته بعد أن اعتدى عليها أحد رجال الأمن أثناء أداء العمرة.
وبدلًا من تقدير موقفه الإنساني واحتواء الموقف بروحٍ راقية، تم احتجازه وتقديمه للمحاكمة، فتحوّل من معتمرٍ غيورٍ إلى متهمٍ يُساق للتحقيق، ومن ضحيةٍ إلى جاني.

أما الحادثة الثانية فكانت لسيدةٍ تعرّضت فى وقت سابق للصفع من رجل أمنٍ في الحرم، بحجة أنها بادرته بالصفع أولًا.
ويُقال إن حكمًا قاسيًا صدر بحقها بالسجن عشر سنوات، من دون توضيحٍ كافٍ أو تحقيقٍ علني يضمن العدالة والكرامة.
فمهما كانت الملابسات، فإن العقاب المفرط على تصرفٍ انفعالي لا يليق بمكانٍ قِيل فيه إنه "مثابةٌ للناس وأمن".

ومن سفك دماء الحجيج في 1987 إلى صفع وسجن المعتمرين في 2025، يمتد خيطٌا واحدا يربط بين الحادثتين، يرى في الإنسان ملفًا أمنيًا، لا كائنًا مكرمًا،

إن القضية ليست صداما بين جنسيةٍ وأخرى، ولا بين مذهبٍ وآخر، كما يحاول بعض المنافقين والمدلسين أن يوهموا الناس، بل بين منطق الدولة التي تضع الطاعة العمياء قبل الكرامة، وبين منطق الدين القويم نفسه الذي يجعل الكرامة جزءًا لا يتجزأ من العبادة.
فحين يتحوّل الحرم إلى ثكنة، والمناسك إلى إجراءات، وتُقاس الطاعة بعدد التعليمات المنفذة، لا بعدد القلوب الخاشعة، يفقد المكان روحه ومعناه، وتنقلب المعايير من القدسية الى الامتهان والرعب،،،



#حسن_مدبولى (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عالم الآثار المغضوب عليه !!
- ذكرى الإحتفال الذى أغرق البلاد،،
- ذكرى الإحتفال الذى أغرق مصر،،
- من التاريخ المصرى ،،
- التاريخ والاستثناء
- روسيا والصين، قطبان بلا روح
- التطرف بمحافظة المنيا ،،
- كرامة المصريين فى الخليج !!
- المجالس العرفية !!
- مع من نتعاطف فى السودان!؟
- الخلل فى التعاطف الطائفى !!
- مش قوى كده!
- ساركوزى ونتانياهو،والإسطورة المصرية !؟
- رأس الذئب الطائر !!
- العقد الماضى، قراءة شديدة الحياد،والتحسب،،
- ذكرى الإطاحة بالقذافى !!
- يومكم قادم لامحالة ،،
- عقيدة القتل والارهاب !!
- رسالة أحمد حسن الزيات
- مصر تكتب الوصية ،،


المزيد.....




- منظمة يهودية أميركية تطلق مبادرة لرصد ومراقبة سياسات ممداني ...
- وزير إسرائيلي يتهم ممداني بتأييد حماس.. ويدعو اليهود لمغادرة ...
- إسرائيل وفوز ممداني.. تخشى على يهود نيويورك أم على نفسها؟
- إسرائيل تهاجم ممداني وتدعو يهود نيويورك للهجرة
- استطلاع لـ سي إن إن: 66% من اليهود صوتوا لمنافسي زهران ممدان ...
- أضرار بالغة بالجامع الأزرق في مدينة مزار شريف جراء الزلزال ب ...
- وزير إسرائيلي يهاجم ممداني.. ويوجه دعوة إلى يهود نيويورك
- ألمانيا ـ حظر جمعية إسلامية في ولاية براندنبورغ
- 9 نقاط تشرح إستراتيجية جماعة نصرة الإسلام بالساحل
- حكومة نتنياهو تهاجم زهران ممداني وتدعو يهود نيويورك للهجرة إ ...


المزيد.....

- الفقه الوعظى : الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- نشوء الظاهرة الإسلاموية / فارس إيغو
- كتاب تقويم نقدي للفكر الجمهوري في السودان / تاج السر عثمان
- القرآن عمل جماعي مِن كلام العرب ... وجذوره في تراث الشرق الق ... / مُؤْمِن عقلاني حر مستقل
- علي قتل فاطمة الزهراء , جريمة في يترب / حسين العراقي
- المثقف العربي بين النظام و بنية النظام / أحمد التاوتي
- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حسن مدبولى - الصفع فى الحرم !!