أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - ناضل حسنين - صوت ممداني يطرق جدران الدولة العميقة














المزيد.....

صوت ممداني يطرق جدران الدولة العميقة


ناضل حسنين
الكاتب الصحفي

(Nadel Hasanain)


الحوار المتمدن-العدد: 8517 - 2025 / 11 / 5 - 15:10
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
    


ليست وقائع الأيام الأخيرة مجرد احتفالية رمزية في سجل الانتخابات الأمريكية، بل هي فعلاً اختبار قاسٍ لقدرة المجتمع السياسي في الولايات المتحدة على مواجهة "شبح الذات المنقسمة" الذي ظل يلاحقه رغم كل نغمات التفاؤل. فوز زهران ممداني بمنصب عمدة نيويورك وصعود غزالة هاشمي إلى منصب نائبة حاكم فرجينيا، يبدوان للوهلة الأولى كدليل غير مسبوق على أن "الحلم الأمريكي" بدأ يتسع أخيراً ليعيد تعريف نفسه عبر وجوه مهاجرة ومسلمة يتجرأ أصحابها على اقتحام مواقع القيادة، لا الاكتفاء بدور المتفرج من هامش التاريخ.
لكن الحقيقة المؤلمة وسط هذه الزفة الإعلامية أن الرقصة ذاتها تكررت قبل سنوات، يوم اغتسل الحبر على أوراق باراك أوباما ليعلن أول رئيس من أصول افريقية قادماً من خارج سردية المؤسسة العتيقة؛ فرفع العالم عالياً راية الأمل، لكنه سرعان ما اكتشف أن الرمزية ما تزال تسكن هامش التغيير، وأن الأبواب الموصدة لا تفتح بسهولة مهما كانت الطبول عالية.
التنوع اليوم صار قوة دافعة، لا مجرد ملصق في الحملات الدعائية. ما حدث مع رشيدة طليب وإلهان (الهام) عمر قبل سنوات كسر الجدار الأول: فتحتا الكونغرس أمام الصوت الفلسطيني والصومالي، أمام سيرة الهجرة الدامية وسؤال الهوية المتلعثمة. اليوم يعيد ممداني وهاشمي تفعيل اللعبة في مواقع تمثل أعمق دوائر السلطة المحلية والتنفيذية، ليس لمجرد تلوين اللوحة، بل بقصد إعادة توزيع أوراق القوة وفرض شروط جديدة على معنى القيادة في "أرض الأحلام".
كلما علت نغمة "إنجاز رمزي" في مجتمع لم يتعاف بعد من شرخ الخطاب العنصري والترهيب السياسي زمن ترامب، يجدر بالمرء أن يتذكر حقيقة أوباما؛ الرجل الذي حمل آمال الملايين وانتهى عهده بمزيد من الشعبوية والكراهية المكبوتة. حين تتحول الرمزية إلى أقنعة بلا سياسات جذرية، يصبح الاحتفاء وهماً يشبه الاستعراض، وتذوي جذوة الحلم في دهاليز الدولة العميقة، حيث تتحكم مصالح الشركات وجماعات الضغط ولوبيات السلاح والمال في مفاصل القرار.
إنجاز أوباما التشريعي، مهما بدا عظيماً، لم يمس حقاً جذور التفاوت ولم يُنجِ أمريكا من موجة التطرف؛ بل جاءت ظواهر "حزب الشاي" ثم فوضى ترامب كارتداد عنيف على وهم الإصلاح الزائف. وهنا لا بد من السؤال: هل يتكرر المشهد اليوم مع ممداني وهاشمي في صيغة جديدة؟ هل تكفي هذه الرمزية لإنقاذ الحلم من شبح الدولة العميقة؟
المفارقة أن توقيت فوز ممداني جاء على وقع الحرب على غزة والاحتجاجات الطلابية في الجامعات الأمريكية، اعتراضاً على انتهاكات إسرائيل وتواطؤ المؤسسة الأمريكية التقليدية. استفاقت الجامعات والميادين على حقيقة أن صوت الشباب لم يعد هامشياً، بل صار رقماً انتخابياً يفرض حساباته: الاحتجاجات غيّرت المزاج العام، دافعت عن القضية الفلسطينية، ودفعت الرأي العام نحو مساءلة أخلاقيّة للسياسة الخارجية الأمريكية التي لطالما كانت حبيسة لغة المصالح الباردة.
مواقف ممداني، هاشمي، طليب وعمر في مواجهة العدوان على غزة لم تعد هامشاً، بل دخلت صلب السياسات التقدمية وعكست رغبة جيل جديد في معاقبة "السلوك الأهوج" للمنظومة السياسية القديمة، شأنها شأن موجة الاعترافات الدولية الأخيرة بدولة فلسطينية التي جاءت كتلويح بعقاب رمزي لإسرائيل. لم تعد مظلة الدعم تلقائية، وصار للعدالة عضلات تشهرها إنجازات رمزية في ميادين القرار.
الدولة العميقة هنا تقف مثل حارس عجوز على بوابة الحلم، لا تهتز لموجة احتجاجات ولا تنتشي بخطاب انتخابي. تمتلك هذه الدولة آليات امتصاص الصدمات وتهميش كل أصوات الخارجين عن النص، وتحويل التغيير إلى مناسبة فولكلورية عابرة دون مساس بأعصاب المصالح المتجذرة. الفرق بين ممداني اليوم وأوباما بالأمس يكمن في الأجندة؛ فالأول يتكئ على حركة شعبية منظمة من الاشتراكيين الديمقراطيين، ويتبنى سياسات جذرية في الإسكان والصحة، ويحاول تشكيل نموذج يساري قابل للتكرار في مدن أخرى. أما أوباما فظل رهانه على كاريزما فردية وتحالفات فضفاضة خذلها الواقع الصلد في مواجهة لوبي المال والسلاح.
التغيير ليس حتمياً ولا مضموناً. ولعل أخطر سذاجة هي الاعتقاد أن مجرد وصول مسؤولين مهاجرين أو مسلمي الهوية إلى سدة القرار يكفي لهدم جدران الدولة العميقة أو فتح أفق العدالة دفعة واحدة. إنما هو اختبار مستمر للقدرة على تحويل الرمزية إلى فعل، وعلى إعادة تعريف الولاء في مجتمع لا يتخلى بسهولة عن تاريخه التقليدي.
نعم، قادم الأيام يحمل بذور تغيير حقيقي، إذا تبع فوز ممداني وهاشمي حراك شعبي متواصل وضغط جماهيري يفرض المحاسبة ويحول الإنجاز الرمزي إلى سياسات ملموسة؛ عندها فقط يصبح القادم أجمل. أما إذا توقف الحلم عند حدود الصورة، وعادت الطاحونة القديمة لدورانها المعتاد، فلن يكون يومنا سوى تكرار جديد لشبح أوباما... حيث يولد الأمل في النهار ويقتله بؤس المساء.



#ناضل_حسنين (هاشتاغ)       Nadel_Hasanain#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحكومة الإسرائيلية على حافة السقوط
- هكذا يتبخر التضامن العالمي مع غزة
- نتيجة الحرب تقاس بحجم الخسارة
- حين تتحول جائزة نوبل إلى تهمة
- حتى التنهيدة باتت جريمة أمنية
- قراءة بعيون فلسطينية لخطة ترامب لوقف الحرب
- كولومبيا تصرخ... والعرب يبتلعون ألسنتهم
- عقوبات المستوطنين: تبرئة الدولة وتجاهل جوهر المشكلة
- مثقفون بسقف واطئ
- أهو دعاء أم عتاب لطيف؟
- العالم العربي: طفل تصفعه اسرائيل متى غضبت
- الحضارة بين الإنتاج والحضانة
- أمة بلا سؤال.. أمة بلا مستقبل
- كيف يصوت الناخب العربي في إسرائيل ولماذا؟
- راحة الإعتراف أمام الغرباء..
- نسير إلى الأمام وعيوننا نحو الخلف
- أخلاق بلا وحي
- غزة: مقبرة الصحافة وصمت العالم
- تحليل: العالم يعيد كتابة الرواية
- ما وراء نوايا احتلال مدينة غزة


المزيد.....




- ممداني يرد على انتقاد خطاب حملته بشأن غزة: -آخذ معاداة السام ...
- ممداني يحقق فوزاً لافتاً، لكن ما التحديات الحقيقية التي تنتظ ...
- كيف تخبرنا فضلات الأطفال حديثي الولادة عن صحتهم في المستقبل؟ ...
- بعد تصريحات ترامب.. بوتين: روسيا ستفكر في استئناف التجارب ال ...
- سوريا: إسرائيل تجدد توغلها في بلدة جباتا الخشب بريف القنيطرة ...
- مشاركة عزاء للرفيق الدكتور خلدون الجعافرة بوفاة والدته
- من الشفرات إلى البطارية.. دليلك لاختيار ماكينة الحلاقة الرجا ...
- هل يعني إعلان الحكومة السودانية للتعبئة رفضها للهدنة الإنسان ...
- كيف يؤثر سقوط الفاشر على مستقبل الحرب في السودان؟
- تسلُّم جثامين 15 أسيرا فلسطينيا من الاحتلال الإسرائيلي


المزيد.....

- اليسار بين التراجع والصعود.. الأسباب والتحديات / رشيد غويلب
- قراءة ماركس لنمط الإنتاج الآسيوي وأشكال الملكية في الهند / زهير الخويلدي
- مشاركة الأحزاب الشيوعية في الحكومة: طريقة لخروج الرأسمالية م ... / دلير زنكنة
- عشتار الفصول:14000 قراءات في اللغة العربية والمسيحيون العرب ... / اسحق قومي
- الديمقراطية الغربية من الداخل / دلير زنكنة
- يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال ... / رشيد غويلب
- من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها ... / الحزب الشيوعي اليوناني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - ناضل حسنين - صوت ممداني يطرق جدران الدولة العميقة