أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد العبيدي - مَن ينقذ الله من الجهل














المزيد.....

مَن ينقذ الله من الجهل


سعد العبيدي

الحوار المتمدن-العدد: 8516 - 2025 / 11 / 4 - 20:48
المحور: الادب والفن
    


في مقهى حسن عجمي ببغداد، يجلس صلاح مع صديقه حسيب عند طاولةٍ مائلةٍ قرب النافذة المطلة على شارع الرشيد، حيث تتكئ الذاكرة على جدرانٍ تقشّرَ طلاءها من فرط الخيبة. رائحة البنّ المحروق تختلط بأحاديثٍ متقطّعةٍ عن السياسة والغلاء والبلاد التي هرمت من فرط التجهيل، فيما تتناوب أحجار الدومينو على الطاولة كأنها تطرق على جدار وطنٍ مغلقٍ بإحكام.
يُوزّع حسيب القطع على الطاولة بحذرٍ مدروس، فيرفع صلاح كفَّه فجأة، يحدّق في الشاشة المعلّقة على الجدار، وبصوتٍ متحمّسٍ يقول:
- دقيقة...مدير البستنة والغابات على الهواء، يتحدث عن التصحّر والجفاف! وبابتسامةٍ ساخرةٍ تغلفها نغمةُ الجدّ المُرهَق، يضيف:
- يقولون عنده رؤية وطنيّة ستجعل العراق أكثر خضرة من سويسرا.
يُحدّق الجالسون في الشاشة المعلّقة فوق الرؤوس. يظهر المدير ببدلة رمادية وربطة عنق خضراء تشبه خضرة البلاد المفقودة. تتحدث المذيعة بنبرةٍ متحمّسةٍ عن أزمة المياه، عن الأراضي التي ماتت عطشًا، عن الفرات الذي تراجع حتى صار نهرًا على الورق.
يهزّ المدير رأسه بثقةٍ من يعرف كل شيء، وبارتياحٍ مدهش يقول:
- ليجف الفرات، فالإمارات ليست أحسن منّا، لا يمتلكون أنهارًا ولا مياه جوفية!
يسود المقهى صمتٌ ثقيل، حتى النادل الذي كان يلمّ أقداح الشاي الفارغة توقّف لحظة، نظر نحو الشاشة، وأدار وجهته صوب صلاح، ليهمس بلهجةٍ بغداديةٍ أنيقة:
- هذا يحچي صدگ؟
تعالت ضحكةٌ من الطاولة المجاورة، قال أحدهم وهو يلوّح بسيجارته كمن يشرح نظريّةً علميّةً:
- حقًّا... ليجفّ الفرات! فالماء، كما يبدو، صار عدوّ التقدّم في هذه البلاد!
ردّ آخر، وهو يدفع نظّارته على أرنبة أنفه، بابتسامةٍ ماكرة:
ــ بل حين يجفّ النهر، نكسب أرضًا جديدة نوزّعها قطعًا سكنيّةً على المناضلين التقاة!
تتابعت ضحكاتٌ قصيرة، ثم ساد صمتٌ ثقيل، كأنّ السخرية وحدها صارت لغة الدفاع الأخيرة عن وطنٍ يشرب الملح، وينتظر المطر من شاشة التلفاز.
تواصل المذيعة اللبقة حديثها بصبرٍ أنيق، تسأله عن الخطوات العملية، عن رؤياه كمسؤولٍ في مواجهة الجفاف، فيبتسم بثقةِ تفوق المعتاد، يطوف بها في فضاءٍ مبهمٍ من التيه، قائلاً:
ــ هناك مائة ألف حلٍّ في الأفق.
تكرّر المذيعة السؤال، هذه المرة بصوتٍ يحمل رجاءَ الناس في المزارع وعلى ضفاف الأنهر الناشفة:
ــ سيدي، نريد حلًّا واحدًا فقط... شيئًا عمليا قابلا للتطبيق.
يميل الى الأمام بتعال، يصلح ربطة عنقه، ويقول كمن يعلن اكتشافًا علميًا فريدا:
- الحل في صلاة الاستسقاء، وتكثيف الدعاء.
تتّسع عينا المذيعة دهشةً، تكاد تضحك قبل أن تتذكّر أنها على الهواء.
وفي المقهى، تنفجر موجةٌ من الضحك، تمتزج بتعليقاتٍ لاذعةٍ وشتائم مكتومة، كأنها تطلق من زمنٍ منسيّ. يقول أحد الجالسين بصوتٍ عالٍ:
- إنه لا يُلام. من يلام ذاك الذي أوصله إلى الكرسي! فيردّ آخر بحسرة:
- وأكثر من يلام أولئك الذين انتخبوا من أتى به... هم أصل الحكاية!
يسود صمتٌ قصير، تتبعه تنهيدةٌ جماعية، كأنَّ الضحك في البلاد لم يعد سوى طريقةٍ أنيقةٍ للبكاء المؤجَّل.
يهزّ حسيب رأسه بأسى، يمسح العرق عن جبينه، ثم يعيد ترتيب أحجار الدومينو كمن يحاول ترميم خرابٍ لا يُرمَّم، وبصوتٍ مبحوحٍ يقول: نلعب؟
يأخذ صلاح حصّته من الأحجار، يتأمّلها طويلاً، ثم يهمس بابتسامةٍ ساخرة:
ــ لنلعب... فالقواعد واحدة، والطاولات كثيرة، واللاعبون هم أنفسهم، وكذلك المقاعد والتخوت. يُمعن النظر في الأحجار البيضاء المصطفّة أمامه، كأنها خارطةُ بلدٍ يُعاد ترتيبها كلَّ أربع سنوات لتواصل غفوتها.
يغوص بعيدًا في التفكير، حتى يفاجئه صوتُ حجرٍ يرتطم بخشب الطاولة، يتبعه صياح لاعبٍ في الجوار:
ــ قفلت!
يرفع رأسه نحو الصوت، فيجيبه آخرُ من طاولةٍ أخرى: نعم... هكذا هو الحال.
***



#سعد_العبيدي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في بلاد تدفن الأحياء على أقساط
- حين علمتنا سارة
- بصمات وطن انهكته القسوة
- فك ضيق المحتاج
- شظايا وطن: تقرير الحالة المعنوية
- السيد جبار
- من دفاتر الحرب: صولة رجل واحد
- عبد الرزاق النايف: رحلة من القصر الى القبر
- امرأة في حضرة الظل
- من غزة إلى قطر… سقوط خطاب الإبراهيمية
- حين يضحك الوزير
- سجن يبيع الحياة
- في بريد الوزير
- عروس التاسعة
- الانتخابات العراقية: حين تتحول صناديق الاقتراع إلى أداة مقاو ...
- عندما يرفع القبو
- من الأديرة إلى المصانع… حكاية شراب مثير للجدل
- من أطلال الحرب إلى أيقونة السياحة… حكاية قلعة بامبرة
- بين إنجلترا واسكتلندا: قرية تزهر بالحب والهروب
- مدينتان على ضفتي التاريخ: ليدز ويورك


المزيد.....




- عدي رشيد يدخل هوليوود بفيلم يروي حكاية طبيب عراقي
- مهرجان مراكش الدولي للفيلم يكرم أربع شخصيات بارزة في عالم ال ...
- -العملاق- يفتتح الدورة الخامسة من مهرجان البحر الأحمر السينم ...
- منصور أبو شقرا... مسيرة شعرية وثقافية تتجسد في إصدار مجموعته ...
- نردين أبو نبعة: الكتابة المقاومة جبهة للوعي في مواجهة السردي ...
- مصر: نقيب الممثلين ينفي فتح تحقيق مع عباس أبو الحسن بعد تصري ...
- جدل بعد بث أغنية أم كلثوم عبر أثير إذاعة القرآن الكريم المصر ...
- أشبه بالأفلام.. سيدة تُقل شرطيًا بسيارتها لملاحقة سارقة متجر ...
- -البيت الفارغ- والملاحم العائلية يمنحان الفرنسي لوران موفيني ...
- المهرجان الدولي للفيلم بمراكش يكرّم جودي فوستر وحسين فهمي


المزيد.....

- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش
- مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز. ... / السيد حافظ
- إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- بيبي أمّ الجواريب الطويلة / استريد ليندجرين- ترجمة حميد كشكولي
- قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي / كارين بوي
- ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا / د. خالد زغريت
- الممالك السبع / محمد عبد المرضي منصور


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد العبيدي - مَن ينقذ الله من الجهل