سمير خطيب
الحوار المتمدن-العدد: 8517 - 2025 / 11 / 5 - 08:23
المحور:
الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني
كان الليل يهبط ببطء على القرية، والريح الباردة تمسح بقايا الغبار عن الشرفات وحيطان البيوت . جلس الحاج علي أمام دكانه الصغير، يرقّع شبكة صيد مهترئة بيدين أضعفهما العمر، لكن في عينيه بقي ذلك البريق الذي لا يشيخ.
في الجهة المقابلة، توقّف فتى في السادسة عشرة، اسمه عاصم، يحمل حجراً في يده، وعيناه تتابعان عربة عسكرية إسرائيلية في الأفق. همس بلهفة:
"لو اجتمع شباب الحارة، نستطيع أن نوقفهم بأحجارنا ."
رفع الحاج محمود رأسه قليلا، ابتسم ابتسامة صغيرة، وقال بهدوء :
"الحجر الذي يُرمى بلا تدبير، كالماء الذي يُسكب على الرمل. ستخسر الماء ولن يرتوي الرمل"
قطّب عاصم حاجبيه:
"إذن! ما تقترح ؟ ننتظر؟! إلى متى؟ لقد مر عمركم وأنتم تنتظروا، فماذا جنيتم ؟ غير مزيد من الإحتلال والذل !!
أشار الحاج علي إلى شبكة الصيد بين يديه:
"انظر يا بني... الصياد لا يمدّ شباكه في الماء ساعة الغضب، بل ساعة يعرف أن السمك قريبٌ وأنه سيدخل بها حتما. الحكمة هي أن تعرف متى تُلقي الشبكة، والإرادة أن تظل تمسك بها حتى تمتلئ."
توقف للحظة، ثم أضاف:
"فالمقاومة الحقيقية لا تكمن في صخب الحجارة أو نار البنادق، بل في قوة الكلمة التي تزرع في النفوس الأمل، وفي صبر القلب الذي يصنع من الحكمة سلاحًا لا يُقهر."
نظر إليه عاصم ساكتًا، غاضبًا، ظلّ الصمت بينهما لحظة، لم يسمع خلالها إلا وقع الريح على الأبواب المعدنية. في البعيد، عبرت العربة دون أن تلتفت، وابتعد هديرها في صمت الليل.
نهض عاصم ببطء، وخبأ الحجر في جيبه، وقال:
"سأنتظر... لكن حين يحين الوقت، سأرميه حيث يجب."
ابتسم الحاج علي ثانية، وأعاد إصلاح عقدة في شبكته، وتمتم : "أن من لا يملك الإمكانيات الكافية للتحرر، يجب يملك ما هو أبقى: الحكمة التي تهدي الطريق ودقة حساب المخاطر، والإرادة التي لا تنكسر."
#سمير_خطيب (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟