أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سمير خطيب - لحن الحياة- قصة قصيرة














المزيد.....

لحن الحياة- قصة قصيرة


سمير خطيب

الحوار المتمدن-العدد: 8354 - 2025 / 5 / 26 - 18:51
المحور: الادب والفن
    


في غرفة تحتضن أثاثاً من ثلاثة عصور مختلفة، جلس مالك يتأمل كتاباً قديماً ورثه عن جده. كانت الساعة الخشبية العتيقة تدق بإيقاع رتيب، معلنة انقضاء لحظات أخرى من الزمن الذي لا يتوقف.
دخلت ابنته ليلى، بشعرها المصبوغ بألوان غريبة وأفكار متمردة تتصارع في رأسها.
"لو كنت تستمع إلى ما أقوله، لفهمت أن الحقيقة ليست ثابتة كما تظن"، قالت متنهدة وهي تجلس قبالته.
رفع مالك عينيه عن الكتاب. "وأنتِ لو نظرتِ إلى ما هو أبعد من لحظتك، لأدركتِ أن ما تسمينه حقيقتك ما هو إلا ماء عابر في نهر الوجود."
ضحكت ليلى ضحكة مرة. "هذا هو الفرق بيننا، أبي. أنت تؤمن بحقائق مطلقة، بينما أنا أرى العالم في حالة تشكّل دائم. لا يمكن للحقيقة أن تكون ثابتة في عالم متغير."
"المتغير هو السطح فقط يا ابنتي، أما الجوهر فثابت. مثل النهر الذي تتغير مياهه باستمرار، لكنه يبقى هو ذاته النهر."
"لكن النهر نفسه يتغير شكله مع الزمن، يحفر مجرى جديداً، ويترك القديم ليجف." صمتت للحظة ثم أضافت: "لا أحد يعبر النهر ذاته مرتين." وابتسمت لأنها ظنت أن جملتها الأخيرة حسمت النقاش .
ابتسم مالك: "وربما لا يتغير شيء حقاً، بل نحن من يتغير."
"وهذا هو جوهر صراعنا،" تمتمت ليلى، "أنت ترى الثبات، وأنا أرى التغيّر."
دخل الجد سليم الغرفة متكئاً على عصاه، وقد سمع آخر الحوار.
"وكلاكما يرى نصف الحقيقة فقط."
التفت الاثنان إليه باهتمام.
"الصراع بين الأجيال ليس صراعاً بين صواب وخطأ،" قال الجد وهو يجلس بينهما، "بل هو حوار دائم بين من عاش طويلاً ومن بدأ رحلته للتو. بين من يعرف الطريق، ومن يبحث عن طرق جديدة."
تأمل الكتاب في يد ابنه ثم أكمل: "الجيل القديم يحمل خبرة الأمس، والجيل الجديد يحمل أسئلة الغد. وما بينهما يتكوّن المعنى الحقيقي لحياة الإنسان."
"لكنكما تقاومان حركة العالم،" قالت ليلى بحدة.
هز الجد رأسه وقال بهدوء: "نحن لا نقاوم التغيير، بل نحاول أن نحفظ ما نظنه يستحق البقاء. مثلما تفعلين أنتِ حين ترفعين صوتك دفاعاً عن اختياراتك، فإنك تحمين ما تعتقدين أنه جوهرك." يلمح لرفع صوتها على أبيها وجدها .
صمتت ليلى بخجلٍ متفكرة، بينما استطرد الجد: "العلاقة بين الأجيال مثل حديث بين عاشقين يختلفان في اللغة لكن يشتركان في الشغف؛ من تصادم الأفكار تولد لحظة صدق، ومن تقاطع الرؤى يولد فهم أعمق. هكذا تمضي الحياة."
"تبدو وكأنك قرأت كثيراً"، ابتسمت ليلى.
"قرأت، وسمعت، وعشت. كل جيل يظن أنه أول من يفكر، وينسى أن من قبله مهّد له الطريق."
تلاشت ابتسامتها، وأطرقت مفكرة.
"لكن هذا لا يعني أنك لا تحملين شيئاً جديداً،" أضاف الجد بلطف. "فلو لم تختلف الأجيال، لما تغير شيء في العالم."
"إذن ماذا تقترح؟" سأل مالك، "كيف نخفف هذا التوتر المستمر بيننا؟"
تنهد الجد بعمق: "لا يمكن محوه، لأنه جزء من حياة البشر. لكن يمكن تحويله من جدار يفصلنا إلى جسر نعبره معاً."
"بأن نستمع لبعضنا؟" سألت ليلى بنبرة مازحة.
"بأن نُدرك أننا لسنا خصوماً، بل نغني لحناً واحداً بثلاثة أصوات. أنا نغمة الماضي، وأبوك إيقاع الحاضر، وأنتِ ترنيمة المستقبل. وعندما تمتزج هذه الأصوات، يولد لحن الحياة." قال الجد بهدوء
شعرت ليلى فجأة بغصة في حلقها، وقد أدركت للمرة الأولى أن جدها لن يبقى طويلاً ليعلّمها لغة هذا اللحن.
"أترين هذا الكتاب؟" أشار الجد إلى الكتاب في يد ابنه. "لم أقرأه، لكني كنت أستمع لجدي وهو يروي قصصه. وأبوك لم يكن يصغي لي كثيراً، لكنه الآن يقرأ. وأنتِ تكتبين قصصاً جديدة ستقرؤها عقول لم تولد بعد."
وقف الجد ببطء، مستنداً على عصاه.
"الاختلاف بين الأجيال ليس مشكلة يجب حلها، بل قصة يجب أن تُروى. كيف يحمل كل جيل ما يراه جوهرياً، ويتخلى عما لم يعد صالحاً. كيف يبقى الجوهر حيًّا في وجه كل ما يتغير."
غادر الجد الغرفة، تاركاً خلفه صمتاً مفعماً بالتفكر. بعد لحظات، رفعت ليلى رأسها ونظرت إلى والدها.
"هل يمكنني أن ألقي نظرة على ذلك الكتاب؟"
ابتسم مالك، وهو يمد يده بالكتاب نحوها. "بشرط أن تعلميني كيف استعمل السماعات الصغيرة حتى استطيع أن أستمع لبعض الموسيقى التي أحبها بدون أن أزعجكم."
وبينما تبادلا الكتاب والسماعات، استمرت الساعة العتيقة في دقاتها، شاهدة على لحظة تصالح مؤقتة في الصراع الأبدي بين زمنين.



#سمير_خطيب (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قناع الليبرالية وذراع الصهيونية: بين دم الحقيقة , خجل الخطاب ...
- فَاطِمَةُ وَالْمِفْتَاحُ الْخَالِدُ
- التراجع الاستراتيجي
- يوم الارض
- دورةُ الأسى ما بين غزَّة ومكَّة
- أيمن عودة يريد تغيير الواقع لا أن يحلله ويحتج عليه فقط| سمير ...
- 75 عاما على قيام اسرائيل ...أزمة سياسية أم ازمة هوية وجودية ...
- التاريخ الزائف: ملاحظات حول كتاب -الحزب الشيوعي الإسرائيلي و ...
- في الذكرى ال- 104 لإنطلاقة ثورة أكتوبر الإشتراكية
- لوحة بانورامية
- لماذا أنا شيوعي؟
- إِلهِي، إِلهِي، لِمَاذَا تَرَكْتَنِي، بَعِيدًا عَنْ خَلاَصِي ...
- في الطريق إلى قرار التقسيم!!
- أردوغان وماكرون.. تصدير مشاكل داخلية بواسطة استغلال الدين
- نعم ل -المراجعة- ... ونعم ل -التراجع-
- جدارية السنديانة الشيوعية
- لوليتا وليليت/ث... وغوص في بحر الأدب والميثولوجيا
- يوم الأسير الفلسطيني
- إلى أين ذاهبون ؟
- الحزب الشيوعي الإسرائيلي ومشروع ابتعاث الطلاب للدراسة الاكاد ...


المزيد.....




- أنقذتهم الصلاة .. كيف صمد المسلون السود في ليل أميركا المظلم ...
- جواد غلوم: الشاعر وأعباؤه
- -الجونة السينمائي- يحتفي بـ 50 سنة يسرا ومئوية يوسف شاهين.. ...
- ?دابة الأرض حين تتكلم اللغة بما تنطق الارض… قراءة في رواية ...
- برمجيات بفلسفة إنسانية.. كيف تمردت -بيز كامب- على ثقافة وادي ...
- خاطرة.. معجزة القدر
- مهرجان الجونة يحتضن الفيلم الوثائقي -ويبقى الأمل- الذي يجسد ...
- في روايته الفائزة بكتارا.. الرقيمي يحكي عن الحرب التي تئد ال ...
- في سويسرا متعددة اللغات... التعليم ثنائي اللغة ليس القاعدة  ...
- كيت بلانشيت تتذكر انطلاقتها من مصر في فيلم -كابوريا- من بطول ...


المزيد.....

- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- بيبي أمّ الجواريب الطويلة / استريد ليندجرين- ترجمة حميد كشكولي
- قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي / كارين بوي
- ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا / د. خالد زغريت
- الممالك السبع / محمد عبد المرضي منصور
- الذين لا يحتفلون كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- شهريار / كمال التاغوتي
- مختارات عالمية من القصة القصيرة جدا / حسين جداونه
- شهريار / كمال التاغوتي
- فرس تتعثر بظلال الغيوم / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سمير خطيب - لحن الحياة- قصة قصيرة