أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سمير خطيب - اليوم الثامن - قصة تأملية فلسفية














المزيد.....

اليوم الثامن - قصة تأملية فلسفية


سمير خطيب

الحوار المتمدن-العدد: 8356 - 2025 / 5 / 28 - 15:21
المحور: الادب والفن
    


في مدينة تلتهم ساعاتها أرواح ساكنيها ، حيث تتسارع الأنفاس وتتشابك المواعيد، عاش "جلال" في قفص المواعيد ، محام كرس حياته للدفاع عن المظلومين ,مهنة يحبها ويعتاش منها ولم يكن على استعداد لتضييع ساعة من عمله إلا إذا لزم الأمر ..وما أكثر ما يلزم الأمر !!... لم يكن مكتبه هو ميدانه الوحيد؛ فنهاره كان حافلاً بالمحاكم والقضايا الجديدة، وما بين ذلك يجد وقتاً لكتابة تغريدات عن الأحداث الآنية المتسارعة، وقراءة مكثفة تشبع نهمه للمعرفة. كان متابعاً نهماً للأخبار، يحللها ساعة بساعة، مما جعله أحيانا ضيفاً في البرامج الحوارية. لا يكاد يغيب عن مناسبة سياسية أو اجتماعية، إلا وتجده حاضراً، يشارك الناس أفراحهم وأتراحهم، مستمعاً وناصحاً, مساءً يحارب الفوضى بالكلمات، وليلاً حالم يرسم مشروعًا لمحاربة قبضة الواقع المرير، ويخطط لمشروعه الخاص الذي لا يكتمل، ويردد كلمات عمر الخيام :" فما أطال النوم عمرا ولا قصر في الأعمار طول السهر ".
لكن الزمن، ذلك الخيط الخفي الذي ينسج الحياة، كان عدوّه الأبدي. كل دقيقة تمرّ كانت كطيّة في كتاب وجوده، تُغلق على فرصة أو لحظة لم تُعاش..
هذا الإيقاع المحموم بدأ يلقي بظلاله على جلال. شعر أن الأيام السبعة تضيق به، وأن ساعاته تتسرب كحبات رمل من بين أصابعه. كان الوقت عدوه اللدود، يطارده في صحوه ومنامه.
في ليلة شتوية قارسة، وبعد يوم طويل امتد من دوامه الصباحي إلى مشاركة في نشاط سياسي ، مروراً بزيارات اجتماعية عدة، جلس جلال في مكتبه، يحدّق في تقويمه المزدحم كخريطة لمدينة لا تعرف النوم. الإرهاق يعتصره، وصوت دقات الساعة يتردد في أذنيه كقرع طبول لا يرحم. تمتم بصوت خافت كأنه يناجي نفسه: "سبعة أيام لم تعد تكفيني... أحتاج يوماً ثامناً، يوماً خارج هذا السباق وهذا الزمن، يوماً لا يعترف به أحد سواي."
وهكذا، من رحم الإرهاق، وُلدت فكرة "اليوم الثامن". لم يكن اختراعاً تقنياً أو تغييراً في نظام الكون، بل كان ملاذاً فكرياً، فسحة روحية ابتدعها لنفسه وسماها "فراغ". هذا "الفراغ" لم يكن يوماً يُضاف إلى التقويم، ولا ساعة تُقتطع من عمل. كان حالة ذهنية، قراراً واعياً بالانفصال المؤقت عن كل ما هو مُلزم.
في "فراغ"، كان "جلال" يخلع عباءة المحامي والناشط الاجتماعي والسياسي والأب والصديق . كان يقرأ كتباً لا علاقة لها بمجاله، يقرأ لمجرد متعة القراءة بلا هدف بحثي أو مقال قادم. كان يمشي في شوارع المدينة بلا وجهة محددة، متأملاً وجوه المارة وتفاصيل الحياة اليومية التي يغفل عنها عادةً في زحمة انشغالاته. أحياناً، كان يكتفي بالجلوس في شرفته، ينظر إلى السماء ويترك لأفكاره العنان لتسبح بحرية، منصتاً إلى صمت روحه بعيداً عن ضجيج العالم الخارجي ومطالبه التي لا تنتهي.
مع مرور الشهور، بدأ المحيطون بجلال يلاحظون تغييراً. صديقه، قال له ذات مرة: "يا جلال، كيف تستطيع أن توفق بين كل هذه الالتزامات وتبدو دائماً بهذا الحضور والهدوء؟ يبدو أنك لا تتعب أبداً! إحذر ستنهار يوما ما! "
ابتسم جلال ابتسامة غامضة تحمل في طياتها سراً عميقاً وأجاب: "لأني، يا صديقي ، أعيش في ثمانية أيام، بينما العالم يعيش في سبعة."
لم يفهم الكثيرون مقصده. البعض ظن أنه يمزح، والبعض الآخر اعتبرها مجرد عبارة فلسفية مقتبسة أو لعبة بالكلمات. لكن جلال، في قرارة نفسه، كان يعرف الحقيقة. لقد اكتشف أن "اليوم الثامن" لم يكن إضافة للزمن بقدر ما كان خروجاً منه، هروباً مؤقتاً يسمح له بإعادة شحن طاقاته وتجديد روحه. لم يعد يبحث عن وقت إضافي في يومه، بل عن تلك اللحظات الثمينة التي ينسى فيها أن الوقت موجود أصلاً.
في "فراغ"، أدرك جلال أن أعظم انتصار على الزمن ليس في محاولة قهره بمزيد من العمل، بل في القدرة على تجاهله أحياناً، والعودة إلى الذات، إلى الجوهر البسيط للحياة. وأن هذا اليوم الثامن، هذا "الفراغ"، لم يكن يوماً إضافياً بقدر ما كان هو نفسه في أنقى صوره، بعيداً عن كل الأدوار والقوالب.
وذات مساء، وهو يتأمل انعكاس القمر على المياه في كأسه الذي بين يديه ، همس لنفسه: "ربما اليوم الثامن ليس يوماً على الإطلاق... بل هو المساحة التي أجد فيها ذاتي من جديد.



#سمير_خطيب (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- طائِرُ الفِينِيق الأَسِير... نَسْلُ الأَبَدِيَّة
- أيّوبُ القرنِ الواحدِ والعشرين
- لحن الحياة- قصة قصيرة
- قناع الليبرالية وذراع الصهيونية: بين دم الحقيقة , خجل الخطاب ...
- فَاطِمَةُ وَالْمِفْتَاحُ الْخَالِدُ
- التراجع الاستراتيجي
- يوم الارض
- دورةُ الأسى ما بين غزَّة ومكَّة
- أيمن عودة يريد تغيير الواقع لا أن يحلله ويحتج عليه فقط| سمير ...
- 75 عاما على قيام اسرائيل ...أزمة سياسية أم ازمة هوية وجودية ...
- التاريخ الزائف: ملاحظات حول كتاب -الحزب الشيوعي الإسرائيلي و ...
- في الذكرى ال- 104 لإنطلاقة ثورة أكتوبر الإشتراكية
- لوحة بانورامية
- لماذا أنا شيوعي؟
- إِلهِي، إِلهِي، لِمَاذَا تَرَكْتَنِي، بَعِيدًا عَنْ خَلاَصِي ...
- في الطريق إلى قرار التقسيم!!
- أردوغان وماكرون.. تصدير مشاكل داخلية بواسطة استغلال الدين
- نعم ل -المراجعة- ... ونعم ل -التراجع-
- جدارية السنديانة الشيوعية
- لوليتا وليليت/ث... وغوص في بحر الأدب والميثولوجيا


المزيد.....




- بعد تكرميه بجائزة الثقافة في مالمو 2025 - محمد قبلاوي ”صناعة ...
- هوليوود.. نهاية حلم صناعة السينما؟
- اكتشاف أثري تحت الركام.. ما مصير القرى الأثرية بعد سقوط نظام ...
- أعلام في الذاكرة.. حكايات شخصية مع رموز ثقافية عراقية وعربية
- -القسطنطينية- يفتتح الدورة السابعة لمهرجان -بايلوت- الروسي ( ...
- بيان رسمي بعد نزاع بين ملحن مصري وحسين الجسمي
- من غرناطة إلى تستور.. كيف أعاد الموريسكيون بناء حياتهم في شم ...
- مايك تايسون يتلقى عرضا مغريا للعودة إلى الحلبة ومواجهة أحد أ ...
- من غرناطة إلى تستور.. كيف أعاد الموريسكيون بناء حياتهم في شم ...
- فنانة وإعلامية مصرية شهيرة تعلن الصلح مع طبيب تجميل شوه وجهه ...


المزيد.....

- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سمير خطيب - اليوم الثامن - قصة تأملية فلسفية