سمير خطيب
الحوار المتمدن-العدد: 8426 - 2025 / 8 / 6 - 18:11
المحور:
القضية الفلسطينية
قارئة الفنجان☕️
كانت تجلس على قارعة الطريق
كشجرة زيتونٍ عتيقة، جذورها راسخةٌ في الإسفلت البارد... جلستُ في مقهى مقابل صغير
أتأمل وجهها المحفور بخطوط الزمن كخريطة طريق لم تُقرأ بعد.
كنت أنتظر صديقاً تأخر، لكن شيئاً في تلك المرأة شدّني إليها.
عمرها يتعدى الثمانين، كل عام
نقش حكاية على ملامحها. ثوبها الأسود الباهت يشبه حداداً دائماً، لكن عينيها تبرقان بضوء لم تطفئه العقود. صوتها يرتفع عبر ضجيج الشارع: "تعالوا لأقرأ لكم الفنجان! تعالوا لأدلكم على مستقبلكم! فقط بثمن ربطة خبز!"
الناس يتوافدون عليها كالعطاش،
ينصرفون والابتسامة تعلو وجوههم. فكرت: هل تبيع لهم الأمل؟ أم تعرف سراً لا نعرفه؟
هاتفي يرن. صديقي: "خمس
دقائق وأكون عندك." أبتسم بمرارة - خمس دقائق تعني نصف ساعة. إذا بها تنظر باتجاهي:
"أنت، أيها الجالس لوحدك، تعال واعرف مستقبلك!"
حملت فنجاني واتجهت نحوها.
خطواتي بطيئة، مترددة، كمن يقترب من حافة جرف. جلست مقابلها، عن قرب كانت أكثر تأثيراً.
"ماذا تريد أن تعرف؟" سألتني بصوت أجش.
أجبت بصراحة: "لا أهتم كثيراً للمستقبل الشخصي. رأيت الجميع يغادر طاولتك سعيداً، فجئت أبحث عن السعادة في قضيتنا."
"وما هي قضيتكم؟"
شعرت بشيء ينقبض في صدري:
"قضية الظلم المضاعف، ظلم الغريب وذوي القربى، قصة الجرح الذي لا يندمل، إنها قضية فلسطين."
أخذت الفنجان بحركة بطيئة،
كأنها تتسلم أمانة ثقيلة. تفحصته مرة تلو المرة، تنظر إلى البقايا السوداء كأنها تقرأ كتاباً مقدساً. الصمت يطول، وجهها يتغير تدريجياً.
أخيراً، رفعت رأسها وقالت بصوت
مختلف:
"أمامكم عشر سنين عجاف. حياتكم ستكون صعبة جداً. الاحتلال سيشتد، سيبنون جدراناً أعلى، وسيزرعون شوكاً في طرقكم. ستقاتلون بعضكم وتنسون المحتل الحقيقي. ستأكلون أحلامكم من الجوع، وستشربون دموعكم عوضاً عن الماء."
صوتها يرتجف: "ستولد أجيال
لا تعرف طعم الحرية، أطفال سيكبرون خلف الحواجز والأسوار وأحيانا في السجون. ستموت أشياء جميلة في قلوبكم."
"وبعدها ماذا؟" سألتها متحمساً، خطر ببالي قصة يوسف والسنوات العجاف التي أعقبتها
سنوات الرخاء!
نظرت إليّ نظرة طويلة، عيناها
تملآن بدموع لم تسقط. تنهدت تنهيدة عميقة:
"بعدها؟ بعدها..."
نظرت إلى الفنجان مرة أخيرة، ثم قالت بصوت مكسور:
"بعدها
بتتعودوا يا ابني."
#سمير_خطيب (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟