أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - سمبر خطيب - #رغيف_الخبز_في_غزة














المزيد.....

#رغيف_الخبز_في_غزة


سمبر خطيب

الحوار المتمدن-العدد: 8425 - 2025 / 8 / 5 - 01:49
المحور: حقوق الانسان
    


قصة قصيرة
✍️سمير الخطيب
استلقى حسين على تراب ما كان يومًا بيته، وقد التفّت حوله ظلال الليل كشال أسود ممزق. من بعيد، كان صدى القصف يتردد كرعد لا ينتهي، وغبار الخراب يملأ رئتيه. كانت معدته تئن كحيوان جريح، وأصابعه ترتعش من البرد والجوع الذي طال أسابيع. في هذه البقعة المحاصرة من الأرض، حيث تحولت الحياة إلى بقاء، أغمض عينيه، وفجأة... ظهر أمامه.
الرغيف.
لم يكن مجرد قطعة خبز، بل كان قصيدة مخبوزة بأيدي الآلهة. قشرته الذهبية تتوهج كشمس الصباح، مشققة بخطوط رفيعة تحكي حكايات الحنطة التي نمت تحت السماء الزرقاء. كان مستديرًا كقمر مكتمل، منتفخًا بكبرياء، يفوح منه عبق الأفران الساخنة ورائحة الحياة نفسها.
مدّ حسين يده المرتجفة، وعندما لمس سطحه، شعر بالدفء يسري في أوصاله. كانت القشرة قاسية قليلًا، تقاوم أصابعه بعناد لذيذ، ثم تستسلم بحنان. وعندما كسرها... آه! انبثق البخار الأبيض كأرواح طاهرة تصعد إلى السماء، وظهر اللب الأبيض الناعم، إسفنجي كغيوم الصيف، مليء بالثقوب الصغيرة التي تحبس أسرار العجين المختمر.
وضع قطعة على لسانه. طعم الأرض والماء والنار والهواء... العناصر الأربعة تذوب في فمه. كان حلوًا بحلاوة الحياة، مالحًا بملوحة العرق والتعب، معقدًا كالوجود نفسه. مضغ ببطء، وكل قضمة تفتح أبوابًا في روحه أُغلقت منذ أشهر.
رأى نفسه يجلس مع أطفال الحي حول رغيف واحد، يقسمونه بعدالة مقدسة، كل فتات له معنى، كل قطعة تحمل حكاية. تذكر خبز أمه الطازج الذي كان يملأ البيت برائحته كل صباح، قبل أن تصبح الذكريات كل ما تبقى من ذلك البيت. تخيل أن يغمس قطعًا منه في زيت الزيتون من أشجار قريته التي هجرت منها عائلته، يشاهد الذهب السائل يتغلغل في مساماته. حلم بأن يحشوه بالجبن الأبيض الطري، أو يرشه بالزعتر الأخضر من أرض لم يعد يستطيع الوصول إليها، أو يصنع منه فتاتًا يطعم به الأطفال الذين ينتظرون في طوابير الطعام التي لا تنتهي.
وفجأة، تحول الرغيف في حلمه إلى كل من فقدهم، إلى أصوات الأطفال التي صمتت، إلى أمه التي كانت تخبز وتنتظر عودته. صار الرغيف وطنًا صغيرًا يحمله في قلبه، بيتًا يمكن أن يُبنى من جديد، أملًا يقاوم كل شيء.
استيقظ حسين على صوت طائرات تحلق في السماء. كانت النجوم لا تزال مختبئة خلف الدخان الكثيف. نظر حوله، رأى وجوه أخرى تنام على التراب نفسه، عائلات تجمعت تحت السماء المفتوحة. لكن طعم الرغيف ما زال عالقًا في فمه، وللحظة، شعر بشبع يتجاوز الجسد.
ابتسم في الظلام. غدًا، سينضم إلى طابور الخبز مع الآخرين، سيحمل الدقيق إن وُجد، وسيقاسم ما يجده مع جيرانه. وحتى لو لم يجد شيئًا، سيحلم بالرغيف مرة أخرى من جديد. فأحيانًا، تكون الأحلام هي آخر ما يُحاصر، وأول ما يقاوم، والخبز، هو الوحيد الذي لا تستطيع القنابل أن تسرقه من القلوب.






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- اليونيسف تكشف حصيلة صادمة لأعداد الشهداء من الأطفال في غزة
- حماس: الاحتلال حول غزة إلى معسكر اعتقال أسوأ من معسكرات النا ...
- الأمم المتحدة: الناس يتضورون جوعا في غزة ولا بد من فتح كافة ...
- الأمم المتحدة: الناس يتضورون جوعا في غزة ولا بد من فتح كافة ...
- القناة 13 العبرية: وثائق تؤكد رفض نتنياهو مقترحات أمنية لإعا ...
- الرئيس الأيرلندي يدعو الأمم المتحدة لتفعيل الفصل السابع بحق ...
- الأمم المتحدة: 1500 شهيد من غزة منذ مايو وسط تصعيد الاحتلال ...
- الأمم المتحدة: 1500 شهيد مجوع بغزة منذ مايو
- حماس: الاحتلال حول غزة إلى معسكر اعتقال أسوأ من معسكرات النا ...
- أردوغان لـ ستارمر: الوضع الإنساني في غزة وصل إلى نقطة حرجة


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - سمبر خطيب - #رغيف_الخبز_في_غزة