أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - سمير خطيب - ما بين الميعاد والميلاد: ماتت العدالة














المزيد.....

ما بين الميعاد والميلاد: ماتت العدالة


سمير خطيب

الحوار المتمدن-العدد: 8517 - 2025 / 11 / 5 - 08:24
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


في زمنٍ تُباع فيه المواقف كما تُباع البضائع في أسواق البالي ، ينهض سؤال العدالة كأثرٍ بعد عين، كظلٍّ باهت على جدار لم يعد قائمًا، فبين "الميعاد" الذي زُرع في الأسطورة الصهيونية كأرضٍ موهومة، وبين "الميلاد" الذي وُلد على تراب فلسطين ليرمز إلى خلاص الإنسان، تتجلى المفارقة العظمى: أن الفلسطيني لا يبحث عن وطن لأنه يعرف وطنه، ولا ينحت هوية لأنه يحملها في لغته وذاكرته وتسير في دمه. أما الذي يبحث عن وطنٍ وهوية مصطنعة، فقد نال دولةً مدججة بالدعم والقوة، حتى أنها تمادت على الأمم التي صنعتها وأنشأتها .
هنا تتكشف المفارقة الفلسفية المحزنة : الهوية الأصيلة لا تحتاج إلى اعتراف، بينما الهوية المزيفة لا تقوم إلا باعترافات الآخرين وتأييدهم . من يملك الأرض حقًا يعيش مأساة النفي، ومن يفتقدها يُكافأ بدولة. وكأن التاريخ انقلب على رأسه، وأصبحت العدالة كلمةً يتيمة، تضيع بين سطور القرارات الأممية وبين صفقات القوى العظمى.
اقتراح ترامب الأخير ــ الذي يعيد صيغة الانتداب تحت مسمى "الحل" ــ ليس إلا محاولة لإفراغ الاعترافات الدولية بدولة فلسطين من مضمونها، حتى ولو كانت هذه الاعترافات لا تسمن ولا تقيم دولة، وكأن فلسطين تعود إلى ما قبل الميلاد السياسي، لتُدار كوكالة بلا شعب وبلا سيادة. الأنكى أن الموافقة العربية على مثل هذا الطرح تُعد شهادة دامغة على أن هذه الأنظمة ليست معنية لا بعدالة ولا بدولة فلسطينية، بل تسعى فقط إلى تثبيت مقاعدها في مشهد جيوسياسي هزلي، لأنها ذاتها هذه الدول التي استطاعت أن تسير الجيوش لمحاربة صدام وتسليح الارهابيين بالسلاح والمال ضد النظام السوري، وفجأة تصبح عاجزة واهنة عندما يتعلق الأمر بفلسطين. وللسخرية فإن أحد بنود المقترح الأمريكي لوقف الحرب على غزة "عدم قصف قطر مجددا" .
إن ما يُعرض على الفلسطيني اليوم تحت لافتة "صفقة" هو أبشع ابتذال للتاريخ: مبادلة الدولة بعدم الإبادة. أي أن يُمنح الفلسطيني حق الحياة مقابل التنازل عن حق الوطن. هذه ليست صفقة، بل إملاء استعمارياً يُراد له أن يكون ثوب الخلاص. إنه أحقر عرض شهدته البشرية، لأن جوهره اعترافٌ بأن الفلسطيني لا يستحق وطنًا، بل فقط هدنة مع موته.
العدالة هنا تموت مرتين: مرة حين تتحول "أرض الميعاد" إلى مبرر للاغتصاب، ومرة حين يُغتال "ميلاد المسيح الفلسطيني" في صمته الأبدي، فلا يُسمع صوته إلا صدى على جدران الكنائس المهجورة والشوارع المحاصرة. العدالة تموت حين يُصبح المعيار هو القوة لا الحق، وحين تُختزل حياة شعبٍ كاملٍ إلى بندٍ في مفاوضات لا تهدف إلا لشراء الوقت.
لكن الموت في الفلسفة ليس نهاية، بل لحظة انكشاف. موت العدالة يكشف زيف العالم الذي نعيش فيه، ويعيد إلينا السؤال الأول: هل يمكن أن يولد ميلادٌ جديد بعد كل هذا الخراب؟ الفلسطيني ــ كما علّمنا التاريخ ــ لا ينتظر اعترافات الخارج، ولا يطلب صكوك ميلاد من أممٍ متواطئة. ميلاده أبديّ، لأنه من تراب الأرض ومن دم ابنائها . وبين "الميعاد" المسروق و"الميلاد" الحقيقي، سيظل الفلسطيني شاهداً على أن العدالة وإن ماتت في أروقة السياسة، فإنها لا تموت في ضمير الإنسان، وتبقى الشعوب أنقى من حكامها ، وأبقى من كراسي السياسيين .



#سمير_خطيب (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لن تقاوموا⁉️
- أنشودة الشوق
- مُسافِرونَ في الحافِلةِ 480
- بين الكود والروح
- قارئة الفنجان
- على شفير الانفجار: هل بدأ العدّ التنازلي للحرب العالمية الثا ...
- في مأدبة الكاميرات‼️
- #رغيف_الخبز_في_غزة
- فلسطين… بوصلة التموضع في العالم المتعدد الأقطاب: هل تستطيع ا ...
- ))العقل بين الحصار والتحرر(( قراءة فلسطينية ماركسية لمشروع د ...
- اليوم الثامن - قصة تأملية فلسفية
- طائِرُ الفِينِيق الأَسِير... نَسْلُ الأَبَدِيَّة
- أيّوبُ القرنِ الواحدِ والعشرين
- لحن الحياة- قصة قصيرة
- قناع الليبرالية وذراع الصهيونية: بين دم الحقيقة , خجل الخطاب ...
- فَاطِمَةُ وَالْمِفْتَاحُ الْخَالِدُ
- التراجع الاستراتيجي
- يوم الارض
- دورةُ الأسى ما بين غزَّة ومكَّة
- أيمن عودة يريد تغيير الواقع لا أن يحلله ويحتج عليه فقط| سمير ...


المزيد.....




- -نيويورك سلّمت مفاتيحها لمؤيد لحماس-.. فوز زهران ممداني يشعل ...
- أوكرانيا تضرب مصفاة نفط في عمق روسيا.. شاهد لحظات الهجوم
- بعد تهديده بخفض التمويل.. ترامب يلمح إلى انفتاحه على مساعدة ...
- مصر..-المال السياسي- يثير جدلا مع اقتراب التصويت في انتخابات ...
- ما هو مؤتمر -كوب30-؟ وما أهميته على صعيد التغير المناخي؟
- -إما دفع الفدية أو الموت-: بي بي سي توثق شهادات -صادمة- من أ ...
- رحلة العودة تنتهي بمأساة: مصرع 30 شخصاً في حادث سير مروّع جن ...
- المكسيك: القبض على رجل تحرش بالرئيسة كلاوديا شينباوم أثناء ل ...
- بعد تعرضها للتحرش في الشارع - رئيسة المكسيك تقرر مقاضاة المع ...
- السورية راما دوجي.. -القوة الناعمة- خلف فوز زهران ممداني برئ ...


المزيد.....

- سبل تعاطي وتفاعل قوى اليسار في الوطن العربي مع الدين الإسلام ... / غازي الصوراني
- المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية / ياسين الحاج صالح
- قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي / رائد قاسم
- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - سمير خطيب - ما بين الميعاد والميلاد: ماتت العدالة