أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالله عطوي الطوالبة - مذكرات تشرشل















المزيد.....

مذكرات تشرشل


عبدالله عطوي الطوالبة
كاتب وباحث


الحوار المتمدن-العدد: 8507 - 2025 / 10 / 26 - 13:40
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


بمعزلٍ عن الصور النمطية المترسخة في أذهاننا عن بريطانيا، ونحن محقون الى حد كبير، الا أن قراءة مذكرات شخصية تاريخية بوزن تشرشل تقدم للباحث اجابات عن سؤال، كيف أصبحت الدول العظمى على ما هي عليه؟
هنا، نأتي الى الثقافة وأنماط التفكير، وبها تنماز الأمم، ومن غيرها تتميز.
يتحدث صاحب المذكرات عن جبروت هتلر وجنونه وقوة المانيا بقيادته، وعدوانيتها. فقد بدا تشرشل مذهولا، بل ومرعوبا، من سرعة تمدد ألمانيا في أوروبا، بعد اشعالها الحرب العالمية الثانية عام 1939. غزت جحافل الألمان، بلجيكا وتشيكوسلوفاكيا وبولندا وبلغاريا وغيرها من دول أوروبا بسهولة. فرنسا لم تحتمل أكثر من ستة أسابيع، أمام الزحف الهتلري.
أما بريطانيا، فلطالما كانت أسراب الطيران الألماني تغطي سماواتها، وتقصفها من دون رحمة، ملحقة بها أضرارا كبرى بالأرواح والمباني والبنى التحتية وبأسطولها البحري. ورغم قسوة الظروف وشراسة العدو وجبروته، استخدم القوم عقولهم ولجأوا الى التخطيط الهاديء الدقيق، اذ لا مجال للحدس والعواطف. لم يندبوا حظهم، ولم يوعزوا الى دور العبادة بأن تضرع للسماء كي تمحق هتلر وتسحقه، وأن تُرسل اليهم جنودا لا يروها تشتت شمل الألمان وتجعل بلادهم صعيدا زلقا. استنفروا كفاءاتهم العلمية ومصانعهم ومختبراتهم للعمل بالطاقات القصوى، لتنتج تكنولوجيا عسكرية متقدمة تواجه الآلة العسكرية الألمانية المرعبة وتوقفها، على الأقل، ريثما يتم تجميع الحلفاء وحشد قواهم لالحاق هزيمة بالعدو بالضربة القاضية، وهو ما حصل بالفعل.
يقدم تشرشل نفسه سياسيا بارعا، حيث يتجلى ذلك بتحالفه مع الاتحاد السوفييتي السابق ضد العدو المشترك، مع اقراره بأنه "أشد الناس كُرها للشيوعية وعداء لها"( ص 277 ).
في بدايات الحرب، يأخذ على الزعيم السوفييتي الشهير جوزيف ستالين ورفاقة في القيادة، "غفلتهم" عن الوحش النازي و"سماحهم له بأن يأخذهم على حين غرة". ويزيد في هذا السياق القول "بأن روسيا كانت شبه متواطئة مع هتلر وأن سحق الامبراطورية البريطانية في مصلحة روسيا السوفييتية". ولا يتوقف عند هذا الحد، اذ يتحدث صفحة 271 عما يسميه "تخاذل الحكومة السوفييتية عن مواجهة اجتياح المانيا لدول البلقان". لكن بعد اجتياز الدبابات الألمانية للحدود السوفيتية صباح 22 حزيران 1941، ينقلب تشرشل، فيعلن "ان هجوم هتلر على روسيا هجوم علينا جميعا، لأنه بعد روسيا سيهاجمنا، لعلمه أنه ما لم يقضي على بريطانيا، فلا معنى لكل انتصاراته". ويبدي تشرشل في صفحات عدة اعجابه الشديد بالمقاومة الباسلة، التي أبداها الروس في دفاعهم عن بلادهم". ويقدم شهادة للتاريخ، أن المقاومة الروسية هي التي حطمت قوة الجيوش الألمانية وأصابتها باصابات مميتة، كما أنزلت بالطاقات الحياتية للشعب الألماني ضربات قاصمة". ومع اعترافه بأن تحالف بريطانيا مع أعظم دولتين، هما روسيا وأميركا، ضد هتلر أضفى عليه الثقة بالنصر، الا أنه يعيد أسباب تحطيم جيوش هتلر الى أسباب عدة، أهمها: "قوة الحكومة السوفييتية، وصمود الشعب الروسي، والطاقة البشرية الهائلة من الاحتياطي، واتساع البلاد، وقسوة الشتاء الروسي". ونعتقد أنه أصاب الحقيقة في كبدها، بوصفه الروس في الصفحة الخامسة من الجزء الثاني بالشعب الجبار، مؤكدا أن هذا هو السبب الرئيس لحسم الحرب وتدمير جيوش هتلر وهزيمة ألمانيا النازية. وهذه حقيقة لمسها كل من تعامل مع الروس وعرفهم عن قرب، بحكم الدراسة هناك أو العمل. فالقوم طيبون وبسطاء أكثر مما يتهيأ للقاريء، لكنهم لا يتهاونون ولا يتوانون للحظة اذا تعرض وطنهم لخطر. الروح الوطنية لديهم عالية جدا، كما يتميز الروس بقدرات هائلة على التحمل والصبر، مهما قست الظروف.
بعد هزيمة المانيا النازية، لا يتردد تشرشل باستدعاء كراهيته للشيوعية، ويشرع بالتحريض ضد الاتحاد السوفييتي كما كان يحرض ضد هتلر وألمانيا النازية. فقد نحت تعبير "الستار الحديدي" في وصف الاتحاد السوفييتي والدول الاشتراكية.
أما نحن العرب، فقد أتى على ذكرنا هنا وهناك ك"ممتلكات" لبريطانيا وفرنسا، حتى بعد احتلال الألمان للثانية. الأمم القوية يذكرها تشرشل بأسمائها الصريحة، أما نحن فيذكرنا بأسماء بلداننا(مصر، سوريا، ليبيا...)، كملاعب للأقوياء المتصارعين وليس كلاعبين. ومما يبعث الأسى في النفس ويثير الغيظ، أننا ما نزال ملاعب للكبار، بعد مرور 76 عاما على انتهاء الحرب العالمية الثانية. وليت تشرشل توقف عند هذا الحد. ليته لم يقل ما قال عنا في الصفحتين قبل الصفحة الأخيرة في مذكراته الواقعة في جزءين و573 صفحة، خصصها بنسبة 99,8% لأحداث الحرب العالمية الثانية ومآسيها وتطوراتها حتى استسلام ألمانيا بلا قيد وبلا شرط. لنقلب الصفحة 291، ونتأمل في الصفحة 292 من الجزء الثاني، قوله :" كانت مشكلة فلسطين من أعقد المشكلات التي واجهتها بريطانيا في الشرق الأوسط...ولقد كنت منذ صدور وعد بلفور في عام 1917، من أخلص أنصار القضية الصهيونية ومؤيديها". هنا تتبدى نزعة الاستكبار والانكار المتغطرس في كاتب المذكرات. فالمشكلة الفلسطينية، التي يقول انها من أعقد ما واجهت بريطانيا من مشكلات، خلقتها بلاده باعترافه هو ولو بجزء من الحقيقة، باشارته الى وعد بلفور و"اخلاصه للقضية الصهيونية".
لم يتوقف المستر تشرشل عند هذا الحد، بل يتحدث بازدراء عن العرب، ويقلب الحقيقة بخصوص استعمار بلاده لبلداننا بكل ما ترتب على هذا الاستعمار من مصائب ما نزال نكتوي بتبعاتها حتى يوم الناس هذا. في الصفحة ذاتها (292 في الجزء الثاني) نقرأ :"لم أشعر قط أن البلاد العربية قد جنت منا الا العدل في معاملتها، فالعرب مدينون لبريطانيا ولبريطانيا وحدها في وجودهم كدول، فنحن خلقنا هذه الدول، فلقد دفعت الأموال البريطانية والمستشارون البريطانيون بها سريعا في طريق التقدم. وكانت الأسلحة البريطانية هي التي تتولى حمايتهم".
ورغم المرارة التي تنعقد في الحلق، خلال قراءة غطرسة واستكبار بهذا الحجم، الا ان صاحب المذكرات يصر على انهائها بصفعة قاسية الوقع على قارئه العربي، وبخاصة الذي يحترم نفسه. يؤكد المستر تشرشل في الصفحة عينها، أن "لهم عددا من الأصدقاء الأوفياء والشجعان في المنطقة". يذكر ثلاثة أسماء من "مؤسسي" بعض البلدان العربية. وفي موازاة ذلك، يدمغ هؤلاء "الأصدقاء الأوفياء والشجعان" بوصف يترفع القلم عن ذكره.



#عبدالله_عطوي_الطوالبة (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العلم والدين *
- ماذا وراء الأكَمَة؟!
- دولة المزرعة العربية !
- أين تجار الوطنية؟!
- ثورة البلقاء ومشروع الدولة الماجدية (1) الأحوال العامة في من ...
- الزرادشتية
- نظام التفاهة (5) والأخيرة تتفيه الإنسان والثقافة والصحافة وا ...
- ترامب بلا أخلاق ومجرد من القيم
- قمة وهم الحركة في شرم الشيخ
- تعاون عسكري عربي صهيوني !
- هكذا قيَّدوا العقل العربي وكبَّلوه !
- مبارك للدكتور ياغي، ولكن...!
- نحو مراجعة عقلانية لموروثنا
- نظام التفاهة (4) النقود غاية الغايات !
- العرب و-اسرائيل- في خندق واحد !
- لا بد من وعي جديد مختلف
- خطة ترامب لنحر السلام !
- نظام التفاهة (3) الملاذات الآمنة
- لنتأمل كيف ولماذا تقدموا وتخلفنا؟!!!
- بائع الأوهام دونالد ترامب !


المزيد.....




- وفاة الملكة الأم سيريكيت في تايلاند عن 93 سنة
- أميركا والصين تستبقان قمة ترمب- شي بمحادثات تجارية بناءة
- جورجيا تعتقل 3 صينيين حاولوا شراء كيلوغرامين من اليورانيوم
- استنكار واسع في تونس بعد تعليق نشاط -النساء الديمقراطيات-
- ليتوانيا تغلق مجددا مطار فيلنيوس وحدودها مع بيلاروس بسبب الم ...
- ليبيا تفتح مطار خليج سرت بعد غلقه 12 عاما
- كامالا هاريس تلمح إلى إمكان خوضها انتخابات الرئاسة مجددا
- بوتين يعلن نجاح تجربة لصاروخ -كروز- بالدفع النووي
- ترمب يبدأ جولة آسيوية بصفقات تجارية قبل زيارة الصين
- توقيف طالب لجوء -متحرش- في بريطانيا بعد إطلاق سراحه بالخطأ


المزيد.....

- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي
- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالله عطوي الطوالبة - مذكرات تشرشل