أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - الأحواز… نبيّ العطش المنسي














المزيد.....

الأحواز… نبيّ العطش المنسي


حامد الضبياني

الحوار المتمدن-العدد: 8507 - 2025 / 10 / 26 - 09:47
المحور: قضايا ثقافية
    


في الجنوب الذي تتعرّق فيه الشمس من شدّة الحرّ، هناك أرضٌ تُدعى الأحواز، تختبئ كأنها جرحٌ قديم في خاصرة الأمة، جرحٌ لم يلتئم لأن أحدًا لم يمدّ يده بماء الحقيقة. هناك، حيث تتنفّس الأرض الغاز وتموت عطشًا، وحيث تُستخرج الثروة لتُدفن الكرامة، يعيش العرب كما لو أنهم خطأٌ مطبعيٌّ في كتابٍ فارسيٍّ قديم.إيران لا تحتلّ الأحواز بالسلاح فقط، بل بالعقيدة، وباللغة، وبالأسطورة التي تجعل الظلم عبادةً والاستعباد طاعةً، حتى صار العربيّ في الأحواز يُصلب على محراب الولاء لعمامةٍ لا تعرف الرحمة، وتُجلد هويّته باسم “المقاومة”. أيُّ مقاومةٍ تلك التي تُحيل النهر إلى مقبرة، والهواء إلى دخانٍ من حقدٍ صفويٍّ لا ينطفئ؟..المفارقة أن من يبكون على غزة، هم أنفسهم الذين يشنقون الأحواز، ومن يتحدثون عن المستضعفين في خطب الجمعة، هم الذين يسحقون الأطفال في شوارع المحمّرة والأهواز. إنهم يحتكرون الله كأنه إقطاعٌ دينيٌّ فارسيٌّ، يمنحون مفاتيح الجنة لمن يسجد للوليّ، ويغلقونها في وجه من يقول: أنا عربيٌّ. يرفعون شعار نصرة المستضعفين، وهم أنفسهم يصنعون المستضعفين ويبيعون دماءهم في مزاد المذهبية والجنون.
في الأحواز، الماء ممنوع لأنه عربيٌّ، والنخلة تُقتلع لأنها شاهدةٌ على عروبة الأرض، والمدرسة تُحرم من اللغة العربية كأن الحروف جريمة، وكأن “السلام عليكم” مؤامرةٌ على الجمهورية الإلهية. هناك يُعدَم الشبان في الأسواق وأمام الناس، كأنهم يُقدَّمون قرابين إلى آلهة الحقد التي تحكم من طهران. كل شيء هناك يُدار بلغة واحدة: لغة الإذلال باسم الله.أيُّ فقهٍ هذا الذي يجعل من الظلم فريضة؟ وأيُّ دينٍ هذا الذي يرى في دم العربي طريقًا إلى الجنة الفارسية؟ إنهم لا يمارسون الاحتلال فقط، بل يُعيدون اختراع القهر، يصوغونه بخطوط المذهب، ويعطرونه برائحة المسك الممزوجة بدماء الأبرياء، ثم يقولون: هذا قدر الله. بينما الله — في كتابه الذي لا يقرؤونه إلا بالأعجمية — يقول: «ولا تزر وازرة وزر أخرى.»العرب هناك يمشون حفاةً على ترابٍ يعرفهم أكثر من حكّامهم، ويصلّون في مساجد أُغلقت نوافذها خوفًا من الريح التي تتحدث بالعربية. إنهم باقون رغم الحصار، لأن العروبة ليست علمًا يُرفع، بل نبضًا يسكن العظام. أمّا العالم العربيّ، فيقف كالأعمى أمام المرآة، لا يرى إلا ما يريد أن يراه: شعارات، مؤتمرات، وبيانات لا تُسمن ولا تُوقظ ضميرًا.من المحيط إلى الخليج، لم تجرؤ دولةٌ عربية واحدة أن تقول بصوتٍ مرتجفٍ حتى: "كفى"، كأن الأحواز ليست في الجغرافيا العربية، وكأن الدم العربي هناك أرخص لأنه يُسفك بيدٍ تقول “يا حسين”.ويا للمفارقة! من يدّعي نصرة المظلومين في فلسطين، هو ذاته من يزرع الميليشيات في العراق وسوريا واليمن ولبنان، ويكتب على رايات الموت: المقاومة. مقاومةُ من؟ ولأجلِ من؟ وهل يمكن للقاتل أن يزعم أنه حارسُ العدالة؟..إنها مأساةٌ تُتقن السخرية من كل شيء: من الدين، ومن العروبة، ومن التاريخ نفسه. مأساةٌ تجعل الذئب واعظًا للحمل، وتحوّل الجريمة إلى بطولةٍ في نشرات الأخبار.الأحواز اليوم ليست مجرّد قضيةٍ سياسية، بل امتحانٌ أخلاقيٌّ لكل عربيٍّ ما زال يحتفظ ببقيةٍ من ضمير. لأن الصمت أمام الظلم ليس حيادًا، بل تواطؤٌ مُغلَّف بشعاراتٍ فارغة. وإن من يبرّر جرائم الفرس بحجة “المذهب” كمن يغسل السكين بماء الوضوء بعد أن ذبح بها الحقيقة.إن ما يجري هناك ليس صراعًا على النفط أو الأرض فحسب، بل على هوية الإنسان العربيّ نفسه، على لغته وصلاته ونخوته، على الذاكرة التي يريدون محوها بالدم.وفي النهاية، لا يحتاج العربيّ في الأحواز إلى بيانات التضامن، بل إلى أن نتوقف عن تصديق الكذبة التي تقول إن طهران تحمل راية المقاومة. إنها لا تقاوم إلا الإنسان.ولعل التاريخ حين يكتب فصوله الأخيرة، سيضع نقطةً واحدة تحت كل هذا الزيف، ويكتب بجانبها:
"هنا ماتت الحقيقة عطشًا… في أرضٍ كانت تُدعى الأحواز."



#حامد_الضبياني (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اجعلوني مرجعاً لأيام
- إعلان وفاة حي
- اليمن.. من مملكة سبأ إلى ظلال الطائفية: رحلة وطنٍ في مواجهة ...
- مواعيدُ عَرقوبٍ على مَائدةِ المتقاعدين.. فلسفةُ الوعود المؤج ...
- المسرح ككائن سيكولوجي: جدلية النصّ والفنّان والجمهور بين الخ ...
- العراق… مأساةٌ في هيئةِ انتخابات
- تخوم النفس والخيال: تأملات في السيكولوجيا الأدبية الفلسفية
- مارك سافايا… المبعوث الذي يوقظ جراح العراق بين الشك واليقين
- أمراء الظلال... وتجار النسب في سوق الوهم
- تُناجي الأطلالُ غريبَها
- الضعف المضيء
- العاشق الخائف من الرنين
- حديث الظلال.. في فلسفة الفتنة ومكر السلطان
- الآلة التي بكت في صمت الوجود
- لبنان.. مرآة الوجع العربي وسؤال الدولة الغائبة
- الذيولُ والبندقية: مهرجانُ الطوائف في بلادٍ لا تبرح أن تكون ...
- يا امرأةً تمشي على حرير الغواية
- الغيرة الشريفة... فلسفة النقاء في زمن الابتذال
- الشرق الأوسط بين إعادة التوازن وتفكيك النفوذ الإيراني
- في ذكرى المجزرة..مدرسة بلاط الشهداء وجريمة إيران


المزيد.....




- خيوط أولى في قضية سرقة متحف اللوفر في باريس.. إليكم التفاصيل ...
- السعودية: أول تصريحات لصالح الفوزان بعد تعيينه في منصبه عن م ...
- نتنياهو: إسرائيل ستحدد القوات الدولية التي لا نقبل بوجودها
- النواب الفرنسيون يستأنفون مناقشة الميزانية بعد رفض تجميد ضري ...
- تدريبات عسكرية أمريكية قبالة سواحل فنزويلا
- الخط الأصفر يحجز الفلسطينيين في خيامهم رغم وقف الحرب
- محاكمة -سريعة ومفاجئة- للمتهمين في قضية -التآمر 1- بتونس
- غريزة البقاء في الذكاء الاصطناعي تحير الخبراء
- أناتولي كاربوف.. أسطورة الشطرنج الروسي الذي تطارده العقوبات ...
- نتنياهو: نحن من سيحدد أي قوات دولية ستدخل غزة


المزيد.....

- الفاكهة الرجيمة في شعر أدونيس / د. خالد زغريت
- المفاعلة الجزمية لتحرير العقل العربي المعاق / اسم المبادرتين ... / أمين أحمد ثابت
- في مدى نظريات علم الجمال دراسات تطبيقية في الأدب العربي / د. خالد زغريت
- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت
- الكتابة بالياسمين الشامي دراسات في شعر غادة السمان / د. خالد زغريت
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - الأحواز… نبيّ العطش المنسي