أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - احمد صالح سلوم - بروكسل تُغضب التنين وتُطفئ فرن ألمانيا: كيف تحول الكرواسون إلى فتات!















المزيد.....

بروكسل تُغضب التنين وتُطفئ فرن ألمانيا: كيف تحول الكرواسون إلى فتات!


احمد صالح سلوم
شاعر و باحث في الشؤون الاقتصادية السياسية

(Ahmad Saloum)


الحوار المتمدن-العدد: 8507 - 2025 / 10 / 26 - 01:53
المحور: كتابات ساخرة
    


بروكسل – أهلاً بكم في الكازينو الأوروبي الكبير، حيث الرهان هو اقتصادكم والجوائز هي فواتير غاز بملايين اليورو. الخميس الماضي، وبعد أسابيع من الاجتماعات التي كانت أطول من حفل زفاف هندي، أعلن الاتحاد الأوروبي عن "الحزمة التاسعة عشرة" ضد روسيا. تسعة عشر! هذا الرقم يجعلك تظن أن بروكسل لديها اشتراك VIP في "عقوبات أمازون برايم": شحن مجاني كل شهر، تسليم فوري، لكن الزبون الروسي يفتح الصندوق ويجد بداخله... لا شيء سوى مذكرة تقول "نحن جادون هذه المرة".

الحزمة؟ حظر الغاز الروسي "تدريجياً" من 2027، لأننا نريد أن نعطي موسكو وقتاً كافياً لتحويل خطوط الأنابيب إلى أنابيب قش للعصير، أو ربما ليبنوا خط أنابيب جديد إلى القمر. ثم إضافة 45 كياناً إلى القائمة السوداء، 12 منها صينية، بما في ذلك مصفاتا نفط في هونغ كونغ. بروكسل تقول للصين: "أنتِ تساعدين روسيا في الالتفاف على العقوبات!" والصين ترد بابتسامة صفراء: "يا عيني، وأنتم تساعدون كييف بشراء أسلحة أمريكية بمليارات؟ طب اسكت، خليني أكمل أكل الدومبلينغ قبل ما أحول اقتصادكم إلى حساء".

وفي بكين، لم يضيعوا ثانية واحدة. وزارة التجارة أصدرت بياناً: "نحن مستاؤون جداً جداً جداً جداً". ترجمة حرفية: "سنحول حياتكم إلى فيلم رعب اقتصادي، لكن بدون موسيقى تصويرية، فقط صوت المصانع الألمانية وهي تُغلق". لم يحددوا الإجراءات بعد، لأن الصين تحب التشويق أكثر من أفلام هيتشكوك. ربما يوماً ما يستيقظ الأوروبيون ليجدوا أن كل سيارة ألمانية في الصين تحولت إلى لعبة "هوت ويلز" عملاقة، وكل زجاجة نبيذ فرنسي أصبحت زجاجة ماء غازي.

أما روسيا، فبوتين ظهر على التلفزيون مرتدياً قميص "العقوبات تجعلني أقوى"، وقال: "العقوبات؟ مجرد غبار على حذائي الرياضي. لدي الصين تشتري نفطي بأسعار مخفضة، والهند تشتري أسلحتي بأسعار مخفضة، وإيران ترسل لي درونز مجاناً، والبرازيل ترسل لي اللحم الحلال. ماذا لديكم أنتم؟ كرواسون وشكاوى من المزارعين الذين يحرقون الإطارات لأن الدجاج أغلى من البنزين؟ وأوكرانيا؟ حسناً، لديها أسلحة أمريكية، لكنها تنفد، وأنتم تدفعون الفاتورة".

لكن الضحية الكبرى، الضحية المأساوية، الضحية التي تستحق أوسكار أفضل ممثل في دور "الخاسر الأكبر"، هي ألمانيا. آه يا ألمانيا، يا بلد النقانق والسيارات التي تُصلح نفسها بنفسها، أنتِ الآن في موقف الطالب الذي نسي الامتحان النهائي ويحاول إقناع المعلم بأن "الكلب أكل الكتاب... والكتاب كان عن العقوبات... والكلب كان صينياً". الصين تهدد بتعريفات على مرسيدس وبي إم دبليو، وهذا يعني أن كل سيارة ألمانية في الصين ستصبح بقيمة شقة في ميونيخ... مع إطلالة على مكب نفايات، وجيران يشكون من الضجيج. مصنع في بافاريا يُغلق، والعمال يتظاهرون حاملين لافتات: "نريد الغاز، لا العقوبات!" والمستشار ميرز يقف أمام الكاميرات يقول: "نحن ندعم أوكرانيا"، بينما يتلقى رسالة واتساب من رئيس بي إم دبليو: "يا فريدريش، لو سمحت، خليني أبيع سيارة واحدة قبل ما أعلن إفلاسي؟ وإلا سأرسل لك فاتورة إصلاح السيارة الخاصة بك... باليوان".

في فرنسا، ماكرون ينظر إلى زجاجة نبيذ بوردو ويبكي دموعاً حمراء كأنها نبيذ رخيص. الصين قد تحظر النبيذ، وهذا يعني أن الفرنسيين سيضطرون لشرب... عصير برتقال؟ كارثة حضارية! مزارع العنب ستصبح ملاعب كرة قدم، والفرنسيون سيغنون النشيد الوطني بصوت حزين: "لا نبيذ، لا حياة، فقط ماء وكرواسون جاف". وماكرون يقول: "نحن أوروبا القوية"، بينما يتلقى مكالمة من مزارع في بوردو: "يا إيمانويل، لو سمحت، خليني أبيع زجاجة واحدة قبل ما أحرق مزرعتي؟"

إيطاليا؟ مصانع الجبن تُغلق، ومصممو الأزياء يبكون لأن الصينيين سيرتدون بدلاً من غوتشي... تيشيرتات مكتوب عليها "أنا أحب بوتين"، مصنوعة في مصنع صيني بـ 99 سنتاً. وإيطاليا تقول: "نحن أوروبا الثقافة"، بينما الجبن الإيطالي يصبح "جبن صيني" بطعم البلاستيك.

هولندا؟ ASML، الشركة التي تصنع آلات الرقائق، قد تُصبح مجرد متحف. تخيل: هولندا بدون ASML، كأنها هولندا بدون الخزامى... أو بدون الماء... أو بدون أي شيء سوى الجبن الهولندي الذي يذوب في الشمس. وهولندا تقول: "نحن أوروبا التكنولوجيا"، بينما الصين تضحك وتقول: "حسناً، سنصنع الرقائق بأنفسنا، ونبيعها لكم بضعف السعر".

أمريكا؟ ترامب يجلس في البيت الأبيض يأكل هامبرغر ويقول: "دعوهم يتقاتلون، أنا سأبيع الأسلحة للجميع". لكن إذا حظرت الصين المعادن النادرة، فإن تسلا ستتوقف، وبوينغ ستُغلق، وآبل ستضطر لبيع هواتف مصنوعة من علب تونة. وفجأة، سيصبح شعار "Make America Great Again" يعني "Make America Dig Again"، لأن الأمريكيين سيعودون للتعدين في الحدائق الخلفية باستخدام ملاعق... أو أسنان إيلون ماسك.

والآن، السؤال المليوني: من يضر أكثر؟ العقوبات الأوروبية على روسيا، أم الرد الصيني؟ الإجابة: العقوبات الأوروبية مثل لدغة ناموسة على ديناصور، بينما الرد الصيني مثل قنبلة نووية اقتصادية مصنوعة من دومبلينغ محشوة باليورانيوم. روسيا خسرت 20 في المئة من إيرادات النفط؟ لا بأس، الصين تشتري الباقي وتدفع باليوان... واليوان يبتسم ويقول: "شكراً على الخصم".

بروكسل تُؤجل مصادرة أرصدة البنك الروسي لأن بلجيكا تقول: "هذا سرقة!"، وألمانيا تقول: "لكنني أحتاج للغاز!"، وفرنسا تقول: "لكنني أحتاج للنبيذ!"، وبولندا تقول: "لكنني أحتاج للأسلحة الأمريكية!"، والمجر تقول: "أنا أحتاج للخروج من هذا الاجتماع!"، وفي النهاية، يجتمعون ويقررون... تأجيل القرار إلى ديسمبر، لأن "الشتاء قادم، ونحتاج للدفء... أو على الأقل للكرواسون الساخن".

بروكسل تُعلن عن "أوروبا الدفاعية"، وتُنشئ جيشاً أوروبياً. لكن الجيش سيتكون من: دبلوماسي فرنسي يحمل كرواسون، مهندس ألماني يحمل مفتاح ربط، مزارع إيطالي يحمل زجاجة نبيذ، ومزارع بولندي يحمل إطاراً محترقاً. وشعارهم: "نحن أقوياء... في الاجتماعات! وإذا هاجمنا أحد، سنرسل له كرواسون مسموم".

وفي الخلفية، بريكس يضحكون. الصين، روسيا، الهند، إيران، البرازيل... يجتمعون في قمة ويخططون لعملة مشتركة، ونظام دفع، وشبكة تجارية لا تحتاج إلى الدولار. وهم يقولون: "شكراً على العقوبات، لقد ساعدتنا في توحيد صفوفنا". بينما بروكسل تقول: "نحن أوروبا الوحدة"، والوحدة تتفكك مثل الكرواسون الجاف.

يا بروكسل، يا من بدأتِ الحرب، هل تتذكرين قصة "الصبي الذي صاح ذئب"؟ حسناً، أنتِ الصبي، والصين الذئب، وروسيا الدب، وألمانيا الخروف الذي يدفع الفاتورة، وفرنسا الدجاجة التي تبيض النبيذ، وإيطاليا القطة التي تلعق الجبن. والآن، التنين استيقظ، وهو جائع... جائع للسيارات، والنبيذ، والجبن، وربما حتى للكرواسون. حظاً سعيداً، ولا تنسوا إحضار المظلة... لأن المطر قادم، وهو مطر من اليوان الصيني، وفواتير الغاز، ودموع المزارعين!


………
المادة الجادة :

تصعيد العقوبات: اشعال أزمة مع الصين وتعميق انقسام أوروبا بقيادة ألمانيا

بروكسل – في صباح يوم الخميس 23 أكتوبر 2025، كانت قاعات البرلمان الأوروبي في بروكسل لا تزال تتردد أصداء المفاوضات الشاقة التي استمرت أسابيع، عندما أُعلن رسمياً عن اعتماد الحزمة التاسعة عشرة من العقوبات ضد روسيا. لم تكن هذه الحزمة مجرد إجراء روتيني آخر في سلسلة طويلة من الضغوط الغربية، بل كانت الأكثر شمولاً والأكثر استهدافاً للشرايين الحيوية في الاقتصاد الروسي، وفي الوقت نفسه، الأكثر جرأة في مواجهة الصين. فقد شملت الحظر التدريجي لاستيراد الغاز الطبيعي المسال الروسي، بدءاً من الأول من يناير 2027 للعقود طويلة الأجل، وخلال ستة أشهر للعقود القصيرة، بالإضافة إلى إدراج 45 كياناً جديداً في القائمة السوداء، من بينها 28 روسية و17 في دول ثالثة، 12 منها صينية، بما في ذلك مصفاتا نفط كبيرتان في هونغ كونغ وتاجر نفط بارز. كما استهدفت الحزمة "الأسطول الظل" الروسي بإضافة 557 سفينة إلى قائمة المحظورات، ومنعت استثمارات في المناطق الاقتصادية الروسية، وفرضت قيوداً على حركة الدبلوماسيين الروس لمنع التدخل في الانتخابات.

لكن الرسالة الحقيقية لم تكن موجهة إلى موسكو فقط، بل إلى بكين. لأول مرة، وضعت بروكسل الصين في مركز الاستهداف، واصفة إياها بأنها "العقدة المركزية" في شبكة الالتفاف على العقوبات، حيث أصبحت أكبر مشترٍ للنفط الروسي بمعدل 109 ملايين طن في 2024، وأكبر ممول غير مباشر للاقتصاد الحربي الروسي. وفي غضون ساعات، جاء الرد الصيني سريعاً وحاداً. أصدرت وزارة التجارة بياناً رسمياً أعربت فيه عن "استيائها الشديد"، ووصفت العقوبات بأنها "انتهاك صارخ لقواعد التجارة الدولية" و"تدخل سافر في العلاقات التجارية الشرعية بين الصين وروسيا". وأكد المتحدث باسم الوزارة أن بكين "ستتخذ جميع الإجراءات اللازمة لحماية حقوق ومصالح الشركات الصينية"، دون تحديد طبيعة هذه الإجراءات، لكن الرسالة كانت واضحة: الصين لن تسكت.

هذا التصعيد لم يأتِ من فراغ. فمنذ بداية الحرب في أوكرانيا، تحولت العلاقة بين الصين وروسيا من شراكة استراتيجية إلى تحالف شبه عسكري اقتصادي. روسيا، التي خسرت نحو 100 مليار دولار من إيرادات الطاقة منذ 2022، أصبحت تعتمد على الصين بنسبة تصل إلى 80 في المئة في تجاوز العقوبات، سواء عبر شراء النفط بأسعار مخفضة، أو تطوير شبكات دفع بديلة عن سويفت، أو تبادل التكنولوجيا العسكرية. وفي المقابل، وجدت الصين في روسيا مصدراً آمناً للطاقة بأسعار منخفضة، وشريكاً في مواجهة الهيمنة الأمريكية. الرئيس فلاديمير بوتين، الذي قلل من أهمية الحزمة الجديدة قائلاً إنها "لن تكسر روسيا"، أكد في الوقت نفسه على تعزيز التعاون مع الصين في مجالات الطاقة والدفاع والتكنولوجيا، مما يجعل موسكو ليست مجرد ضحية للعقوبات، بل محفزاً رئيسياً للرد الصيني.

في هذا السياق، تبرز ألمانيا كأكثر الدول الأوروبية تعرضاً للخطر، وأكثرها تأثيراً في مستقبل الاتحاد الأوروبي. برلين، التي كانت حتى وقت قريب أكبر شريك تجاري للصين في أوروبا، تواجه الآن كارثة اقتصادية محتملة إذا قررت بكين الرد بتعريفات جمركية على السيارات الفارهة. فالصين تمثل 30 في المئة من مبيعات مرسيدس وبي إم دبليو وأودي، وأي تعريفات بنسبة 25 إلى 40 في المئة قد تؤدي إلى خسارة تصل إلى 1.5 مليار يورو سنوياً، وتسريح آلاف العمال في بافاريا وساكسن. هذا الضرر لا يقتصر على الشركات الكبرى، بل يمتد إلى سلسلة التوريد بأكملها، من الموردين الصغار إلى الجامعات التي تعتمد على التمويل الصيني. المستشار الألماني فريدريش ميرز، الذي يدير حكومة ائتلافية هشة، يواجه ضغوطاً داخلية هائلة من اللوبي الصناعي، الذي يطالب بتخفيف العقوبات أو على الأقل استثناء القطاعات الحيوية. وفي تقرير سري لوزارة الاقتصاد الألمانية، حذر المسؤولون من أن "الرد الصيني قد يُكلف ألمانيا 50 ألف وظيفة في قطاع السيارات خلال عام واحد".

لكن ألمانيا ليست وحدها في المعمعة. فرنسا، التي تعتمد على تصدير النبيذ والمنتجات الفارهة إلى الصين، قد تخسر 500 إلى 700 مليون يورو سنوياً إذا فرضت بكين حظراً على النبيذ الفرنسي أو حملات "سلامة غذائية" مُوجّهة. إيطاليا، التي تصدر الجبن والأزياء، قد تواجه تأخيرات جمركية تُكلفها ملايين. أما هولندا، فإن شركة ASML، الرائدة عالمياً في آلات تصنيع الرقائق، تعتمد على الصين بنسبة 80 في المئة من مبيعاتها، وأي قيود صينية قد تُشكل تهديداً وجودياً لها. هذا الضرر المتفاوت يعمق الانقسام داخل الاتحاد الأوروبي، حيث يدفع الجنوب والشرق نحو التساهل، بينما يتمسك الشمال بالتشدد. المجر وسلوفاكيا، اللتين عارضتا الحزمة في البداية، قد تجدان في الرد الصيني ذريعة للانسحاب من التوافق الأوروبي، مما يهدد بتفكك الجبهة الموحدة.

على الجانب الأمريكي، الوضع لا يقل خطورة. واشنطن، التي فرضت عقوبات جديدة على روسنفت ولوك أويل، تواجه الآن احتمال رد صيني يستهدف بوينغ وتسلا وآبل. تعليق شراء طائرات بوينغ قد يكلف الشركة 15 إلى 20 مليار دولار في عقود معلقة، بينما قد يؤدي إغلاق مصنع تسلا في شنغهاي مؤقتاً إلى انخفاض الإنتاج بنسبة 30 إلى 40 في المئة. أما إذا قررت الصين حظر تصدير المعادن النادرة، فإن ذلك سيُشكل أزمة وطنية في الولايات المتحدة، حيث تعتمد صناعة السيارات الكهربائية والأسلحة المتقدمة على النيوديميوم والديسبروسيوم بنسبة 90 في المئة من الصين. هذا الاعتماد يجعل الولايات المتحدة أكثر عرضة للأضرار الاستراتيجية، بينما يجعل أوروبا أكثر عرضة للأضرار الاقتصادية المباشرة.

في هذا السياق، يبرز السؤال الحاسم: أي العقوبات أكثر ضرراً؟ العقوبات الغربية على روسيا، أم الرد الصيني المحتمل على بروكسل وواشنطن؟ الإجابة ليست بسيطة. العقوبات الغربية خفضت إيرادات روسيا من النفط بنسبة 20 في المئة، لكن موسكو عوضت جزئياً عبر الصين والهند، مما يجعل التأثير متوسطاً على المدى القصير. أما الرد الصيني، فهو أكثر تدميراً على المدى المتوسط، لأنه يضرب في قلب الصناعات الحيوية للغرب. فحظر المعادن النادرة قد يوقف إنتاج السيارات الكهربائية، وتعريفات على السيارات الألمانية قد تُشعل أزمة اقتصادية في أوروبا، وتأخير شحنات بوينغ قد يُكلف الولايات المتحدة مكانتها في سوق الطيران العالمي. وفقاً لتقرير من معهد بروكينغز، فإن "الرد الصيني يمتلك القدرة على إلحاق ضرر استراتيجي أكبر من العقوبات الغربية، لأنه يستهدف نقاط الضعف الهيكلية في الاقتصاد الغربي".

هذه الديناميكية تفتح آفاقاً معقدة للمستقبل. من جهة، يعزز تكتل بريكس – الذي يضم الآن الصين وروسيا والهند وإيران والبرازيل ومصر وإثيوبيا والإمارات – نفوذه كبديل للنظام الغربي. هذا التكتل، الذي يمثل أكثر من 40 في المئة من سكان العالم ونصف الناتج العالمي بالقيمة الشرائية، يسعى إلى إنشاء عملة مشتركة ونظام دفع مستقل بحلول 2026، مما يقلل من تأثير العقوبات الأمريكية. من الجهة الأخرى، يحاول الغرب الحفاظ على وحدته، لكن التوترات الداخلية تعيق التقدم. بروكسل أجلت قرار مصادرة أرصدة البنك المركزي الروسي المجمدة – التي تقدر بـ 200 مليار يورو – لتمويل قرض إصلاحي بقيمة 140 مليار يورو لأوكرانيا، بسبب معارضة بلجيكا ودول أخرى، التي تخشى من "النهب القانوني" وارتباط القرض بصفقات أسلحة أمريكية وسويدية لكييف. هذا التأجيل، الذي مدد إلى ديسمبر المقبل، يعكس عمق الانقسام الأوروبي.

في الوقت نفسه، تتزايد الأصوات داخل بروكسل التي تدعو إلى تعزيز الدفاع الأوروبي المستقل عن الناتو، خاصة مع تهديدات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالانسحاب. تقارير حديثة تشير إلى أن المفوضية الأوروبية تدرس خططاً لإنشاء قوة دفاعية مشتركة بحلول 2030، مع ميزانية مستقلة، مما يعزز من فكرة "أوروبا الدفاعية" كبديل عن الاعتماد على واشنطن. لكن هذه الخطط تواجه مقاومة من دول الشرق، التي تخشى من تقليص دور الناتو، ومن ألمانيا، التي ترى فيها عبئاً مالياً إضافياً في ظل أزمة الطاقة.

في النهاية، يبدو أن هذه الدورة الجديدة من العقوبات ليست نهاية، بل بداية لعالم متعدد الأقطاب. بريكس يدفع نحو فصل اقتصادي، بينما يحاول الغرب إيجاد تسويات جزئية، مثل اتفاقيات تجارية مع الهند لكسر التحالف الصيني-الروسي. لكن مع ألمانيا في قلب العاصفة، وروسيا كلاعب خفي يدفع بكين نحو التصعيد، فإن الطريق إلى الاستقرار طويل ومليء بالمخاطر. هل ستنجح التسويات في ديسمبر، أم أن الفصل بين التكتلات سيصبح واقعاً؟ الإجابة تكمن في برلين وبروكسل، حيث يلتقي الاقتصاد بالجيوسياسة في معركة حاسمة قد تغير وجه العالم.



#احمد_صالح_سلوم (هاشتاغ)       Ahmad_Saloum#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اسرار حماية البيت الابيض لتجار المخدرات ومعاقبة من يمنعها في ...
- لماذا رواية -نبوءة الرياح في شوارع شيكاغو- تؤهل للفوز بجائزة ...
- مقدمة نقدية أدبية عن قصص ثلاث تلخص الهولوكوست الذي اقترفه ال ...
- ثلاث قصص عن هولوكوست غزة الذي اقترفه البيت الابيض
- كيف أوقعت الصين الناتو في فخ -الأسلحة الناقصة-!
- الصين تُحلّق في سماء العالم بينما الغرب يُحارب طواحين الهواء ...
- الإخوان المسلمون في كوميديا الخلط العالمي
- حسن نصرالله يُرعب أباطرة التكنولوجيا والإبادة بابتسامته وكلم ...
- نتنياهو والكيان النازي الصهيوني المارق... كوميديا مكررة
- الصين تقلب الطاولة: كوميديا التربة النادرة وانهيار إمبراطوري ...
- مرتزقة الخليج وفتح: كوميديا الخيانة في عشرة مشاهد !
- من بروكسل إلى نوبل : كيف تغسل جريمة إبادة جماعية في خمس خطوا ...
- بوشيه وعصابة البيجرات المتفجرة – سيرك الكذب الليبرالي حيث تن ...
- رواية : -طريق الحرير المقاوم-
- اوهام المحتل : دروس من الجزائر وغزة.. وكيف يحلم -الأبطال- با ...
- شريعة الغاب: مغامرات العم سام في عالم البلطجة العالمية!
- إيران ترسل صواريخها إلى الفضاء الخارجي.. والبيت الأبيض يبحث ...
- ثيو فرانكن يعيد اختراع بلجيكا: من الضمان الاجتماعي إلى قصر ا ...
- رواية ديناصور الخراب
- غزة تدعس على الكيان: كوميديا المقاومة التي أطاحت باللوبي الص ...


المزيد.....




- هل تصدق ان فيلم الرعب يفيد صحتك؟
- العمود الثامن: لجنة الثقافة البرلمانية ونظرية «المادون»
- في الذكرى العشرين للأندلسيات… الصويرة تحلم أن تكون -زرياب ال ...
- أَصْدَاءٌ فِي صَحْرَاءْ
- من أجل قاعة رقص ترامب.. هدم دار السينما التاريخية في البيت ا ...
- شاهد/ذهبية ثالثة لإيران في فنون القتال المختلطة للسيدات
- معرض النيابة العامة الدولي للكتائب بطرابلس يناقش الثقافة كجس ...
- شاهد.. فيلم نادر عن -أبو البرنامج الصاروخي الإيراني-
- تمثال من الخبز طوله متران.. فنان يحوّل ظاهرةً على الإنترنت إ ...
- مسك الختام.. أناقة المشاهير في حفل اختتام مهرجان الجونة السي ...


المزيد.....

- رسائل سياسية على قياس قبقاب ستي خدوج / د. خالد زغريت
- صديقي الذي صار عنزة / د. خالد زغريت
- حرف العين الذي فقأ عيني / د. خالد زغريت
- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - احمد صالح سلوم - بروكسل تُغضب التنين وتُطفئ فرن ألمانيا: كيف تحول الكرواسون إلى فتات!