|
الصين تُحلّق في سماء العالم بينما الغرب يُحارب طواحين الهواء!
احمد صالح سلوم
شاعر و باحث في الشؤون الاقتصادية السياسية
(Ahmad Saloum)
الحوار المتمدن-العدد: 8503 - 2025 / 10 / 22 - 18:45
المحور:
كتابات ساخرة
مقدمة: مسرحية الكوميديا العالمية - الصين المخرجة والغرب المهرّج
في عرض الكوميديا الأعظم في القرن الحادي والعشرين، حيث الصين تُمسك بمطرقة المايسترو، تضرب بها طبول الابتكار والاقتصاد، بينما الغرب، بقيادة الولايات المتحدة، يرتدي زيّ المهرّج، يلوّح بعصا بلاستيكية، ويصرخ: "نحن لا نزال نُهيمن!" في تصريح يُشبه النكتة التي لا أحد يضحك عليها، خرج جينسن هوانغ، رئيس "إنفيديا"، ليسخر من عقوبات دونالد ترامب على "هواوي"، واصفًا إياها بما معناه بـ"عقوبات الأبله"، ومُضيفًا في ذات المعنى أن أمريكا أصبحت "مسخرة تحتضر" في مواجهة الصين، التي تحولت من ورشة عرق إلى نجمة روك عالمية. وكأن هوانغ يقول: "يا سادة، الصين ليست مجرد مصنع العالم، بل هي الآن مخرجة الفيلم، بينما الغرب يلعب دور الكومبارس الذي ينسى كلماته!"
في هذه المادة الساخرة ، سنأخذكم في رحلة كوميدية مُرّة عبر مسرح العالم الجديد، حيث الصين تُعيد كتابة السيناريو، والغرب يُصر على تمثيل مسرحية قديمة انتهت صلاحيتها. سنستعرض، بنبرة ساخرة إلى أبعد الحدود، كيف تحولت الصين من "عامل النظافة" إلى "بطل خارق" في عالم التكنولوجيا والصناعة، بينما ينشغل الغرب بحروب "دنكيشوتية" للدفاع عن أبطال كاسرائيل النازية ونظام كييف الفاشي لا يستحقون حتى "قشرة بصلة" استراتيجيًا. فاستعدوا للضحك حتى البكاء، مع هذه القصة العجيبة التي ترويها !
الصين - من ورشة العرق إلى عرش الابتكار
قبل عشرين عامًا، كانت الصين مثل ذلك الطالب الذي يجلس في الصف الأخير، يُقلّد واجبات زملائه، ويُنتج ألعابًا بلاستيكية تتحطم بعد يومين، وملابس تنفك خيوطها قبل أن تُغسل. لكن، كما في أفلام ديزني، جاءت لحظة التحول! الصين خلعت زيّ العامل الفقير، وارتدت بدلة "توني ستارك"، لتُصبح نجمة التكنولوجيا والصناعة. يقول المراقبون، وهم يضحكون من خلف شاشاتهم: "الصين لم تكتفِ بصنع الأشياء، بل أصبحت تُبتكرها، بينما الغرب لا يزال يُناقش كيفية إعادة تدوير أمجاد القرن العشرين!"
خذوا صناعة السيارات الكهربائية كمثال. قبل عقدين، كانت السيارات الصينية مادة للنكات، مثل سيارة تُشبه علبة سردين على عجلات. لكن، في خمس سنوات فقط، تحوّلت شركات مثل "بي واي دي" و"نيو" إلى أبطال خارقين! في عام 2024، سحقت الصين اليابان لتصبح أكبر مصدّر للسيارات في العالم، بـ4.9 مليون سيارة، معظمها كهربائية، بينما "تسلا"، الفتى المدلل لإيلون ماسك، تُحاول اللحاق بها وهي تتعثر في حفر المنافسة. يقول المراقبون: "الصين لم تُضاعف إنتاجها فحسب، بل ألقت بالشركات الغربية، التي تتباهى بتاريخها المئة عام، في مزبلة التاريخ!"
السر؟ الصين لم تُضيّع وقتها في مناقشات عقيمة حول "حقوق القطط" أو "عدد الحمامات المحايدة جنسيًا". بدلاً من ذلك، بنت جامعات، استثمرت في الذكاء الاصطناعي، وأطلقت أقمارًا صناعية تُراقب كل شيء، حتى مزاجك عندما تُفكر في شراء سيارة جديدة!
عقوبات ترامب - النكتة التي أضحكت الجميع إلا أمريكا
تخيّلوا المشهد: دونالد ترامب، بشعره الأشقر البرتقالي المُبهر، يقف أمام الكاميرات، يُلوّح بورقة العقوبات على "هواوي"، وكأنه يُعلن عن اكتشاف علاج للغباء العالمي. "سنُركّع الصين!"، يصرخ، بينما جينسن هوانغ يجلس في الخلف، يتناول الفشار، ويضحك حتى يسقط من كرسيه. لماذا؟ لأن هذه العقوبات، التي كان من المفترض أن تُدمر "هواوي"، انتهت بإطلاق رصاصة في قلب الشركات الأمريكية!
فكر في الأمر: الصين هي أكبر سوق في العالم، مع طبقة وسطى تضم أكثر من 400 مليون شخص يشترون كل شيء ـ وهي الطبقة الوسطى التي تنمو بشكل صاروخي فيها بينما تنحسر بالغرب بسرعة أيضا ـ من الهواتف إلى اليخوت. عندما منعت أمريكا شركات مثل "إنفيديا" من بيع الرقائق لهواوي، هل قالت هواوي: "آه، لقد خسرنا!"؟ لا، بل قالت: "حسنًا، سنصنع رقائقنا بأنفسنا، وشكرًا على التذكير!" بحلول 2023، أطلقت هواوي سلسلة "Mate 60"، مع رقائق صينية الصنع، وكأنها تُرسل بطاقة بريدية لترامب مكتوب عليها: "عزيزي دونالد، شكرًا على مساعدتك في بناء إمبراطوريتنا!"
المراقبون الاذكياء ، وهم يمسحون دموع الضحك، يقولون إن هذه العقوبات لم تكن سوى "إعدام" لفرص الشركات الأمريكية. "إنفيديا" خسرت مليارات الدولارات من السوق الصيني، بينما الصين بنت نظامًا تكنولوجيًا يجعلها تبدو وكأنها تستعد لإطلاق فيلم "ماتريكس 2.0". وفي النهاية، من يضحك الآن؟ بالتأكيد ليست الشركات الأمريكية التي تراقب أرباحها تذوب مثل آيس كريم في شمس الصيف!
الغرب - دون كيشوت يُقاتل طواحين الهواء
بينما الصين تُدير العالم كما لو كانت لعبة شطرنج ثلاثية الأبعاد، يبدو الغرب وكأنه يلعب "مونوبولي" مع نرد مكسور. المراقبون يصفون انشغال الغرب بحروب "دنكيشوتية"، وهم يقصدون تلك المعارك السخيفة التي يخوضها للدفاع عن أبطال ككيان الإبادة الجماعية الصهيوني و نظام كييف الانقلابي النازي الجديد لا يستحقون حتى "قشرة بصلة" استراتيجيًا. دعونا نلقي نظرة على هذين البطلين المزعومين: إسرائيل وأوكرانيا.
في غرب آسيا، يُصر الغرب على دعم إسرائيل، التي يُطلق عليها البعض "الكيان النازي الصهيوني المارق"، وكأنها آخر خط دفاع عن الحضارة. يُنفق الغرب مليارات الدولارات على السلاح والدعم السياسي، بينما الصين تُوقّع صفقات تجارية مع دول المنطقة، وتُبني جسورًا (حرفيًا ومجازيًا) عبر مبادرة "الحزام والطريق". النتيجة؟ الغرب يخسر أصدقاءه، والصين تكسب جمهورًا يُصفق لها في كل زاوية!
في أوكرانيا، القصة أشبه بمسرحية هزلية. الغرب يُرسل أسلحة وأموالاً إلى نظام كييف، الذي يُطلق عليه البعض "الانقلابي النازي الجديد"، وكأنهم يراهنون على دجاجة في سباق خيول. النتيجة؟ روسيا تقترب أكثر من الصين، والغرب يُنفق ثروته في معركة تبدو وكأنها مباراة مصارعة مع خصم لا يتعب. يتساءل الجميع: "لماذا يُقاتل الغرب أعداء وهميين بينما الصين تُقاتل من أجل المستقبل؟"
تحالف الأبطال الخارقين - الصين، روسيا، إيران ثم الهند
بينما الغرب يلعب دور البطل المنفرد الذي يُحارب الجميع بعصا بلاستيكية، شكّلت الصين تحالفًا يُشبه فرقة "الأفنجرز" في عالم الجيوسياسية. الصين هي "آيرون مان"، مع قوتها الاقتصادية والتكنولوجية التي تجعلها تبدو وكأنها تملك درعًا لا يُخترق. روسيا هي "ثور"، مع قوتها العسكرية ومواردها الطبيعية التي تجعل العالم يرتجف. وإيران؟ حسنًا، لنقل إنها "هالك"، مع موقعها الجيوسياسي الحيوي وقدرتها على تحويل العقوبات إلى قوة خارقة.
هذا التحالف، ليس مجرد رد فعل على الغرب، بل خطة ذكية لإعادة تشكيل العالم. الصين تبني طرقًا وسكك حديدية عبر "الحزام والطريق"، بينما روسيا تُزوّد العالم بالنفط والغاز، وإيران تُثبت أن العقوبات ليست سوى "مزحة سيئة". والغرب؟ يبدو وكأنه يحاول إيقاف هذا التحالف بمقلاع ورقي!
سيارات الصين - عندما تُصبح "تسلا" مجرد نكتة قديمة
إذا كنت تظن أن السيارات الكهربائية هي ملعب "تسلا"، فكر مجددًا! الصين أخذت هذا الملعب، وألقت بـ"تسلا" إلى المدرجات مثل كرة تنس قديمة. شركات مثل "بي واي دي" و"نيو" لم تكتفِ بصنع سيارات كهربائية، بل جعلتها تبدو وكأنها سفن فضائية من فيلم خيال علمي! بطاريات تدوم أطول، أسعار تجعلك تُفكر في بيع سيارتك الألمانية القديمة، وتصميمات تجعلك تتساءل: "لماذا أدفع ثروة لسيارة أوروبية بينما يمكنني الحصول على هذا الجمال؟"
في عام 2024، صدرت الصين 4.9 مليون سيارة، معظمها كهربائية، متجاوزةً اليابان. يقول المراقبون: "إنها ليست مجرد سيارات، بل إعلان حرب على الشركات الغربية!" بينما "فورد" و"جنرال موتورز" يحاولان إعادة اختراع العجلة، الصين تُعيد اختراع المستقبل. و"تسلا"؟ حسنًا، إيلون ماسك يبدو وكأنه يحاول إقناع العالم أن سياراته لا تزال الأفضل، بينما الجميع يشتري "بي واي دي" ويضحك!
السوق الصيني - الذهب الذي ألقته أمريكا في القمامة
الصين ليست مجرد مصنع، بل هي السوق الذي يحلم به كل رجل أعمال. طبقة وسطى تضم مئات الملايين، جاهزة لشراء كل شيء من الهواتف إلى الطائرات الخاصة. لكن، وبدلاً من أن تستفيد الشركات الأمريكية من هذا الذهب، قررت واشنطن أن تُغلق الأبواب بنفسها! العقوبات على "هواوي" لم تُوقف الصين، بل جعلت الشركات الأمريكية تفقد أكبر سوق في العالم. تخيّل لو أن "إنفيديا" كانت لا تزال تبيع رقائقها لهواوي - كانت ستصبح ثروتها بحجم جبل إيفرست! بدلاً من ذلك، الصين طورت رقائقها الخاصة، و"إنفيديا" تُراقب أرباحها تتبخر مثل دخان سيجارة في عاصفة!
مبادرة الحزام والطريق - طريق الصين إلى النجوم
بينما الغرب يُنفق أمواله على القنابل والصواريخ ومخابيل ارهاب كنتنياهو و زيلينسكي ، الصين تُنفق على بناء الطرق والموانئ. مبادرة "الحزام والطريق" هي مثل فيلم "طريق الغضب"، لكن بدلاً من السيارات المدمرة، هناك قطارات فائقة السرعة وسفن شحن عملاقة. الصين تُبني شبكة تجارية عالمية، بينما الغرب يُحاول إقناع العالم أن "الديمقراطية" هي الجواب لكل شيء. المراقبون يضحكون: "الصين تبني الطرق، والغرب يبني الأحلام!"
الغرب - أزمة الهوية الكبرى
الغرب يعاني من أزمة هوية تجعله يبدو مثل بطل خارق متقاعد لا يزال يرتدي عباءته القديمة. الانقسامات السياسية، التضخم الاقتصادي، وتراجع الابتكار، كلها تجعل الغرب يبدو مثل فرقة موسيقية من الثمانينيات تحاول إحياء أمجادها. بينما الصين تُطلق صواريخ إلى الفضاء، الغرب يناقش "كيف نجعل الإنترنت أكثر شمولية". يا للمأساة! المراقبون يقولون: "الغرب يُحارب من أجل الماضي، بينما الصين تُحارب من أجل المستقبل!"
الصين - قرن من الهيمنة أم أكثر؟
الجميع يتفق: الصين ليست مجرد قوة عابرة، بل هي القوة التي ستُهيمن على القرن الحادي والعشرين. بينما الغرب يُقاتل طواحين الهواء، الصين تُبني إمبراطورية جديدة، ليست بالسلاح، بل بالابتكار والاقتصاد. تصريحات هوانغ هي بمثابة جرس إنذار: إما أن يستيقظ الغرب، أو أن يستعد لدور المشاهد في مسرحية الصين الكبرى. والنكتة؟ ربما ينتهي الغرب بتعلم الماندرين لفهم النص!
خاتمة - الضحكة الأخيرة لمن؟
في النهاية، المسرحية العالمية مستمرة، والصين تُمسك بقلم المؤلف. الغرب، بكل أمجاده السابقة، يبدو مثل ممثل كوميدي يحاول إضحاك جمهور لم يعد مهتمًا. فهل سيغير الغرب النص؟ أم أننا سنشهد قرنًا صينيًا يجعلنا جميعًا نغني "Happy Birthday" بالماندرين؟ مهما كان الجواب، فإن المسرحية مضحكة... ومخيفة بعض الشيء! المراقبون يضحكون الآن، لكن السؤال هو: من سيضحك أخيرًا؟
…………
الصين وتحولات القوة العالمية - من مصنع العالم إلى قائدة الابتكار
مقدمة: الصين في صدارة العالم والغرب في مأزق
في تصريح جريء أدلى به جينسن هوانغ، الرئيس التنفيذي لشركة "إنفيديا"، سخر من العقوبات الأمريكية التي فرضتها إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب على شركة "هواوي" الصينية، واصفًا إياها بأنها ليست فقط غير فعالة، بل إنها تُلحق الضرر بالشركات الأمريكية أكثر مما تؤذي الصين. هوانغ ذهب إلى أبعد من ذلك، مشيرًا إلى أن الولايات المتحدة، التي كانت رمز القوة الصناعية والتكنولوجية، أصبحت في حالة "احتضار" في مجالات التصنيع المتقدم، بينما تتقدم الصين بخطى ثابتة لتصبح القوة الاقتصادية والتكنولوجية المهيمنة في العالم. هذه التصريحات، التي أثارت جدلاً واسعًا، تعكس رؤية متزايدة بين المراقبين الذين يرون أن الصين، بفضل قوتها الشرائية الهائلة وسوقها الضخم، لم تعد مجرد مصنع العالم، بل مركز الابتكار والقوة الاقتصادية التي ستشكل ملامح القرن الحادي والعشرين.
في هذه المادة الصحفية، استعرض رأيي حول صعود الصين السريع في قطاعات مثل صناعة السيارات الكهربائية، وكيف أدت السياسات الغربية، خاصة العقوبات الأمريكية، إلى نتائج عكسية، تضر بالشركات الغربية وتعزز من استقلالية الصين. كما نناقش كيف أن انشغال الغرب بصراعات جيوسياسية، مثل دعم إسرائيل وأوكرانيا، يُضعف موقفه الاستراتيجي، بينما تُعزز الصين تحالفاتها مع قوى صاعدة مثل روسيا وإيران، مما يعيد تشكيل النظام العالمي.
الصين - من هامش الصناعة إلى مركز الابتكار
قبل عقدين من الزمن، كانت الصين تُعرف بأنها "مصنع العالم"، حيث تقتصر دورها على إنتاج السلع منخفضة التكلفة للشركات الغربية. لكن هذه الصورة تغيرت بشكل جذري. أرى أن الصين استطاعت، خلال فترة وجيزة، أن تحول نفسها إلى قوة صناعية وتكنولوجية لا تُضاهى، حيث باتت تهيمن على قطاعات حيوية مثل السيارات الكهربائية، الذكاء الاصطناعي، وتكنولوجيا الجيل الخامس (5G). هذا التحول لم يكن وليد الصدفة، بل نتيجة استراتيجية طويلة الأمد ركزت على الاستثمار في التعليم، البحث العلمي، والبنية التحتية.
صناعة السيارات الكهربائية تُعد مثالاً صارخاً لهذا الصعود. قبل عشرين عامًا، كانت الشركات الصينية هامشية في هذا القطاع، بينما كانت الشركات الغربية مثل "جنرال موتورز" و"فولكسفاغن"، واليابانية مثل "تويوتا"، تهيمن على السوق العالمية. لكن خلال السنوات الخمس الماضية، شهدت الصين طفرة غير مسبوقة. شركات مثل "بي واي دي" (BYD)، "نيو" (NIO)، و"إكسبنغ" (Xpeng) لم تكتفِ بمنافسة العمالقة التقليديين، بل تفوقت عليهم في الابتكار والإنتاج. وفقًا لتقرير صادر عن وكالة الطاقة الدولية (IEA) عام 2024، استحوذت الصين على حوالي 60% من سوق السيارات الكهربائية العالمية، متجاوزةً حتى شركة "تسلا" الأمريكية، التي كانت تُعتبر رمز الابتكار في هذا المجال.
ما يميز هذا الصعود هو سرعته وشموليته. يشير المراقبون إلى أن الصين لم تكتفِ بتطوير صناعة السيارات، بل أصبحت رائدة في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي، حيث تتفوق شركات مثل "بايدو" و"تنسنت" في تطبيقات متقدمة، والطاقة المتجددة، حيث تهيمن الصين على إنتاج الألواح الشمسية وبطاريات الليثيوم. هذا التحول جعل الصين ليست فقط قوة تصنيعية، بل مركزًا للابتكار يُهدد الهيمنة الغربية التقليدية.
عقوبات ترامب - إعدام الفرص الأمريكية
في عام 2019، فرضت إدارة ترامب عقوبات صارمة على شركة "هواوي"، متهمةً إياها بانتهاك الأمن القومي الأمريكي. هذه العقوبات شملت حظر تصدير التكنولوجيا الأمريكية إلى هواوي، مما أثر على إمدادات الشركة من الرقائق الإلكترونية وبرمجيات مثل نظام "أندرويد". لكن، وبدلاً من إضعاف هواوي، يرى المراقبون أن هذه العقوبات عززت من عزيمة الصين لتحقيق الاكتفاء الذاتي التكنولوجي.
استجابت هواوي بتطوير نظام تشغيل خاص بها (HarmonyOS)، وزادت الصين استثماراتها في تصنيع الرقائق محليًا. بحلول عام 2023، أعلنت هواوي عن إطلاق سلسلة هواتف "Mate 60"، التي تضمنت رقائق متطورة من تصنيع شركة "SMIC" الصينية، متحديةً بذلك العقوبات الأمريكية. هذا الإنجاز لم يكن مجرد انتصار تقني، بل رسالة سياسية واضحة: الصين قادرة على الاستقلال التكنولوجي، ولا يمكن للعقوبات الغربية أن توقف تقدمها.
جينسن هوانغ، في تصريحاته، أشار إلى أن هذه العقوبات لم تؤذِ الصين بقدر ما أضرت بالشركات الأمريكية. شركات مثل "إنفيديا" و"كوالكوم"، التي كانت تزوّد هواوي بالرقائق، خسرت سوقًا ضخمة في الصين، التي تُعتبر أكبر سوق استهلاكي في العالم بفضل طبقة وسطى تضم مئات الملايين من المستهلكين. يرى المراقبون أن هذه القوة الشرائية تجعل الصين لاعبًا لا يمكن تجاهله، وأن العقوبات الأمريكية لم تكن سوى "إعدام" لفرص الشركات الأمريكية في الاستفادة من هذا السوق الضخم.
الغرب - انشغال بحروب وهمية
بينما تستعد الصين لقيادة العالم في القرن الحادي والعشرين، أرى أن الغرب، بقيادة الولايات المتحدة وأوروبا، منشغل بصراعات جيوسياسية لا تخدم مصالحه الاستراتيجية. يُشير هؤلاء إلى أن الدعم الأمريكي والأوروبي لإسرائيل وأوكرانيا، اللذين يُوصفان أحيانًا بأنهما "كيان نازي صهيوني مارق" و"نظام انقلابي نازي جديد"، يُمثل هدرًا للموارد وفقدانًا للأولويات الاستراتيجية.
في غرب آسيا ، أدى الدعم الغربي غير المشروط لإسرائيل إلى تعقيد العلاقات مع دول المنطقة، خاصة في ظل الجدل الدولي حول سياسات إسرائيل في الأراضي الفلسطينية. هذا الدعم، بحسب المراقبين، لا يقدم ميزة استراتيجية كبيرة للغرب، بل يُضعف موقفه الأخلاقي والسياسي في العالم. في أوكرانيا، استنزف الدعم الغربي لنظام كييف الموارد الاقتصادية والعسكرية، دون تحقيق انتصار واضح في مواجهة روسيا. هذه الصراعات، التي تُصوَّر في الإعلام الغربي كدفاع عن الديمقراطية، تُعتبر من قبل المراقبين "حروبًا دنكيشوتية"، تشبه قتال دون كيشوت لطواحين الهواء.
في المقابل، استفادت الصين من هذا الانشغال الغربي. بينما ينفق الغرب مليارات الدولارات على هذه الصراعات، تستثمر الصين في بناء بنية تحتية عالمية من خلال مبادرة "الحزام والطريق"، التي تربط بين آسيا وإفريقيا وأوروبا، وتعزز نفوذها في الأسواق الناشئة. يرى المراقبون أن هذا النهج الاستراتيجي يمنح الصين ميزة تنافسية هائلة، بينما يظل الغرب عالقًا في نزاعات لا تُحقق سوى إضعاف موقفه.
القوى الصاعدة - تحالف الصين، روسيا، وإيران
أن الصين لم تكتفِ بتطوير قدراتها الداخلية، بل بنت تحالفات استراتيجية مع قوى صاعدة مثل روسيا وإيران، مما يعزز من مكانتها في النظام العالمي الجديد. هذا التحالف ليس مجرد رد فعل على السياسات الغربية، بل استراتيجية طويلة الأمد تهدف إلى إعادة تشكيل النظام العالمي ليكون متعدد الأقطاب.
الصين، بقوتها الاقتصادية والتكنولوجية، تقود هذا المحور، بينما توفر روسيا الدعم العسكري والموارد الطبيعية، وتساهم إيران بموقعها الجيوسياسي الحيوي ومواردها النفطية. مبادرة "الحزام والطريق"، التي أطلقتها الصين في 2013، هي مثال واضح على هذه الرؤية. من خلال استثمارات بقيمة تريليونات الدولارات في البنية التحتية عبر العالم، تسعى الصين إلى بناء شبكة تجارية عالمية تقلل من اعتمادها على الأسواق الغربية.
روسيا، من جانبها، أظهرت قدرة على الصمود في وجه العقوبات الغربية، مستفيدةً من علاقاتها المتينة مع الصين. إيران، على الرغم من العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها، طورت قدراتها الصناعية والعسكرية، وأصبحت لاعبًا إقليميًا قويًا. هذا التحالف، يُشكل تهديدًا مباشرًا للهيمنة الغربية، خاصة في ظل فشل الغرب في بناء تحالفات مماثلة مع دول الجنوب العالمي.
أزمة الهوية الغربية
لماذا يبدو الغرب في حالة تراجع؟ يرى المراقبون أن الإجابة تكمن في أزمة هوية استراتيجية. لقد اعتاد الغرب، منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، على الهيمنة الاقتصادية والعسكرية والثقافية. لكن هذه الهيمنة بدأت تتآكل مع صعود قوى جديدة، خاصة الصين. بدلاً من التكيف مع هذا الواقع الجديد، اختار الغرب استراتيجية المواجهة بدلاً من التعاون.
الانشغال بحروب مثل تلك في أوكرانيا أو الدعم غير المشروط لإسرائيل يُظهر غياب رؤية طويلة الأمد. في الوقت الذي تستثمر فيه الصين في التعليم والبحث العلمي، يعاني الغرب من تدهور في البنية التحتية وتراجع في الابتكار النسبي. على سبيل المثال، تقرير صادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي عام 2024 أشار إلى أن الولايات المتحدة تراجعت إلى المرتبة العاشرة في مؤشر الابتكار العالمي، بينما تقدمت الصين إلى المرتبة الثانية.
الصين وسوقها الضخم
أحد العوامل التي تجعل الصين قوة لا تُضاهى هو سوقها الاستهلاكي الضخم. بفضل طبقة وسطى تضم أكثر من 400 مليون شخص، تُعتبر الصين أكبر سوق استهلاكي في العالم. هذه القوة الشرائية تجعلها جذابة للشركات العالمية، بما في ذلك الشركات الأمريكية. لكن العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على الشركات الصينية مثل "هواوي" قلّصت من فرص الشركات الأمريكية في الاستفادة من هذا السوق.
أن العقوبات لم تؤدِ فقط إلى خسارة الشركات الأمريكية لسوق الصين، بل دفعت الشركات الصينية إلى تطوير بدائل محلية، مما قلّص الاعتماد على التكنولوجيا الأمريكية. على سبيل المثال، بعد حظر "غوغل" على هواوي، طورت الشركة متجر تطبيقات خاص بها (AppGallery)، مما سمح لها بالاستمرار في المنافسة عالميًا.
صناعة السيارات - رمز الصعود الصيني
صناعة السيارات الكهربائية تُعد رمزًا لصعود الصين. قبل عشرين عامًا، كانت الشركات الصينية تُعتبر غير قادرة على منافسة العمالقة الغربيين. لكن اليوم، أصبحت شركات مثل "بي واي دي" و"جيلي" رائدة في هذا المجال. في عام 2024، تفوقت الصين على اليابان لتصبح أكبر مصدر للسيارات في العالم، حيث صدرت أكثر من 4.9 مليون سيارة، معظمها كهربائية.
ما يميز الشركات الصينية هو قدرتها على الجمع بين التكلفة المنخفضة والجودة العالية. على سبيل المثال، تقدم "بي واي دي" سيارات كهربائية بأسعار تنافسية، مع ميزات تقنية متقدمة مثل أنظمة القيادة الذاتية والبطاريات طويلة الأمد. هذا الجمع جعل السيارات الصينية الخيار المفضل في الأسواق الناشئة، وأيضًا في أوروبا وأمريكا اللاتينية.
في المقابل، تواجه الشركات الغربية تحديات كبيرة. شركات مثل "فورد" و"جنرال موتورز" تعاني من ارتفاع تكاليف الإنتاج، وتفشل في مواكبة الابتكارات الصينية. حتى "تسلا"، التي كانت رائدة في هذا المجال، بدأت تفقد حصتها في السوق أمام المنافسة الصينية الشرسة.
مبادرة الحزام والطريق - إعادة تشكيل النظام العالمي
مبادرة "الحزام والطريق"، التي أطلقتها الصين في 2013، تُعد واحدة من أكثر المشاريع طموحًا في القرن الحادي والعشرين. من خلال استثمارات بقيمة تريليونات الدولارات في البنية التحتية، تسعى الصين إلى بناء شبكة تجارية تربط بين آسيا وإفريقيا وأوروبا. هذه المبادرة، بحسب المراقبين، ليست مجرد مشروع اقتصادي، بل استراتيجية جيوسياسية تهدف إلى تعزيز نفوذ الصين وتقليل اعتمادها على الأسواق الغربية.
أزمة الغرب الاستراتيجية
أن الغرب يعاني من أزمة استراتيجية عميقة. الانقسامات السياسية في الولايات المتحدة، والتضخم الاقتصادي، وتراجع الثقة في المؤسسات، كلها عوامل تضعف موقفه. في أوروبا، تواجه دول مثل ألمانيا وفرنسا تحديات مماثلة، مع اعتماد متزايد على الطاقة والمواد الخام من الدول المناهضة للغرب.
خاتمة - قرن الصين؟
تصريحات جينسن هوانغ تُلقي الضوء على حقيقة لا يمكن تجاهلها: الصين لم تعد مجرد مصنع العالم، بل قوة ابتكار وقائدة للمستقبل. بينما يواصل الغرب الانشغال بحروب جيوسياسية وصراعات أيديولوجية، تستعد الصين لقرن من الهيمنة، مستندة إلى قوتها الاقتصادية والتكنولوجية. السؤال الأهم يبقى: هل سيستيقظ الغرب من تخبطه ويعيد تقييم استراتيجياته؟ أم أننا نشهد بالفعل بداية "قرن الصين"؟
…..
المراجع: - تقرير وكالة الطاقة الدولية، 2024. - تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي، 2024. - بيانات شركة هواوي حول إطلاق Mate 60، 2023. - تحليلات اقتصادية حول مبادرة الحزام والطريق، 2023-2025.
#احمد_صالح_سلوم (هاشتاغ)
Ahmad_Saloum#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الإخوان المسلمون في كوميديا الخلط العالمي
-
حسن نصرالله يُرعب أباطرة التكنولوجيا والإبادة بابتسامته وكلم
...
-
نتنياهو والكيان النازي الصهيوني المارق... كوميديا مكررة
-
الصين تقلب الطاولة: كوميديا التربة النادرة وانهيار إمبراطوري
...
-
مرتزقة الخليج وفتح: كوميديا الخيانة في عشرة مشاهد !
-
من بروكسل إلى نوبل : كيف تغسل جريمة إبادة جماعية في خمس خطوا
...
-
بوشيه وعصابة البيجرات المتفجرة – سيرك الكذب الليبرالي حيث تن
...
-
رواية : -طريق الحرير المقاوم-
-
اوهام المحتل : دروس من الجزائر وغزة.. وكيف يحلم -الأبطال- با
...
-
شريعة الغاب: مغامرات العم سام في عالم البلطجة العالمية!
-
إيران ترسل صواريخها إلى الفضاء الخارجي.. والبيت الأبيض يبحث
...
-
ثيو فرانكن يعيد اختراع بلجيكا: من الضمان الاجتماعي إلى قصر ا
...
-
رواية ديناصور الخراب
-
غزة تدعس على الكيان: كوميديا المقاومة التي أطاحت باللوبي الص
...
-
رواية -القمر الذي أضاء الخرافات-.. رواية قصيرة جدا
-
ديناصور الخراب: لوييه ميشيل وإرث النازية الجديدة في قلب أورو
...
-
قصص سبع عن مدن الظلال المقيتة أو مدن الوهابية الظلامية
-
أردوغان: خليفة الوهم أم منظف مراحيض الناتو؟
-
عصابات الجولاني ومهرجان البصمات على أوامر الناتو الاستعماري
-
مسرحية -حافة الهاوية-
المزيد.....
-
الرئيس يستقبل رئيس مكتب الممثلية الكندية لدى فلسطين
-
كتاب -عربية القرآن-: منهج جديد لتعليم اللغة العربية عبر النص
...
-
حين تثور السينما.. السياسة العربية بعدسة 4 مخرجين
-
إبراهيم نصر الله يفوز بجائزة نيستاد العالمية للأدب
-
وفاة الممثل المغربي عبد القادر مطاع عن سن ناهزت 85 سنة
-
الرئيس الإسرائيلي لنائب ترامب: يجب أن نقدم الأمل للمنطقة ولإ
...
-
إسبانيا تصدر طابعًا بريديًا تكريمًا لأول مصارع ثيران عربي في
...
-
حين تثور السينما.. السياسة العربية بعدسة 4 مخرجين
-
إبراهيم نصر الله يفوز بجائزة نيستاد العالمية للأدب
-
لن يخطر على بالك.. شرط غريب لحضور أول عرض لفيلم -بوجونيا-
المزيد.....
-
رسائل سياسية على قياس قبقاب ستي خدوج
/ د. خالد زغريت
-
صديقي الذي صار عنزة
/ د. خالد زغريت
-
حرف العين الذي فقأ عيني
/ د. خالد زغريت
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
المزيد.....
|