|
من بروكسل إلى نوبل : كيف تغسل جريمة إبادة جماعية في خمس خطوات؟
احمد صالح سلوم
شاعر و باحث في الشؤون الاقتصادية السياسية
(Ahmad Saloum)
الحوار المتمدن-العدد: 8499 - 2025 / 10 / 18 - 20:52
المحور:
كتابات ساخرة
مقدمة في فن الإفلات من العقاب
في عالم السياسة الدولية، يبدو أن القتل الجماعي لم يعد يستدعي العقاب، بل يستدعي التجميد... تجميد العقوبات، تجميد الضمير، وتجميد العدالة. الاتحاد الأوروبي، الذي لطالما تباهى بقيمه الإنسانية، قرر أن العقوبات ضد إسرائيل "غير ضرورية" بعد اتفاق غزة. وكأن الاتفاق جاء نتيجة ندم إسرائيلي، لا نتيجة ضغط المقاومة الفلسطينية التي كشفت الوجه الإبادي للاحتلال.
هذا القرار ليس حيادًا، بل انحياز فاضح للجلاد. فحين تُقصف غزة بقنابل نووية مصغرة، ويُدفن الأطفال تحت الأنقاض، ويُحاصر المدنيون في مساحة لا تتعدى مدينة برلين، يصبح من العبث الحديث عن "تهدئة". التهدئة ليست سلامًا، بل استراحة مؤقتة للقاتل كي يعيد شحن ترسانته.
الاتحاد الأوروبي لا يعاقب القاتل، بل يعاقب من يطالب بالعقاب. يكتفي بالقلق، ويعتبره موقفًا سياسيًا. لكن القلق لا يُعيد الحياة للضحايا، ولا يُوقف آلة الإبادة. إنه مجرد قناع دبلوماسي يغطي تواطؤًا عميقًا، ويمنح الاحتلال غطاءً دوليًا للاستمرار في جرائمه.
جاك أتالي... الاشتراكي الذي يكره الأعلام
جاك أتالي، الذي يُقدّم نفسه كمفكر اشتراكي موضوعي، خرج بتصريح يليق بمستشار دعاية في حكومة استعمارية: رفع علم فلسطين على البلديات هو دعوة لتصفية إسرائيل. يا له من تحليل! وكأن العلم الفلسطيني يحمل شيفرة نووية، بينما علم إسرائيل يوزع الحلوى في رفح.
أتالي لا يرى أن الاحتلال هو المشكلة، بل يرى أن مقاومته تهديد للسلام. في قاموسه، السلام يعني الصمت أمام القتل، والحياد يعني تبرير الإبادة. هذا النوع من الخطاب لا يُعبّر عن رأي، بل عن مشاركة فكرية في الجريمة. إنه يُعيد إنتاج الرواية الصهيونية، ويُلبسها ثوبًا أكاديميًا.
والأدهى أن أتالي يطالب البلديات برفع علم دولة الإبادة الجماعية، التي يؤيد 80% من سكانها استمرار القتل في غزة. أما الـ20% الباقون؟ فهم الفلسطينيون الأصليون، الذين يُعاملون كغرباء في أرضهم. هذا ليس تحليلًا، بل تواطؤ ناعم، يُغلف الإبادة بورق فكري مصقول.
نوبل الفيزياء... عبقرية الإبادة
حين مُنحت جائزة نوبل الفيزياء لإسرائيليين، لم يكن ذلك تكريمًا للعلم، بل تبييضًا للدم. العبقرية، كما يبدو، أصبحت مبررًا للإبادة. من يهتم بمليوني طفل في غزة إذا كان هناك من يستطيع حساب سرعة الضوء وهو يضغط زر القصف؟ نوبل لم تعد تكافئ الاكتشافات، بل من يبرر القتل بمعادلة رياضية.
هل اخترعوا تقنية لتحديد مواقع الأطفال بدقة أكبر؟ هل طوروا خوارزمية لتسريع عمليات الإبادة؟ لا أحد يسأل. المهم أنهم "عباقرة"، وهذا يكفي. لجنة نوبل، التي كانت يومًا ما رمزًا للإنسانية، أصبحت الآن أداة لتلميع الاحتلال، وتبرير جرائمه.
الرسالة واضحة: إذا كنت إسرائيليًا، وشاركت في تطوير أدوات القتل، فأنت تستحق جائزة. أما إذا كنت فلسطينيًا، وتجرأت على البقاء حيًا، فأنت إرهابي. هكذا يُعاد تعريف العلم، وهكذا تُستخدم الجوائز الدولية كأدوات سياسية، لا أخلاقية.
نوبل المعارضة الفنزويلية... شكرًا نتنياهو
زعيمة المعارضة الفاشية في فنزويلا، التي وجهت رسالة شكر لنتنياهو على "جهوده في الإبادة"، فازت بجائزة نوبل للسلام. نعم، للسلام! لأن السلام في قاموس نوبل يعني أن تشكر القتلة، وتطلب منهم مساعدتك في الانقلاب على حكم منتخب شعبيًا.
رئيس كولومبيا، بشجاعته النادرة، كشف أن هذه الزعيمة طلبت دعمًا من نتنياهو وأصدقائه النازيين. لكن لجنة نوبل كانت مشغولة بتلميع صورة الاحتلال، وتوزيع الجوائز على من يبررون القتل. هذه الجائزة لم تكن تكريمًا، بل رسالة سياسية: من يدعم الاحتلال يُكافأ، ومن يفضحه يُعاقب.
نوبل أصبحت منصة لتكريم من يراسل القتلة، لا من يقاومهم. إنها ليست جائزة للسلام، بل وسام شرف لمن يشارك في تبييض الجرائم، ويحول الإبادة إلى "موقف سياسي مشروع".
لوييه ميشيل... ديناصور الخراب الذي يلوم الضحية
لوييه ميشيل، السياسي البلجيكي الذي يبدو أنه خرج من متحف الديناصورات السياسية، قرر أن المشكلة ليست في الاحتلال، بل في نتنياهو فقط. وكأن نتنياهو هو من يقود الطائرات، ويضغط على أزرار القنابل، ويصوت في الكنيست بنسبة 80% لصالح الإبادة الجماعية. أما باقي التجمع السكاني الإسرائيلي؟ مجرد جمهور محايد يشاهد المجازر على التلفاز ويصفق.
ميشيل، الذي أسس حزب الحركة الإصلاحية، يعتقد أن الحل يكمن في تغيير القيادة، لا في تغيير النظام الإبادي نفسه. هذا يشبه أن تقول إن المشكلة في هتلر، وليس في النازية. أو أن المشكلة في الطباخ، وليس في وصفة السم التي يقدمها المطعم يوميًا.
هذا النوع من الخطاب ليس سذاجة، بل تواطؤ. إنه محاولة لتبرئة منظومة كاملة من القتل، عبر اختزالها في شخص واحد. وكأن إزالة نتنياهو ستجعل الاحتلال يتحول إلى جمعية خيرية توزع الحلوى في غزة. ميشيل لا يرى أن الإبادة الجماعية هي سياسة دولة، بل يراها "خطأ فردي"، وهذا أخطر من الإبادة نفسها.
تيك توك... من تطبيق رقص إلى منصة إبادة
تيك توك، التطبيق الذي بدأ كمنصة للرقصات القصيرة، تحول بفضل ترامب ومردوخ إلى منصة لغسل الجرائم. ترامب، الذي لا يترك فرصة إلا ويستثمرها في تلميع الاحتلال، قرر بيع التطبيق لمردوخ، إمبراطور الأكاذيب، ليبدأ حملة عالمية لتبرير الإبادة الجماعية.
المؤثرون على تيك توك، الذين كانوا يرقصون على أنغام البوب، أصبحوا الآن يرقصون على أنقاض غزة. كل منشور يدافع عن الاحتلال يُدفع عليه 7000 دولار. هل تريد أن تصبح نجمًا؟ فقط قل إن القصف على الأطفال كان "ردًا دفاعيًا"، وستصلك الحوالة فورًا.
هذه ليست دعاية، بل حرب إعلامية. تيك توك لم يعد منصة ترفيه، بل سلاح رقمي في يد الاحتلال. كل فيديو، كل تعليق، كل هاشتاغ، يُستخدم لتبرير القتل، وتزييف الحقيقة، وتحويل الضحية إلى جلاد. إنها إبادة جماعية، لكن بإخراج سينمائي، وموسيقى خلفية، وفلاتر تجميل.
مردوخ... من العراق إلى فلسطين، الأكاذيب لا تموت
روبرت مردوخ، الرجل الذي روّج كذبة أسلحة الدمار الشامل في العراق، عاد ليكرر السيناريو في فلسطين. 99.99999% من إمبراطوريته الإعلامية كانت تروج الأكاذيب، ففاز بجائزة من بوش الصغير بدلًا من السجن الأبدي. الإعلام، في عصر مردوخ، لم يعد وسيلة لنقل الحقيقة، بل أداة لتبرير القتل الجماعي، بشرط أن يكون القاتل صهيونيًا.
مردوخ لا يكتفي بالكذب، بل يصنعه، ويصدره، ويبيعه على شكل أخبار عاجلة. كل قناة، كل صحيفة، كل موقع تابع له، يشارك في حملة غسل الجرائم. من نيويورك إلى لندن، من سيدني إلى تل أبيب، الأكاذيب تُنسج بعناية، وتُقدم للمشاهد على أنها "تحليل سياسي".
الوحدة 8200... غسل رقمي للجرائم مقابل لايكات
الوحدة 8200، الذراع السيبراني للاحتلال، لم تعد تكتفي بالتجسس، بل أصبحت تدفع للمؤثرين على الشبكات الاجتماعية آلاف الدولارات لغسل الجرائم. كل منشور يبرر الإبادة يُكافأ، وكل تغريدة تطالب بالعدالة تُحذف. هكذا تُدار الحروب الحديثة: ليس بالصواريخ فقط، بل بالهاشتاغات المدفوعة.
المؤثرون، الذين كانوا يتحدثون عن الموضة والسفر، أصبحوا فجأة خبراء في "الأمن القومي الإسرائيلي". يشرحون للمشاهدين كيف أن قصف الأطفال في غزة هو "ضرورة استراتيجية"، وأن رفع علم فلسطين هو "تحريض على الكراهية". كل هذا مقابل حفنة دولارات، وبعض المتابعين الجدد.
الوحدة 8200 لا تقتل فقط، بل تُعيد صياغة القتل ليبدو كفنٍّ راقٍ. تغسل الدماء بالتصاميم الجذابة، وتعيد تدوير المجازر على شكل "محتوى توعوي". إنها إبادة جماعية، لكن بفلتر إنستغرام، وموسيقى تيك توك، وهاشتاغات ترند.
هذه الحرب الرقمية لا تقل خطورة عن الحرب العسكرية. لأنها تُعيد تشكيل الوعي، وتُعيد تعريف الضحية، وتُعيد إنتاج الجريمة على أنها "رواية بديلة". إنها حرب على الحقيقة، وعلى الذاكرة، وعلى الإنسانية نفسها.
الاتحاد الأوروبي... شريك لا وسيط
الاتحاد الأوروبي، الذي يسلّح ويموّل ويبرر، قرر أن العقوبات "غير ضرورية". لماذا؟ لأن اتفاق غزة جاء بعد أن كادت المقاومة الفلسطينية تخلع أبواب التاريخ. لكن الحقيقة أن الاتحاد نفسه شريك في الإبادة، من خلال المال والسلاح والإعلام. إنه ليس وسيطًا، بل جزء من الجريمة.
الدول الأوروبية، التي تتفاخر بحقوق الإنسان، تغض الطرف عن المجازر، وتبررها باسم "الاستقرار". ألمانيا، فرنسا، بلجيكا، كلها ترفض فرض عقوبات، لأنها ترى في الاحتلال "حليفًا استراتيجيًا". أما الضحايا؟ مجرد أرقام في تقارير الأمم المتحدة التي لا تُقرأ.
الاتحاد الأوروبي لا يسعى للسلام، بل يسعى لحماية مصالحه. يرى في إسرائيل قاعدة متقدمة، وفي فلسطين عبئًا يجب التخلص منه. هذا ليس حيادًا، بل انحياز كامل للجلاد، وتواطؤ مع الإبادة الجماعية، تحت غطاء الدبلوماسية.
إنه حياد زائف، يُستخدم لتبرير الصمت، وتجميد العقوبات، وتبرئة القاتل. إنه شراكة فعلية، تُدار من خلف الكواليس، وتُنفذ عبر قرارات رسمية، وتصريحات ناعمة، وتقارير "قلقة".
خاتمة – كيف نغسل جريمة إبادة جماعية؟
في النهاية، إذا أردت أن تغسل جريمة إبادة جماعية، اتبع الخطوات التالية:
1. امنح جوائز لمن يشكر القتلة. 2. قل إن العلم أهم من الأخلاق. 3. اتهم الضحايا بأنهم إرهابيون. 4. ادفع للمؤثرين ليبرروا القتل. 5. جمد العقوبات، وقل إنك "قلق".
هكذا تُغسل الجرائم، وهكذا يُفلت القتلة من العقاب... فقط إذا كانوا صهاينة. أما إذا كنت من الضحايا، فاستعد لتُتهم بأنك خطر على السلام، لأنك تجرأت على البقاء حيًا.
……….
المادة الصحفية الجادة
لاتحاد الأوروبي وتجميد العقوبات... شراكة في الإبادة أم حياد زائف؟
مقدمة تحليلية – حين يصبح الحياد تواطؤًا
في 18 أكتوبر 2025، أعلن الاتحاد الأوروبي رسميًا تجميد مشروعه لفرض عقوبات على إسرائيل، بما في ذلك تقليص العلاقات التجارية ومعاقبة وزراء متطرفين مثل بن غفير وسموتريتش، وذلك بعد اتفاق وقف إطلاق النار في غزة. هذا القرار، الذي جاء في أعقاب حرب دموية كشفت الوجه الإبادي للاحتلال، يطرح سؤالًا جوهريًا: هل الاتحاد الأوروبي وسيط سلام، أم شريك في الجريمة؟
القرار الأوروبي لم يكن وليد لحظة، بل نتيجة ضغوط داخلية من دول مثل ألمانيا والمجر، التي رأت أن العقوبات "غير ضرورية" في ضوء الاتفاق. لكن الحقيقة أن هذا الاتفاق جاء نتيجة ضغط المقاومة الفلسطينية، لا نتيجة حسن نية إسرائيل. فهل يُكافأ القاتل على توقفه المؤقت عن القتل؟
إن تجميد العقوبات في هذا التوقيت الحرج لا يمكن فصله عن السياق الأوسع: تواطؤ أوروبي مستمر في دعم آلة الإبادة الجماعية، سواء عبر المال أو السلاح أو الإعلام. فحين تُرتكب جرائم ضد الإنسانية على الهواء مباشرة، ويُدفن الأطفال تحت الأنقاض، يصبح الصمت جريمة، والتجميد مشاركة.
اتفاق غزة... هل هو سلام أم هدنة تحت الضغط؟
الاتفاق الذي توسطت فيه الولايات المتحدة بين إسرائيل وحركة حماس في القاهرة، جاء بعد أن استخدمت إسرائيل أسلحة محرمة دوليًا، بما فيها قنابل نووية مصغرة، في منطقة مكتظة بالسكان. هذه الحرب لم تكن مواجهة عسكرية، بل إبادة جماعية ضد المدنيين، بمن فيهم الأطفال والنساء.
الاتحاد الأوروبي تجاهل هذه الحقائق، واعتبر أن وقف إطلاق النار كافٍ لتجميد العقوبات. لكن هذا الاتفاق لم يكن نتيجة مفاوضات متكافئة، بل نتيجة مقاومة شعبية مسلحة كشفت للعالم الوجه الحقيقي للاحتلال. الذي استخدم ما يساوي، سبعة عشرة قنبلة نووية ، من المتفجرات ،كقتبلة هيروشيما، فهل يُعقل أن يُكافأ المعتدي على توقفه المؤقت عن القتل؟
إن ما حدث في غزة لم يكن مجرد "تصعيد"، بل لحظة كشف تاريخية، أظهرت أن إسرائيل لا تتصرف كدولة، بل ككيان عسكري إبادِي، يستخدم القوة المفرطة ضد شعب أعزل. والاتحاد الأوروبي، بدلًا من أن يواجه هذه الحقيقة، اختار أن يغض الطرف، ويمنح الاحتلال فرصة جديدة للإفلات من العقاب.
المال والسلاح والإعلام... ثلاثية التواطؤ الأوروبي
الاتحاد الأوروبي لا يكتفي بالصمت، بل يشارك فعليًا في دعم الاحتلال. من خلال التمويل العسكري، والتعاون الاستخباراتي، والتغطية الإعلامية المنحازة، أصبح الاتحاد شريكًا في الإبادة الجماعية. الإعلام الأوروبي، الذي يسيطر عليه لوبيات صهيونية، يبرر القتل، ويهاجم الضحية، ويُلمّع صورة الجلاد.
الدعم الأوروبي لإسرائيل لا يقتصر على العلاقات الدبلوماسية، بل يمتد إلى صفقات السلاح، والتعاون في مجال الأمن السيبراني، وحتى في الأبحاث الأكاديمية. هذا الدعم يُترجم على الأرض إلى قنابل تُلقى على المدنيين، وطائرات تُحلّق فوق غزة، وتقارير تُبرر المجازر.
أما الإعلام، فهو الحلقة الأخطر في هذه المنظومة. لأنه لا يكتفي بنقل الرواية الرسمية، بل يُعيد إنتاجها، ويُقدّمها للجمهور الأوروبي على أنها "حرب ضد الإرهاب". هكذا يُغسل الدم، وهكذا يُعاد تعريف الضحية على أنها تهديد، والمجرم على أنه ضحية.
جاك أتالي... الفكر الذي يبرر الإبادة
جاك أتالي، المفكر الفرنسي الذي يدّعي الموضوعية، هاجم رفع علم فلسطين على البلديات، واعتبره دعوة لتصفية إسرائيل. هذا الخطاب ليس تحليلًا سياسيًا، بل مشاركة فكرية في الجريمة. أتالي لا يرى أن الاحتلال هو المشكلة، بل يرى أن مقاومته تهديد للسلام.
هذا النوع من الخطاب يساهم في إعادة إنتاج الرواية الصهيونية، التي تبرر القتل باسم الدفاع، وتهاجم الضحية باسم "التحريض". إنه فكر خطير، لأنه يُلبس الجريمة ثوبًا أكاديميًا، ويحول الإبادة إلى "وجهة نظر".
أتالي، الذي يُقدّم نفسه كمفكر اشتراكي، لا يرى في رفع علم فلسطين تعبيرًا عن التضامن، بل يراه تحريضًا. أما رفع علم دولة الإبادة الجماعية، التي يؤيد 80% من سكانها استمرار القتل، فهو في نظره "حياد". هذا ليس فكرًا، بل تواطؤ ناعم، يُغلف الإبادة بورق فكري مصقول.
نوبل... من تكريم السلام إلى تبييض الإبادة
منح جائزة نوبل للسلام لزعيمة المعارضة الفنزويلية، التي شكرت نتنياهو على جرائمه، يكشف أن الجوائز الدولية لم تعد تكافئ السلام، بل تُستخدم كأدوات سياسية لتلميع الاحتلال. هذه الجائزة لم تكن تكريمًا، بل رسالة: من يدعم إسرائيل يُكافأ، ومن يفضحها يُعاقب.
نوبل الفيزياء، التي مُنحت لإسرائيليين، جاءت في نفس السياق: تلميع صورة الاحتلال عبر العلم. وكأن العبقرية تبرر الإبادة، وكأن تطوير أدوات القتل يُعد إنجازًا علميًا. هذه الجوائز أصبحت أدوات سياسية، تُستخدم لتبرير الجرائم، لا لتكريم الإنسانية.
الرسالة التي ترسلها هذه الجوائز واضحة: من يشارك في الإبادة الجماعية، أو يبررها، أو يدعمها، يُكافأ. أما من يقاومها، أو يفضحها، أو يطالب بالعدالة، فيُهمّش، ويُتهم بالتطرف. إنها إعادة تعريف للسلام، تُحوّله من قيمة إنسانية إلى أداة سياسية.
الإعلام كأداة تبييض... من مردوخ إلى تيك توك
في قلب المعركة على الحقيقة، يلعب الإعلام دورًا محوريًا ليس فقط في نقل الأحداث، بل في تشكيل الرواية التي تحدد من هو الضحية ومن هو الجلاد. في الحالة الفلسطينية، تحوّل الإعلام الغربي، لا سيما المملوك من قبل إمبراطوريات مثل تلك التي يديرها روبرت مردوخ، إلى أداة تبييض ممنهجة لجرائم الاحتلال الإسرائيلي.
مردوخ، الذي سبق أن روّج كذبة أسلحة الدمار الشامل في العراق، يعيد إنتاج النموذج ذاته في فلسطين. شبكاته الإعلامية، من فوكس نيوز إلى سكاي نيوز، لا تكتفي بالتغطية المنحازة، بل تصنع سرديات كاملة تبرر القتل الجماعي، وتُقدّم المجازر على أنها "ردود فعل دفاعية".
الأخطر من ذلك هو انتقال هذه المنظومة إلى المنصات الرقمية، حيث بيع تطبيق تيك توك في الولايات المتحدة لمجموعة إعلامية مرتبطة بمردوخ، برعاية مباشرة من الرئيس الأمريكي ترامب، فتح الباب أمام حملة دعائية عالمية. المؤثرون يُدفع لهم آلاف الدولارات لنشر محتوى يبرر القصف، ويهاجم المقاومة، ويُعيد صياغة الجرائم على أنها "حرب على الإرهاب".
الوحدة 8200... الحرب السيبرانية لغسل الجرائم
في زمن الحروب الرقمية، لم تعد المعارك تُخاض فقط على الأرض، بل على الشاشات والهواتف والمنصات الاجتماعية. الوحدة 8200، الذراع السيبراني للاستخبارات الإسرائيلية، تقود واحدة من أخطر الحملات الدعائية في التاريخ الحديث، هدفها غسل الجرائم الإبادية ضد الفلسطينيين، وتزييف الوعي العالمي.
هذه الوحدة، التي كانت تُعرف بقدراتها في التجسس الإلكتروني، وسرقة البيانات، وتخريب الأنظمة، تحولت إلى ماكينة دعائية تدير آلاف الحسابات الوهمية، وتنسق مع مؤثرين عالميين، وتدفع مبالغ ضخمة مقابل منشورات تبرر القتل، وتهاجم الضحية، وتُلمّع صورة الاحتلال.
التقارير تشير إلى أن الوحدة تدفع ما يصل إلى 7000 دولار لكل منشور مؤثر يروج للرواية الإسرائيلية. هذه المنشورات لا تأتي عشوائيًا، بل تُصمم بعناية، وتُروّج عبر خوارزميات مدفوعة، وتُدعم بتقنيات الذكاء الاصطناعي، لتصل إلى أكبر عدد ممكن من المستخدمين، وتُحدث تأثيرًا نفسيًا مباشرًا.
الاتحاد الأوروبي... حياد زائف أم شراكة فعلية؟
حين يقرر الاتحاد الأوروبي تجميد العقوبات على إسرائيل، بعد واحدة من أكثر الحملات العسكرية دموية في غزة وبما يفوق ما قامت به النازية من ست إلى عشر أضعاف حسب مجلة فورين افيرز الأمريكية ، لا يمكن اعتبار ذلك حيادًا. بل هو انحياز واضح، وشراكة فعلية في منظومة الإبادة الجماعية، تُدار تحت غطاء الدبلوماسية، وتُبرر باسم "الاستقرار".
الدول الأوروبية، التي تتفاخر بحقوق الإنسان، رفضت فرض عقوبات على وزراء إسرائيليين متطرفين، رغم تورطهم المباشر في التحريض على القتل. هذا الرفض لم يكن تقنيًا، بل سياسيًا، يعكس مصالح استراتيجية تربط أوروبا بإسرائيل، سواء في مجالات الأمن، أو التكنولوجيا، أو الطاقة.
الاتحاد الأوروبي لا يعاقب الجريمة، بل يعاقب من يفضحها. يكتفي بالتعبير عن "القلق"، ويعتبره موقفًا سياسيًا كافيًا. لكن القلق لا يُعيد الحياة للضحايا، ولا يُوقف آلة الإبادة. إنه مجرد قناع دبلوماسي يغطي تواطؤًا عميقًا، ويمنح الاحتلال غطاءً دوليًا للاستمرار في جرائمه.
الحياد الحقيقي يعني محاسبة الجناة، لا مكافأتهم. أما أن يُجمد الاتحاد العقوبات بعد اتفاق جاء تحت ضغط المقاومة، فذلك يعني أنه لا يسعى للعدالة، بل لحماية مصالحه، ولو على حساب الدم الفلسطيني.
الجوائز الدولية... أدوات سياسية لا أخلاقية
الجوائز الدولية، التي كانت يومًا ما رموزًا للعدالة والإنسانية، تحولت إلى أدوات سياسية تُستخدم لتبرير الاحتلال، وتلميع صورته، وتكريم من يشارك في جرائمه. من نوبل إلى جوائز الإعلام، أصبح التكريم يُمنح لمن يدعم القتل، لا لمن يقاومه.
منح جائزة نوبل للسلام لزعيمة المعارضة الفنزويلية، التي شكرت نتنياهو على جرائمه، يكشف أن الجائزة لم تعد تكافئ السلام، بل تُستخدم كوسيلة دعائية. هذه الزعيمة، التي طلبت دعمًا من الاحتلال لقلب نظام منتخب شعبيًا، أصبحت رمزًا للسلام في نظر لجنة نوبل.
نوبل الفيزياء، التي مُنحت لإسرائيليين، جاءت في نفس السياق: تلميع صورة الاحتلال عبر العلم. وكأن العبقرية تبرر الإبادة، وكأن تطوير أدوات القتل يُعد إنجازًا علميًا. هذه الجوائز أصبحت أدوات سياسية، تُستخدم لتبرير الجرائم، لا لتكريم الإنسانية.
الرسالة التي ترسلها هذه الجوائز واضحة: من يشارك في الإبادة الجماعية، أو يبررها، أو يدعمها، يُكافأ. أما من يقاومها، أو يفضحها، أو يطالب بالعدالة، فيُهمّش، ويُتهم بالتطرف. إنها إعادة تعريف للسلام، تُحوّله من قيمة إنسانية إلى أداة سياسية.
خاتمة تحليلية – من التجميد إلى التواطؤ
قرار الاتحاد الأوروبي بتجميد العقوبات ضد إسرائيل بعد اتفاق غزة، ليس نهاية أزمة، بل بداية مرحلة جديدة من التواطؤ الدولي. هذه المرحلة تُدار عبر أدوات متعددة: الإعلام، الجوائز، التكنولوجيا، والسياسة. الهدف ليس فقط حماية إسرائيل، بل إعادة إنتاج منظومة الإبادة الجماعية، تحت غطاء "الاستقرار".
المقاومة الفلسطينية، التي كشفت الوجه الحقيقي للاحتلال، دفعت العالم إلى لحظة مواجهة مع الحقيقة. لكن الاتحاد الأوروبي اختار الهروب، واختار حماية مصالحه، واختار أن يكون شريكًا في الجريمة، لا وسيطًا للعدالة.
في هذا السياق، لا يمكن الحديث عن حياد، ولا عن دبلوماسية، بل عن شراكة فعلية في الإبادة الجماعية. والضحايا، كما هو الحال دائمًا، هم الشعوب الأصلية، التي تُسحق تحت أقدام المصالح، وتُنسى في تقارير تُكتب بلغة "القلق البنّاء".
#احمد_صالح_سلوم (هاشتاغ)
Ahmad_Saloum#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بوشيه وعصابة البيجرات المتفجرة – سيرك الكذب الليبرالي حيث تن
...
-
رواية : -طريق الحرير المقاوم-
-
اوهام المحتل : دروس من الجزائر وغزة.. وكيف يحلم -الأبطال- با
...
-
شريعة الغاب: مغامرات العم سام في عالم البلطجة العالمية!
-
إيران ترسل صواريخها إلى الفضاء الخارجي.. والبيت الأبيض يبحث
...
-
ثيو فرانكن يعيد اختراع بلجيكا: من الضمان الاجتماعي إلى قصر ا
...
-
رواية ديناصور الخراب
-
غزة تدعس على الكيان: كوميديا المقاومة التي أطاحت باللوبي الص
...
-
رواية -القمر الذي أضاء الخرافات-.. رواية قصيرة جدا
-
ديناصور الخراب: لوييه ميشيل وإرث النازية الجديدة في قلب أورو
...
-
قصص سبع عن مدن الظلال المقيتة أو مدن الوهابية الظلامية
-
أردوغان: خليفة الوهم أم منظف مراحيض الناتو؟
-
عصابات الجولاني ومهرجان البصمات على أوامر الناتو الاستعماري
-
مسرحية -حافة الهاوية-
-
أمريكا: إمبراطورية الفقاعات وأوهام الدولار السحري..كتابات سا
...
-
رواية: رقصة النيل الساخرة
-
السلام المزيف: قصة كيف غرقت مصر وفلسطين في بحر من النكات الس
...
-
السيرك العالمي يفتتح موسمه الجديد في تل أبيب وواشنطن..كتابات
...
-
أزمة الإمبراطورية الأمريكية : الهبوط نحو الهاوية
-
مسرحية : ايقاعات الورك المتمرد
المزيد.....
-
-أنجز حرٌّ ما وعد-.. العهد في وجدان العربي القديم بين ميثاق
...
-
إلغاء مهرجان الأفلام اليهودية في السويد بعد رفض دور العرض اس
...
-
بعد فوزه بجائزتين مرموقتين.. فيلم -صوت هند رجب- مرشح للفوز ب
...
-
حكمة الصين في وجه الصلف الأميركي.. ما الذي ينتظر آرثر سي شاع
...
-
الأنثى البريئة
-
هل يمكن للآلة أن تصبح مؤرخاً بديلاً عن الإنسان؟
-
حلم مؤجل
-
المثقف بين الصراع والعزلة.. قراءة نفسية اجتماعية في -متنزه ا
...
-
أفلام قد ترفع معدل الذكاء.. كيف تدربك السينما على التفكير بع
...
-
باسم خندقجي: كيف نكتب نصا أدبيا كونيا ضد الإستعمار الإسرائيل
...
المزيد.....
-
رسائل سياسية على قياس قبقاب ستي خدوج
/ د. خالد زغريت
-
صديقي الذي صار عنزة
/ د. خالد زغريت
-
حرف العين الذي فقأ عيني
/ د. خالد زغريت
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
المزيد.....
|