أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - العراق… مأساةٌ في هيئةِ انتخابات














المزيد.....

العراق… مأساةٌ في هيئةِ انتخابات


حامد الضبياني

الحوار المتمدن-العدد: 8504 - 2025 / 10 / 23 - 09:53
المحور: قضايا ثقافية
    


في هذا الركن من التاريخ، حيث يُكتب الليل بالحبر الأسود من خيبات البشر، يقف وطنٌ اسمه العراق، متعبٌ من فرط التمثيل. يُعاد عرضه في كل موسمٍ بوجهٍ جديد، وبذات النص: انتخابات، ديمقراطية، أصوات، صناديق… غير أن الممثلين يُتقنون دور الجلاد أكثر من أي شيء آخر، والجمهور ما زال يصفّق للمأساة ظنًّا منه أنها خلاص.ليس ما يحدث انتخابات، بل مهزلة وجودية بحجم وطنٍ نُهب مرتين: مرّةً حين سُرقت ثرواته، ومرّةً حين سُرقت إرادته. فهنا لا يُقاس الوعي بعدد المصوتين، بل بعدد الذين باعوا صمتهم بثمنٍ بخسٍ من دنانير النفط، أو بوعدٍ من زعيمٍ يوزّع الفتات كما يوزّع الغفران. كل حزبٍ يحمل بندقيته كما يحمل صوته، وكل فصيلٍ يحرس صناديقه لا من التزوير، بل من العدالة. الوطن صار خريطةً تُدار بالسلاح لا بالقانون، وبالمال لا بالإيمان.لقد ابتكروا شكلاً جديدًا من الديمقراطية: ديمقراطية تُدار من خلف فوهة بندقية، وتُعلن نتائجها قبل أن يُفتح باب الاقتراع. صوت الفقير لا يُسمع لأن جيبه فارغ، وصوت الغني لا يُخطئ لأنه يعلو بالدولار. الفقراء باعوا بطاقاتهم الانتخابية لا طمعًا، بل هربًا من الجوع، كأنّ الوطن صار تذكرةً إلى وجبةٍ باردةٍ أو قنينة زيت.في زمنٍ كهذا، لم يعد الحاكم بحاجةٍ إلى الإنجاز، بل إلى جيشٍ من المصفقين. فتُهدر خزائن العراق لا لبناء وطن، بل لبناء مشهدٍ مزيف من الولاء. فالفنانون صاروا حرّاس الصورة الرسمية، والإعلاميون صدى لخطابٍ لا يسمعه أحد، و"التيكتوكرية" صاروا جيشًا إلكترونيًا يُلمّع العفن بفلتر الضحك. يُنفق المال العام على شراء المديح كما يُنفق الماء على الصحراء، بلا جدوى، سوى تأجيل السقوط ساعةً أخرى في هاويةٍ معلومة.ومن فداحة المشهد، أنّ الأرض والماء صارا عملةً في مزاد السياسة. تُقدَّمُ الحدود عربونًا للصمت، وتُمنح الأنهر رشوةً لجارٍ عابر، فقط ليُقال إن الحكومة حريصة على العلاقات. إنهم لا يتنازلون عن تراب الوطن، بل يبيعون الحلم الذي سُقي بدماء الشهداء، ويشترون به ضمانة بقاءٍ مؤقتة في كرسيٍّ من دخان.وحين تُفرَّغ الخزينة من خيراتها، لا يُحاسَب اللص، بل يُبتكَر قانونٌ يعوّضه من جيوب الفقراء. المواطن الذي لا ماء لديه، يُجبر على دفع فاتورة العطش، والذي يعيش في ظلمةٍ دائمة يُطالَب بثمن الكهرباء، والذي لا يرى مجاري سوى في خطابات المسؤولين، يُغرَّم عن خدمةٍ لم تُخلق بعد. وكأنّ الدولة تفرض الجزية على غيابها، وتحاسب الناس على أحلامهم المؤجلة.الشعب – يا لغرابة المشهد – بات مثل مريضٍ محقونٍ بالبنج، يرى السكين تقترب من جسده ولا يشعر بها. منشغلٌ بطوابير الخبز ونزاعات الفواتير، غارقٌ في التفاصيل حتى لم يعد يرفع رأسه ليرى السماء. لقد نجحوا في تحويل الوعي إلى سبات، والعجز إلى عادةٍ اجتماعية، حتى صار الفساد طقسًا وطنيًّا يُمارس بقداسةٍ رمزية.
وفي الخارج، تُدار اللعبة بأصابع غير مرئية. تُرسم الخطط بأسماء المبعوثين، وتُصدر البيانات من عواصم لا تعرف حرّ الشمس العراقية. تُقال عبارات كبرى عن "نزع السلاح" و"إصلاح العملية السياسية"، وكأنّ العراق مختبرٌ دوليٌّ للتجارب، لا وطنٌ ينزف من قلبه. الجميع يتحدث عن "الملف العراقي" ولا أحد يتحدث عن العراقيين.هكذا تبدو الصورة: وطنٌ محاصرٌ بين لصٍّ محليٍّ يسرقه باسم الدين، ودبلوماسيٍّ خارجيٍّ يساوم عليه باسم القانون الدولي. الداخل ينهب، والخارج يراقب، والشعب بينهما متروكٌ للقدر، ينام على وسادةٍ من رماد ويصحو على نشرة أخبارٍ جديدة عن الإصلاح.في الفلسفة، يُقال إن "العبث" هو أن يتكرّر الفعل نفسه دون أن يتغير المصير. والعراق يعيش هذا العبث في أنقى صوره. انتخاباتٌ بعد انتخابات، وجوهٌ تتبدّل لكن الظلال واحدة، والنتيجة واحدة: وطنٌ يُقاد من الخراب إلى الخراب. لقد صارت الديمقراطية قناعًا يحجب عن العالم وجه الجريمة الكبرى: أن تُسرق الإرادة باسم الحرية، وأن يُقتل الأمل باسم القانون.أيّ معنى للانتخاب حين يُدار الوطن كإقطاعيةٍ تُقسم فيها المناصب كالغنائم؟ وأيّ معنى للصوت حين يُختطف الصدى من فوهة البندقية؟ لم تعد صناديق الاقتراع تُفرز ممثلين للشعب، بل وكلاء للفصائل، وجباةً للمصالح.في النهاية، لا ينهار وطنٌ لأن أعداءه أقوياء، بل لأن أبناءه اعتادوا الذلّ حتى صاروا لا يرونه. وحين يصفق المواطن للظالم، فإنه يوقّع شهادة ميلاد عبوديته الجديدة. العراق لا يحتاج إلى انتخاباتٍ جديدة، بل إلى صحوةٍ روحيةٍ كبرى تردّ للكرامة معناها، وتعيد للإنسان قدرته على الرفض.فالوطن ليس صندوقًا، ولا ورقةً، ولا شعارًا انتخابيًا يُعلّق على الجدران. الوطن فكرةٌ كبرى، إن لم تُقدّس بالوعي، ضاعت بالتصفيق. وما يجري اليوم ليس اقتراعًا على السلطة، بل اختبارٌ أخير لقدرة العراقي على أن يقول: "لا".



#حامد_الضبياني (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تخوم النفس والخيال: تأملات في السيكولوجيا الأدبية الفلسفية
- مارك سافايا… المبعوث الذي يوقظ جراح العراق بين الشك واليقين
- أمراء الظلال... وتجار النسب في سوق الوهم
- تُناجي الأطلالُ غريبَها
- الضعف المضيء
- العاشق الخائف من الرنين
- حديث الظلال.. في فلسفة الفتنة ومكر السلطان
- الآلة التي بكت في صمت الوجود
- لبنان.. مرآة الوجع العربي وسؤال الدولة الغائبة
- الذيولُ والبندقية: مهرجانُ الطوائف في بلادٍ لا تبرح أن تكون ...
- يا امرأةً تمشي على حرير الغواية
- الغيرة الشريفة... فلسفة النقاء في زمن الابتذال
- الشرق الأوسط بين إعادة التوازن وتفكيك النفوذ الإيراني
- في ذكرى المجزرة..مدرسة بلاط الشهداء وجريمة إيران
- العراق.. حلم اللقاء المتحقق في مرايا النفط والسياسة
- عطرُ حضوركِ
- ريما… الجنون الذي أحببتُه بلا حدود
- اعذريني يا بنت الحرير-
- سامي آغا شامي الجيزاني.. ابن البصرة الذي كتب المنافي على جدا ...
- العراق.. جمهورية الجسور المكسورة


المزيد.....




- ترامب يعلن جمع تبرعات تفوق المبلغ المحدد لبناء قاعة الرقص: - ...
- تحذيرات من حدوث اضطرابات في المطارات الأمريكية مع استمرار ال ...
- الاحتياج الإنساني في غزة .. تفاقم الأوضاع والخطط لا تزال قيد ...
- المغرب: -جيل زد- تدعو للتظاهر مجدّدا يومي السبت والأحد من أج ...
- تونس: محكمة قابس تصدر أحكاما بحق محتجّين على خلفية المطالبة ...
- ماكرون يعقد مؤتمرا صحافيا على هامش اجتماع القادة الأوروبيين ...
- ترامب حذر من ضم -الضفة الغربية-...و-رقابة أميركية مباشرة- لإ ...
- نازحو غزة يواجهون البرد في مخيمات تفتقر لأبسط مقومات الحياة ...
- سوريون عائدون من النزوح واللجوء يواجهون ظروفا صعبة بسبب الدم ...
- متحدثة البيت الأبيض تفسر لـCNN قرار ترامب بإلغاء قمته مع بوت ...


المزيد.....

- الفاكهة الرجيمة في شعر أدونيس / د. خالد زغريت
- المفاعلة الجزمية لتحرير العقل العربي المعاق / اسم المبادرتين ... / أمين أحمد ثابت
- في مدى نظريات علم الجمال دراسات تطبيقية في الأدب العربي / د. خالد زغريت
- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت
- الكتابة بالياسمين الشامي دراسات في شعر غادة السمان / د. خالد زغريت
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - العراق… مأساةٌ في هيئةِ انتخابات