أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كرم نعمة - المستقبلية في ألحان كاظم الساهر














المزيد.....

المستقبلية في ألحان كاظم الساهر


كرم نعمة
كاتب عراقي مقيم في لندن

(Karam Nama)


الحوار المتمدن-العدد: 8503 - 2025 / 10 / 22 - 16:15
المحور: الادب والفن
    


قبل أكثر من خمسة وثلاثين عامًا، سألتُ كاظم الساهر في حوار منشور ببغداد: متى تمنح الملحنين الكبار حق التعامل مع صوتك؟
وحين التقيته في لندن بعد أكثر من عشرين سنة، أعدت عليه السؤال نفسه. أجاب ببساطة الواثق في بغداد ولندن "أثق بألحاني، وحدي أستطيع أن أصنع الجملة الموسيقية التي تليق بطبقة صوتي."
كان الجواب إعلان استقلال موسيقي مبكر. كأن الساهر أراد أن يقول منذ بداياته: اللحن جزء من هويتي، وليس مجرد كساء لصوتي. وحتى عندما قدم تنازلات لحنية بقبول غناء لحن للفنان الاماراتي الشاب عادل عبدالله "غمازتك" ثم مجموعة ألحان للفنان السعودي محمد شفيق. بقيت هذه الألحان في الهامش لأن السيرة الموسيقية التي صنعها الساهر بنفسه يصعب أن تسمح لألحان الآخرين أن تتصدرها.
اليوم، وبعد حفلاته الباهرة في العاصمة الأردنية عمان ثم جدة في السعودية ومسقط واسطنبول، أصبح واضحًا أن السؤال القديم لم يعد مهمًا. لقد تجاوزه الزمن والتجربة. لأنه قدم ما يمكن وصفه بـ "المستقبلية في ألحان الساهر" وهي ليست شعارًا نقديًا. بل خاصية فنية تجعل اللحن قادرًا على البقاء بعد زمنه الأول. خذ "أنا وليلى" أو "مدرسة الحب". ثلاثون عامًا مرت، وما زالت تنبض كأنها وُلدت أمس. هذا ليس تكرارًا للنجاح، بل شهادة على أن الجملة الموسيقية التي يكتبها الساهر تمتلك مقاومة للزمن واكتساب روح جديدة.
في علوم الغناء، يقال إن الأصوات الكبيرة تحتاج ألحانًا أكبر. لكن الساهر حوّل صوته إلى مختبر. جعل منه ميزانًا يزن الجملة الموسيقية. لهذا تبقى ألحانه عصية على الشيخوخة، لأنها صُممت على طبقة صوت لا يملكها غيره.
طبقة صوت الساهر تقع في المنطقة التي تجمع بين القرار الدافئ والجواب المضيء، وهي تمنحه قدرة مزدوجة: أن يهبط بصوته ليحمل الشجن العميق، ثم يصعد فجأة ليكشف عن توتر عاطفي متصاعد. هذه الازدواجية جعلت صوته صالحًا لتوليد جملة موسيقية خاصة به، لا تشبه غيره.
الجملة التي يكتبها الساهر لصوته ليست لحنًا محايدًا، بل تعبيرًا عن مسار عاطفي داخلي. تبدأ هادئة، كأنها تمهيد لحوار، ثم تتصاعد مع الكلمة حتى تبلغ ذروة درامية، لتعود بعدها إلى القرار حيث الاستقرار والهدوء. إنها جملة موسيقية ذات بنية سردية، تحكي قصة قصيرة داخل الأغنية نفسها.
المفارقة أن معظم الملحنين يكتبون جملًا للصوت كي يختبر قدراته التقنية، بينما الساهر يكتب جملًا لصوته كي يختبر قدرته على التعبير وطالما أعترف أنه يورط نفسه على المسرح مع هكذا ألحان صعبة! لهذا تأتي ألحانه وكأنها مصممة هندسيا على طبقاته الصوتية: ارتفاع لا يبدو قسريًا، وانخفاض لا يبدو مصطنعًا، بل انتقال طبيعي يرافق الإحساس.
هذه القدرة المتقدمة على زمنها ليست بعيدة عن تجارب عالمية. بيتهوفن كان يُتهم بأن موسيقاه صعبة على عصره، لكنها صارت لغة للأجيال التالية. شوبان كتب مقطوعات بدت غريبة على ذائقة القرن التاسع عشر، لكنها اليوم معيار للجمال. على المنوال نفسه تبدو ألحان الملا عثمان الموصلي والفنان صالح الكويتي درسا عراقيا عصيا على مغادرة المشاعر.
المستقبلية هنا تعني أن اللحن لا يتوقف عند لحظة إنتاجه، بل يتوسع مع الزمن. كل استماع يكتشف فيه المستمع حياة جديدة. وهذا بالضبط ما يجعل تجربة الساهر استثنائية في الغناء العربي.
لقد تجاوز كاظم الساهر سؤال "من يلحن لك؟". أصبح السؤال الأصدق اليوم: من يستطيع أن يلحن للمستقبل كما فعل الساهر؟
وهذا الإرث لا يقف عند حدود تجربته الفردية. الجيل الجديد من المطربين، وهو يلهث وراء ألحان سريعة الزوال، يكتشف فجأة أن المستقبلية ليست ترفًا. بل هي جوهر الاستمرار. ولعل الدرس الأهم الذي يتركه الساهر خلفه، أن الأغنية التي لا تعيش الغد، لا قيمة لها اليوم.



#كرم_نعمة (هاشتاغ)       Karam_Nama#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بغداد تتفوق على برافدا في الخيال السياسي
- تونس مختبر الذاكرة
- أينتصر القلم على محفظة النقود؟
- دوخي المفقود في تقاسيم الصبا
- فؤاد التكرلي بين حافظ والعناني
- موعد مع أخطبوط!
- ياسمين الخيام تبتهل بالمولد النبوي الشريف
- سليمة خضير تغلق شباك السنين
- الخوف وليس السأم من يطيح بهم
- عريبي والشيخ وبلخياط والجميري
- ترامب وبوتين يعيدان تعريف المسافة السياسية
- لاريجاني في بغداد غيره في بيروت
- في مديح الألفاظ البذيئة!
- مردوخ سلّعَ الصحافة وترامب شيطنها
- الفساد والفشل كشرف سياسي في العراق
- صراع دول على صالح الكويتي
- طريق الأعظمية ينتهي في تونس
- لماذا يخترع الأدباء سيرة مزيفة؟
- وماذا عن صحافيينا القتلى؟
- إنه يتذوّق الموسيقى أيضًا!


المزيد.....




- -سرقتُ منهم كل أسرارهم-.. كتاب يكشف خفايا 20 مخرجاً عالمياً ...
- الرئيس يستقبل رئيس مكتب الممثلية الكندية لدى فلسطين
- كتاب -عربية القرآن-: منهج جديد لتعليم اللغة العربية عبر النص ...
- حين تثور السينما.. السياسة العربية بعدسة 4 مخرجين
- إبراهيم نصر الله يفوز بجائزة نيستاد العالمية للأدب
- وفاة الممثل المغربي عبد القادر مطاع عن سن ناهزت 85 سنة
- الرئيس الإسرائيلي لنائب ترامب: يجب أن نقدم الأمل للمنطقة ولإ ...
- إسبانيا تصدر طابعًا بريديًا تكريمًا لأول مصارع ثيران عربي في ...
- حين تثور السينما.. السياسة العربية بعدسة 4 مخرجين
- إبراهيم نصر الله يفوز بجائزة نيستاد العالمية للأدب


المزيد.....

- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- بيبي أمّ الجواريب الطويلة / استريد ليندجرين- ترجمة حميد كشكولي
- قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي / كارين بوي
- ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا / د. خالد زغريت
- الممالك السبع / محمد عبد المرضي منصور
- الذين لا يحتفلون كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- شهريار / كمال التاغوتي
- مختارات عالمية من القصة القصيرة جدا / حسين جداونه
- شهريار / كمال التاغوتي
- فرس تتعثر بظلال الغيوم / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - كرم نعمة - المستقبلية في ألحان كاظم الساهر