مصطفى نصار
الحوار المتمدن-العدد: 8499 - 2025 / 10 / 18 - 11:04
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
من بعد الطوفان للتحذير المسبق به : التشكك المصحوب بالنشوة المزيفة أنحج الطوفان .
بحفل تاريخ نظام السيسي بالكثير من الجرائم المروعة ، على رأسها التنسيق الأمني الوثيق مع الكيان الإسرائيلي الذي وصل لمراحل متقدمة للغاية قبيل طوفان الأقصى من قصف و تعاون عسكري و تنفيذ أكثر من 100 غارة إسرائيلية في العام 2023 فقط لاغير ، ما يعكس قوة العلاقات السياسية و الاقتصادية الوثيقة التي وصلت فيها للترويج بالسلام الدافيء في الإعلام الرسمي غير حملات طويلة من التشويه الممنهج و الشيطنة المعتمدة للمقاومة الفلسطينية بطريقة وصفها الصحفي الإسرائيلي إيدي كوهين "بالمثالية للغاية " ، ما يوحي وجود نية مقصودة و استراتيجية مقيتة دونية تهفت القضية الفلسطينية في نفوس الشعب المصري الكبير .
و هكذا ، باتت إسرائيل حليفًا قريبًا من النظام المصري حتى تحولت لركن أصيل و ركيزة أساسية من بنية الأمن النخبوي المصري ، من أول المجلس الأعلى للقوات المسلحة مرورًا بالإعلاميين و نهاية بالمؤسسات الأمنية ، حتى أن التعاون وصل أقصاه استخباراتيًا و معلوماتيًا قبل تنفيذ عملية طوفان الأقصى بأسبوع تحديدًا حينما بلغ رئيس المخابرات المصرية السابق عباس كامل رونين بار رئيس الشاباك بوجود تحركات غريبة لترتيب على ما يبدو أنه عملية كبيرة تجهز بهدوء ، ما عده خبراء و محللون إسرائيلون مثل هارتسي هاليفي رئيس الأركان السابق في الجيش الصهيوني تنسيق دقيق و كاف لو سمعه نتنياهو لتجنب العملية القاتلة و المزلزلة لأبعاد كثيرة و معادلات عميقة ستغير شكل الكيان الإسرائيلي للأبد .
ففي يوم السبت الأول من أكتوبر ٢٠٢٣ ، توجه رئيس الشاباك في زيارة سريعة سرية لمصر لتفقد شئون استخباراتية حيال الترتيبات الغريبة و الإجراءات المريبة المذكورة سلفًا ، لكنه حينما أكد لنتنياهو أنه لا وجود حقيقي ، و أنها مجرد "مبالغات فارغة"، فتجاهل أخبار الطوفان من الأساس ، فلم يتوقف بار عن تحذير نتنياهو المكرر و التنبيه المستمر بقرب الطوفان من غزة ، متجنبًا بالفعل التجاهل العام و التجهيزات لحفلة نوفا ، و عيد العرش في الداخل المحتل .
فتلك حالة نموذجية و نموذج فريد عن مدى ارتباطي عضوي شديد الصلة في جميع ملفات الأمن القومي و الاستخباراتي ، تطبيقًا حرفيًا لتصريحات السيسي نفسه في أكثر من مناسبة محلية و دولية على أمن الاحتلال الإسرائيلي في العقل العسكري المصري فيما بعد كامب ديفيد ، لتنتقل الصورة الأمنية و العقيدة العسكرية المباشرة لمعاداة المقاومة الفلسطينية التي تعد عمقًا إستراتيجيًا بالغ الأهيمة و الحصانة في المعاملة و التبادل التجاري و حتى مهمات التجسس و الضغط على المعارضين و أفراد المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة ، و هذا يعطي صورة عامة و شاملة عما سبق تلك اللحظة من مباحثات ودية و اجتماعات سرية حقيقة مكتم عليها من الصحافة الرسمية في مصر.
فوفقًا للكاتب المصري ماجد مندور في مقاله المنشور على موقع ميدل إيست أي تحت عنوان معبر "الأصل المشترك كيف يدعم الأوتقراطية العربية الإبادة الجماعية في غزة " دعم الإبادة الجماعية الواسع من العرب ، و مصر على وجه التحديد ، يؤكد مندور على فكرة الانفصالية العامة و الانسلاخ التام عن الشارع العام و أرائه المتعددة و المتنوعة ، و لا يمكن فصل تلك الفكرة كلية عن السبب المحتمل في إفشال أهم لحظة في تاريخ "الشرق الأوسط "منذ حرب أكتوبر عام ١٩٧٣ متغيرة لأبعد نموذج قمعي و خانق شديد الوطأة و الطغيان السياسي و القبضة الأمنية لنتحول مصر بعد ٧ أكتوبر لقاعدة صهيونية و كأنها مدارة من تل أبيب من الاقتصاد ، لملفات الأمن القومي الداخلي و التبعية الأمريكية الغربية ، و اعتبار التضامن الداعم و المؤيد بأي شكل يصدر من الداخل أو الخارج و حتى استضافة الاستعراض الفارغ للسلام الهش في شرم الشيخ.
الجنوح نحو الصهاينة : الإسناد الفعال للإبادة الجماعية مبتدأه من مصر من 7 أكتوبر لشرم الشيخ .
لعل من أهم و أكثر المشاهد الهزلية التي تهمين على المناخ السياسي العام في مصر مؤتمر قمة السلام الاستعراضي و البلهواني في الحقيقة للتعبير عن دور مصر التاريخي ، بحسب إدعاء متوهم لحصر مصر في النخبة الحاكمة فقط ، لكن في الأساس دور مصر التاريخي و الحضاري يمتد لما قبل ظهور المسيح حتى ، بحسب حتى الباحثين الغربين مثل الأثري باري كيمب في كتابه صنع حضارة حيث أشار بوضوح و تجل لا لبس فيه إلي أن غزة امتداد جغرافي و استراتيجي عريق لمصر ، و هذا ما جعل الفراعنة يعتبرون الاعتداء عليها من العدوان على مصر بشكل قاطع و صريح .
على العكس من تلك الرؤية الاستراتيجية ، فإن دولة العسكر أثبتت حقيقة أنها محورية لدى إسرائيل لإنها ببساطة لم تقم بأي رد فعل دبلوماسي واحد يدل على حتى المبادرة الضعيفة الذي قد يرفع عنهم تهمة الخيانة العظمى أو الانبطاح الخضوعي بمحض إرادتهم، إذا لزم الأمر ، و قد امتنعوا عن إدخال المساعدات الإغاثية بذريعة واهية ألا و هي التخوف من جر مصر لحرب كبرى ، نعم بالفعل ولم لم يخف الرئيس الشهيد محمد مرسي عليه رحمة الله من الحرب ؟؟!!، الأمر باختصار لا يرتبط بالخوف من الحرب بل الخوف من الانتصار المدوي للمقاومة ، حتى عبر الدبلوماسية الناعمة التي تواجه كذلك ضغوطات كبيرة حالية من مصر السيسي نفسها .
كما منعت الوفود العالمية من قافلة الصمود العالمية و أسطول مادلين من الوصول للمعبر الموصد الذي احتله نتنياهو بكامل موافقتهم و رضاهم في مايو 2024 ، وسط إدانات دولية و فضح النشطاء الأجانب للموضوع المشين ، الذي " تعد غير مسبوقة " وفقًا للكاتبة البريطانية كاثرين هيرست مجرية لقاءات مع شخصين كانا لا يعلمان أن مصر السيسي هي أكبر كاره و مبغض للمقاومة الفلسطينية المسلحة بمختلف فصائلها في غزة ، و لا يمكن عزل ذلك عن المجاعة الفتاكة التي قتلت أكثر من 467 طفل و 2000شخص حتى وقف الحرب يوم الخميس الماضي 9 أكتوبر 2025 .
علاوة على ذلك ، فإن حجم التبادل الاقتصادي زاد بنسبة كبيرة للغاية وصلت 136 في المئة زيادة عما كانت في بداية الطوفان ، مع "مساعدة ودية للمستوطنين " بتعبير صحفية تايمز اوف إسرائيل عن طريق بيعه بثلث ثمنه لهم ، في حين ارتفاع سعره في مصر بخمسة أضعاف أي أن ما يحرم على المصري يحلل بطيبة قلب و صفاء نية على الصهيوني في موارد و ثورات منهوبة و مسروقة لحد الثمالة و التخمة المفرطة ، مع التأكد من ربط الاحتلال بأمن الطاقة المصري عبر تعويض نصف خسائر حرب الإبادة الجماعية في غزة بقيمة 35 مليار دولار ، و كذلك ربط للخمسة مواني الرئيسية بمواني الاحتلال الخمسة مثل حيفا و عسقلان و عكا و أشدود و السماح للسفن الإسرائيلية الحربية بالرسو في ميناء إسكندرية أو عبورها من قناة السويس مثل حالة السفينة كاثرين اليونانية في أغسطس 2024 مثلما أشار تحقيق موسع لعربي بوست بصور الأقمار الاصطناعية.
فكما أشار أستاذ العلوم السياسية حسام الحملاوي في لقاءاه مع الدكتورة ديانا العقاد أن السيسي جبان و يكره الفلسطينيين ، مستغلًا و منفذًا لتلك الكراهية المقيتة و الحقد المستفحل حتى دبلوماسيًا للحظة الأخيرة ، فلم يجمد تعيين السفير مثلما فعلت البرازيل أو يستدعي السفير مثلما فعلت حتى سلوفنيا ، و لم يحضر حتى محكمة إسرائيل في المحكمة الجنائية الدولية ، مع تأكيد و إصرار غريب على إرسال قوات أمريكية " لحفظ السلام " في غزة ، رغم رفض عام حقوقي و دبلوماسي لوجودها في غزة من المنظمات الدولية مثل بتسليم الإسرائيلية نفسها ، متخطيًا "كل الخطوط الحمراء " وفقًا لماجد مندور أيضًا في آخر مقال له تعليقًا على التفسيرات الهزلية التي تنتاول إطلاق السيسي على إسرائيل " العدو " ، جاعلًا عدوه الحقيقي و خصمه الوحيد الشعب المصري المؤيد لفلسطين و غزة خاصة .
الصدى المعكوس : البندقة للداخل در من أجل إكمال الطاعة للخارج!!
بشكل قمعي ووحشي ، انتهج نظام السيسي سياسة وحشية بدرجة منغلقة و مفرطة في جميع المجالات المرتبطة بالحياة الاجتماعية و الاقتصادية الحاكمة لجزئيات الحياة الكلية من أول التضامن الشعبي بالتظاهرات العارمة و الحشود الجماهرية ، بل إنه نصب كمين محكم للمتظاهرين الشباب عندما نزلوا لمظاهرات بغرض " التفويض السياسي " بصفته جزءً من عملية تلميع و غسيل سمعة على حساب أكبر و أوقح و أقذر عملية إبادة مبثوثة على الهواء في التاريخ الحديث و المعاصر وفقًا للباحثين الإسرائيليين نفسهم في الإبادة الجماعية عومير بارتيف و توم سرجيف و عاموس جولدنبرج.
غير المنع و القبض على المتضامنين مع غزة و فلسطين ، فقد أغلق الباب تمامَا على مظاهر التضامن السليمة و الإغاثية بالفعل حيث أنه قام بالقبض على مجموعة من المتطوعين في تكايا الطعام الخاصة بغزة في أكثر من منظمة خيرية و حتى بعض منظمي الاسطول المصري للصمود ، متشابهًا و مقلدًا لنفس نبل الرسالة و سمو الفكرة لإنقاذ غزة حتى و لو برمزية ، و بشكل لا يكاد يسد الرمق ، فرسالة النظام واضحة و صريحة ألا و هي الغلق الحديدي و هندسة صمت مطبق يشبه صمت المقابر الكامل بالثلث.
يؤكد الباحث في شئون تاريخ الشرق الأوسط أليكس راؤول في مقال إرث ناصر على مجلة نيولاينز في شهر يوليو فكرة محورية ألا وهي البغض للفلسطينيين بعكس الجماهير المحبة و المتعاطفة للغاية مع فلسطين سواء قضية إسلامية دينية أو قضية إنسانية عامة تجذب قلوب الناس و " عقول المثقفين المتنورين حقًا " دون النخبة المنحطة و الجبانة التي تتكالب عليها و تسترزق منها بسخاء متوسع ، طيلة ال77 عام من الاحتلال الوحشي و البربري فقط لما فيها من حصار و قمع ممنهج يقلص من العقيدة العسكرية جاعلًا فوهة البندقية الحربية للداخل .
إن التجسيد الأقرب للبندقية الداخلية لهي في التربح السخي على دماء الغزيين في الدخول و الخروج للمصابين في حالة خطرة و إصابات جسمية مقابل مبلغ تابع لشركات مجموعة العرجاني جروب المملوكة لإبراهيم العرجاني الذي تمكن فقط في خلال عام من تجميع 88 مليون دولار تحت مسمى براق " التنسيق الإنساني " كما نقل عنه الصحفي المختص في شئون الشرق الأوسط كوالاين وليش في نيويورك تايمز ، و جعل مساحة ضخمة بحجم و نطاق شبه جزيرة سيناء تحت سيطرته الكلية حتى أطلق عليها تقرير لمدى مصر "شبه جزيرة العرجاني " تعبيرًا عن مدى شمولية و توغل سطوته المتغلغلة في سيناء ، و التي وصلت لاعتقال نشطاء و صحفيين مثل سعيد اعتيق الناشط السيناوي المعروف .
فلن يؤدي هذا النهج غير لتربية تربة خصبة من الشقاق المتباين ـ المتبني لأفكار عشوائية و عنيفة و دموية -في المجال السياسي الهادف لتنحية كبيرة مسهمة بالضرورة في قمعها الفوري لتتحول لطبقات متراكمة و حلقات مسلمة لبعضها البعض ، تهدم في النهاية بعضها البعض لتصب في صالح إسرائيل فتهندس صبًا معكوسًا مدبرًا بعناية لتكون مصر -الدولة و الشعب معًا-مجرد قاعدة صهيونية تفعل بها أو تعول عليها إسرائيل ، فيستنسخ الماضي من الحاضر و العكس بالفعل فقط من حيث التجربة المعاشة غير أن التجربة الحالية واضحة و مذاعة مباشرة بشكل لا يخطئه و لا يجهله غير أعمى أو منافق صرف فتتحول به الدولة بأكملها " لقاعدة أجنبية " كما وصفها أستاذ التاريخ الحديث خوان كول و خاصة صهيونية تهدف لتصفية القضية و تمييعها .
#مصطفى_نصار (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟