مصطفى نصار
الحوار المتمدن-العدد: 8460 - 2025 / 9 / 9 - 08:22
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
القسيس المتدثر بنجمة داوود :فلسطين باعتبارها مركزًا محوريًا للمسيحية الصهيونية.
الكاتب مصطفى نصار
ما وراء الدعم الأمريكي في الحرب الخاسرة و الهزيمة الفائقة لإسرائيل : انبعاث أمريكا الصهيونية بوجها الوقح.
لا شك أن أغبى و أكثر الأشياء انحطاطًا في الحرب الإبادية في غزة الحبيبة استمرار الدعم المطلق من الولايات المتحدة على وجه التحديد في مختلف الجوانب الأخلاقية و العسكرية الضاربة و الدبلوماسية و الإعلامية بطريقة ممنهجة تذهب لما بعد السياسة الطبيعة التي تنتهجها الولايات المتحدة عادة في طرقها المنحطة دائمًا في دعم الكيان اللقيط الغاشم ، الذي أثبت أنه مجرد كيان استعماري سرطاني ، لا يعرف غير لغة الدم الجاري ، و المتدفق الذي تحول لشلالات لا حد و لا طرف محدد لها .
و ليس الأمر بحاجة ملحة أو بحث دقيق لمعرفة شاملة أن أمريكا بعثت روحها التوراتية الدموية من المقبرة ، متمثلًا في العديد من التصريحات الدالة الدائرة حول مركزية فلسطين، أو في العقل المخرف المتصهين "يهودا و السامرة "كما أشار مايك سولفيان رئيس الكونغرس الأمريكي، مستفزًا أحد المعلقين على تويتر ليكتب الأخير تغريدة يقول فيها "أمريكا الصهيونية تعود من جديد "، و يأتي هذا الطرح المهووس دينيًا بتطبيق حرفي لروايات آخر الزمان فيه بروح شغوفة ، لا ينطحه غير مقولات أحد أسوء و أحقر حكومات الأرض ووزائها المجرمين ، و على رأسهم بن غفير و سموتريتش الذين يهددان و يتوعدان بهدم الأقصى و ضم الضفة الغربية لهم بشكل نهائي في أكثر من ٢٠٠ مرة ، مع التأكيد على استمرار العمليات العسكرية.
أغضب هذا الانحطاط الفج زمرة مرموقة من أكاديمي الغرب ، و الولايات المتحدة خاصة ليخرجوا بوضوح و تجل نادر إما يحثون ترامب بأخلاقية "التخلي عن علاقته مع إسرائيل "مثلما يؤكد مقال مطول في ٢٣ أغسطس من أستاذ الصحافة و الاتصال الجماهيري في كاليفورنيا سابقًا ول ويلدوف ، أو يلجأون لأضرار الاقتصاد و سمعة أمريكا الخارجية مثل ريتشارد هاس ، و الباحث المرموق ستفيان كوك مع الوضع في الاعتبار أن حكومة ترامب أكثر تطرفًا و جنونًا و هوسًا بالتطبيق الحرفي للدين البروتستانتي بحذافيره و تقريباته الضالة ، و على رأس تلك العصبة الحمراء وزير"الحرب "بيت هيجسيت ، و ماركو روبيو وزير الخارجية الأمريكي.
تجاوزت تصرفات العصبة الحمراء التي تحكم العالم في أغلبه بالولايات المتحدة لدرجة منفردة في إظهار التفاخر بهذا الجنون ، أو هكذا يفترض ، إلي أن بلغ بالأكاديميين الأمريكيين التكلم على استحالة فوز إسرائيل في عدة مقالات مضمنة حجج قوية ، كالخبيىر بيتر فان كودرك الباحث في المركز الهولندي للشرق الأوسط في مقال قارن فيه بين غزة و سورية ، مع تأكيده لحتمية فشل إسرائيل في كليهما تحت عنوان مثير" إسرائيل ليست بالمسيطر ، و إنما بالتصحيحية الرديكالية " ليؤكد ببساطة و يسر بالغين عبثية دعم إسرائيل الإبادية و تأييدها في حربها الفاشلة و سقوطها متعدد الجوانب مكتمل الأركان .
على الناحية الأخرى، تحولت الولايات المتحدة لدولة غير موثوق فيها خارجيًا إذ تتجه دول أوربا و أمريكا الجنوبية للعديد من البدائل الثانوية للتعويل عليها في الغاز و الأسلحة و المعاملات التجارية ، و حتى الدبلوماسية الروتينية ، فضلًا عن خسارة الولايات المتحدة حلفائها البارزين مثل الهند مما يعكس أن التفسير السياسي يرتبك و يحتار هنا مقابل التفسير الديني و العقدي الذي اندمج بالسياسة الخارجية للولايات المتحدة قبيل نشأة الكيان و تواجده الواقعي في منطقة الشرق الأوسط ممتدًا لفترة حكم جورج بوش الابن ، مع نموذج صليبي جديد مصوغ بعناية بالغة على خطوط عريضة لخطة أمريكية جهنمية تلعب فيها دور الواعظ السكير أو القديس الصليبي المجرم.
وعد بلفور الأمريكي، و الاعتراف الأصولي بإسرائيل التوراتية ....الضغط المستمر و التخريب الممنهج لصالح إكمال رواية أسطورية !!
تنص الرواية المعروفة عن وعد بلفور أنه وعد بريطاني خالص ، أصدره المجرم جيمس أرثر بلفور رئيس وزراء بريطانيا آنذاك ، إثر الإحساس بالعطف المزيف و الشفقة المفتعلة تجاه الأزمة اليهودية الضيقة ، لكن الباحث الفلسطيني أحمد الدبش له رأي رصين و رؤية مبنية برسوخ أن الولايات المتحدة شاركت في "طبخ "وعد بلفور إذ نوقش مع أقطاب السياسة الأمريكية آنذاك في إدارة ويلسون واضع مبدأ حق تقرير المصير ، مزمنًا احتلال يصنع و حق هش يعطي .
و تجزم الحقيقة التاريخية ، و الأحداث المتتابعة بذلك إذ شاركت الولايات المتحدة في إيجاد الصياغة المناسبة الموحية بمظلومية أقلية مهمشة منبوذة تاريخية ، دفعتها الظروف التاريخية و الاجتماعية من قمع و قهر جسيم ، ممتزجًا بالعزلة و الإقصاء للعيش داخل كيتوهات مغلقة ، مع الترديد الدائم لتلك الرواية المدعمة للأساطير الهوائية ، و النصوص الحرفية بمعركة هرمجيدون ، و إبادة عماليق الدموية لدرجة إشراف الولايات المتحدة على"خطة التقسيم للهلال الخصيب" لحركية السردية الانجيلية و هذا ما أدهش الباحث و البروفسور اليهودي بول أزواس في كتابه الرصين و الغني "إعلان بلفور الأمريكي:كيف دعمت الولايات المتحدة الصهيونية من ١٩١٨ :١٩٢٢،بطريقة تقترب من الدراوشة الجوفاء التي تسعى بشكل محموم و سريع إثبات صحة التاريخ القديم عبر استعادة الحنين لخرافات ساقطة ، و غير واقعية من الأساس علميًا و منطقيًا ، و حتى كتابيًا .
فعلى المستوى السياسي ، لا داع تاريخي يدفع الولايات المتحدة عقب حرب ضروس طحنت دول الحلفاء و المحور بتكاليف كبرى و خسائر فداحة محدقة جعلت الفلاسفة و المؤرخين آنذاك يستنكرون فكرة الإصلاح الاقتصادي و السياسي مع التوجه للانعزال غير المناقش داخل الدول ذاتها ، لكن ما فعلته الولايات المتحدة استدعى الكثير من المناقشات الجدلية حول المسيحية المتصهينة ليس فقط باعتباره مذهب ديني أو مجموعة من الأفكار الخرافية التوراتية بل حاكم فعلي يهندس و يرسم شكل القوة القطبية الوحيدة في العالم وقتها .
لكن الشائع في الحقبة التاريخية قبيل إعلان وعد بلفور المأفون هو استخدامها السياسة الخارجية لتحقيق رؤيتها اللاهوتية و التوراتية ، و كان ممن طبق ذلك بحرفية و مهارة استثنائية فرانكلين روزفيلت الذي طور الدبلوماسية و مد الكيان بأسلحة مديدة و استراتيجبة طويلة المدى فقط ليتمتع بالتفوق العسكري و الاستخباراتي الواجب لتطبيق سفر الخروج و العدد مع الوحوش البرابرة ، و لعل تلك السياسة هي ما استنكرها الاستاذين الفخريين لعلم السياسة و التاريخ إيلان بابيه و جون جوديس في كتابين " الضغط من أجل الصهيونية "، و التكوين : كيف أسس روزفيلت لسياسة إسرائيل " مجمعين على هدف واضح و صريح آنذاك متجسدًا في إبقاء المسمار في خاصرة تلك الأمة لحين تحقق ما أوصلنا له بوش و ترامب من بعده في ظرف قياسي و عميق .
و بلغت ذروة ذلك الجنون الديني و السياسي في عهد الرئيس جورج بوش الابن بعد ضرب البرجين في 11سبتمبر 2001 ، معلنًا "الحرب الصليبية " على تلك الأمة باحتلاله أفغانستان و العراق ، جاعلًا سعد الدين الشاذلي رئيس أركان الجيش المصري إبان حرب أكتوبر يؤلف كتابين للرد و التوضيح الكلي الشامل ، و هما الحرب الصليبية الثامنة و الخيار العسكري العربي واضعًا الحل الوحيد المترسخ حتى محاولات ترامب المخادعة و المتلونة تجاه غزة على وجه التحديد.
الله و إسرائيل ثم أمريكا ....علو الولايات المتحدة الصهيونية بشكل مدمر لها .
حرص دونالد ترامب على تعيين الفريق الأشد تعصبًا و تطرفًا في تاريخ الولايات المتحدة كافة ، من أول مايك هاكابي السفير الأمريكي في إسرائيل ، و مارك روبيو ، و كذلك بيت هيجسيت السالف ذكره مع تفاخره المتكرر بكفره و وشومه التكفيرية مثل كلمة " كافر " ، غير رسم الصليب الطيني على الهواء مباشرة ما يحقق كلام الكاتبة المرموقة غريس هالسل قيد التحقق و التطبيق الشامل في كتابها " النبوءة و السياسة " التي قالت فيه " بهذه الطريقة ، نجد أن إسرائيل هي المتحكم الأساسي في الولايات المتحدة " بالفعل و بكامل معاني المقولة .
و أي تنبؤات و تفسيرات و تحليلات عقلية أو عسكرية تؤكد أن الخلاف العميق بين أمريكا و إسرائيل قد يغير مجرى الحرب ، فذلك هراء محض يرتقى للجنون و الجهل العميق بالتاريخ المتصل بينهما ، فإنه علاقات الخلاف بينهما في أي سياق يتعلق بالمنطقة خلاف عائلي لا ينفك عن الخلافات السطحية حول المشروبات المفضلة أو الطرق المفضلة أثناء ليالي السير الطويلة ، فأمريكا جندي إسرائيلي و مستعدة أن تضحى باستقرارها الداخلي و هيبتها الخارجية مقابل تحقق ذلك الإرث الخرافي من الأساطير التوراتية .
فالمثلث المرتبط ببعضه توراتيًا يجعل إسرائيل منيعة و محصنة ضد الأفعال و العواقب الأمريكية لإنها متصلة بها عضويًا بحق ، إما على مستوى السياسات التوسيعية أو التحقيق العملي للنصوص التوراتية بكامل تفاصيلها المتسلسلة تاريخيًا ، و لكن المشكلة الكاملة لدى أمريكا حاليًا هي في تصرفات نتنياهو المختلة مسببة اختلالًا عندها لدى السياسين اليمينين كذلك فضلًا عن أكبر انقسام مجتمعي و نخبوي في البلاد منذ الهولوكوست على الأقل، ما دفع ترامب كما هو أوباما في الانسحاب الذكي و النصح المتدرج لها لعدم هدم جهد 74 عامًا ، و حنين 5 قرون مخضبة بالدماء المراقة و الظلم الأزلي لأكثر من 40 شعب مستقر و مستقل .
و من الناحية التاريخية و الاستخباراتية ،أسست السردية الصهيونية على تلال من الجماجم و بحور من الدماء ، و سيطرة تامة و قبضة حديدية لتخليص الولايات المتحدة و الدول "المسيحية " من المسألة اليهودية المتناولة من التاريخ الوسيط في أوربا نصفه بين حروب كبرى و مطاردات محمومة و مستمرة بشكل جعل الفيلسوف اليهودي مارتن بوبر و كارل زيف قائد يهود الدونمة في تركيا ، مستنكرًا كون الدولة العثمانية تكرم اليهود عن أوربا لكن عندما حكم الصهاينة الإعلام و السياسة " تمكنوا من قلوب العوام و سرديتهم "بتعبير مالك بن نبي المفكر الجزائري في كتابه المسألة اليهودية .
و يمكن تفسير مبررات الولايات المتحدة ضمن هذا السياق التاريخي الحاكم ، مجسدًا لحظة نماذجية بحد تعبير الدكتور المسيري رحمه الله ، تتكشف فيها واقع عرابة الحقوق و الحريات العامة ، خادعة العلمانيين و اللبيرالين من أمثال رولز و ساندل و العرب كذلك ، و معترفة فقط بحدود لا نهاية و لا حد لها فقط لرسم عالم متوهم مصنوع بعناية لاستقبال المسيح المخلص مرة أخرى بعد بعثه من الموت مصلوبًا ، و لهذا أي هدنة مؤقتة في القريب العاجل لابد لها أن تتضمن على شروط ملغمة ملغزة أو قمة في الوقاحة و الصلافة لاستكمال الرسم الدقيق لمنطق أشعل العالم بالأزمات و أدخله في زمن مضطرب مموج من الحروب اللانهائية .
#مصطفى_نصار (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟